قصة نجاح سنغافورة في مواجهة فيروس بكورونا - تيلي ماروك

قصة نجاح - سنغافورة - كورونا قصة نجاح سنغافورة في مواجهة فيروس بكورونا

قصة نجاح سنغافورة في مواجهة فيروس بكورونا
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 22/04/2020

يشرح عدد من المغتربين الفرنسيين لـ«هافينغتون بوست»، الاستراتيجية التدخلية التي اعتمدتها سنغافورة، منذ ظهور «كوفيد-19»، لمواجهة الوباء بشكل فعال. فمثل أكثر من 180 دولة حول العالم، فإن هذه البلاد ليست محصنة ضد جائحة فيروس كورونا. ومع ذلك، ففي هذه الدولة-المدينة التي يبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة، تم تسجيل أربع وفيات فقط وحوالي 900 حالة إصابة بفيروس كورونا.

على سبيل المقارنة، بلغ إجمالي عدد الوفيات في مدينة باريس حوالي 400 حالة وفاة، إلى غاية مساء فاتح أبريل الجاري، من ضمن 2.2 مليون نسمة. سجلت سنغافورة رصيدا ضعيفا من الإصابات والوفيات، بفضل استراتيجية – يضرب بها المثل- مختلفة تماما عما يتم اتباعه حاليا في فرنسا، أو في دول أوربية أخرى متأثرة جدا بالوباء.

«في عام 2003، قضى السارس على 24 شخصا في سنغافورة. منذ ذلك الوباء، وضعت الدولة تدابير استجابة قوية. لذلك، كانت البلاد على أتم الاستعداد لوباء فيروس كورونا. سنغافورة دولة تدعو إلى السلامة قبل كل شيء، ولن تتكبد أي مخاطر صحية»، كما يوضح سيباستيان في افتتاحية «هاف بوست»، وهو فرنسي يبلغ من العمر 32 عاما يدير شركة برمجيات وتم نقله إلى سنغافورة، منذ سنة 2014.

كما هو الحال في كوريا الجنوبية، التي سجلت حتى الآن ما يفوق 160 حالة وفاة (من بين 52 مليون نسمة)، وحيث تم تنفيذ استراتيجية مماثلة لمكافحة فيروس كورونا، فإن التتبع التكنولوجي هو أحد التدابير الرئيسية في سنغافورة. ويتم إجراء التتبع عن طريق المراقبة بالفيديو، واستخدام التطبيق الحكومي «TraceTogether» على الهواتف الذكية.

تطبيق واحد لجميع الهواتف الذكية

يربط هذا التطبيق هوية فريدة مع كل هاتف ذكي مثبت عليه، ثم يسجل جميع الهويات المرتبطة بالهواتف الذكية، التي يتم تحديدها في محيط مترين لمدة لا تقل عن 30 دقيقة، والتي يمكن أن يشكل أصحابها خطر العدوى، كما تشرح قناة «بي إف إم». وعندما يعرّف الشخص نفسه بأنه حامل للفيروس، يمكن لجميع الهواتف الذكية التي تم تحديدها في السابق أن تتلقى تنبيها. يقول سيباستيان: «هذا التطبيق ليس إلزاميا، ولكن كل من حولي قام بتحميله. يتم استخدام البيانات من أجل مكافحة «كوفيد- 19»، لذلك فإن السكان متعاونون جدا هنا». كيف يمكن تتبع الهواتف الذكية وضمان حماية جيدة للخصوصية؟ يضمن هذا التطبيق ذلك من خلال ربط هويات مجهولة مع كل هاتف ذكي، ويضمن عدم تتبع حركات المستخدمين.

«بمجرد تأكيد إصابة شخص بالفيروس، يطرح عليه محققون جميع الأسئلة الممكنة حول الأيام الأربعة عشر الأخيرة التي قضاها في سنغافورة، وعلى أفراد عائلته كذلك: «إلى أي مطعم ذهبت؟ ما وسيلة النقل التي استخدمتها؟ من قابلت في المكتب؟»». يحكي سيباستيان، مضيفا: «منذ شهرين، كلما دخلت إلى أي مكان، سواء كان مكتبة أو مركز تسوق أو بنك، يجب أن أسجل رقم هاتفي في استمارة عند المدخل حتى يتمكنوا من الاتصال بي مرة أخرى، إذا تأكد وجود حالة في المكان الذي ارتدته. إنه عمل دؤوب حقا، وبهذه الطريقة تمكنوا من تحديد المجموعات بسرعة كبيرة. وأكبر تجمع هنا يتكون من 47 شخصا فقط، وهو مركز ترفيهي».

