فاطمة القبايلي.. شمعة احترقت لتنير عتمة أجيال طانطان - تيلي ماروك

نساء، طانطان فاطمة القبايلي.. شمعة احترقت لتنير عتمة أجيال طانطان

فاطمة القبايلي.. شمعة احترقت لتنير عتمة أجيال طانطان
  • 64x64
    telemaroc
    نشرت في : 09/03/2022

 

بلباسها المميز، الذي لم يكن له مثيل بطانطان، كانت تجوب المدينة طولا وعرضا ليس للتنزه وتمضية الوقت، بل لخدمة أبناء طانطان، في وقت كانت فيه أحياء المدينة تعد على رؤوس الأصابع. سيدة قادمة من شمال المغرب من أجل أداء وظيفة مهنية، لم تكن تعتبرها هي كذلك، بل جعلتها رسالة نبيلة، وفاتحة خدمة اجتماعية، لذلك لم تركن إلى وظيفتها المهنية كمعلمة بمدرسة «لالة مريم» الابتدائية، والتي لم يبق لها أثر اليوم، مرورا بمدارس متعددة، بل فتحت لنفسها مسارات أعمال إنسانية وخيرية ما زالت حيطان أحياء طانطان شاهدة على ذلك إلى اليوم.

نادرا ما تصادف أحد أبناء المدينة، حين يتحدث عن التعليم بهذه الربوع من الوطن، أن لا يذكر المرحومة فاطمة القبايلي، فهذه السيدة تتلمذ على يديها شباب كثر، وعلمت أجيالا كثيرة، يتربع أغلبهم اليوم على كراسي المسؤولية في عدد كبير من القطاعات بعدد من المدن الصحراوية، عرفت بدماثة الخلق، وتفانيها في العمل، وصرامتها في الأداء، وجديتها في العلم، لم تكن تعتبر ما تقوم به مهنة وواجبا مهنيا، بل جعلت من تلك الوظيفة وسيلة لاقتحام قلوب الصغار والكبار، ونقلهم من براثن الجهل والظلام، إلى أنوار العلم والتعلم. لقد بنت صروح التربية والتعليم في وقت كانت المدينة عرضة لهجمات عناصر البوليساريو، وكان الخوف يجتاح الأنفس والأفئدة، في حين ظلت مواظبة على عملها، ولم تفكر يوما في العودة إلى مسقط رأسها، بل ارتبطت بطانطان قلبا ووجدانا وعقلا، وظلت تحمل هذا الوفاء حتى لقيت ربها، قبل سنوات قليلة. ظلت بسلك التعليم إلى أن تقاعدت منه إداريا فقط، في حين ظلت تمارسه ميدانيا من خلال مدرسة «ابن خلدون» الخصوصية، لم لا وهي التي عاشت للآخرين ومن أجل الآخرين، فكانت مديرة لهذه المدرسة وقريبة من قلوب الصغار.

أما في المجال الاجتماعي والإنساني، فإن مناقبها وخدماتها تجل على الحصر، فعندما تفاتح أجيال السبعينيات والثمانينيات بطانطان، حول المرحومة القبايلي، فإنها تمطرك بمناقب وخدمات الفقيدة التي ما زالت محفورة في ذاكرة تلك الأجيال. فهي السباقة بالمدينة إلى احتضان الأطفال المتخلى عنهم، إذ كافحت بشكل كبير من أجل إيجاد فضاء يحتضن هذه الفئة التي وجدت نفسها عرضة للشارع، فلقبت بـ«منقذة الأطفال في وضعية صعبة»، بل كانت تقضي معظم أوقاتها معهم، تجالسهم وتستمع إلى أنينهم، تقضي الأعياد والمناسبات برفقتهم. لذلك لا ينكر إلا جاحد دورها الكبير في ترميم وتأهيل «المركب التربوي للا أمينة لحماية الطفولة» بالمدينة، وأدارت بحنكة وصبر وتجلد مفاصيله، حتى استوى على عرشه وأضحى معلمة لا تخطئها العين ولا تحيد عن ذكرها الألسن، دشنت بدايات عمله، وأسهمت في تأطير وتكوين الأطقم العاملة به، لحمل رسالة النبل والأخلاق لحماية الأطفال. ولا يزال المركز شاهدا على عطاءات الفقيدة المميزة، التي لن ينساها التاريخ.

يروي معارفها ومن تتلمذ على يديها، أنها كانت أول مترجمة محلفة للغتين الإسبانية والإنجليزية في طانطان منذ سنة 1978، وكانت أول مديرة لمدرسة للبنات في الصحراء مدرسة «لالة مريم»، ثم عضوا مؤسسا للاتحاد النسائي المغربي بطانطان، كما كانت سباقة إلى تحرير أعمدة ومقالات حول مواضيع مرتبطة بالمرأة والطفولة، بعدد من الجرائد الورقية الوطنية. عملت الفقيدة مستشارة تربوية للمرصد الوطني لحقوق الطفل، كما قادتها هذه العطاءات المميزة في مجالات النبل والإنسانية إلى تتويجها بالحصول على وسام ملكي من درجة فارس، لاهتمامها بالمجال التربوي والإنساني.

 


إقرأ أيضا