هكذا تنتقل عدوى كورونا عبر الهواء - تيلي ماروك

عدوى كورونا - الهواء هكذا تنتقل عدوى كورونا عبر الهواء

هكذا تنتقل عدوى كورونا عبر الهواء
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 21/09/2020

على الرغم من أنه لا يزال هناك عدد قليل جدا من الحالات الموثقة، التي أصيبت بعدوى فيروس كورونا من خلال وجودها في الأماكن المفتوحة، فقد سلطت الأبحاث الحديثة الضوء على احتمال انتقال الفيروس عبر الهواء الطلق، من خلال فرضيات عديدة منطقية. والحل الأكثر فعالية وقليل التكلفة، هو ارتداء القناع للحماية من الفيروس المستجد، ليس فقط عند الوجود بالأماكن العامة المغلقة، بل حتى في الأماكن المفتوحة.

في مواجهة عودة ظهور وباء «كوفيد- 19» في فرنسا، حيث يستمر عدد الحالات اليومية الجديدة في الزيادة مرة أخرى، قررت آلاف البلديات في فرنسا فرض ارتداء الأقنعة في كل أو جزء من البلاد عند الوجود بالأماكن العامة في الهواء الطلق. يبدو أن العديد من هذه الأماكن المزدحمة ضيقة جدا، بحيث لا تسمح بالحد الأدنى من التباعد الاجتماعي خلال موسم الذروة السياحي. وتم تفسير إلزام المواطنين بهذه التدابير، من خلال حقيقة أن القناع هو حماية غير مكلفة نسبيا للحد من انتقال العدوى. كما كشفت السلطات الفرنسية تصنيف نصف الأراضي الفرنسية (42 مقاطعة) على أنها «مناطق حمراء»، لأن فيروس كورونا «نشط جدا» فيها، بعد ستة أشهر من ظهور الوباء. وذلك بعد أن استأنف الفرنسيون حياتهم العادية والتجمعات في الأماكن العامة. فيما استبعد رئيس الوزراء جان كاستكس إعادة فرض حجر صحي كامل، داعيا الفرنسيين إلى احترام الإجراءات الصحية المفروضة بسبب الوباء.

انتقال العدوى عبر الاتصال المباشر

من المقبول عموما منذ بداية الوباء أن فيروس كورونا ينتقل بشكل أساسي من خلال قطرات اللعاب، التي يتم طردها من الفم أو الأنف عندما يتحدث المصاب بالفيروس أو يسعل أو يعطس. لكن الغالبية العظمى من هذه القطرات تسقط بسرعة على الأرض، بسبب حجمها وكتلتها. نتيجة لذلك، قدر العلماء في البداية أن غالبية الإصابات تتطلب اتصالا وثيقا بالطرف الثاني المصاب. تمت الإشارة غالبا إلى تفاعل «أكثر من خمس عشرة دقيقة عند أقل من متر».

لكن البشر يطردون أيضا الكثير من القطرات الدقيقة، التي يقل حجمها عن 5 ميكرونات، والتي تسمى الهباء الجوي. «في جميع أنشطة التنفس لدينا، سوف تنبعث منها جزيئات كبيرة وصغيرة. نحن نعلم أن جميعها يمكن أن تحتوي على الفيروس، ونعلم حتى أنه بالتناسب، تحتوي القطرات الصغيرة على الفيروس أكثر من الكبيرة منها»، كما يؤكد جان فرانسوا دوسين، أستاذ الأبحاث في جامعة باريس- إيست كريتيل، في المختبر المشترك لأنظمة الغلاف الجوي.

التنبيه من القطرات الصغيرة في الهواء

في رسالة مفتوحة نُشرت في 6 يوليوز الماضي بمجلة «Clinical Infectious Diseases»، دعا 239 باحثا من 32 دولة السلطات الصحية العالمية إلى التعرف على احتمالية انتقال الفيروس عبر قطرات صغيرة جدا من الرذاذ، التي لها القدرة على البقاء معلقة في الهواء لعدة ساعات، والوصول إلى مسافات تصل إلى عدة عشرات من الأمتار. وكتب المؤلفون: «هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن فيروس كورونا يتصرف بشكل مشابه [لفيروسات الإنفلونزا أو السارس]، وأن الانتقال عبر القطرات الدقيقة المحمولة جوا هو طريقة مهمة لانتقال العدوى»، «يبدو أن مجرى الهواء هو التفسير الوحيد المعقول للعديد من الأحداث (فائقة الانتشار)».

