إصلاحات حكومية فاشلة.. مؤسسات رسمية تفضح وعود "البيجيدي" - تيلي ماروك

إصلاحات حكومية - مؤسسات رسمية - البيجيدي إصلاحات حكومية فاشلة.. مؤسسات رسمية تفضح وعود "البيجيدي"

إصلاحات حكومية فاشلة.. مؤسسات رسمية تفضح وعود "البيجيدي"
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 25/02/2019

بدأت تظهر معالم فشل الإصلاحات الكبرى التي فرضتها الحكومتان السابقة والحالية، وعلى رأسها إصلاح التعليم وإصلاح أنظمة التقاعد، وإصلاح صندوق المقاصة عن طريق تحرير أسعار المحروقات. وما يؤكد هذا الفشل هو توالي التقارير الصادرة عن مؤسسات رسمية وطنية، ونذكر، على الخصوص، تقرير بنك المغرب، الذي حذر من تعثر تنفيذ الإصلاحات الهيكلية. والخطير في الأمر أنه رغم هذه التحذيرات التي تنضاف إلى التحذيرات التي أطلقها رئيس المجلس الأعلى للحسابات، فإن الحكومة الحالية، برئاسة سعد الدين العثماني، تسير على نهج الحكومة السابقة، وتتعامل بنوع من الارتجالية مع هذه الإصلاحات، آخرها التقرير الموضوعاتي الذي فضح فشل الحكومة في تنفيذ خطة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة، وعدم تنزيل الاستراتيجية الوطنية التي وضعتها قبل سنتين.

أثناء استقباله من طرف الملك محمد السادس، لتقديم التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم 2017، حذر عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، من تعثر تنفيذ الإصلاحات الكبرى التي أقرتها الحكومة، مشددا على أنه، بالنظر إلى المجهودات الكبيرة التي تبذلها، فإنه يتبين أن بلادنا ليست فقط بحاجة لمواصلة الإصلاحات وتوسيع نطاقها، بل أيضا، وبصفة خاصة، لإنجاح تنفيذها وإتمامها في الآجال المحددة. وقدم نموذجا لذلك إصلاح منظومة التربية والتكوين، حيث لم يتم بعد تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015- 2030 رغم مضي أكثر من ثلاث سنوات على اعتمادها، وكذا المخطط الوطني للتشغيل الذي يبقى بحاجة إلى تدابير ملموسة لبلوغ أهدافه الطموحة.

وفي السياق نفسه، يرى الجواهري أن إصلاح المقاصة يحتاج اليوم إلى استكماله وتعميمه في إطار سياسة شمولية تنبني على اعتماد الأسعار الحقيقية، بالموازاة مع دعم الأسر الأكثر احتياجا، مشددا على أن وضع نظام لاستهداف الساكنة أصبح أمرا ملحا، خاصة وأن العديد من البرامج الاجتماعية تعاني من إكراهات مالية تهدد استمراريتها. وكذلك الحال بالنسبة لإصلاح أنظمة التقاعد، مشيرا إلى أن وتيرة نضوب موارد الصندوق المغربي للتقاعد تؤكد الحاجة إلى إتمام المسار الذي بدأ سنة 2016 بشكل يضمن استدامة هذه الأنظمة.

وأبرز والي بنك المغرب أن المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، حقق مكتسبات هامة من حيث تعزيز استقراره ووضعه الإقليمي وجاذبيته، ولايزال يحظى بثقة المؤسسات الدولية وبالتقييم الإيجابي لوكالات التصنيف. ومن أجل الحفاظ على هذه المكتسبات، أكد الجواهري أنه ينبغي على السلطات إعادة النظر في حكامة السياسات العمومية، لإعطائها قدرا أكبر من الانسجام والنجاعة والمردودية، وخلص إلى أن المغرب اليوم بحاجة إلى إقلاع حقيقي وتعبئة شاملة لجميع قواه الحية بغية إرساء مناخ يتيح تحقيق نمو اقتصادي أسرع وخلق فرص شغل أكثر، بشكل يجعله قادرا على ضمان ظروف معيشية أحسن لمواطنيه ومنح الأمل بمستقبل أفضل لشبابه.

