أشعل وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، موجة جديدة من الجدل السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة، بعد نشره محتوى يدعم صراحة الدعوات إلى حرمان النساء من حق التصويت وتقليص أدوارهن القيادية. هذه المواقف التي تأتي من شخصية تتولى موقعا حساسا في الإدارة الأمريكية، أعادت إلى الواجهة نقاشا قديما حول مسار الحقوق المدنية والسياسية في البلاد، وفتحت الباب أمام تساؤلات حول تنامي نفوذ التيارات القومية المسيحية في دوائر صنع القرار، وتأثير ذلك على القيم الديمقراطية التي تأسست عليها الجمهورية الأمريكية.
فجر وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، موجة واسعة من الجدل إثر تأييده مقترحات تدعو إلى سحب حق التصويت من النساء، وتقليص حضورهن في الحياة العامة.
ونشر وزير الدفاع الأمريكي مقطعا مصورا على منصة «إكس»، عرض خلاله تصريحات لقساوسة من التيار الإنجليزي الإصلاحي، أبرزهم القس دوغ ويلسون، دعا خلالها إلى حرمان النساء من حق التصويت وتقليص أدوارهن القيادية، وخاصة في الجيش، وعلق على المقطع بعبارة «كل المسيح لكل الحياة».
وقال ويلسون خلال الفيديو: «أود أن أرى هذه الأمة مسيحية»، مع طرحه لفكرة منع النساء من التصويت وشغل مناصب قيادية عسكرية، فيما وثق وزير الدفاع وجهة نظر القس بدعوة قساوسة إلى أن يتم التصويت «كعائلة»، بما يمنح رب الأسرة حق التصويت بعد النقاش مع أفراد أسرته.
ودعا القس صراحة إلى إلغاء حق النساء في التصويت من الدستور، وقس آخر يشير إلى أن في عالمه المثالي يجب أن يصوت الناس كوحدات أسرية، إلى جانب ظهور امرأة من المصلين تعبر عن طاعتها لزوجها، حيث قالت إيمي برينس، إحدى أبناء الرعية التي أُجريت معها مقابلة في هذا الجزء، إن زوجها «رب بيتنا، وأنا أخضع له».
وحصد منشور هيغسِيث أكثر من 12 ألف إعجاب و2,000 مشاركة، مع انقسام واضح في ردود أفعال المستخدمين بين من يؤيدون آراء القساوسة، ومن يعبرون عن قلقهم إزاء ترويج وزير الدفاع لأفكار قومية مسيحية تتعارض مع المبادئ الديمقراطية.
ومن ناحية أخرى، ردت منظمة «صوتوا للخير العام» الإنجيلية التقدمية على تغريدة وزير الدفاع، حيث أعربت عن قلقها من تضخيم هيغسيث لآراء تعكس توجهات شرائح صغيرة من المسيحيين، معتبرة أن هذه الأفكار مثيرة للجدل.
وفي السياق ذاته، أكد المتحدث باسم البنتاغون أن هيغسيث عضو في كنيسة تتبع اتحاد الكنائس الإنجيلية الإصلاحية، وأنه يقدر تعاليم القس ويلسون، مشيرا إلى حضور الوزير وعائلته حفل افتتاح الكنيسة في واشنطن.
وكان وزير الدفاع قد دعا في ماي الماضي، قسه الشخصي، بروكس بوتايغر، لإقامة أول قداس مسيحي داخل مقر وزارة الدفاع خلال دوام العمل، حيث تلقى موظفو الوزارة وأفراد الجيش دعوات رسمية عبر البريد الإلكتروني الحكومي.
وزير مثير للجدل
منذ تعيينه من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير 2025 وهو يثيرالجدل بتصريحاته ومؤهلاته وتاريخه المثير. فقد تحول الرجل من جندي في الجيش الأمريكي في حروب العراق وأفغانستان إلى معلق سياسي بارز في قناة «فوكس نيوز»، ومن ثم المذيع المفضل لترامب كما كان يوصف، ثم أخيرا إلى منصب وزير الدفاع الأمريكي.
