الحشاشون .. - تيلي ماروك

طائفة الحشاشين، صلاح الدين الأيوبي، الإسماعلية الحشاشون ..

الحشاشون ..
  • 64x64
    خالص جلبي
    نشرت في : 10/11/2021

 

كلمة الاغتيالات في اللغة الأجنبية يمكن قراءتها باللغة العربية، لنحاول نطقها (أساسيناتيون Assassination)، الحشاشون بكلمة أخرى. ولكننا نلمح فيها بشكل واضح كلمة الحشاشون، التي حملها الصليبيون عقب مغادرتهم الشرق الأوسط، بعد أن ابتلوا فيه ونالهم ضرب من اغتيالات فرق الحشاشين، ولكن من هم فعلا؟ ولماذا تركوا خلفهم صورا من الرعب؟ ونحن نعرف أن الكثيرين نالتهم خناجر الحشاشين، بمن فيهم صلاح الدين الأيوبي الذي نجا منهم بأعجوبة، بعد ثلاث محاولات اغتيال. ولم يجتثوا من الأرض إلا على يد المغول، وهو أمر يدعو للتوقف، فلماذا رصد المغول جهدهم للقضاء على هذه المجموعة في إيران الحالية «قلعة الموت أو آلموت؟». لقد وقع تحت يدي بحث يتكلم عن تاريخهم، ليقول إن الإرهاب جاء مع هذه المجموعة وفي قناعتي كانوا شكلا متقدما من فرق الاغتيالات السياسية، وإلا ففي كل مجتمع وبيئة يخرج أناس من هذا الطراز، ولكن المجموعة التي بين أيدينا نالت قصب السبق في فنون الاغتيالات المنظمة. فمن كان الإرهابي الأول فيهم؟ 

كان ذلك الرجل (حسن الصباح) هو مؤسس فرقة الحشاشين، كما جاء في كتاب أصدره الباحث الألماني «هاينتس هالم Heinz Halm» بعنوان «الحشاشون.. تاريخ عصابة سرية». الجديد في الكتاب هو أن مؤلفه، الأستاذ بجامعة «توبنغن = Tuebengin» الألمانية، قام بدراسة مفصلة محاولا فهم هذه الفرقة: من أين نشأت؟ وكيف تطورت؟ وما هي جذورها؟ وما علاقتها بكارثة «داعش» أم الفواحش الحالية ومن قبلها «القاعدة» وما سيأتي من بعدهما، فهم يتناسلون منذ أيام الخارجي بن ملجم الذي أجهز على الإمام علي كرم الله وجهه.

يقول البروفيسور «هالم» إنه حاول دراسة تراثهم، والذهاب إلى قلاعهم، وسماع الشهود عنهم من آسيا الوسطى. فكثير من المعلومات حولهم احترقت على أيدي المغول، الذين مسحوا كل أثر لهم عام 1256م (قارنوا مع عام 1258م تدمير بغداد، لؤلؤة الشرق).

وصِفوا كالتالي: فنّهم القتل، سلاحهم الخنجر، ممن أزهقت أرواحهم كانوا عشرات من رجال الدين والأمراء والسلاطين. قتلوا من وضعوه على لائحة الإعدام في خيمته أو في الحمام أو وهو معتليا فرسه، أو يصلي في كنيسة.. ومارسوا السياسة بنصل الخنجر والدم.

لكن من أين نشأت هذه الفرقة؟ ومن أسسها؟ هذا يعود إلى مشكلة الانشطار الشيعي السني، حين وقع النزاع حول الأحقية في الخلافة، واندلعت معركة صفين التي خرجت منها ثلاث فرق «بين شيعة وسنة وخوارج»، كل منها تدعي أنها الأحق بالخلافة.

