أرسلتهم فرنسا إلى الموت في 1914 و1940 وقضى منهم عشرات الآلاف - تيلي ماروك

فرنسا أرسلتهم فرنسا إلى الموت في 1914 و1940 وقضى منهم عشرات الآلاف

أرسلتهم فرنسا إلى الموت في 1914 و1940 وقضى منهم عشرات الآلاف
  • 64x64
    Télé Maroc
    نشرت في : 03/10/2022

كانت هناك وحدة من المجندين المغاربة في شتنبر 1914، وصل عدد أفرادها 4000 مغربي مات 3200 منهم في المعارك وجرح البقية، ومنهم من وقع في أسر الألمان. أطلق الفرنسيون على هذه الوحدة اسم «فرقة المناوشة المغربية»، أي أن دورهم كان مناوشة الألمان وجرهم إلى فخاخ الفرنسيين. ولم تكن فرنسا ترى أي خطر في موتهم جميعا، وسوف تشارك هذه الوحدة على مدى السنوات الأربع التالية، خلال الحرب العالمية الأولى في عدد من المعارك الأخرى التي اقتضت ثمنا معادلا لذلك، من حيث الإصابات، غير أنها وطدت أيضا مكانتها بحكم كونها وحدة من الرتبة الأولى، ثم أنشئت كتيبة ثانية من جنود المناوشة المغاربة في مطلع عام 1918، وتم تجهيزها في منتصف أبريل. وفي نهاية الحرب كانت قد شاركت في أربع معارك، وخسرت 68 ضابطا و2700 رجل بين قتيل وجريح. وحظيت بالإشادة ببطولاتها مرتين، وبالحق في تقديم رايتها خلال استعراض ذكرى الهجوم على الباستيل سنة 1919، في باريس. وعلى الإجمال قُتل حوالي 9000 من الجنود المغاربة، أو أعلن أنهم مفقودون في العمليات، أثناء الحرب. وأصيب 17 ألفا بجروح خلال المعارك، أو أصبحوا ضحايا للمرض، أثناء خدمتهم.

أما في الحرب العالمية الثانية خصوصا سنة 1940، فقد سجل الألمان شهادات مغاربة، سوف نوردها في هذا الملف المثير الذي استقينا لكم معلوماته من ترجمة عربية، عن بحث ألماني أصلي عنوانه «عُميان عن التاريخ؟». فهل أصيبت فرنسا فعلا بالعمى عن التاريخ، لكي يُنسى ملف هؤلاء الكوم المغاربة؟

هل فعلا أراد المغاربة الدفاع عن فرنسا ضد ألمانيا؟

رغم أن الحكومة الفرنسية، سيما خلال عهد الرئيس الفرنسي الأسبق الراحل جاك شيراك، حاولت إعادة الاعتبار إلى ملف «الگوم» المغاربة، خصوصا الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية، وتذكر لهم الفرنسيون أنهم كانوا في الصف الأمامي، أثناء استعادة باريس من النازية سنة 1944. إلا أن موضوع هؤلاء المحاربين المغاربة يبقى أكثر تعقيدا من محاولة رئيس فرنسي فتح الملف بطريقة تُرضي الطرفين. 

إذ إن الأمر يعود إلى ما قبل سنة 1914 بكثير، حيث اكتشف الألمان منذ حرب القيصر الألماني أن فرنسا كانت تجند مغاربة وتدربهم وتضعهم في الصفوف الأمامية للقتال، إذ إن وثائق الأرشيف الألماني تؤكد اعتقال مغاربة وجنسيات إفريقية أخرى، قبل الحرب العالمية الأولى، وحاولت توظيفهم للتجسس لصالحها، كما سوف نرى من خلال قصة مغربي تم تجنيده لكي يتجسس لصالح ألمانيا في واد سوس، قبل معاهدة الحماية سنة 1912. وهو ما يؤكد أن تجنيد فرنسا للمغاربة أعمق بكثير من محاولة حصره في قضية «الگوم». 