وُلد بيت هيغسيث في عام 1980 في ولاية مينيسوتا الأمريكية، ووفقا لتقرير نشرته «الجزيرة نت»، فإنه تلقى تعليمه الثانوي في مدرسة «فورست ليك» في الولاية ذاتها، قبل أن يلتحق بجامعة برينستون، حيث حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 2003، ثم واصل بعدها دراسته العليا في كلية «جون إف. كينيدي» التابعة لجامعة هارفارد، ونال منها درجة الماجستير في السياسات العامة عام 2013.
وبدأت أفكاره السياسية بالبزوغ خلال فترة رئاسة جورج دبليو بوش، خاصة بعد أحداث 11 شتنبر 2001. في تلك الفترة، كان طالبا جامعيا، وقد عبر عن تأييده للتدخل العسكري عبر مقال نشره في صحيفة الجامعة، دافع فيه عن خيار استخدام القوة.
ومن ثم كان هيغسيث من أبرز المؤيدين لغزو العراق عام 2003، ليس فقط من منطلق نظري، بل من خلال مشاركته الفعلية كجندي في صفوف الجيش الأمريكي خلال تلك الحرب، إلا أن موقفه من هذا الملف تغير جذريا بمرور الوقت، ليصرح لاحقا بعد قرابة عقدين بأن الولايات المتحدة «ما كان ينبغي لها أبدا أن تغزو العراق».
وفي أثناء خدمته في حروب العراق وأفغانستان حصل على ميداليتين برونزيتين لشجاعته، وعقب تركه الخدمة العسكرية اتجه إلى العمل السياسي والإعلامي، ليصبح وجها مألوفا في قناة «فوكس نيوز» منذ عام 2014.
كما ألف كتابا بعنوان «في الميدان» (In the Arena) في 2016، وفيه عبر عن آرائه حول القيادة الأمريكية والصراعات العالمية.
وبحسب ما ورد في تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، بتاريخ 16 نونبر 2024، فإن ترشيحه لمنصب وزير الدفاع جاء كجزء من رؤية ترامب لتعيين شخصيات متشددة في إدارته الجديدة، مما يعكس ثقة الرئيس الأمريكي في مواقف هيغسيث الجريئة، بل وصفت الصحيفة هذا التعيين بمثابة استعراض للقوة.
ومن بين هذه المواقف الجريئة التي أعلنها هيغسيث صراحة انتقاده لمفهوم «التنوع هو قوتنا» في الجيش الأمريكي، ففي فبراير 2025، وصف هيغسيث عبارة «التنوع هو قوتنا» بأنها «أغبى عبارة في تاريخ الجيش»، معبرا عن رفضه لسياسات التنوع والشمولية والمساواة في القوات المسلحة.
وقد تساءل ذات مرة عن سبب اختيار الجنرال تشارلز كوينتون براون جونيور المعروف بـ«سي كيو براون»، كأول أمريكي من أصل إفريقي يقود هيئة الأركان المشتركة في الفترة ما بين 2023 و2025، وقد أُقيل براون من منصبه مع مجيء هيغسيث، الأمر الذي أثار جدلا واسعا حول مواقفه من التنوع في الجيش.
الأمريكيون الأصليون والآسيويون
قبل وقت طويل من تشكيل حكومة الولايات المتحدة، كان السكان الأصليون، المعروفون أيضا بـ«الهنود الحمر»، يمارسون الحكم الذاتي في البلاد.
وقد واجهوا سنوات طويلة من النضال، قبل الحصول على الجنسية الأمريكية الكاملة والحماية القانونية لحقوقهم في التصويت.
وفي 2 يونيو 1924، مُنح الأمريكيون الأصليون المولودون في الولايات المتحدة حقهم في التصويت، وعلى الرغم من ذلك واصلت بعض الولايات منعهم من التصويت.
