أزمة المناصب العليا في الحكومة.. العلاقات الحزبية بدل الكفاءة والخبرة - تيلي ماروك

المناصب العليا - الحكومة - العلاقات الحزبية أزمة المناصب العليا في الحكومة.. العلاقات الحزبية بدل الكفاءة والخبرة

أزمة المناصب العليا في الحكومة.. العلاقات الحزبية بدل الكفاءة والخبرة
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 27/05/2019

تتحول أغلب اجتماعات المجلس الحكومي إلى اجتماعات لتوزيع «كعكة» المناصب العليا على المقربين من أحزاب التحالف الحكومي، وهو ما يفسر السرعة التي أخرج بها رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، مباشرة بعد تعيينه بداية سنة 2012، للقانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، وهو أول قانون تنظيمي خرج في عهد حكومته، رغبة من الحزب الحاكم في «تبليص» أعضائه وأعضاء ذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح، بمراكز القرار داخل مختلف الإدارات العمومية. ورغم أن القانون جاء للقطع مع منطق الزبونية والمحسوبية والمحزوبية التي كانت متفشية في عهد الحكومات السابقة، إلا أن وزراء في الحكومة السابقة والحالية تحايلوا على القانون بشتى الطرق لتنصيب محسوبين على أحزابهم في مناصب يتم وضع شروط على مقاس المحظوظين لنيلها.

ينص دستور المملكة لسنة 2011 على مجموعة من المقتضيات التي تكرس مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والشفافية والمساواة والنزاهة، وصدرت نصوص تتعلق بالتعيين في المناصب العليا ومناصب المسؤولية، تم بموجبها تخويل الحكومة سلطة واسعة في التعيين في هذه المناصب، بما يمكنها من اختيار الأطر الكفأة القادرة على تحمل المسؤولية التدبيرية للمرافق العمومية، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.12.20 بتاريخ 17 يوليو 2012، إضافة إلى المرسوم رقم 2.12.412 صادر في 11 أكتوبر 2012 بتطبيق أحكام المادتين 4 و5 من القانون التنظيمي رقم 02.12 في ما يتعلق بمسطرة التعيين في المناصب العليا التي يتم التداول في شأن التعيين فيها في مجلس الحكومة، وبادرت الحكومة السابقة مباشرة بعد تعيينها إلى الإسراع بإخراج هذا القانون قبل غيره من القوانين المدرجة في المخطط التشريعي لتنزيل الدستور.

إصلاح الوظيفة العمومية

كشف رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خلال الأسبوع الماضي أمام مجلس المستشارين، عن وجود رؤية استراتيجية لدى حكومته لمراجعة منظومة الوظيفة العمومية، ستعمل الحكومة على تنزيلها من خلال مراجعة شاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ووضعها قريبا على مسطرة المصادقة بالمجلس الحكومي ثم إحالتها على مجلسي البرلمان. وأكد العثماني، في معرض جوابه عن سؤال محوري حول «السياسة الحكومية في تدبير التوظيف في القطاع العام وتحديث الإدارة العمومية»، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس المستشارين، أن الحكومة تعكف على إعداد رؤية استراتيجية لمراجعة منظومة الوظيفة العمومية (تم تقديم خطوطها العريضة في مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 14 مارس 2019)، وهي الرؤية التي توجت مسارا تشاوريا تم من خلاله إشراك مختلف الفاعلين والمتدخلين، كما تم التداول بشأنها في المجلس الأعلى للوظيفة العمومية بتاريخ 16 يناير 2019، وتقوم على إرساء وظيفة عمومية مهنية ومحفزة وناجعة وقادرة على الاستجابة للمتطلبات الراهنة، عبر الانتقال من التدبير الإداري للمسارات إلى تدبير مهني مبني على الكفاءات.

