أدب السجون.. بوح الجسد المغلول والروح الجريحة - تيلي ماروك

أدب، كتب أدب السجون.. بوح الجسد المغلول والروح الجريحة

أدب السجون.. بوح الجسد المغلول والروح الجريحة
  • 64x64
    telemaroc
    نشرت في : 14/03/2022

 

أدب السجون نوع أدبي يصف الأدب المكتوب عندما يكون الكاتب محكوماً بقضاء مدة سجنية معينة، قد تطول وقد تقصر. وقد يكون المكان سجناً أو إقامة جبرية. ويمكن أن تكون النصوص المكتوبة عن محنة مذكرات أو رواية أو شعراً. 

ومن أبرز وأقدم الأمثلة التاريخية من أدب السجون كتاب بوثيوس «عزاء الفلسفة» (546 م). وأيضاً كتاب «الكوميديا الإلهية لدانتي أليغيري (1265-1321). ونذكر أيضاً ما سجله سرفانتس الذي كان أسيراً على سفينة بين 1575 و1580. وفي الرواية العربية الحديثة نسجل: «شرف» لصنع الله إبراهيم، «شرق المتوسط» لعبد الرحمن منيف، «تجربتي في سجن النساء»، «السكن في الأدوار العليا» لنوال السعداوي، «العصفور الأحدب» لمحمد الماغوط، «القوقعة» لمصطفى خليفة.

من الكتب التي تدخل في صنف أدب السجون في المغرب، نذكر رواية الطاهر بنجلون «تلك العتمة الباهرة» (ترجمة) وأحداثه مستلهمة من شهادة عزيز بينبين، المعتقل السابق في سجن تزمامرت. وقد صدر بالفرنسية سنة 2000، وفاز بجائزة «إمباك الأدبية»، وقد ترجمها بسام حجر وأصدرتها دار الساقي سنة 2002. أما الشخصية الواقعية التي أوحت لبنجلون بكتابة الرواية فهو عزيز بينبين، المزداد سنة 1946 بمراكش. وقد أمضى عشرين سنة سجيناً منها ثماني سنوات في معتقل تزمامرت.

تحكي «تلك العتمة الباهرة» مأساة واقعية عاشها مجموعة من العسكريين الذين اتهموا بتنفيذ محاولة انقلاب الصخيرات على الملك الحسن الثاني عام 1971. وقد تم القبض على مخططي ومنفذي المحاولة، وأودعوا السجون قبل نقلهم إلى سجن تزمامرت، الواقع على أطراف الصحراء الشرقية المغربية. وتم فتحه للمعتقلين سنة 1973، وهو مدفون في الرمال كما يصفه الراوي: «كان القبر زنزانة يبلغ طولها ثلاثة أمتار وعرضها متر ونصف. أما سقفها فواطئ جداً يتراوح ارتفاعه بين مائة وخمسين ومائة وستين سنتمتراً. ولم يكن بإمكاني أن أقف فيه.» ولا يمكن للقراء المغاربة نسيان كتاب «مناديل وقضبان» للشاعرة ثريا السقاط، ورواية «العريس» لابنها الشاعر والمعتقل صلاح الوديع، والسيرة الذاتية لعبد القادر الشاوي «كان وأخواتها»، وكتاب «حديث العتمة» لفاطنة البيه و«السجينة» لمليكة أوفقير.

ومن مذكرات السجن التي تركت أثراً كبيراً يمكن ذكر كتاب محمد الرايس «من الصخيرات إلى تزمامرت.. تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم». وقد كتبه المؤلف بالفرنسية، وترجمه عبد الحميد الجماهري إلى اللغة العربية، وطبع سنة 2000. وأيضاً كتاب أحمد المرزوقي «تزمامرت.. الزنزانة رقم 10». وهو شهادة على ما واجهه المؤلف في سجن تزمامرت لمدة ثماني عشرة سنة ونشره سنة 2001، وقد قام المؤلف نفسه بترجمته إلى العربية، ونشره المركز الثقافي العربي سنة 2012.

