26 سنة من الدبلوماسية الملكية تحسم ملف الصحراء المغربية - تيلي ماروك

الصحراء المغربية 26 سنة من الدبلوماسية الملكية تحسم ملف الصحراء المغربية

26 سنة من الدبلوماسية الملكية تحسم ملف الصحراء المغربية
  • 64x64
    Télé Maroc
    نشرت في : 31/10/2025

شهد ملف الصحراء المغربية، على مدى 26 سنة من حكم الملك محمد السادس، تحولات استراتيجية غير مسبوقة على المستويين الدبلوماسي والسياسي، بعدما تمكن المغرب من تثبيت مواقفه الراسخة إقليميا ودوليا بخصوص وحدته الترابية، وفرض مقاربته الواقعية القائمة على مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الإطار الجدي والوحيد القابل للتطبيق من أجل تسوية هذا النزاع المفتعل، الذي عمر لأزيد من خمسة عقود.
ومنذ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في دجنبر 2020، تعززت المواقف الدولية المؤيدة للوحدة الترابية للمملكة بشكل متسارع، وهو ما ترجمته سلسلة من المواقف والقرارات لدول وازنة عربيا وإفريقيا وأوروبيا وأمريكيا لاتينيا، أكدت جميعها دعمها الصريح للمقترح المغربي واعتبرته الحل الواقعي والوحيد الممكن للنزاع.

 

الصحراء المغربية.. من التدبير إلى التغيير

كان الملك محمد السادس قد أعلن عن اقتراب حسم ملف الصحراء، في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، والذي خصصه لتطورات ملف الصحراء المغربية، باعتبارها القضية الأولى لجميع المغاربة. وقال الملك إننا «سنمر في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير، إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف، ودعوت كذلك للانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية».

وفي خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، أكد الملك أن المغرب تمكن، في إطار الدفاع عن وحدته الترابية ومغربية صحرائه، من ترسيخ واقع ملموس وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية. وتأتي هذه التطورات في ظل الاعتراف المتزايد للدول العظمى بسيادة المغرب على صحرائه، وبمبادرة الحكم الذاتي في إطار الوحدة الترابية المغربية، كأساس وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.

لقد شكل الاعتراف الأمريكي نقطة تحول كبرى في مسار الملف، ليس فقط لما تمثله واشنطن من ثقل سياسي ودبلوماسي، بل لأن هذا الاعتراف فتح الباب أمام دول أخرى لإعادة تقييم مواقفها من قضية الصحراء. وسارعت عشرات الدول إلى فتح قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، كرمز سياسي ودبلوماسي صريح للاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وتعد هذه القنصليات، التي تجاوز عددها الثلاثين، مؤشرا واضحا على التحول الجيوسياسي في المنطقة، وعلى تزايد قناعة المجتمع الدولي بأن الصحراء مغربية في الواقع والممارسة.

وأعلن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط، أن الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لافتتاح قنصلية في الصحراء المغربية، مؤكدا أن هذا القرار يأتي في سياق استمرارية الموقف الأمريكي الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، والذي سبق أن أعلن عنه أكثر من مرة وبكل وضوح.

وقال بولس جوابا عن سؤال حول ما إذا كانت واشنطن تستعد لفتح قنصلية لها بالصحراء المغربية: «أكيد إن شاء الله، هذه الصحراء مغربية.. نحن نعرف أن الرئيس ترامب أكد وبشكل رسمي سيادة المغرب على الصحراء، وأكد ضرورة إيجاد حل دائم لهذا الموضوع». وأضاف مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن خطاب الملك محمد السادس في عيد العرش، والذي جدد فيه مد يده للجارة الجزائر، ودعاها إلى حوار «صريح ومسؤول»، كان «تاريخيا وواضحا» في دعوته إلى حل نهائي ومتوافق عليه، مشيدا بالنهج الهادئ والحكيم الذي يقوده العاهل المغربي في معالجة هذا الملف.

 

زخم دبلوماسي ملكي 

ساهم الزخم الدبلوماسي المغربي في ترسيخ موقع المغرب، كشريك استراتيجي موثوق في قضايا الأمن والتنمية والاستقرار الإقليمي، وهو ما جعل عددا من القوى الدولية تعتبر أن دعم المغرب في ملف الصحراء دعم للاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، خاصة في ظل تزايد التهديدات الأمنية العابرة للحدود وعودة النزعات الانفصالية في بعض المناطق الإفريقية.