وتقوم هذه الرؤية، حسب العثماني، على عدة مداخل أساسية، تتجلى  في إدماج التدبير بالكفاءات، من خلال اعتماد الآليات الحديثة لتدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية القائمة على أساس التخطيط الاستراتيجي والتدبير التوقعي للوظائف والكفاءات، والانتقال من التدبير الإداري إلى تدبير مهني للمسارات مبني على الكفاءات، بما يجعل التوظيف والارتقاء والتكوين المستمر وتقييم الأداء الفردي للموظف مرتكزا على مفهوم الكفاءة، وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية العليا، وتكريس مكانتها وتثمين أدوارها المحورية في قيادة الإصلاح، تبعا لتوصيات الملتقى الوطني الأول للوظيفة العمومية العليا المنعقد بتاريخ 27 فبراير 2018، وملاءمة بنيات الوظيفة العمومية مع التوجه الجديد للدولة، عبر حصر مهام الإدارة المركزية في المستوى الاستراتيجي، ودعم التوطين الترابي للخدمة العمومية من خلال الدفع بتنفيذ سياسة اللاتمركز الإداري، ودعم التحفيز وتحسين بيئة العمل بهدف إحداث بيئة عمل ملائمة وآمنة، تحفز على رفع المردودية وتحسين الإنتاجية بالإدارة العمومية.

وأبرز العثماني أن إصلاح هذه المنظومة يكتسي أهمية بالغة في سياسة الحكومة، حيث التزمت، بموجب برنامجها، باتخاذ جملة من التدابير الرامية إلى تحسين وتجويد هذه المنظومة، من جملتها مراجعة منظومة الوظيفة العمومية، ووضع سياسة عمومية مندمجة لتدبير حديث للموارد البشرية بالإدارة العمومية، وتبعا لذلك، يوضح العثماني، فإن سياسة الحكومة في مجال تدبير التوظيف في القطاع العام تقوم على مقاربة تروم تطوير منظومة التوظيف وجعلها أكثر استجابة لحاجيات مختلف الإدارات العمومية من الموارد البشرية وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وتعزيز قيم الشفافية والاستحقاق، وتكريس المبدأ الدستوري المتمثل في ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق.

وبخصوص إصلاح نظام ولوج المناصب العليا، الذي أثار جدلا، بعد اتهام الحكومة باعتماد منطق العلاقات الحزبية في توزيع هذه المناصب خلال انعقاد اجتماعات المجلس الحكومي، أكد العثماني أن المنظومة الحالية للتعيين في المناصب العليا ساهمت إلى حد كبير في تكريس مبدأ المساواة والأهلية المهنية والكفاءة والاستحقاق في الولوج إلى هذه المناصب من خلال اعتماد مبدأ التباري حول هذه المناصب بين أجود الكفاءات التي تزخر بها الإدارة المغربية، كما ساهم في الرفع التدريجي من نسبة ولوج النساء إلى مناصب المسؤولية، وهو ما حرصت الحكومة على تطبيقه في مختلف التعيينات، وأضاف: «وأحرص شخصيا على احترامه والقيام بما يتعين كلما بلغ إلى علمي أي مس بهذه المبادئ والأهداف».

وأقر رئيس الحكومة بوجود اختلالات ونقائص، بعد سبع سنوات من اعتماد هذه المنظومة، مشيرا إلى أن الحكومة تنكب على إعداد مشروع مرسوم جديد خاص بالمناصب العليا في اتجاه تكريس معايير الاستحقاق والكفاءة والمهنية واعتماد التدبير التعاقدي المبني على الأهداف والنتائج والتقييم وربط المسؤولية بالمحاسبة، وسيتم عرضه على مسطرة المصادقة.

«ريع» المناصب العليا

فجر الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين، خلال الأسبوع الماضي، فضيحة من العيار الثقيل، عندما كشف، على لسان المستشار البرلماني رحال المكاوي، عن استحواذ الأحزاب المشكلة للأغلبية على جل المناصب العليا، مقابل إقصاء الموظفين أصحاب الكفاءات والخبرة في مجالات عملهم. وأكد المكاوي أن التعيينات في المناصب العليا تتم عبر المحسوبية والعلاقات الشخصية دون فتح المباراة أمام الكفاءات المغربية، مشيرا إلى  أن نسبة 95 في المائة من التعينات في المناصب العليا تمت على أساس ما سماه «المقربين والانتماء الحزبي»، موضحا أن قرار التعيين أصبح يحكمه اختيار شخصية تفصل على مقاس المصالح الذاتية، وأضاف قائلا: «إن الإدارة المغربية تعيش مشاكل لا حصر لها بسبب الاختلالات المسجلة في التعيين في المناصب العليا»، موضحا أن القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا يعطي لرئيس الحكومة تعيين 1100 إلى 1150 منصبا ساميا. وكشف المستشار الاستقلالي أن هناك ألف منصب تم توزيعها خلال الولاية السابقة والحالية، ما يعني، حسب قوله، أن كل الإدارة شملها التغيير، قبل أن يشير إلى أن طرق التعيين في المناصب العليا تضرب بعرض الحائط المبادئ والمقتضيات الدستورية المتعلقة بالمساواة والكفاءة وتحسين الإدارة العمومية، داعيا إلى إقرار مبادئ الشفافية والنزاهة في التعيينات بالمناصب العليا.