عدم تنزيل خطة التنمية المستدامة

خلال الأسبوع الماضي، صدر تقرير موضوعاتي أصدره المجلس الأعلى للحسابات، أكد وجود تقصير من طرف الحكومة في تنفيذ خطة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة، نظرا لعدم اتخاذها للتدابير اللازمة من أجل تنفيذ هذه الأهداف، منتقدا غياب إطار مؤسساتي للتنسيق والرصد والتكامل بين المتدخلين.

 وأشار التقرير، الذي أصدره المجلس حول مدى جاهزية المغرب لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2015- 2030 التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25 شتنبر 2015، إلى أن المغرب ملتزم بشكل واضح بتنفيذ خطة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة، وأنه يتوفر على إطار دستوري وتشريعي ملائم لتنفيذ هذه الخطة. وأوضح التقرير أن خطة 2030 تشجع الحكومات على أن تقرر الطرق الكفيلة بدمج غايات محددة في استراتيجياتها وفي برمجة مخططاتها وسياساتها. غير أن دور الحكومة اقتصر على تنظيم مناظرة وطنية واحدة سنة 2016، دون أن يعقبها اتخاذ إجراءات حقيقية وملموسة لتكييف السياسات والبرامج مع خطة 2030، وإدماج الغايات المستهدفة ذات الأولوية بالنسبة للمغرب. وسجل التقرير أنه منذ انعقاد المناظرة لم يتم اتخاذ أي تدابير على المستوى الوطني تضم جميع الفاعلين، مشيرا إلى أن غياب هذه التدابير لم يسمح بعقد مشاورات بين مختلف الأطراف المعنية حول الأولويات الوطنية، وفق ما هو محدد في إطار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأشار التقرير إلى مصادقة الحكومة على الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في شهر يونيو 2017، وكان بإمكانها أن تمثل الإطار المناسب لتحديد أولويات أهداف التنمية المستدامة والتخطيط لتنفيذ خطة 2030، إلا أن التحريات التي قام بها المجلس لدى مجموعة من الفاعلين كشفت العديد من أوجه القصور المتعلقة بعملية اعتماد الاستراتيجية، ما أدى إلى تباطؤ عملية تكييفها وتقاربها لأجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي سنة 2018، تم إحداث لجنة استراتيجية للتنمية المستدامة تحت سلطة رئيس الحكومة تعنى بتنفيذ الاستراتيجية، لكن المرسوم المتعلق بهذه اللجنة لم يشر إلى أهداف التنمية المستدامة وإلى الدور الذي يمكن أن تضطلع به اللجنة، ما تسبب في خلق ارتباك بين الأطراف المتدخلة.

كما أن تبني الأهداف والتفاعل معها وطنيا من طرف مختلف الفاعلين، من أجهزة القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والمواطنين، لازال لم يرق إلى المستوى المطلوب، ونتجت هذه الوضعية، في نظر التقرير، عن غياب إطار مؤسساتي وطني يروم الرفع من مستوى التنسيق والرصد والتكامل بين مختلف المتدخلين المعنيين بتنفيذ هذه الأهداف من جهة، وعدم تبني استراتيجية تواصلية من أجل التوعية والتعريف بأهداف التنمية المستدامة وتبنيها من طرف مختلف المتدخلين من جهة أخرى. واعتبر التقرير أن التأخير في وضع هذا الإطار أدى إلى ضعف مشاركة المتدخلين المعنيين وضعف مستوى المشاورات التي تتم معهم من أجل تبني تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى غياب توزيع للأدوار والمسؤوليات، وعدم تبني استراتيجية أو خطة وطنية تحدد الأولويات الوطنية وخطط التنفيذ والآجال المتعلقة بها والمتدخلين ومصادر التمويل.