وهذا الاسم بالمناسبة، مشتق من لفظ «القوم»، وهي تسمية أطلقها الفرنسيون على المقاتلين المغاربة لتمييزهم عن الجنسيات الأخرى، خلال الحرب العالمية الأولى. إذ منذ انطلاقها سنة 1914، كان المغاربة على رأس القوات التي شاركت بها في فرنسا داخل أوروبا، خلال عمليات الدفاع ضد الألمان أو الهجوم عليهم. وهو ما أدى إلى وفاة وجرى وأسر عشرات آلاف المغاربة على امتداد أربع سنوات. وتكرر الأمر مرة أخرى خلال الحرب العالمية الثانية سنة 1939، حيث كان الگوم المغاربة في مقدمة المعارك، ووقع منهم أسرى كثر رغم الصلابة التي أبانوا عنها. 

في هذا الملف، نورد مرجعا ألمانيا نادرا عنوانه Blind für die Geschichte؟ (عميان عن التاريخ؟)، وهو مرجع ألماني مهم عن العرب وألمانيا. لكن المفاجأة أن صاحبي الكتاب، الباحثان الألمانيان «بيتر فين» و«رينيه فلدنغل»، أفردا حيزا مهما جدا للمغرب، ليعكس اهتمام الألمان بـ«الگوم» المغاربة الذين حاربوا من أجل فرنسا خلال النصف الأول من القرن الماضي، في مناسبتين هما الحربان العالميتان الأولى والثانية. وظهر بالواضح أن المغاربة كانوا أكثر الجنسيات العربية والمسلمة حضورا في الجيش الفرنسي، خلال الحرب، وهم الذين كانوا وراء انتصارات فرنسا، كما أن صلابتهم كانت سببا في تخفيف حدة الهزائم التي تكبدتها فرنسا أيضا. 

هذا الكتاب الألماني، ترجمه إلى العربية كل من محمد جديد وزياد منى، لكي يفتحا نافذة أمام الباحث العربي، والمغربي على الخصوص، للتعرف على موضوع «الگوم» من زاوية أخرى أكثر حيادا، سيما وأن هذا البحث العلمي العميق، رغم صعوبة الترجمة ومشاكلها لنقل المعطيات من الألمانية إلى اللغة العربية، يقدم معطيات بناء على أرشيف المخابرات والمؤسسة العسكرية الألمانية، التي كانت على احتكاك بهؤلاء المجندين المغاربة، وتابعت ملف تجنيدهم عن كثب، لما كان يشكله من تهديد لمصالح ألمانيا في الحرب. خصوصا وأن صحف ألمانيا كانت قد أثنت على هؤلاء المقاتلين المغاربة، وعددت مزاياهم وقدرتهم الكبيرة على التحمل في أشد أجواء أوروبا برودة وقساوة، ورغم أنهم لم يكونوا مُدربين بما يكفي خلال الحربين العالميتين، إلا أنهم شاركوا في الخطوط الدفاعية الأولى. 

ألمانيا احتفظت بشهادات «گوم» مغاربة عن حرب 1940 وهذا واحد منهم

من المثير فعلا سماع شهادة أحد الگوم المغاربة، خلال الحرب العالمية الثانية، كما وثقها الألمان. وحسب هذه الدراسة الألمانية المثيرة التي اعتمدت على آلاف وثائق الأرشيف لإخراجها إلى الوجود، فإن الألمان أجروا مقابلات مع گوم مغاربة، ووثقوها مكتوبة في الأرشيف العسكري. 

وهنا نورد شهادة مقاتل مغربي اسمه بوعبيدي بن عياد، وهو الاسم الذي سجله به الألمان، أثناء تسجيل شهادته عن الحرب: 