وفي رده على هذه الاتهامات، أقر محمد بنعبد القادر، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية، بوجود ثغرات في القانون التنظيمي المتعلق بالتعيينات في المناصب العليا. وأكد الوزير أن حل إشكالية التعيينات في المناصب العليا يستلزم وضع هيئة مستقلة أو مصلحة مركزية توحد المواصفات المطلوبة في المرشحين كيفما كانت القطاعات التي سيعملون بها، وتضبط شروط تعيين هؤلاء، باعتبارهم نخبة الادارة العمومية وقيادتها. وأوضح الوزير أن أنجح التجارب العالمية في مجال التوظيف تخصص هيئة مستقلة للتعيين في المناصب العليا حيث تضع توصيفات موحدة للمرشحين كيفما كانت القطاعات التي سيعملون بها. وقال الوزير: «إن القانون التنظيمي، وهو يحيل إلى الآلية التنظيمية للمباراة، لم يكن دقيقا في تنزيل المبادئ الدستورية»، موضحا أن القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا ترك فراغات وأشياء مهمة للمرسوم التنظيمي، مضيفا أنه أعطى المبادئ وترك للمرسوم التنظيمي طريقة تجسيدها، وأن المرسوم التنظيمي أحدث لدى السلطة الحكومية المعنية لجنة، أي أن كل سلطة معنية مكلفة بإحداث لجنة. وذكر المسؤول الحكومي أن هذا المرسوم التنظيمي يحدث اللجنة لكنه لا يتحدث عنها، كما أن المرسوم ذاته أعطى للسلطة الحكومية المعنية عند فتح المنصب أن تقوم بتوصيف شروطه.

وأكد الوزير أنه بعد تقييم هذه الآليات القانونية، تبين أن هناك تفاوتا بين القطاعات في تجسيد شروط الكفاءة والأقدمية والمستوى العالي، مشيرا إلى أنه بعد وضع الشروط يكاد يوازي ذلك مسح المبادئ الدستورية، مشددا على أن قناعة الحكومة هي تعديل القانون التنظيمي ككل وليس فقط الاكتفاء بتعديل المرسوم التنظيمي، موضحا أن الممارسات الفضلى في العالم لا توجد فيها لجنة محدثة لدى الوزارة العليا ولكن توجد هيئة مستقلة أو مصلحة مركزية توحد المواصفات والمبادئ، مشددا على ضرورة الحاجة إليها.

 واعتبر بنعبد القادر أن القانون التنظيمي الصادر سنة 2012، لم يكن دقيقا في تنزيل المبادئ الدستورية، لأنه ترك العديد من الفراغات والأشياء المهمة للمرسوم التنظيمي، وأهمها إحداث لجنة لدى القطاع الحكومي المعني بفتح المناصب العليا، لتقوم بنفسها بتوصيف المنصب ووضع الشروط المروج تواجدها في المرشح، مضيفا أن التقييمات التي قامت بها وزارته، كشفت عن وجود تفاوت بين القطاعات في توصيف المناصب وتجسيد شروط الكفاءة ومفهوم الأقدمية وتحديد معنى المستوى العالي والشهادات ومعادلاتها.