يوضح جان فرانسوا دوسين: «نحن عمليا على المستوى نفسه من اليقين بالنسبة لانتقال العدوى عن طريق الاتصال الوثيق». ليس لدينا عدد كبير من الحالات الموثقة، ولكن هناك عدد من الحالات التي يوجد فيها شك قوي للغاية «في انتقال العدوى عبر الهباء الجوي».

واقترحت العديد من الدراسات أخيرا إمكانية حدوث مثل هذه الحالات من انتقال العدوى. ففي ماي المنصرم، نشرت مجلة «Nature» نتائج دراسة كشفت عن إصابة الهامستر الصحي بالهامستر المصاب بطرق مختلفة. جميع أولئك الذين وُضِعوا في قفص مجاور لقفص الهامستر المصاب (بدون اتصال مباشر ممكن) تأثروا بالفيروس: هذا يشير إلى أن العدوى بواسطة الهباء الجوي مثبتة (أكثر من الأسطح الملوثة بالفيروس). تشير مراجعة للدراسات المنشورة في ««The Lancet في 24 يوليوز الماضي، إلى أن «البشر ينتجون الهباء الجوي المعدي على نطاق واسع». وفقا لمؤلفه، فإن حقيقة انتشار «كوفيد- 19» بشكل فعال في دور المسنين أو الجوقات أو السجون تذكرنا بأوبئة السل، وهو مرض تم توثيق انتقاله لمسبباته المرضية عبر الهواء بشكل جيد.

في اليوم التالي لنشر الرسالة المفتوحة، أقرت منظمة الصحة العالمية (OMS)، التي استهدفت من قبل الباحثين بسبب التشكيك الذي أظهرته حتى الآن بشأن العدوى المحمولة جوا، بأن «الأدلة آخذة في الظهور بهذا الخصوص»، وخلصت إلى أنه:

«يجب أن نكون منفتحين على هذه الاحتمالية، وأن نفهم آثارها على طريقة اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة التي يجب اتخاذها».

بيانات قليلة عن انتقال العدوى عبر الهواء

تعتبر العدوى في البيئة الخارجية أكثر ندرة من العدوى التي يمكنها أن تصيب الإنسان في الأماكن المغلقة، لأن الكثافة البشرية أقل بشكل عام في الأماكن المفتوحة. كما تواجه الفيروسات أيضا عناصر طبيعية: تشتت الرياح أو النسيم، والأشعة فوق البنفسجية تدمر الجسيمات الفيروسية بشكل فعال. «مع الريح، سوف يسافر الجسيم الناعم حقا بعيدا، ولكن من خلال قطع هذه المسافة يصبح مخففا»، وفقا لـJean-François Doussin، الذي يشبه الظاهرة بأخرى أكثر وضوحا، وهي دخان السجائر: فدخان السجائر يسافر بعيدا، كلما أصدرت دخانا أكثر ويصبح عديم الرائحة. من الممكن أيضا اعتبار أن معظم أماكن المرور لا تسمح بالاتصال المطول بشكل كاف، حتى تصبح الجرعة الفيروسية المستنشقة معدية.

رغم هذه الافتراضات لا تكاد توجد أي بيانات عن انتقال العدوى في الأماكن المفتوحة، باستثناء دراسة صينية متاحة في مرحلة ما قبل النشر (لم تتم إعادة قراءتها من قبل باحثين آخرين). من بين 318 مركزا («مجموعات») تم تحديدها بين يناير وفبراير 2020 في 120 مدينة صينية، تضمنت مكانا مفتوحا واحدا. ومع ذلك، هذه البيانات ليست معممة، نظرا لقلة النشاط في الأماكن المفتوحة خلال هذه الفترة.