«أقدم أحد ضباطنا، وهو رائد يدعى بواترو، على الانتحار عندما كنا في بلجيكا، وكان الألمان قد طوقونا، وكانوا متنكرين في صورة شجيرات، عندما رآهم بواترو تناول مسدسه، وأطلق النار على نفسه، ثم حاول كل منا أن يدافع عن نفسه ويقاتل، واختار بعضهم الهرب. وواصلنا السير في طريقنا عبر بلجيكا، ولست على يقين من المكان الذي كنا فيه عند هذه النقطة، وفي الليل كان هناك ألعاب نارية ودخان، ثم شرعت طائرات كثيرة في القصف، وكان الألمان يقصفون ويدمرون الطرق والجسور والخطوط الحديدية والأنفاق، وكانوا يدمرون كل شيء، لكيلا يكون الفرنسيون قادرين على التحرك، وأخذ الجند الفرنسيون في خلع حللهم العسكرية، وهربوا. ووصلنا إلى سانت- إيتين، على بعد 700  كيلومتر من باريس، وكان الألمان قد دخلوا باريس وكان هناك جنرال واحد، هو آمر الفرقة الثالثة والأربعين، الذي كان ذراعاه وساقاه قد انكسرن. وأمر ضباطه بأن يسلبوا أذرعهم ويتوقفوا عن القتال، وكان هناك، معه ثلاثة من الضباط المغاربة، وقالوا للجنرال إﻧﻬم ليسوا مستعدين للاستسلام، وأإن هذا لن يوقفهم عن القتال حتى يموتوا (..) إن الألمان كانوا يولوننا من الرفق أكثر مما كانوا يولون به الألمان». 

هنا أيضا، نورد شهادة أخرى لمجند مغربي آخر من الگوم، اسمه الطاوسي الحاج الكبير، لا تقل إثارة عن سابقتها. يقول مستعيدا أحداث ماي 1940، والتي سوف نأتي إلى تفاصيلها في هذا الملف: «ذهبتُ مع ضابط فرنسي نلتمس طعاما، ونبحث عن طريق نخرج منها، فتسلق الضابط شجرة، ولوح براية بيضاء، فسألته: لماذا تفعل ذلك؟ وأجاب قائلا: لقد انقضت عشرة أيام ونحن سجناء، ثم ألقى الضابط بندقيته ورفع يديه». هذه الشهادة القصيرة التي تتعلق بما وقع، أثناء وصول وحدة الجيش الألماني إلى مقر وجود خط القوات الفرنسية، جعلت الألمان يتأكدون أن الحاج الكبير لم يكن يكذب عليهم، بل إنه أضاف شهادة أخرى، أثناء وقوعه في الأسر عند الألمان، بعد استسلام ضابطهم الفرنسي: «كانوا يجمعوننا في كل مساء كما تجمع الأغنام، وكانوا إذا ﻧﻬض أحد منا يطلقون النار، ولم نكن نأكل شيئا سوى الأعشاب. وذات مرة في ألمانيا، أخذ الأسرى بالقطار إلى برلين، حيث دعت السلطات الألمانية المدنيين ليأتوا فيبصقون علينا، وكانوا يسموننا السود القذرون».

هذه الشهادات النادرة التي ربما لم يسبق للأرشيف الفرنسي أن أفرج عن أرشيف يعادلها من حيث غزارة المعلومات، خصوصا وأنها سُجلت في عز الحرب، أثناء الاستماع إلى أقوال مقاتلي الگوم المغاربة، تكشف إلى أي حد عاش مغاربة الحرب العالمية الثانية، وأرواحهم فوق أكتافهم في سبيل فرنسا، وكيف أن بعضهم أيضا كانوا غير مُدركين لحجم الخطر الذي أرسلتهم باريس إليه، لكي يهلك بعضهم وتنقلب حياة الآخرين رأسا على عقب. 


عندما رست غواصات ألمانية قرب أكادير لوضع جواسيسها في سيدي إفني ووادي سوس

قبل العهد النازي كان اهتمام ألمانيا بالمغرب كبيرا، وربما تعد هذه المرة الأولى التي تكشف فيها وثائق رسمية ألمانية أن ألمانيا، خلال عهد القيصر، أي قبل نشوء النازية، عملت على نشر جواسيس لها قرب وادي سوس. 

بل إن هذه الوثائق التي اشتغل عليها الباحثان «بيتر فين» و«رينيه فلدنغل»، تؤكد أن الألمان سبق لهم اعتقال مجند مغربي كانت فرنسا تجنده، خلال المواجهات الدامية بين البلدين، وبدل الإبقاء عليه أسيرا، تم تجنيده لكي يتجسس لصالح الألمان في المغرب، وتم توظيفه في العملية. وهذه واحدة من الأدلة التاريخية الدامغة، على أن فرنسا جندت مغاربة في جبهات القتال، حتى قبل الحرب العالمية الأولى. 