مراجعة القانون

بعد الجدل الذي أثاره القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، شرعت وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة في مراجعة مقتضياته، بعدما أبانت الممارسة العملية لتطبيق هذا القانون، وجود ثغرات واختلالات تشوب هذا القانون في ما يخص تعيين مجموعة من المسؤولين بالمناصب العليا، كما كشف عن انزلاقات وقعت أثناء اختيار بعض المسؤولين ببعض المناصب. وقامت الوزارة بإنجاز تقييم لتطبيق القانون طيلة السبع سنوات الماضية، وتبين وجود انزلاقات واختلالات بنسبة كبيرة، ولذلك قررت إعادة النظر في هذا القانون، بوضع صيغة جديدة ستعرض على المجلس الحكومي والبرلمان، خلال السنة التشريعية المقبلة. ومن بين المواد التي ستشملها المراجعة، تلك المتعلقة بطريقة تشكيل اللجان التي تتكلف بدراسة ملفات الترشيح وانتقاء المرشحين، كما ستتم إعادة النظر في تركيبة هذه اللجان، وتوحيد الشروط للمناصب المتشابهة بالقطاعات الحكومية. وقال مصدر من الوزارة: «لا يعقل أن تضع كل وزارة شروطا على المقاس لمناصب متشابهة»، موضحا أن «وزارة تضع شروطا بسيطة على المقاس لمنصب الكاتب العام، فيما تضع وزارة أخرى شروطا متشددة لنفس المنصب»، كما ستتم مراجعة السلطة التقديرية التي منحها القانون للوزير المشرف على القطاع في حسم المرشحين الثلاثة الذين تعرض أسماؤهم على المجلس الحكومي.

وسبق لفريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أن طالب بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول التعيينات في المناصب العليا التي تمت في عهد الحكومتين السابقة والحالية، لكن لم تتجاوب فرق الأغلبية مع هذا الطلب، واكتفت بعض الأصوات بالدعوة العاجلة لمراجعة قانون 92.00 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، حسب ما كشف عنه محمد أبو درار رئيس الفريق أثناء مناقشة الحصيلة المرحلية التي قدمها رئيس الحكومة أمام غرفتي البرلمان، متحدثا عن بناء التشكيلة الحكومية الحالية على منطق تقسيم الكعكة بين مكوناتها، وأضاف قائلا: «وهذا ما ظهر جليا  منذ الإعلان عن تشكيل الحكومة في ضرب صارخ لكل مقومات ترشيد النفقات وحكامة التدبير والتسيير.. وأصبحت بعض القطاعات الوزارية ملحقات حزبية لبعض مكونات الأغلبية، حيث اجتهدت كل الوزارات في تأويل قانون التعيين في المناصب العليا لمصلحتها وتكييفه من أجل الإعلان عن مباريات على المقاس، تكون نتيجتها محسومة سلفا، ومعروفة حتى قبل الإعلان عن المباراة»، وتساءل: «عن أي نزاهة يتحدث رئيس الحكومة؟».

لهذه الأسباب سارع بنكيران إلى إخراج قانون «توزيع» المناصب العليا

شهدت الولاية الحكومية السابقة أكبر عملية لتوزيع «الغنائم» السياسية بين مكونات أغلبيتها، بحيث تحولت أغلب اجتماعات المجلس الحكومي إلى اجتماعات لتوزيع «كعكة» المناصب العليا على المقربين من أحزاب التحالف الحكومي، وهو ما يفسر السرعة التي أخرج بها رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، مباشرة بعد تعيينها بداية سنة 2012، للقانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، وهو أول قانون خرج في عهد الحكومة السابقة، رغبة من الحزب الحاكم في «تبليص» أعضائه وأعضاء ذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح، بمراكز القرار داخل مختلف الإدارات العمومية. ورغم أن القانون جاء للقطع مع منطق الزبونية والمحسوبية والمحزوبية التي كانت متفشية في عهد الحكومات السابقة، إلا أن وزراء في الحكومة الحالية أصبحوا يتحايلون على القانون بشتى الطرق لتنصيب مقربين منهم بمناصب يتم وضع شروط مفصلة على مقاس المحظوظين لنيلها.