في سنة 2010 أصدر اتحاد كتاب المغرب، بدعم من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، كتابا بعنوان «الذاكرة والإبداع، قراءات في كتابات السجن». وقد احتوى على دراسات وأبحاث قدمت في ندوة نظمت سنة 2006. من محاور الكتاب: كتابة الاعتقال السياسي: فضاء المكاشفة والمراجعة والنقد، شهادة الجسد الأسير»، أدب السجون في المغرب: من الشهادة إلى التخييل، الكتابة السجنية بالمغرب، رصدٌ لمعالم التحول في المرجعيات وأساليب الكتابة، الهوية الأنثوية والتحويل في «حديث العتمة» لفاطنة البيه»، نصوص تزمامرت، البوح والكتابة، الغرفة السوداء، الذاكرة والكتابة، هل للحرية ملامح أو حينما تقترب السينما المغربية من موضوع الاعتقال السياسي..

أدب سجون أم أدب حرية؟

 

د. محمد عبيد الله / الأردن

أدب السجون لون من ألوان الأدب الذي يعبّر فيه الكاتب أو المؤلّف عن تجربة داخل السجن، سواء أعاش الكاتب التجربة مباشرة، أو تمثّلها من خلال تجارب غيره من السجناء، ولكن ربما كانت النماذج الأشهر والأقوى هي الكتابات التي اعتمدت على التجربة الذاتية، بمعنى أن الكاتب هو السجين نفسه، ونظرا لهذا البعد الذاتي فإن طائفة كبيرة من كتابات أدب السجون لجأت إلى نوع (السيرة الذاتية) الذي يتيح كتابة الذات والتعبير عن تجاربها عبر المزج بين الذاتي والجماعي.

وفي فلسطين هناك عدد كبير من الكتاب والأدباء شغلوا بأدب السجون، نظرا للوجود الواقعي للسجن في الواقع الفلسطيني، بل يمكن ببعض التجوز أن نرى فلسطين كلها قد تحولت إلى سجن كبير تحت الاحتلال، ولكن بعيدا عن المجازات هناك عشرات الآلاف من أبناء شعبنا يقبعون في سجون الاحتلال التي تستعمل فيها أحدث أساليب «التكنولوجيا» لقمع الإنسان وحجز حريته ومنعه من المقاومة في تجربة قاسية من أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الإنسان. 

ولذلك فموضوع السجن من الموضوعات الكبرى في الأدب الفلسطيني، واليوم هناك وعي به لدى السجناء وذويهم، ولدى بعض الدارسين وبعض دور النشر داخل وخارج فلسطين. وهو ما نؤيده وندعو إلى مزيد من الاهتمام به ليتطور من الناحية الفنية ويكتسب هويته الأدبية الخاصة.

أبرز الكتابات من الناحية الفنية هي ما كتبه أدباء ومبدعون لهم عناية بالأدب قبل السجن وبعده، من مثل ما كتبه أدباء معروفون تعرضوا للسجن في بعض مراحل حياتهم من مثل: عبد الناصر صالح، والمتوكل طه، وفايز أبو شماله، وصولا إلى كتابات أسامة العيسة الذي وضع رواية سيرية مهمة بعنوان (المسكوبية) وهو اسم مبنى قديم حوله الاحتلال إلى سجن شهير قرب مدينة القدس. وفي مجال السيرة الذاتية يمكن أن أمثل بسيرة الأديبة والسجينة السابقة عائشة عودة التي وضعتها في كتابين ينتميان للسيرة الذاتية: الأول (أحلام بالحرية) والثاني (ثمنا للشمس)، وهما أيضا من الكتب التي جمعت بين قوة التعبير عن التجربة في المعتقل أو السجن، وفي المستوى الفني والأدبي الرفيع الذي يمنح أدب السجون ما يحتاج إليه من الصمود الأدبي. 

أدب السجون في فلسطين لون من ألوان أدب المقاومة، يعبر فيما يعبر عن أشواق الإنسان الفلسطيني إلى الحرية، وإلى زوال الاحتلال، ويجسد جانبا من معاناة أبناء شعبنا وهم يواجهون آخر قوى الاستعمار في العصر الحديث، وهو أدب جدير بالقراءة والاهتمام من النقاد والقراء لشدة ارتباطه بواقعنا، ولقوة شهادته على ما يتعرض له الإنسان والمكان والزمان من محاولات للاقتلاع والتغيير والعبث، إنه أدب الصمود والمقاومة، والأدب الحي مهما يبلغ العسف والظلم والعدوان.