إذ خلص الباحثان إلى الآتي: 

«وحين أخذت فرنسا وإسبانيا تنقصان من سيادة المغرب ووحدة أراضيه، ظهرت ألمانيا بين الدول الأوروبية الكبرى، في صورة الراعي الوحيد الباقي، لاستقلال المغرب. وعلى كل حال، فقد كان للمحاولة الخرقاء، من جانب ألمانيا، لفرض الموضوع، بزيارة الإمبراطور فلهلم الثاني إلى طنجة في عام 1905، وبعد ست سنوات بإرسال الطراد «بانترPanther» إلى أكادير الدافع الواضح الخفي، وهو تعزيز المصالح التجارية الألمانية في المغرب التي رافقت محاولاتها. ولذلك لم تخلف إلا القليل من الانطباع الإيجابي بين المغاربة بخصوص الرايخ. وكان من بواعث السخرية أن الأزمتين المغربيتين اللتين تم إشعال شرارتيهما عن طريق هاتين المبادرتين، لم تسفرا إلا عن استفحال التدخل الفرنسي في المغرب، وفرض نظام المحمية الثنائي في عام 1912. على أن نشوب الحرب في أوروبا، في صيف عام 1914 أتاح لألمانيا فرصة لتجديد اهتمامها بالمغرب، وهذه المرة بحكم أنها جزء من استراتيجية أوسع، ﺑﻬدف تقويض الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في شمال إفريقيا، وتحريض أهل البلاد على مقاومة الاستعمار. وكان عملاء الألمان الذين كانوا يستفيدون من الحياد الإسباني الموالي لهم، يعملون في إطار الارتباط بقادة المقاومة والفئات القبلية، ويمدوﻧﻬم بالأموال والأسلحة والمشورة التكتيكية. وانطلاقا من حياد إسبانيا وعدم فاعلية تحكمها في القسم الأكبر من محميتها في شمالي المغرب، نشط العملاء الألمان، بالتنسيق مع قادة المقاومة والتجمعات القبلية، المتسلحين بالمال والسلاح والاستشارات التكتيكية. وفي الجنوب الغربي من المغرب، وعلى طول ساحلها المطل على الأطلسي، وقبالة الجيب الإسباني، سيدي إفني، كانت الغواصات الألمانية تنزل عملاء كانوا يحاولون التسلل إلى وادي سوس، والارتباط بقوات المقاومة المحلية التي يقودها الهيبا، الذي أعلن نفسه سلطانا، وكان بين هؤلاء العملاء الذين كان يقبض عليهم في العادة من قبل القوات الفرنسية قبل أن يصلوا إلى غايتهم، جندي مغربي سابق كان قد أسره الجيش الألماني في بلجيكا، وردت إليه حريته مقابل مشاركته في المغامرة».


قاتلوا من أجل فرنسا في البلقان.. أسرى حرب مغاربة سنة 1914

لعل هذا الملف لم يُفتح قبلا، بسبب غياب المراجع الفرنسية أو بقائها في أرشيف الجمهورية الرسمي الذي طالما أحيطت به سرية كبيرة، سيما أمام الباحثين في قضايا التاريخ المشترك بين فرنسا والمغرب. 

لكن من وجهة نظر ألمانية، هناك حقائق كثيرة منسية، ولم يُرفع عنها الستار بعدُ. يتعلق الأمر بأسرى الحرب المغاربة، الذين سقطوا بين أيدي الألمان خلال مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى. 

نتحدث هنا عن 34000 ألف مغربي تم تجنيدهم للقتال في صفوف الجيش الفرنسي، في الحرب العالمية الأولى، وقاتلوا باسم فرنسا في البلقان، وتمت إضافة 45 ألف مقاتل مغربي، باعتبار أنهم سوف يشتغلون لصالح فرنسا في مصانع التسليح، بحكم أن الفرنسيين، خلال الحرب العالمية الأولى، كان لديهم عجز كبير في اليد العاملة. 