وبلغ، برسم الفترة 2012 و2016، عدد التعيينات في المناصب العليا المتداول بشأنها في المجلس الحكومي، ما مجموعه 646 تعيينا و81 إعفاء وحركية موزعة على 31 قطاعا. وعندما نتحدث عن المناصب العليا، فإننا نتحدث عن المناصب التي يفوق أجر أصحابها 5 ملايين سنتيم شهريا، ومنهم من يتقاضى أجورا تفوق أجور الوزراء ورئيس الحكومة نفسه، دون الحديث عن آلاف مناصب المسؤولية التي فوتت دون حسيب ولا رقيب خلال الخمس سنوات الأخيرة، بمختلف الوزارات والإدارات العمومية، حيث تم تعيين 188 مديرا مركزيا بالوزارات، و95 مسؤولا في درجة مهندس عام ومتصرف عام، و83 مديرا للمؤسسات العمومية، و82 مديرا للمعاهد والمدارس، و73 عميد كلية، و26 كاتبا عاما بالوزارات، و25 مدير أكاديمية، و23 مفتشا عاما بالوزارات، و16 مديرا لمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، و13 رئيس جامعة.

واستحوذت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على 148 منصبا، متبوعة بوزارة التربية الوطنية ب 54 منصبا، ثم وزارة الفلاحة ب 44 منصبا، ثم وزارة الطاقة والمعادن ب 40 منصبا، ووزارة التعمير وإعداد التراب الوطني 39 منصبا، ووزارة التجهيز والنقل 38 منصبا، ووزارة الداخلية 31 منصب، والمندوبية السامية للتخطيط 26 منصبا، ووزارة الصناعة 18 منصبا ووزارة العدل والحريات 16 منصبا، ووزارة الشؤون الخارجية 14 منصبا، ووزارة الاقتصاد والمالية 12 منصبا، وتوزعت 123 منصبا على قطاعات أخرى.

والخطير في الأمر، أن العديد من وزراء الحكومة المنتهية كانوا يتحايلون على مرسوم التعيين في المناصب العليا، لكي تسهل عليهم عملية اقتسام «الغنيمة»، من خلال عدم اقتراح لجان الانتقاء التي يشكلونها أي اسم لشغل المنصب، لكي تتاح لهم الفرصة بموجب القانون اقتراح الاسم الذي يريدونه على المقاس للمنصب المعني، ويكون ذلك بموافقة رئيس الحكومة خلال مداولات مجلس الحكومة. وهذه المسطرة الأخيرة لجأ إليها العديد من الوزراء لتعيين مقربين من أحزابهم، بحيث يتم تشكيل لجان انتقاء على المقاس، وتقوم هذه اللجان برفض ملفات الترشيح المعروضة عليها، لكي تمنح الفرصة للوزير بتعيين المرشح أو المرشحة التي يرغب فيها للمنصب المذكور.

وأكبر مستفيد من عملية اقتسام «وزيعة» المناصب، هما حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، حيث تمكن نبيل من تنصيب قياديين مقربين منه في مناصب عليا، وذلك إثر صفقة بين حزبي التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية بتعيين المنتمين للحزبين في المناصب العليا ومناصب المسؤولية بالوزارات التي يسيرها الحزبان، كما دارت حرب أخرى حول التعيينات في مناصب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، بحيث يسعى كل حزب إلى بسط سيطرته على جامعة معينة، فيما بذل الحزب الحاكم مجهودات كبيرة لتثبيت مقربين منه في مواقع المسؤولية بالكليات والمؤسسات الجامعية، باستغلال السلطة التي يتمتع بها للتعيين في مناصب المسؤولية، وفي استغلال «تعسفي» لقانون التعيين في المناصب العليا.

هكذا يتحايل الوزراء على قانون التعيين في المناصب العليا

يلجأ العديد من الوزراء إلى التحايل على مرسوم التعيين في المناصب العليا، من خلال عدم اقتراح لجان الانتقاء التي يشكلونها أي اسم لشغل المنصب، لكي تتاح لهم الفرصة، بموجب القانون، لاقتراح الاسم الذي يريدونه على المقاس للمنصب المعني.