وعلى مستوى آخر، لاحظ المجلس بطء وتيرة تنفيذ التدابير المتخذة من أجل ملاءمة وتكييف الأهداف والغايات المعتمدة على مستوى الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والاستراتيجيات القطاعية مع أهداف التنمية المستدامة. وأشار التقرير إلى أن تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة يواجه مجموعة من الإكراهات، تتعلق أساسا بالانخراط غير الكافي في مضامينها من طرف بعض المتدخلين، ووجود تباين بشأن الإطار الملائم لتحديد المشاريع وأجرأتها وطرق ملاءمتها مع أهداف التنمية المستدامة ومسؤولية متابعتها وتنسيق تنفيذها.

وفي هذا الصدد، لاحظ المجلس أن مجموعة من الوزارات تتخذ مبادرات فردية لأجل تبني الأهداف وتنفيذها في إطار استراتيجياتها القطاعية، في غياب إطار استراتيجي لتنسيق تدخل مختلف الشركاء ومنهجية موحدة ومتكاملة تحدد الأولويات الوطنية. ويتضح أن هذا النهج، حسب التقرير، يخالف ما تم اعتماده في إطار خطة 2030 لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والذي يحث على التنسيق المحكم بين مختلف الفاعلين وتوزيع ملائم للمهام بما يتيح التنفيذ الأمثل واستغلال المؤهلات الوطنية في إطار مشروع متكامل.

الحكومة متفائلة

أكد سعد الدين العثماني على التزام الحكومة بمواصلة الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحسين الوضعية الاقتصادية والمالية للمغرب بالرغم من كل الإكراهات والتحديات المحيطة، لا سيما ما يتعلق بارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، وتزايد النزعات الحمائية على مستوى الاقتصاد العالمي. وحذر رئيس الحكومة نواب الأمة، خلال جوابه عن أسئلتهم في الجلسة الشهرية حول «الوضعية الاقتصادية والمالية»، من الخطاب السوداوي والحديث عن أمور غير دقيقة، مؤكدا على أن الاقتصاد جزء كبير منه مبني على الثقة والجانب النفسي، معترفا بأن هناك مشاكل، لكن لا يمكن الحديث عن أزمة وعن أن القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا تتراجع، بل هناك مشاكل يجب أن نعالجها ونجد الحلول المناسبة لها.

وشدد رئيس الحكومة على أن تحسين الوضعية الاقتصادية والمالية يوجد في صميم الاشتغال اليومي للحكومة، حيث عملت منذ تنصيبها على بلورة رؤية للتدبير الاقتصادي والمالي بمشاركة مختلف الفاعلين، وذلك من أجل الاستجابة للانتظارات والمطالب الاجتماعية الملحة والمشروعة، والمتعلقة بتحسين الخدمات والرفع من القدرة الشرائية لشريحة عريضة من المواطنين.

وفي السياق نفسه، أوضح العثماني أن الحكومة واعية بأهمية وضرورة الإسراع في تنزيل الإصلاحات الأساسية المضمنة في البرنامج الحكومي، خاصة في مجالات الحكامة ومناخ الأعمال والتعليم وسوق العمل، والتي من شأنها تحسين ثقة الفاعلين في الاقتصاد الوطني والنهوض بعجلة الاستثمار والتنمية. وأوضح رئيس الحكومة أن قانون المالية برسم سنة 2019 سيكون فرصة لإدراج مجموعة من الإصلاحات والتحفيزات من أجل تنمية الاستثمار، «ذلك أن توطيد ثقة الفاعلين الاقتصاديين يمر عبر تسريع المشاريع الإصلاحية التي تعمل عليها الحكومة، كإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وإصلاح ميثاق الاستثمار»، يوضح رئيس الحكومة، وبأن هذا التطور يجب أن يدعمه إطلاق برامج إصلاحية أخرى، من قبيل مواصلة تحسين مناخ الأعمال، وإصلاح قانون الشغل، وتسهيل حصول الشركات على التمويل ومكافحة الفساد.

