عززت إسبانيا، الخميس بمدريد، موقفها الداعم للمغرب، خلال انعقاد الدورة الثالثة عشرة للاجتماع رفيع المستوى بين البلدين، وذلك من خلال إشادة واضحة بقرار مجلس الأمن الأخير حول قضية الصحراء المغربية، وبالإصلاحات الكبرى التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إلى جانب التوقيع على 14 اتفاقية تعاون تشمل مجالات استراتيجية، مما يؤشر على دخول العلاقات المغربية الإسبانية مرحلة أكثر نضجاً وعمقاً.
وفي إعلان مشترك صدر عقب الاجتماعات، نوّهت مدريد بالمصادقة على القرار 2797، الذي اعتمده مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025، والذي يؤكد أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يشكّل الحل الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. وأعربت إسبانيا عن ارتياحها للتطور الأممي الأخير، مؤكدة دعمها الكامل لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تضعها الأمم المتحدة اليوم في صلب مسلسل التسوية.
ويأتي هذا الموقف ليعزز التحول الاستراتيجي الذي عبّر عنه رئيس الحكومة الإسبانية في أبريل 2022، عندما اعتبر المقترح المغربي “الأكثر جدية ومصداقية”، وهو تحول ساهم في فتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية، قائمة على الثقة والوضوح والشراكة المتقدمة.
وفي السياق ذاته، عبّرت إسبانيا عن تقديرها للإصلاحات الواسعة التي يشهدها المغرب بقيادة الملك محمد السادس، حيث نوهت بجهود التحديث والانفتاح والتنمية، وبالمشاريع الكبرى التي قطع المغرب فيها أشواطاً مهمة، من قبيل النموذج التنموي الجديد، والجهوية المتقدمة، والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، إضافة إلى الإنجازات الاجتماعية التي رسخت حضور المغرب كفاعل إقليمي مؤثر.
كما لم تُخف مدريد تقديرها للمبادرات الملكية الموجهة نحو القارة الإفريقية، وفي مقدمتها مبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، والمبادرة الدولية لتمكين دول الساحل من ولوج المحيط الأطلسي، إلى جانب مشروع أنبوب الغاز الإفريقي–الأطلسي، مؤكدة أن هذه المشاريع تعكس التزام المغرب باستقرار وتنمية القارة.
وفي الجانب المتعلق بالقضية الفلسطينية، أشادت إسبانيا بالدور المتوازن الذي يضطلع به المغرب، ورئيس لجنة القدس الملك محمد السادس، في حماية الوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
الاجتماع رفيع المستوى الذي احتضنته مدريد شكل مناسبة لتأكيد متانة العلاقات الثنائية، حيث شدد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش ونظيره الإسباني بيدرو سانشيز على أن العلاقات بين البلدين تعيش “مرحلة ممتازة”، مشيرين إلى ضرورة الحفاظ على وتيرة منتظمة لهذه اللقاءات، وتقييم التقدم المحرز في تنفيذ خارطة الطريق المعتمدة منذ أبريل 2022.
وفي مراسم استقبال رسمية بقصر لا مونكلوا، حضرها وفدا البلدين، أكد سانشيز على قوة الروابط البشرية والاقتصادية التي تجمع البلدين، مذكّراً بأن الجالية المغربية ما تزال الأكبر بين الجاليات الأجنبية في إسبانيا، والأولى من حيث عدد المنخرطين في الضمان الاجتماعي بما يزيد عن 335 ألف شخص.
وعلى المستوى الاقتصادي، أبرز رئيس الحكومة الإسبانية متانة الشراكة التجارية بين البلدين، مشيراً إلى أن إسبانيا تظل منذ سنة 2012 الشريك التجاري الأول للمغرب. ودعا إلى استثمار الفرص المشتركة التي تتيحها الدينامية الاقتصادية الحالية، خاصة في ظل المشاريع المرتبطة بتنظيم مونديال 2030، والتي ستفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مجالات البنية التحتية والابتكار والخدمات.
وقد تُوج الاجتماع بالتوقيع على 14 اتفاقية تعاون شملت قطاعات متعددة، أكدت الرغبة المشتركة في تحديث وتطوير آليات التنسيق الثنائي. وتشمل هذه الاتفاقيات مجالات الرقمنة وتحديث الإدارة، من خلال مذكرات تفاهم حول التعاون الضريبي الرقمي، وتبادل الطلبات الإلكترونية، وحماية البيانات، ونشر النصوص القانونية إلكترونياً.
كما تضمنت الاتفاقيات برامج لتعزيز التعاون التربوي والثقافي والرياضي، إلى جانب مذكرة لمحاربة خطابات الكراهية والتضليل الإعلامي. وفي المجال الدبلوماسي، تم توقيع مذكرات تتعلق بالدبلوماسية النسوية وتبادل الدبلوماسيين الشباب وبرامج التكوين المشترك.
أما على صعيد الفلاحة والصيد البحري، فقد وقع الطرفان مذكرتين تهمان الأمن الغذائي والابتكار وتدبير المياه. كما جرى توقيع مذكرة تعاون علمي مهمة تتعلق برصد الزلازل والنشاط الجيو–ديناميكي بمنطقة مضيق جبل طارق، في خطوة تعزز التنسيق العلمي بين البلدين في مجالات الجيولوجيا والكوارث الطبيعية.