 

حوار مع الباحث الأستاذ مبارك حنون

 

أدب السجون انتفاضة فكرية يُعبَّر عنها بانتفاضة لغوية  

 

حاوره: محمود عبد الغني

الأستاذ مبارك حنون (دكتوراه موضوعها في بنية الوقف وبنينة اللغة) أستاذ اللسانيات والصواتة أساسا. درس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، وجامعة الأخوين، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، فأستاذا بجامعة قطر. كما شغل منصب مدير للمدرسة العليا للأساتذة بمكناس ومديرا لأكاديمية مكناس تافيلالت ومديرا لأكاديمية سوس ماسة درعة. أصدر رفقة العمري والولي وأوراغ ولحميداني سنة 1985 مجلة دراسات أدبية ولسانية.

أصدر عددا من الكتب منها: مدخل إلى لسانيات سوسير، اللسانيات الزمنية، الصواتة البصرية، في التنظيم الإيقاعي للغة العربية، في السيميائيات العربية القديمة، دروس في السيميائيات. مثلما شارك في ترجمة بعض الكتب منها الشعرية العربية لجمال الدين بن الشيخ، وقضايا الشعرية لياكوبسون والصواتة المقطعية لكليمنتس وكايزر، والصواتة التوليدية الحديثة لفان در هالست ونورفال سميث. سيصدر له قريبا كتاب يحمل عنوان «من اختلاف اللسانيات إلى لسانيات الاختلاف». صدر له أيضا ديوان شعر عنوانه «وتغادر الأصوات حروفها».


 

بداية لنعرف مفهوم أدب السجون، ما أبعاده ودلالته؟

يحيل مفهوم أدب السجون إجمالا على كل كتابة يكون موضوعها الاعتقال وسلب الحرية داخل الوطن وخارجه، كتابة تتمرد على الوضع غير الطبيعي وغير الإنساني، وتنشد الإعلاء من إنسانية الإنسان والإصرار على احترام كامل شخصه ومختلف حقوقه الفردية والجماعية وأحلامه في تبني قيم الجمال والاختلاف وتدبير كافة شؤونه وفقها. لكن أدب السجون لا ينبغي أن يقتصر مفهومه في ما ذكر، بل يتعداه إلى طريقة الكتابة وأسلوب الإبداع. فالكتابة، في هذا النوع من الأدب، لغة تتحرر من طقوس التحجر، لغة وتراكيب ودلالات تسعى إلى الانفكاك من قيود اللغة ونظامها وبناءاتها الفنية والاستعارية التي جعلت من نفسها أحيانا قلعة سجنية. أدب السجون، إذن، محتوى وشكل، محتوى الانتفاضة الفكرية الذي يعبَّر عنه بانتفاضة لغوية بفتح مسارب غير معتادة في استعمال اللغة والتخييل. كتابة عن الواقع تتسامى وترتفع عنه لتشتبك مع المألوف. ومن نافلة القول تأكيد أن أدب السجون يشمل السرد والشعر والرسم والتأمل والغناء. إنه اللغة التي تنسج نحوها الدلالي والتركيبي والصوتي والتداولي بأسلوب متمرد على القوالب الفكرية والعاطفية وعلى أشكال الكتابة. إنه معادلة لفظية وإبداعية جديدة بحيث يكون الأهم هو كيف نقول العالم وأشياءه بلغة لا تخاف ولا تنتكس، لغة تحب الحياة وتنتصر لها. إذن، هناك بعد سردي (حكائي): بناء المقول وانتقاء شكله غير المناصر للواقع بل المستعصي عليه. وهناك بعد أخلاقي إذ يتعلق الأمر بما سمي سابقا الفن الملتزم.  