إفريقياً، كان لافتا أن الاتحاد الإفريقي بدأ يتجه تدريجيا نحو موقف أكثر واقعية في التعامل مع النزاع، بعدما ظلت جبهة «البوليساريو» تستغل وجودها داخل المنظمة لمحاولة فرض أطروحتها الانفصالية. إذ إن الموقف المغربي، القائم على التعاون والشراكة جنوب- جنوب، أضعف قدرة خصوم الوحدة الترابية على المناورة، خاصة مع توسع دائرة الدول الإفريقية التي أعلنت دعمها الصريح لمغربية الصحراء.

دول وازنة مثل نيجيريا، غانا، السينغال، الغابون، كوت ديفوار، والطوغو، باتت تعتبر أن المقترح المغربي للحكم الذاتي هو الحل الأنسب والأكثر واقعية، انسجاما مع قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى «حل سياسي واقعي وعملي ودائم» للنزاع. كما أن فتح قنصليات لدول إفريقية عديدة في الأقاليم الجنوبية عزز حضور المغرب كفاعل قاري في العمق الإفريقي، وكرس عزلة الجبهة الانفصالية التي فقدت الكثير من دعمها التقليدي.

أما على مستوى أوروبا، فقد شهدت مواقف العديد من الدول الأوروبية تحولات ملحوظة، وإن بصيغ دبلوماسية حذرة. فإسبانيا، الجار والشريك الاستراتيجي للمغرب، أعلنت في مارس 2022 دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي واعتبرته «الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية» لحل النزاع. هذا الموقف الإسباني شكل انقلابا في السياسة الخارجية لمدريد، التي كانت لعقود تتبنى موقف «الحياد».

كما أن دولا أخرى مثل ألمانيا وهولندا والبرتغال وسويسرا عبرت عن مواقف مشابهة، معتبرة أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل أساسا جديا للنقاش داخل الأمم المتحدة. وحتى فرنسا، رغم تريثها في إعلان موقف رسمي مماثل، ظلت تؤكد على «الدعم الثابت» للمغرب ومقترحه للحكم الذاتي، وهو ما ترجمه الموقف الفرنسي داخل مجلس الأمن، حيث دافعت باريس باستمرار عن ضرورة التوصل إلى حل سياسي في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية.

 

دعم أممي ودولي لمبادرة الحكم الذاتي 

على مستوى الأمم المتحدة، حافظت قرارات مجلس الأمن خلال السنوات الأخيرة على روح الواقعية، إذ جدد المجلس في كل قراراته منذ سنة 2007 الإشادة بالجهود الجادة وذات المصداقية، التي يبذلها المغرب في إطار مبادرة الحكم الذاتي، وهو ما يشكل اعترافا ضمنيا من المجتمع الدولي بوجاهة المقترح المغربي. كما أكد المجلس على حصر العملية السياسية في أطراف النزاع الحقيقية، أي المغرب والجزائر و«البوليساريو» وموريتانيا، وهو ما وضع الجزائر في قلب المعادلة، بعدما كانت تحاول التنصل من مسؤوليتها في افتعال واستمرار النزاع.

ستافان دي ميستورا، المبعوث الأممي الحالي،  واجه بدوره واقعا جديدا في الملف، إذ بات ملزما بالتحرك في سياق دولي واضح المعالم، عنوانه الأبرز أن أي حل لا يمكن أن يتجاهل السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية ولا الدينامية التنموية والاقتصادية التي تعرفها المنطقة.

وبموازاة المكاسب الدبلوماسية، واصل المغرب تنزيل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2015، ويهدف إلى جعل الصحراء المغربية مركزا اقتصاديا محوريا يربط المغرب بعمقه الإفريقي. وقد تم إنجاز مشاريع كبرى في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والصيد البحري والسياحة والتعليم والصحة، فضلا عن ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يُتوقع أن يكون رافعة استراتيجية للاندماج الإقليمي.

هذه الدينامية الميدانية جعلت سكان الأقاليم الجنوبية ينخرطون بقوة في الحياة السياسية والمؤسساتية، من خلال المشاركة المكثفة في الانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية، وهو ما يعكس تشبثهم بالوحدة الوطنية ورفضهم القاطع للأطروحات الانفصالية.

ونجح المغرب بفضل الدبلوماسية الملكية في تثبيت الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وتحويلها إلى واقع سياسي وقانوني دائم، وتقوم هذه الدبلوماسية على التعاون الاقتصادي كآلية لترسيخ قناعات الدول بشراكة مربحة قائمة على الاستقرار والتنمية. كما أن دعم العديد من القوى الكبرى لموقف المغرب بات يضفي طابعا نهائيا على النزاع، الذي أصبح يعيش لحظاته الأخيرة في ظل تآكل المساندة للأطروحة الانفصالية.


إقرأ أيضا