«يتم الاتصال بي بشكل عشوائي للتحقق من أنني في غرفتي»

يتابع سيباستيان: «بمجرد أن تحدد السلطات الصحية شخصا يحتمل أن يكون مصابا بالفيروس، ولكن لم تتأكد إصابته بعد، يطلب منه البقاء في المنزل وعدم تركه لمدة 14 يوما». وإذا لم يلتزم بذلك، قد يواجه عقوبة الترحيل من البلاد وغرامة كبيرة جدا وحتى الحبس لمدة ستة أشهر، وغرامة قد تصل إلى 10000 دولار سنغافوري (6400 أورو)، وفقا للقانون. تشتهر الدولة-المدينة بقوانينها الصارمة في الأوقات العادية، وتتبنى معدل جريمة منخفض جدا.

هذا الحجر الصحي شديد الصرامة في المنزل أو في غرفة الفندق، يعيشه حاليا العديد من الفرنسيين، من بين 20000 من المغتربين في سنغافورة، أو انتهوا للتو من قضائه.

هذه هي حالة جيس، 29 سنة، يشتغل في مجال تكنولوجيا المعلومات. عندما وصل إلى ماليزيا عبر سفينة شحن من أجل العمل عن بعد لصالح شركته الفرنسية، اضطر إلى الهبوط في ميناء سنغافورة، وتم عزله تلقائيا في الفندق.

يقول جيس لـ«هافينغتون بوست»: «منذ 12 يوما، مُنعت من مغادرة غرفتي في الفندق. مع العلم أنه لا يمكن فتح النافذة، لذلك كنت أتنفس الهواء المنبعث من المكيف على مدار 24 ساعة في اليوم ... يتم الاتصال بي بشكل عشوائي للتحقق من سلامتي، وما إذا كنت مرتاحا في الغرفة، مع بعض الأسئلة «الفخ» إلى حد ما مثل: «هل خرجت اليوم؟ أو ما هي الأرقام الثلاثة الأخيرة من جواز سفرك؟»».

«يجب على مديري في العمل أن يرسل درجة حرارتي مرة واحدة في اليوم»

ماري، 27 سنة، تعيش منذ سنة في سنغافورة وتعمل في محل ماركة عالمية، تصل إلى نهاية مدة الحجر الصحي. تقول لـ«هاف بوست»: «لقد وضعت في الحجر الصحي بشكل استباقي من قبل صاحب العمل، عندما عدت من أستراليا، قبل ساعات قليلة من أن يصبح الحجر إلزاميا على من يصلون أو يعودون إلى سنغافورة».

وتضيف: «وجب على صاحب العمل منذ ذلك الحين إرسال درجة حرارتي مرة واحدة في اليوم، فينما تقوم الحكومة بتحديد موقعي الجغرافي عدة مرات في اليوم عبر رسالة نصية قصيرة، وأملك ساعة واحدة للإجابة عنها، وإلا فسوف أتعرض لعقوبات، سواء في حقي أو في العمل. إنك تدور في دوامة مشاعر تتأرجح بين الغضب والخوف والوحدة. الأهم هو البقاء على اتصال مع أقربائك، للحفاظ على الروابط الاجتماعية. وفي النهاية، يمر الأمر بسرعة كبيرة».

«خلية متخصصة تتصل بنا ثلاث مرات في اليوم عبر الفيديو»

يعيش أموري، 25 سنة، في سنغافورة منذ سنتين ويعمل في صيانة الطائرات. وأنهى لتوه فترة الحجر الصحي في المنزل.

يحكي أموري لـ«هاف بوست»: «أثناء رحلة العودة من بريسبان (أستراليا)، كان هناك راكب يحمل فيروس كورونا. وتم وضع جميع الركاب المجاورين له، وأنا منهم، في الحجر الصحي. تتصل بنا خلية متخصصة ثلاث مرات في اليوم عبر الفيديو من خلال تطبيق «واتساب»، للتأكد من وجودنا في المنزل. يسألوننا عن درجة الحرارة، إذا ظهرت لدينا أعراض المرض، ويجب أن نثبت خلال الاتصال عبر الفيديو أننا لوحدنا في المنزل».

لور، 18 سنة، طالبة في سنغافورة وعادت من إجازتها في بالي، تعيش حجرا صحيا أقل تدخلا، لأن السلطات لم تتصل بها بعد. ولكن لسبب محدد جدا: «لكوني مقيمة في الأصل بالولايات المتحدة، لا أملك رقما محليا ولم تتصل السلطات بي مطلقا، أو لم تأت إلى منزلي أبدا ... في المقابل، تم الاتصال ببعض أصدقائي عبر الرسائل عدة مرات، مع طلبات صور لإثبات محيطهم».