 

هل حقق هذا الأدب في المغرب التراكم الكافي لتأمله ونقده أو الحكم عليه؟ 

ليس أدب السجون بالأدب الجديد، فهو قديم بقدم صوغ الإنسان لثوابت حياته وقيمه وأسس جماليات حركيته الفكرية والحياتية واللغوية والفنية. ومع أنه قديم في الوجود، إلا أن الاهتمام به جديد. فجميعنا يتذكر نبيل سليمان الذي كان أول من استعمل هذه التسمية سنة 1973 مُحيلا على كتابات موضوعها الاعتقال لأسباب سياسية. لقد عرفت الإنسانية على امتداد تاريخها تجارب اعتقال وتعذيب مريرة وكفاحا عنيدا من أجل كرامة الإنسان والانتصار لعقله ووجدانه وخياله واختلافه. وقد خلفت هذه التجارب من ورائها عددا هائلا من الأعمال الإبداعية التي تشكل ما أصبح يسمى أدب السجون. غير أن أدب السجون، وهو الآن نوع من أنواع الأدب، يتجاوز الكتابة السردية ليطول الكتابة الشعرية والرسم والغناء.. وعلى الرغم من قدم هذا النوع من الكتابة، فإنه لم يحظ بالتنظير والتأطير وإن كثرت الكتابات عنه. فما يزال مشتتاً غير محدد المعالم: مجالاته، وخصوصياته الفنية والمضمونية، وبناءاته الشكلية. الغائب، إذن، شعرية سجنية (بوويتيقا) معترف بها، أي نظرية لشعرية الاعتقال تحدد الموضوعات، والبناء الشكلي لكل خطاب من الخطابات السجنية، تجاوزا للتنظيم والتصنيف والتبويب. وربما يساعدنا ما أشرنا إليه على القول بأن شعرية السجن ما تزال في بلدنا فقيرة إلى اهتمامات أكاديمية مختلفة وواسعة. ويقودني هذا القول إلى أن أزعم بأن التراكم يبقى تراكما كميا، وهو عنصر مهم، ويؤشر على قدوم تراكم كيفي، وهو تراكم يحتاج إلى بلورة أدوات شكلية ومضمونية. أي أننا بحاجة إلى مأسسة هذا النوع من الأقوال. إن الاقتصار على الجمع والتعقب انطلاقا من هواجس سياسية بالدرجة الأولى لا يسعفنا أي منهما على إرساء بنية نقدية قويمة. 

أسماء عديدة، على مستوى المغرب، توالت على كتابة تجاربها في الاعتقال: عبد الله زريقة، عبد اللطيف اللعبي، صلاح الوديع، عبد القادر الشاوي، محمد شبعة، بزيز، أحمد المرزوقي، العربي مفضال، محمد فكري، عبد العزيز مريد، جواد مديدش... وغيرهم كثير. ونلاحظ أنهم لا يتقاسمون على نحو متوازن خبرات في الكتابة وفي استيعاب فنيتها وبسطها. هذه الكتابات بحاجة إلى تحليلها في مختبرات شعرية للوقوف على مدى حضور مقومات الشعرية، فكتاب الأدب السجني لا تجمع بينهم مقدرات أكاديمية ولغوية وفنية، فهم قادمون من أوساط ومستويات فكرية ومعرفية وفنية مختلفة بحيث يصح القول بأننا أمام كشكول من النصوص المتباينة إلى حد بعيد. وبعبارة أخرى، فالأوساط النقدية تعرف تخلفا على مستوى متابعة الممارسة الإبداعية إذ لم تدرس هذه الأعمال التي تكاثرت في السنوات الأخيرة لتقف على محدداتها البنيوية وهندساتها الشكلية والمضمونية. 

 

هل يجب أن تكون كاتبا ومعتقلا في الآن نفسه لتكتب عن تجربة الاعتقال؟ 

أعتقد أن الكتابة عن تجربة الاعتقال، باحترام مقومات الكتابة الفنية، تستلزم أمرين اثنين: معرفة دقيقة بما يكتب عنه الكاتب من موضوعات جديدة وتشظياتها على النفس والخيال، ومعرفة عدد من أساليب الكتابة وخاصة منها الابتكارات الكتابية التي تجود بها مثل هذه الموضوعات. هذان الأمران يستوجبان اشتراط المعرفة الدقيقة لتلك الموضوعات وطرائق عرضها، وهي قد تتأتى وقد لا تتأتى للكاتب سواء أجرب الاعتقال أم لم يجربه، وإن كنت أميل إلى من عايش الاعتقال وخبر معاناته وابتدع طرقا وأساليب في عرض الوقائع والمشاعر والخيالات.