وحسب الأرشيف الألماني، فإن أزيد من 1,2 في المائة من سكان ما كان تسمى وقتها «المحميات الفرنسية» شاركوا في المجهود الحربي للوطن الأم، أي فرنسا. إذ كانت تلك المستعمرات تابعة لفرنسا ويسري عليها القانون الفرنسي. لذلك لم تجد فرنسا صعوبة في استغلال كل هذه الموارد البشرية، بحيث كان المغاربة على رأس الجنسيات التي عولت عليها فرنسا في القتال. وقد أثنى الألمان على شراستهم، رغم أن عشرات الآلاف منهم سقطوا فعلا في الأسر.

جاء في الدراسة الألمانية التي بين أيدينا: «لم تكن حملة تجنيد المغاربة في فرنسا قد استهلت من قبل وزارة الحربية في باريس، بل بالأحرى في الرباط، حيث تطوع الجنرال المقيم لويس هيوبرت لييوتي Louis Hubert Lyautey، ليضيف كتائب مشاته المراكشية الخمس، بالإضافة إلى خمس أخرى من كتائب الفرسان السباهي، على القوات التي كان قد تم استدعاؤها إلى الوطن الأم، وقد كانت «شهامته» والموافقة المشروطة من جانب مؤسسته العسكرية، على السواء، انعكاسا للهواجس والشكوك الفرنسية بصدد ولاء الجند المغاربة ومقدرﺗﻬم على حسن الأداء في صراع من الطراز الأوروبي. على أن هذه التحفظات أثبتت أﻧﻬا مضللة، حين خسر المغاربة بعد أن وصلوا إلى الجبهة عشية المعركة الفاصلة، أي معركة المارن، وخسروا 3200 رجل من أصل 4000، في معارك طاحنة خلال شهر شتنبر1914، غير أﻧﻬم ظفروا بتقدير عالمي لشجاعتهم وجلدهم واحتمالهم. ثم إن المرشحين الذين زيد في عددهم بمجندين جدد من المغرب، أعيد تنظيم صفوفهم ليكونوا كتيبة الزحف الأولى من جند «المناوشة» المغاربة. وسوف تشارك هذه الوحدة على مدى السنوات الأربع التالية، في عدد من المعارك الأخرى التي اقتضت ثمنا معادلا لذلك، من حيث الإصابات، غير أﻧﻬا وطدت أيضا مكانتها بحكم كوﻧﻬا وحدة من الرتبة الأولى، ثم أنشئت كتيبة ثانية من جنود المناوشة المغاربة في مطلع عام 1918، وتم تجهيزها في منتصف أبريل. وفي نهاية الحرب كانت قد شاركت في أربع معارك. وخسرت 68 ضابطا و2700 رجل بين قتيل وجريح. وحظيت بالإشادة ببطولاتها مرتين، وبالحق في تقديم رايتها خلال استعراض ذكرى الهجوم على الباستيل سنة 1919، في باريس. وعلى الإجمال قُتل حوالي 9000 من الجنود المغاربة، أو أعلن أنهم مفقودون في العمليات، أثناء الحرب. وأصيب 17 ألفا بجروح خلال المعارك، أو أصبحوا ضحايا للمرض، أثناء خدمتهم».


من جبال الأطلس إلى القتال لصالح فرنسا سنة 1939

بمجرد ما أن اجتاحت ألمانيا أراضي هولندا، حتى جاءت فرنسا بمقاتلين مغاربة، لكي يدخلوا إلى الحرب العالمية الثانية ما بين نهاية 1939 وبداية 1940. وهذه المرة، كان الألمان يعرفون المغاربة من خلال تجربة الحرب العالمية الأولى. إذ، حسب الأرشيف الألماني دائما، كان العائدون المغاربة من الحرب يشتكون من احتقار أهالي الألمان لهم، بسبب قتالهم في صفوف الجيش الفرنسي، بينما في بعض مناطق ألمانيا، استفاد المجندون المغاربة من تعامل خاص من طرف المواطنين الألمان، الذين أظهروا لهم إعجابهم بمهاراتهم وصلابتهم أثناء القتال، رغم وقوعهم في الأسر. لكن هذه المرة، أي خلال بداية الحرب العالمية الثانية، كان الوضع مختلفا تماما. إذ إن المجندين المغاربة الجدد، أو «الكوم»، كانوا على موعد مع معارك غيرت وجه العالم تماما. وهنا، يشرح الباحثان الألمانيان الوضع الحقيقي للجنود المغاربة خلال سنة 1940، حيث جاء في كتابهما: 