وفي عام 1943، وفي أثناء تحالف الولايات المتحدة والصين في الحرب العالمية الثانية، ألغت السلطات الأمريكية قوانين كانت تمنع المهاجرين الصينيين وعائلاتهم المولودة في أمريكا من الحصول على الجنسية الأمريكية والتصويت.
وقد تم التصديق على التعديل الثالث والعشرين في 29 مارس1961، وسمح للسكان الأمريكيين المقيمين في مقاطعة كولومبيا بالتصويت للرئيس ونائبه، وخصص لها هذا التعديل أصواتا انتخابية تعادل عدد أصوات الولايات الأقل سكانا.
أما في 23 يناير 1964، فقد تم التصديق على التعديل الرابع والعشرين الذي يحظر استخدام ضرائب الاقتراع في الانتخابات الفدرالية.
قانون حقوق التصويت عام 1975
على مدى سنوات، واجه الأمريكيون من أصل إفريقي في الولايات الجنوبية عقبات عديدة حالت دون ممارسة حقهم في التصويت، من ذلك ضرائب الاقتراع، واختبارات معرفة القراءة والكتابة، والقيود الإدارية الأخرى، إلى جانب المضايقات المتعمدة لحرمانهم من هذا الحق.
وقد دفعت الأحداث التي وقعت في ولايتي ميسيسيبي وألاباما، وقتل فيها ناشطون ومتظاهرون مؤيدون لحقوق التصويت، الرئيس ليندون جونسون والكونغرس إلى إصدار تشريعات فعالة لحماية حق الاقتراع.
وفي 5 غشت 1965، مرر الكونغرس الأمريكي مشروع قانون حقوق التصويت، ووقعه الرئيس جونسون ليصبح قانونا رسميا يحظر اختبارات معرفة القراءة والكتابة، وينص على تعيين فاحصين فدراليين.
كما يلزم القانون الولايات القضائية المشمولة بالحصول على موافقة مسبقة من النائب العام للبلاد قبل تنفيذ أي ممارسات وإجراءات جديدة تتعلق بالتصويت.
وحظر قانون 1965 أي إنكار أو تقليص للحق في التصويت، بسبب العرق أو اللون، كما ألغى استخدام ضرائب الاقتراع في الانتخابات العامة.
وفي مواجهة موجة من الطعون القانونية، أيدت المحكمة العليا الأمريكية دستورية القانون في عدد من الأحكام من عام 1965 إلى 1969. وقد أعيد اعتماد قانون حقوق التصويت لعام 1965 وتعزيزه في الأعوام 1970 و1975 و1982.
وفي عام 1971، عُدّل الدستور للمرة السادسة والعشرين، ومنح ذلك المواطنين الأمريكيين البالغين من العمر 18 عاما فأكثر الحق في التصويت، وحظر التمييز على أساس العمر.
وفي غشت 1975، أجريت تعديلات على قانون حقوق التصويت تضمن تزويد المناطق التي تضم أعدادا كبيرة من الناخبين الناطقين بغير الإنجليزية بالتعليمات أو المساعدة في التسجيل والتصويت.
وفي عام 1984 تم التوقيع على مشروع قانون إتاحة التصويت لكبار السن وذوي الإعاقة، وتحسين إمكانية وصولهم إلى أماكن الاقتراع للانتخابات الفدرالية.
وقد أقر الكونغرس الأمريكي عام 1993 قانون «التسجيل الوطني للناخبين»، بهدف تعزيز حقوق التصويت في البلاد، وتبسيط عملية تسجيل الناخبين.
وفي عام 2002، أقر الكونغرس قانون «مساعدة أمريكا على التصويت»، بهدف إجراء إصلاحات شاملة لعملية التصويت في البلاد. ويتناول القانون التحسينات اللازمة لأنظمة التصويت ووصول الناخبين، وذلك بعد الانتخابات التي أجريت عام 2000 وفاز فيها جورج بوش الابن.