هل يمكن اعتبار أدب السجون شهادة صادقة، أم ينبغي مقاربته بحذر منهجي وأدبي؟ 

نتخذ بإزاء هذا النتاج موقفين اثنين لا يلغي أحدهما الآخر. فقد يكون صادقا وقد يكون «كاذبا». إلا أن الكاذب قد يكون، من الناحية البنائية، متسما بالألق الفني. الحذر مطلوب، والإنصات إلى النتاج بطرفيه مطلب موضوعي، والأهم كيفية صياغة العمل الفني وموقعه من المرجعيات المذهبية الشعرية. ربما يستدعي الأمر إجراءات تفكيكية تتلوها إجراءات بنائية يكون من شأنها وضع موجهات نظرية ومنهجية تسهم بدورها في بناء معمارية هذا النوع الأدبي وتحديد معالم وملامح تداخل الأنواع وتعاشرها.

 

ما النماذج التي تقترح قراءتها في المغرب أو العالم العربي أو العالم؟ 

لا أعتقد أننا بحاجة إلى نماذج للكتابة السجنية، فنحن نعيش لحظات كتابية وإبداعية تجريبية إلى درجة يمكننا القول معها إن المنجز يعبر عن حقائق نحن بحاجة إلى ترصيدها. يبقى المهم هو أن نكتب عن القمع السياسي والثقافي واللغوي وأن نكتب عن المعاناة وجميع ضروب التعذيب، وعن ردود فعل المعتقل تجاه ما مورس ضده وأساليبه للتصعيد والتجاوز وتخيل أحلامه في لحظات الاكتئاب والحلول وانشراح الذات واستقبالها الحميمي لجراحات الآخرين. لا مدعاة للنموذج إلا بعد تحقيق تراكم كمي وكيفي يسعف على تصور نظرية شعرية للاعتقال والنفي. وفي كل الأحوال، فإن المتابعة والتأطير النقديين هما الكفيلان باستخراج عناصر شعرية السجون وتحديد ما يميزها عن باقي الخطابات الأخرى. ونشير، بهذا الصدد، إلى بدايات تأطيرية واعدة مكتوبة باللغة الفرنسية  (عبد السلام الوزاني، قنيني عبد اللطيف،). ومع ذلك، فهناك إشراقات أشرت إلى بعضها في مطلع هذا الحوار. ومؤدى كلامي هذا هو أننا مطالبون بقراءة كل النتاجات دونما ميز لمعرفة حركيتها.

 

ألا يخاف الجلاد وهو يعتقل المثقفين والكتاب من شهادتهم؟

في اعتقادي، القضية ليست قضية خوف السلطة بالمعنى الحرفي للكلمة. هي قضية الجهر بالرأي والانتصار للحرية وقبول الرأي الآخر. صوت السجين يعلو ولا يعلى عليه وإن كان السجان يتوفر على آلات وآليات إسكات الصوت المعارض. ربما لا يكون صوت السجين بقادر على بلوغ غايته لأن مقاومة الفتك بإنسانية الإنسان مسألة وطن بأتمه ومسألة شعب بفئاته المختلفة وبتنظيماته المتنوعة يشكل الكاتب والمثقف فيها ناطقا متميزا ذا أسلوب خاص وحراك لغوي وإبداعي يعزز حراك الجمهور ولا ينوب عنه. مجال الحراك الرمزي لن يعوض الحراك الشعبي. لكن الدور المعزز هو ما ينبغي تنزيله من خلال اجتهادات ومبادرات تفتح إمكانات التقدم. 

صحيح أن السلطة تقلقها شهادات الكتاب والمثقفين، إلا أن هامش الحرية المتاح للناس قد يبتلع هذا التمرد ويحد من مداه ما لم تكن قوى الشعب منظمة وموحدة ومستقلة.