«ثم إن الفرقة المغربية التي تضمنت الوحدة الأولى والثانية والسابعة من الوحدة المغربية الملحقة RTM ، عبرت الحدود في ليل العاشر من ماي، ودخلت مواقع على طول ﻧﻬر الديل، جنوبي بروكسيل، وفي الرابع عشر من الشهر ذاته تعرضت لقصف جوي كثيف، وبعد ساعات قلائل واجهت طابورا من المدرعات الألمانية، وبعد أن استهلكت أسلحتها النادرة المضادة للدروع، هاجم بعض جند المناوشات من الوحدة الأولى والسابعة من الوحدة المغربية الملحقة المدرعات الألمانية الزاحفة بالحراب، في لفتة بطولية، ولكنها عديمة الجدوى، كانت ترمز إلى حملة الحلفاء المحكوم عليها بالإخفاق، وعلى إثر هذه المعركة فقدت الفرقة تماسكها، ولم يبق منها سوى بقايا واصلت القتال، وهي تنسحب نحو الحدود الفرنسية. ونظمت بعض الكتائب دفاعا، في صمود أخير، عند ضواحي ليل، حيث استسلمت في النهاية للألمان، في31 ماي، ونجحت مجموعات أخرى متفرقة في الوصول إلى دنكرك، والانتقال إلى إنجلترا. وشاركت في مصير الفرقة المغربية، مع بعض الاختلاف، كتائب مغربية أخرى، وامتصت هذه كلها الهجمات الجوية والبرية، وحاول معظمها شن هجوم مضاد يائس عاد عليها بالهلاك النهائي، ونجت بعض الوحدات الفرعية، كما نجح عدد من الأفراد في الانسحاب إلى إنجلترا، ليعود هؤلاء إلى فرنسا، ليستأنفوا القتال إلى أن أرغموا على الاستسلام». 

المثير في هذه الرواية الألمانية، أنها تناقض ما ظل متداولا في المغرب لعقود مرت على مجريات الحرب العالمية الثانية. إذ إن الأرشيف الفرنسي حاول تلميع صورة المؤسسة العسكرية الفرنسية، وعمل على ترسيخ فكرة مفادها أن المغاربة الذين دافعوا عن فرنسا، خصوصا خلال الحرب العالمية الثانية، استفادوا من تدريب مكثف في المجال العسكري، وتم تأهيلهم بدنيا لكي يشاركوا في الحرب. في حين أن الأرشيف الألماني يؤكد أن بعض هؤلاء المغاربة سقطوا أسرى في يد الألمان، دون أن ينكر هؤلاء الألمان القوة والصلابة والشجاعة التي أبان عنها المغاربة خلال الحرب. 

والمثير أيضا أن الرواية الألمانية تضمنت أسماء فرق فرنسية، ثبت فعلا من خلال أبحاث قام بها باحثون مغاربة وفرنسيون، أنها كانت تضم مقاتلين مغاربة بقي مصيرهم مجهولا، ولم يتم تكريم ذكراهم إلا بعد نهاية الحرب، أي بعد عام 1945. أما في الحرب العالمية الأولى، فقد كان الجيش الفرنسي لا يلتفت إلى الوحدات المغربية نهائيا وتم ترك أفرادها، حسب ما يؤكده الأرشيف الألماني، جرحى دون أن تقدم لهم أي إسعافات لنجدتهم. بل تُركوا ومنهم من سقطوا في أيدي الألمان، وتم إسعافهم أو نقلهم إلى الحدود الفرنسية ومنهم من بقي مصيرهم مجهولا، بينما عثر على جثامين آخرين ماتوا برصاص الألمان ومدفعياتهم، خلال الحرب العالمية الأولى، دون أن تُحدد هوياتهم. بل إن فرنسا تبقى مسؤولة عن لوائح أسماء هؤلاء المجندين المغاربة وأعدادهم الحقيقية، التي كشف الأرشيف الألماني لأول مرة عن جزء مهم منها. 