أزمة التعاقد والتقاعد تعمق جراح الوظيفة العمومية

عاد الأساتذة المتعاقدون لاكتساح شوارع الرباط، حين نظم آلاف منهم من مختلف مناطق المغرب بالرباط مسيرة وطنية دعت إليها التنسيقية الوطنية للأساتذة، الذين فرض عليهم التعاقد وثلاث نقابات تعليمية وهي «الجامعة الوطنية لموظفي التعليم (ا و ش م) والجامعة الحرة للتعليم (ا ع ش م) والجامعة الوطنية للتعليم (ا م ش)»، من أجل مواجهة ما يصفونه بسياسة «الآذان الصماء» التي تقابل الوزارة الوصية بها مطالبهم، حسب  الداعين  إلى المسيرة التي قالت أرقام النقابات الثالث إن عدد المشاركين فيها تجاوز خمسة آلاف محتج، انطلقوا من باب العلو واتجهوا نحو شارع محمد الخامس حيث مقر البرلمان، ثم إلى مقر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بباب الرواح، رافعين شعارات تطالب الوزارة بالتراجع عن «التعاقد» وإدماج الأساتذة في الوظيفة العمومية، وفق الشروط والحقوق الاجتماعية في التقاعد والترقية والضمان الاجتماعي. 

المتظاهرون الذين رفعوا لافتات ضد نظام «التعاقد» بصيغته الحالية في قطاع التعليم، واستنكروا إصدار الوزارة لـ«مشروع النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين»، بدون إشراك النقابات الممثل الشرعي للشغيلة التعليمية، ورددوا شعارات تطالب الوزارة الوصية بـ«إدماج الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية، مع ضرورة التوفير الآني للضمانات الحقوقية». كما طالب المحتجون بـ«إعادة النظر في كل الحالات التي تم إعفاؤها وفتح تحقيق لإنصاف المعنيين وضمان حقهم في الشغل إسوة بزملائهم»، وكذا مطالبة الوزارة بـ«التعجيل بصرف منحة الأساتذة المتدربين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين فوج 2018».

ولاحت في الأفق أزمة خانقة تضرب قطاع التعليم، بعد إعلان الأساتذة المتعاقدين والذين تجاوز عددهم في القطاع 80 ألف أستاذ الخروج للتظاهر، في شبح يهدد بعودة اضطراب شبيه بأزمة الأساتذة المتدربين التي كانت قد ثارت بعد إعلان الحكومة السابقة لعبد الإله بنكيران، عن مرسومين يقضيان بالتقليص من منحة التكوين وفصل التكوين عن التوظيف.

مشاكل وإضرابات قطاع  التعليم والمرتبطة بالاحتجاجات الأخيرة، سواء للأساتذة المتدربين أو المتعاقدين تجد موضعها في القرارات الأخيرة لرئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، فقد كان قرار فتح باب التعليم أمام التشغيل بالعقود من إقرار الحكومة السابقة يوما قبل نهاية ولايتها، حيث أصدرت الوزارة الوصية مرسوما للتوظيف بالتعاقد وقالت إن هذا المرسوم كفيل بحل المشاكل الكبرى التي يعانيها القطاع وعلى رأسها مشكل قلة الموارد البشرية، في الوقت الذي اعتبرت حينها نقابات التعليم أن المرسوم المتعلق بالتشغيل بالعقدة المصادق عليه من طرف المجلس الحكومي في يونيو 2016،  يشكل «هجوما جديدا خطيرا وعدوانيا على مكاسب القطاع العمومي بهدف تفكيكه وتصفيته وخوصصته»، حسب بيان مشترك صادر عن نقابتين، قال إن المرسوم يمثل «استمرارا للعدوان الذي قادته الحكومة والمتمثل في المرسوم المتعلق بفصل التكوين عن التوظيف ومرسوم تقليص منحة الأستاذ المتدرب إلى النصف، ومرسوم تمديد العمل قسريا وجبريا بعد سن التقاعد لنساء ورجال التعليم، وحرمان الموظفين المستقيلين أو المشطب عليهم من الاستفادة من معاش نسبي أو مبكر، ومرسوم نقل الموظفين».