يشرح سيباستيان لـ«هاف بوست»: «في البداية، كانت لديهم 3 فرق تحقيق بدوام كامل في وزارة الصحة من أجل الاتصال بالأشخاص، اليوم، أصبح عددها 20. تعتمد في بعض الأحيان على الشرطة للولوج إلى المراقبة بالفيديو، وتعقب أكبر عدد ممكن. تتمثل استراتيجيتهم إذن في تتبع شجرة المرضى في المراحل المبكرة. هكذا تمكنوا من تسوية منحنى العدوى، منذ البداية».

وخول ذلك أيضا لسنغافورة تجنب تدابير الحجر الصحي القصوى، التي اعتمدتها اليوم العديد من البلدان الأخرى في العالم، مع عواقب اجتماعية واقتصادية جسيمة.

يتابع سيباستيان قوله: «الآن، تم إغلاق الحانات والنوادي الليلية فقط. إنهم يطلبون منا العمل عن بعد، ولكنه ليس إلزاميا بعد. للمطاعم الحق في فتح طاولة واحدة من أصل طاولتين، لضمان وجود متر واحد من التباعد الاجتماعي.

ويواجه السكان الآن خطر السجن إذا كانوا قريبين جدا من بعضهم البعض، وفقا لقوانين جديدة صارمة ضد انتشار الفيروس، والتي تم الإعلان عنها خلال الأسبوع الماضي.

من بين تدابير التباعد الجسدي، أعلنت سنغافورة عن منع الوقوف على بعد أقل من متر عن الآخرين، باستثناء حالات معينة مثل المنازل.

لا يجب أن يقف السكان عن قصد بالقرب من بعضهم البعض في الطوابير، ويجب أن يجلسوا على بعد متر واحد على الأقل عن الأشخاص الآخرين في الأماكن العامة».

«أشعر بأمان أكبر في سنغافورة من فرنسا»

اتخذت الدولة- المدينة عدة تدابير، في محاولة لوقف ظهور حالات عدوى جديدة بفيروس كورونا. «منذ فترة طويلة، لم يكن هناك سوى 200 حالة مسجلة في سنغافورة. ولكن هناك الآن موجة ثانية من الحالات الوافدة من أوربا والولايات المتحدة»، حسب سيباستيان.

يجب على مدراء الأعمال اتخاذ تدابير لفرض هذه القواعد الجديدة، مثل تباعد المقاعد بين الناس أو تنظيم طوابير الانتظار، وإلا سيعرضون أنفسهم للمتابعة القانونية.

يقول سيباستيان لـ«هاف بوست»: «في وقت مبكر جدا، قاموا بتحميل أصحاب العمل المسؤولية. على سبيل المثال، كنت أقيس درجة حرارتي مرتين في اليوم لمدة شهرين، والتي يتم تسجيلها يوميا من قبل المؤسسة التي أشتغل فيها».

في الأسبوع الماضي، أغلقت سنغافورة حدودها في وجه غير المقيمين بأراضيها، بما في ذلك النقل الجوي. مما يعقد الأمر على الأجانب، الذين يحملون تصريح عمل سنغافوري.

 

يحكي سيباستيان: «صديقي فرنسي يعمل في سنغافورة، وقد ذهب إلى بالي لمدة أربعة أيام. ولم يتمكن من العودة، لأنه يشتغل في البنك ويعتبر غير مهم للاقتصاد المحلي. لذلك لم يكن أمامه خيار سوى العودة إلى فرنسا في الوقت الراهن».

سيكون وضعه المهني الشخصي غير مستقر، إذا كان سيغادر البلاد الآن ويرغب في العودة إليها لاحقا: «ستدرس وزارة الصحة حالتي من خلال البحث عن القطاع الذي أعمل فيه. وبما أنني لا أشتغل في قطاع حيوي، مثل الطب أو وسائل النقل، ولكن في مجال تكنولوجيا المعلومات، هناك فرصة ضئيلة جدا للحصول على إذن. لأن السلطات لا تريد أن تزيد الضغط على برنامج تعقب الأشخاص. لهذا السبب لن أغادر البلاد، وربما يجب ألا أغادرها لمدة سنة على الأقل».

من يرغب في العودة إلى فرنسا في كل الأحوال خلال هذا الوباء؟ يختم سيباستيان قوله: «أشعر بأمان أكبر هنا في سنغافورة، عندما أسمع ما يخبرني به أصدقائي في فرنسا».


إقرأ أيضا