التجمعات معرِضة للخطر

العديد من الأماكن العامة المفتوحة يمكن أن توفر ظروف تهوية غير كافية، وتعاني من كثافة بشرية عالية وحركة مرور بطيئة أو حتى راكدة. قد يكون هذا هو الحال بالنسبة لشوارع التسوق الضيقة والمكثفة في موسم الذروة، أو حتى التجمعات، مثل تلك التي جمعت العديد من أنصار نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم يوم الثلاثاء 18 غشت الماضي بالشانزليزيه. في هذا النوع من الأماكن، حيث يتحدث كثير من الناس أو يصرخون، تكون العدوى ممكنة جدا، حتى في الهواء الطلق. «نحن هنا في وضع محفوف بالمخاطر، حيث يوجد الكثير من الناس؛ لذلك فإن احتمال إصابة الناس في التجمعات يكون أعلى»، يوضح دوسين.

في ظل هذه الظروف، وفي انتظار المزيد من الردود العلمية، لا يزال ارتداء القناع المطبق كمبدأ احترازي يشكل حماية فعالة، وفقا لدراسات عديدة. «يجب أن نعتبر الأقنعة مثل ملابسنا الداخلية: يجب تغييرها باستمرار، كما ينصح دوسين. التحدي هو تبني المواقف الصحيحة لتقليص هذا الوباء التاريخي إلى مستوى أدنى بكثير».   

رسالة تحذير

وجه 239 عالما دوليا رسالة، نشرت الرسالة في مجلة «كلينيكال إينفكشوس ديزيزس» التابعة لجامعة أكسفورد، إلى السلطات الصحية ومنظمة الصحة العالمية، يدعون فيها إلى الإقرار بأن عدوى فيروس كورونا المستجد قابلة للانتقال عبر الجو، على مسافة تبعد أكثر من المترين المتعارف عليها. وأوصى العلماء بتهوية قوية للأماكن العامة الداخلية.

ووجه هؤلاء رسالتهم، خصوصا إلى منظمة الصحة العالمية التي انتُقدت في الأساس لتأخرها في التوصية بوضع الكمامات. ورأى العلماء هؤلاء أنها ترفض رؤية تراكم الأدلة لانتشار العدوى المحتمل في الهواء.

وترى منظمة الصحة العالمية وهيئات صحية أخرى أن الفيروس ينتقل، سيما من خلال الرذاذ الناجم عن السعال والعطس والتكلم مباشرة في وجه شخص قريب من المريض، وربما من خلال الأسطح التي يستقر عليها هذا الرذاذ ليعلق لاحقا على أيادي أشخاص سليمين، وهذا الرذاذ ثقيل ويسقط على مسافة متر تقريبا. واستنادا إلى ذلك، ينصح بالتباعد الجسدي وغسل اليدين ووضع الكمامة.

كما أكدت أن الرذاذ المتطاير من شخص مصاب، يمكن أن ينقل العدوى في الأماكن المزدحمة، مثل النوادي الليلية، حيث يتكدس الناس دون توخي الحذر، إزاء حماية أنفسهم من العدوى. وأضافت أن معظم حالات تفشي العدوى، وقعت في أماكن مغلقة ضعيفة التهوية، وخلال ازدحام تصعب فيه مراعاة التباعد الاجتماعي.

إلا أن دراسات حول فيروس كورونا المستجد وفيروسات تنفسية أخرى، أشارت إلى أن جزيئات للفيروس موجودة أيضا في رذاذ مجهري (قطره يقل عن خمسة ميكرونات) في الرذاذ، الذي يزفره شخص مصاب. وهذا الرذاذ أخف ويمكن أن يبقى عالقا في الجو في الداخل على مدى ساعات ربما، فيستنشقه أشخاص آخرون. وتعذر حتى الآن إثبات أن هذه الجزيئات الفيروسية قابلة للاستمرار والتسبب في عدوى، إلا أن الأدلة على ذلك تتراكم.

وكتبت لديا موراوسكا من جامعة كوينزلاند بأستراليا، ودونالد ميلتون من جامعة ميريلاند الأمريكية، في مقال وقعه 237 خبيرا آخر «ندعو الأوساط الطبية والهيئات الوطنية والدولية المختصة إلى الاعتراف باحتمال انتقال عدوى «كوفيد- 19» بالجو». وأضاف العالمان: «ثمة احتمال كبير لاستنشاق الفيروس الموجود في هذا الرذاذ التنفسي المجهري على مسافات قصيرة ومتوسطة (وصولا إلى أمتار عدة داخل غرفة)، ونحن ندعو إلى اللجوء إلى إجراءات وقائية لمنع انتقال العدوى في الجو».


إقرأ أيضا