شهدت نيويورك، على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، نشاطا دبلوماسيا مكثفا لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، الذي عقد سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من نظرائه، في خطوة عكست الزخم المتواصل الذي يعرفه المسار الدبلوماسي للمملكة على الساحتين الإقليمية والدولية.
وفي لقائه مع وزير الشؤون الخارجية بمملكة البحرين، عبد اللطيف بن راشد الزياني، جرى التأكيد على عمق العلاقات الأخوية التي تربط المملكتين، وتطابق وجهات النظر بشأن قضايا إقليمية ودولية عدة، مع التطلع إلى تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والاستثمار والتنسيق الأمني. اللقاء شكل مناسبة لتجديد التقدير للرعاية الخاصة التي يوليها قائدا البلدين لعلاقات الأخوة والتعاون، بما يعكس الطابع الاستراتيجي لهذه الشراكة العربية.
وعقد بوريطة، أيضا، جلسة مباحثات مع وزير الشؤون الخارجية والشؤون التجارية الدولية والتعاون بجمهورية سورينام، ميلفين بوفا، الذي جدّد تأكيد دعم بلاده الثابت لسيادة المغرب على مجموع ترابه الوطني، بما في ذلك الصحراء المغربية، ومخطط الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد الواقعي للنزاع الإقليمي. وذكر البيان المشترك، الصادر عقب اللقاء، بأن افتتاح سفارة سورينام بالرباط وقنصلية عامة بالداخلة في ماي 2022، خطوة تعكس الإرادة السياسية القوية لتوطيد الشراكة مع المغرب. وعبّر الوزير السورينامي عن «الامتنان العميق» لرؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في ما يتعلق بالتعاون جنوب-جنوب القائم على التضامن والفعالية والبراغماتية، مشيدا بالدور المغربي في تعزيز التنمية المستدامة بجزر الكاريبي.
وفي تحول دبلوماسي بارز، أعلنت جمهورية الباراغواي، عقب لقاء وزير خارجيتها روبن راميريز ليزكانو مع بوريطة، اعترافها الرسمي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، معربة عن عزمها فتح قنصلية في الصحراء المغربية قريبا. وأكد الوزير الباراغوياني أن بلاده «تدعم سيادة المغرب على صحرائه»، وكشف عن زيارة مرتقبة للرئيس سانتياغو بينيا بالاثيوس إلى المملكة قبل نهاية السنة الجارية. هذه الخطوة اعتُبرت مكسبا جديدا في مسلسل الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء، بعدما سبق لدول من مختلف القارات أن افتتحت قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، ما يعزز الموقف المغربي ويكرس مشروعية مبادرة الحكم الذاتي كخيار واقعي وحيد.
وبموازاة هذه التحركات الثنائية، شارك ناصر بوريطة في اللقاء الوزاري رفيع المستوى المنعقد بمبادرة من منظمة التعاون الإسلامي، احتفاء بمرور ألف وخمسمائة عام على ميلاد سيدنا محمد. وفي كلمته، بهذه المناسبة، أبرز الوزير الدور التاريخي لمؤسسة إمارة المؤمنين، في شخص صاحب الجلالة الملك محمد السادس، باعتباره سبط النبي الكريم، في صون الإرث النبوي وحماية قدسية الرسالة المحمدية.
وأكد بوريطة أن تخليد هذه الذكرى، وإن كان يتم في العالم الإسلامي بأسره، يكتسي في المغرب أهمية خاصة، لكونه يجسد الرابط المتين بين إمارة المؤمنين والإرث النبوي، ويعكس تمسك الشعب المغربي بالقيم الدينية والإنسانية للرسالة المحمدية، مشددا على أن السلاطين العلويين ساهموا، على مدى القرون، في حماية التراث الديني والثقافي للمغرب، وفي إشعاع القيم الكونية للإسلام على المستويين الإقليمي والدولي، مشيرا إلى أن الرسالة الملكية الموجهة إلى المجلس العلمي الأعلى، بتاريخ 15 شتنبر 2025، والمتعلقة بإحياء هذه الذكرى، تشكل مرجعا ومصدر إلهام للفاعلين الدينيين والفكريين، مبرزا أن ما تتضمنه من توجيهات يعكس الرؤية الملكية الساعية إلى إرساء نموذج ديني معتدل قائم على الوسطية والتسامح.
واستعرض بوريطة أبرز المبادرات الدولية التي أطلقها المغرب في هذا الصدد، منها خطة عمل الرباط، وإعلان مراكش والمنتدى العالمي التاسع لتحالف الحضارات بفاس، مؤكدا أن هذه المبادرات تندرج في إطار التزام المملكة الراسخ بتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان. وتوقف الوزير عند دور مؤسسات رائدة، من بينها معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، باعتبارهما فضاءين ينهضان بقيم الاعتدال ويعملان على تكوين أجيال جديدة متشبعة بالخطاب الديني الوسطي، مشددا على أن تشبث المغرب بقيم التسامح والانفتاح يوازيه موقف صارم ضد أي اعتداء يستهدف الرموز الدينية، سواء تعلق الأمر بتدنيس القرآن الكريم أو بالرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، مؤكدا أن المملكة ترفض، بالمقابل، كل أشكال التمييز أو الإقصاء ضد باقي الأديان السماوية.