ورأى الشيعة أن حق آل البيت في الحكم فوق المناقشة. وحين وصل التسلسل عند الشيعة إلى الإمام السادس جعفر، حصلت مشكلة حين توفي ولده الأكبر إسماعيل، لكن إسماعيل كان له طفل صغير، وعند هذا التفرع نشأت الفرقة الإسماعيلية «الكثير من الأئمة المزعومين كانوا أطفالا»، وعلى نحو سري نشأت طائفة تتبع سلالة إسماعيل، وامتد هذا التفرع من اليمن إلى الهند، ثم حصلت الطفرة العجيبة على يد «حسن الصباح»، الرجل الذي جاء إلى إيران وعاش في قلعة «آلموت» (تعني عش النسر) لمدة أربعين عاما يبث أفكاره، ويربي تلامذته على الطاعة. ومن قلعة «آلموت» امتد نفوذ الفرقة إلى أربعين قلعة أخرى.

كان عصر اضطراب وعنف، كما هو حال الشرق الأوسط في أيامنا هذه. لكن لم يكن أحد ليضاهي الإسماعيليين في قسوتهم ودمويتهم ومهارتهم في الوصول إلى أهدافهم، حيث تذكر بعض المراجع أنهم كانوا يدخلون مخدع من يريدون قتله فيضعون جنب رأسه رسالة.

كانت أولى ضرباتهم الوزير الأول «نظام الملك» في دولة السلجوقيين. ونجا منهم صلاح الدين الأيوبي بإعجوبة، وكانت خطتهم لاغتيال «أمير أذربيجاني» أكثر من محكمة في 16 ماي 1116م، حين فاجأ الأميرَ فدائيٌ أولَ فطعنه، فقاوم الموت وانتزع من أحشائه الخنجر، فقفز فدائيٌ ثان من المجهول، وكرر الطعن، فهجم الحرس في وجه الاثنين، فإذا بثالث يكمل الطعنة الثالثة فيموت الأمير.

لم تأت نهايتهم إلا على يد من هم أشرس منهم، أي المغول في عام 1256 م، حين ضربوهم بالمنجنيق. يقول البروفيسور «هالم» الذي درس أركيولوجيا المنطقة، إنه ما زال في سفح قلعة «جيرد كو» بقايا من أنصال المغول، حيث يحلق إلى ارتفاع 300 متر جدار القلعة.

كانوا مثل السرطان، حيث انتشروا إلى سوريا (قلعة مصياف) التي رأيتها شخصيا، وذهلت من فخامة التحصينات، وقلت: كانوا دولة مخيفة! إنهم بالفعل كانوا كذلك.

لقد وقعت المنطقة بين مطرقة الصليبيين وكماشة الحشاشين. ويذكر «هالم» أن الملياردير «كريم آغا خان الرابع» هو الإمام 49 منهم، وهو يفضل اليوم نشر الثقافة ومسك مضرب الغولف أكثر من خنجر الحشاشة.

كان الإرهابي الأول حسن الصباح، أما سلالته الفكرية فهي موزعة بين خلق كثير في المعمورة، وليس البغدادي والجولاني وأبو عنتر الفلتاني وأضرابهم سوى سرب بسيط من سلالة الدم والقتل.

ويذكر القلعجي في كتابه عنهم أن ثلاثة نشؤوا سوية هم الصباح المذكور ونظام الملك والشاعر الخيام، فأما الأول فتحول إلى داعية ورعب، وأما الثاني فامتهن السياسة فكلفته حياته، وأما الثالث فآثر الشعر والفلك والرياضيات، وقال: أحس دبيب الفناء ولم أصب في العيش إلا الشقاء! فيا حسرتاه إن حان حيني ولم أحل لغز القضاء.

 

نافذة:

لم يكن أحد ليضاهي الإسماعيليين في قسوتهم ودمويتهم ومهارتهم في الوصول إلى أهدافهم حيث تذكر بعض المراجع أنهم كانوا يدخلون مخدع من يريدون قتله فيضعون جنب رأسه رسالة