بعد أزيد من عامين على توقيع العقود التي أقرتها الحكومة السابقة، تفجرت أزمة تهدد بخلخلة الأوضاع في قطاع التعليم، كانت مسيرة السادس من ماي الجاري أولى فصولها وقد لا تكون، بعد تهديد الأساتذة المتعاقدين الذين شكلوا تنسيقية لهم بالتصعيد في الاحتجاج وعقدهم العزم على «خوض العديد من الخطوات النضالية، كمقاطعة التكوينات وحمل الشارة الحمراء، وإضراب أساتذة بعض الجهات، وعدد من الخطوات التصعيدية الأكبر والأشمل»، فيما انتقد المحتجون عدم مبادرة الوزارة إلى «القيام بأي خطوة في اتجاه «حلحلة» الوضع؛ اللهم بعض مدراء الأكاديميات الذين اتخذوا مبادرات للتواصل وتسوية وضعية بعض الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد»، في حين شدد المحتجون على مواصلة الإضرابات، مهددين بـ«اتخاذ خطوات تصعيدية بالتزامن من قرب الامتحانات في المستويات الإشهادية».

احتجاجات المتعاقدين التي غطت شوارع المدن الكبرى كانت بمثابة استمرارية لاحتجاجات المطالبين بإسقاط خطة التقاعد، وهي الخطة التي صادق عليها البرلمان بغرفتيه على مضض من ممثلي بعض  المركزيات النقابية، ونصت على الرفع من سن الإحالة على التقاعد إلى 62 سنة ابتداء من تاريخ الشروع في الإصلاح، الذي حدده وزير الاقتصاد والمالية في مطلع سنة 2016، بعد التوافق على مرتكزاته مع الأطراف المتدخلة في المجال، وتمديده تدريجيا بستة أشهر كل سنة، ابتداء من 2016 بهدف بلوغ 65 سنة في أفق 2021، مع إمكانية الاستفادة قبل سن الإحالة على التقاعد من معاش كامل بعد 41 سنة من الانخراط في النظام دون تطبيق معاملات الخصم، والرفع من مساهمة الدولة والمنخرطين، كل منهما بنقطتين في سنة 2015 ونقطتين في 2016، زيادة على اعتماد الأجر المتوسط للثماني سنوات الأخيرة من العمل كقاعدة لاحتساب المعاش بشكل تدريجي على مدى 4 سنوات، فضلا عن مراجعة النسبة السنوية لاحتساب المعاش من 2.5 إلى 2 في المائة في ما يخص الحقوق التي ستكتسب ابتداء من تاريخ الإصلاح، مع الحفاظ على نسبة 2.5 في المائة بالنسبة إلى جميع الحقوق المكتسبة حتى تاريخ الإصلاح.

وخلفت هذه الخطة التي كان قد باشرها بنكيران أشهرا قليلة قبل نهاية ولايته الحكومية موجة احتجاجات واسعة في صفوف النقابات، وصلت حد الإعلان عن تنظيم إضرابات وطنية شاملة في كل القطاعات، وهي الإضرابات التي كان بنكيران يتعامل معها في كل مناسبة باستخفاف، مستهينا بالأرقام التي تسجلها نسب المشاركة، مقابل استمرار توقف المفاوضات الاجتماعية «الحوار الاجتماعي»، لتكون بذلك السنوات الخمس من رئاسة عبد الإله بنكيران للحكومة السابقة أشد الفترات قطيعة بين النقابات والحكومة.