وبعد سنوات على سن قانون حقوق التصويت، أتاحت المحكمة العليا الأمريكية في 25 يونيو 2013 لتسع ولايات، معظمها من الجنوب، تغيير قوانينها الانتخابية دون موافقة فدرالية مسبقة.
وقد انقسمت المحكمة حينئذ على أسس إيديولوجية حول ما إذا كانت الأقليات العرقية ما زالت تواجه حواجز أمام التصويت في الولايات التي لها تاريخ طويل من التمييز.
وبحسب مركز «برينان» للعدالة، ترتب على إلغاء قانون الموافقة المسبقة على إجراءات التصويت موجة من السياسات التمييزية في العديد من الولايات، ووضعت قوانين جديدة مقيدة لعملية الاقتراع في الانتخابات العامة.
----------------------------------------------
مؤطر
حق المرأة في التصويت في أمريكا
في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، خضع حق التصويت لمسار طويل ومعقد، إذ لم يتضمن الدستور الأمريكي الذي دخل حيز التنفيذ عام 1789 حماية صريحة لهذا الحق، وترك الأمر للولايات لتحديد من يحق له التصويت في الانتخابات.
وقد شهدت أمريكا موجات من التحولات والحركات الاجتماعية، التي طالبت بإجراء تعديلات في حق التصويت، تضمن إشراك مزيد من المواطنين في دائرة الناخبين.
منح الدستور الأمريكي عام 1789 الولايات سلطة وضع معايير الحق في التصويت، وبموجب ذلك منحت الهيئات التشريعية الولائية للذكور من ذوي البشرة البيضاء ملّاك الأراضي هذا الحق.
واستخدمت أيضا بعض الولايات اختبارات دينية، لضمان أن الرجال المسيحيين فقط هم من يمكنهم التصويت.
وبحلول عام 1860، ألغت بعض الولايات شرط ملكية الأرض والانتماء الديني، فأتاح القرار لجميع الرجال البيض في الولايات المتحدة حق التصويت.
ومع ذلك، لم تشمل تلك التعديلات الأمريكيين من أصل إفريقي ولا النساء والشباب الذين لم يتجاوزوا سن 21 عاما، إذ استثنوا من حق الاقتراع.
وبالنسبة إلى الأمريكي والعبودية، فقد كفل التعديل الرابع عشر للعبيد المحررين كل الحقوق التي يتمتع بها بقية المواطنين الأمريكيين.
وقد أقر الكونغرس الأمريكي التعديل الخامس عشر للدستور الذي منع التمييز في حق التصويت، بسبب العِرق، وصادقت الولايات على هذا التعديل عام 1870.
ومع ذلك، فرضت العديد من الولايات خاصة الجنوبية منها، في العقود التي أعقبت التعديل، مجموعة من الحواجز، مثل ضريبة الاقتراع واختبارات محو الأمية، بهدف تقليص حق التصويت بشكل متعمد بين الرجال الأمريكيين من أصل إفريقي.
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر برزت مجموعات من مؤيدي حق المرأة في التصويت، ونظموا مسيرات احتجاجية ونشروا كتابات، ومارسوا الضغوط عبر العصيان المدني.
وفي 4 يونيو 1919، وافق الكونغرس الأمريكي على التعديل التاسع عشر للدستور، الذي منح المرأة الحق في التصويت، ثم صادقت عليه الولايات في 19 غشت 1920.
ورغم ذلك، استمرت المعارضة لحق المرأة في التصويت، وأعربت بعض الجماعات في ذلك الوقت عن مخاوفها من أن يؤدي منحها هذا الحق إلى تدهور دور الأسرة، وانخفاض مشاركتها في الحياة المجتمعية، وتأثير ذلك على الإصلاحات الاجتماعية.