ثماني فرق عسكرية فرنسية ضمت بين صفوفها 64 ألف مغربي وهذه قصة مأساتهم

من بين الوثائق التي تم اعتمادها في هذا البحث التاريخي المعمق، تلك التي تعود إلى الإنزال الأمريكي في المغرب للمشاركة في الحرب العالمية الثانية. إذ إن الألمان، كما توضح هذه الدراسة التاريخية، اهتموا بكل تفاصيله منذ أواخر سنة 1942، أي أشهر قبل وقوعه، وكانوا يعرفون جيدا أن فرنسا شرعت في موجة تجنيد ثانية للمغاربة «الگوم»، على غرار ما وقع في الحرب العالمية الأولى. 

وفي الوقت الذي كانت فيه تداعيات الحرب في أوروبا تؤثر على الجزائر وتونس، حيث جرت بعض المناوشات البحرية في حوض المتوسط، فإن المغرب كان في قلب الزوبة، من خلال عملية تجنيد واسعة. يقول الباحثان الألمانيان: 

«وكانت الفرق الثماني التي يتألف منها فيلق الحملة الفرنسية تتضمن 64000 من المغاربة أهل البلد، وكانوا يخدمون في فرقتي مشاة، وفرقتين ميكانيكيتين ولواء فرسان، وفي أربع مجموعات من الگوم، كل مجموعة منها بحجم الكتيبة، وتتألف من ثلاثة طوابير. وبالقياس إلى المحاربين في كتائب المناوشات، كانت العودة إلى الحرب تتيح لهم الفرصة لتخليص أنفسهم من الخطيئة ومحو ما لحق ﺑﻬم من الإذلال في عام1940 ، أما بالقياس إلى زملائهم من الغوميين، فقد كانت هذه العودة تتيح لهم فرصة استعراض مهاراﺗﻬم على مسرح عالمي في حرب جبلية. وبينما كانت الجهود والتضحيات المبذولة من قبل كتائب المناوشات، خلال العامين ونصف العام من الحرب، تضاهي بلا ريب سجل أسلافهم في الحرب العالمية الأولى، كان يلقي بظلاله عليها في إنجاز الگوم الذين استأثروا بالاهتمام والإعجاب والتقدير، من قبل العدو والصديق على السواء. على أن تعرض الگوم المغاربة، خلال العامين السابقين لأشد البرامج التي يمكن تنفيذها عمليا في التدريب صرامة، مكنهم من الظهور في دجنبر 1942 في طليعة جبهة الجيش الفرنسي الفرنسي الذي تجدد شبابه، وراء البحار وكانوا من أولى الوحدات التي تقرر إرسالها إلى تونس، حيث أبلوا بلاء حسنا في القتال ضد القوات المسلحة الألمانية النظامية، على الرغم من معداﺗﻬم ذات الطراز القديم. ولقي أداؤهم في أثناء معركة بيرزت أبريل 1943 ثناء عظيما من قبل القيادة العليا للحلفاء، التي باتت تنظر إلى الغوميين على أنهم قوات جبلية متمرسة ومقاتلون كبارا.

وهكذا بدأ ما سبق أن سماه ضابط فرنسي سابق، من الگوم، طريق الطوابير الطويل. وحصدت رحلة الأعوام الثلاثة هذه أرواح الألوف من الگوميين، على طول الطريق الدامي، من تونس، عبر صقلية إلى كورسيكا، وإلبا، وإيطاليا، وفرنسا وألمانيا، وأخيرا إلى النمسا. وبعد أن خلف الگوم أثرهم الفريد في العديد من ميادين المعارك، سيما إيطاليا، حيث واجهوا بنجاح بعض وحدات القوات المسلحة الألمانية الأكثر شهرة، ودفعوا ثمن شهرﺗﻬم غاليا، إذ قتل أو أصيب إصابة بالغة أكثر من 7500  من الگوميين المغاربة، خلال حملات 1943 و1945، ودمرت بعض الوحدات تدميرا كاملا، وأرغمت على العودة إلى المغرب لإعادة بناء قواﺗها بمجندين جدد».


إقرأ أيضا