وبخصوص  مسطرة اقتراح المرشحات والمرشحين لشغل المناصب العليا التي يتم التداول في شأن التعيين فيها في مجلس الحكومة، حدد المرسوم الصادر بتاريخ 11 أكتوبر 2012 مسطرة اقتراح المرشحين والمرشحات لشغل المناصب العليا وكذا كيفية تقديم ملفات ترشيحهم وعرضها من قبل رئيس الحكومة على مجلس الحكومة، بحيث يتم الإعلان عن فتح باب الترشيح لشغل المناصب العليا، بقرار للسلطة الحكومية المعنية، بعد إطلاع رئيس الحكومة، ينشر على الموقع الإلكتروني لرئاسة الحكومة وللسلطة الحكومية المعنية وعلى البوابة الإلكترونية للتشغيل العمومي. وينص القرار على المنصب المراد شغله، والمواصفات المتعلقة به، طبقا للدليل المرجعي للوظائف والكفاءات عند توفره والشروط التي يجب توفرها في المرشحين والمرشحات، لاسيما المستوى العلمي المطلوب والكفاءات والتجربة المهنية اللازمة المحددة من قبل السلطة الحكومية المعنية، وتحديد المكان أو الموقع الإلكتروني الذي يمكن سحب ملف الترشيح منه، وأجل إيداع الترشيحات الذي يجب ألا تقل مدته عن عشرة أيام. وتودع ملفات الترشيح لدى السلطة الحكومية المعنية، وتتكون من مطبوع نموذجي موحد يحدد بقرار للوزير المكلف بالوظيفة العمومية.

 بعد ذلك، تحدث لجنة دراسة الترشيحات بقرار للسلطة الحكومية المعنية، بعد إطلاع رئيس الحكومة، ويعهد إليها بمهام التأكد من توفر الشروط المطلوبة من قبل المرشحات والمرشحين والقيام بانتقاء أولي لسبعة منهم على الأكثر بناء على ملفات الترشيح، وإجراء مقابلات مع المرشحات والمرشحين الذين تم انتقاؤهم إثر ذلك، تقدم لجنة الترشيحات للسلطة الحكومية المعنية قائمة تتضمن ثلاثة مرشحات ومرشحين على الأكثر، مرفقة بتقرير عن حصيلة أشغالها. وترفع السلطة الحكومية المعنية إلى رئيس الحكومة، داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ انتهاء أجل تقديم الترشيحات، مذكرة موقعة من قبلها تتضمن اقتراحها ثلاثة من المرشحات والمرشحين للمنصب المراد شغله، مرفقة بتقرير اللجنة المكلفة بدراسة الترشيحات، ونسخة من قرار السلطة الحكومية المعنية المتعلق بالإعلان عن فتح باب الترشيح، ونسخة من ملفات الترشيح المتعلقة بالمرشحات والمرشحين المقترحين، ويقوم رئيس الحكومة بعرض الترشيحات التي توصل بها على مجلس الحكومة في حدود مرشحة أو مرشح لكل منصب.

وفي حال عدم التوصل بأي ترشيح أو في حال عدم اقتراح أي مرشحة أو مرشح من قبل لجنة دراسة الترشيحات، يتم اتباع مسطرة خاصة، حيث في حال  عدم التوصل بأي ترشيح تقوم السلطة الحكومية المعنية، بمبادرة منها، باقتراح مرشحة أو مرشح على رئيس الحكومة لعرض تعيينه على مداولات مجلس الحكومة، وفي حال عدم اقتراح أي مرشحة أو مرشح من قبل لجنة دراسة الترشيحات، تطلب السلطة الحكومية المعنية من اللجنة المذكورة إعادة دراسة الترشيحات المقدمة لها، وإذا لم تتوصل اللجنة إلى اقتراح أي ترشيح من جديد، تقوم السلطة الحكومية المعنية، بمبادرة منها، باقتراح مرشحة أو مرشح على رئيس الحكومة لعرض تعيينه على مداولات مجلس الحكومة.

وهذه المسطرة الأخيرة لجأ إليها العديد من الوزراء لتعيين مقربين من أحزابهم، بحيث يتم تشكيل لجان انتقاء على المقاس، وتقوم هذه اللجان برفض ملفات الترشيح المعروضة عليها، لكي تمنح الفرصة للوزير لتعيين المرشح أو المرشحة التي يرغب فيها للمنصب المذكور.


إقرأ أيضا