صناديق التقاعد مهددة بالإفلاس رغم الإصلاح

كشفت معطيات وأرقام وردت في التقرير السنوي لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، عن وجود خطر إفلاس يهدد أنظمة التقاعد بالمغرب، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعرفها هذه الأنظمة، رغم الإصلاحات التي باشرتها الحكومة السابقة، من خلال الرفع من نسبة الاقتطاعات من أجور الموظفين والزيادة في سن الحصول على التقاعد.

وأفادت الهيئة بأن الرصيد التقني للصندوق المغربي للتقاعد- نظام المعاشات المدنية، سيواصل تفاقمه إلى أن يبلغ 36,2 مليار درهم سنة 2046، على أن يتراجع بعد ذلك إلى 10,8 مليارات درهم سنة 2067، مشيرة إلى أن «تطور الرصيد التقني للنظام، الذي يسجل عجزا منذ 2014، سيواصل تفاقمه إلى أن يبلغ 36,2 مليار درهم سنة 2046، على أن يتراجع بعد ذلك إلى 10,8 مليارات درهم سنة 2067». وأوضحت الهيئة، التي أنجزت دراسات اكتوارية على مدى 50 سنة (2067) بناء على المعطيات المتعلقة بسنة 2017، وبعض الفرضيات المستنتجة من التطورات الديموغرافية والاقتصادية والمالية لأنظمة التقاعد، أن احتياطيات النظام ستمكن من تمويل الرصيد الإجمالي، السالب منذ 2015، إلى غاية سنة 2027. وخلصت نتائج هذه الدراسات إلى أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (فرع التعويضات طويلة الأمد)، سيسجل أول عجز إجمالي في 2027 في حين ستنفد احتياطاته سنة 2043.

وفي ما يتعلق بالنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (النظام العام)، والذي يعرف عجزا تقنيا منذ عدة سنوات، فتتوقع الهيئة أن يسجل أول عجز إجمالي له سنة 2021، وسيتمكن من تغطية هذا العجز بواسطة احتياطاته إلى حدود سنة 2040. أما بالنسبة للصندوق المهني المغربي للتقاعد، يضيف المصدر ذاته، فمن المنتظر أن يسجل فائضا إلى حدود سنة 2044، وستبقى احتياطاته إيجابية طيلة مدة التوقعات. وتتوقع هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط أن يواصل المعامل الديموغرافي للأنظمة الأساسية انخفاضه، على أن يستقر سنة 2067 في 3,0 و2,0 و1,1 و0,9 على التوالي بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ونظام المعاشات المدنية والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (النظام العام) والصندوق المهني المغربي للتقاعد.

وسبق لرئيس المجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، أن كشف عن معطيات خطيرة تتعلق بإفلاس الصندوق المغربي للتقاعد في أفق سنة 2028، رغم الإصلاحات المقترحة من طرف الحكومة. وأكد تقرير للمجلس أن هذه الإصلاحات لا يمكن أن تشكل سوى مرحلة أولية في إطار إصلاح شمولي لمنظومة التقاعد، فضلا عن أن هذه الإصلاحات المدرجة، وإن كانت ضرورية، تبقى غير كافية، لأن الإصلاح المقياسي المقترح لا يشمل مجموع أنظمة التقاعد، بل يقتصر على الشق المدني للصندوق المغربي للتقاعد، ولن يمكن سوى من تقليص العجز الحالي، إذ ستظل المساهمات غير كافية لتغطية الالتزامات وسداد رواتب التقاعد، وسيظل العجز قائما، بل سيأخذ منحى تصاعديا خلال السنوات المقبلة، مشيرا إلى أنه بالنظر إلى حجم الاختلالات التي يعرفها النظام وكذا طابعها الهيكلي، فإن أثر هذه الإصلاحات لن يجدي إلا في الأمد القريب، وسيظل يعاني من عدم توازنه ما لم يخضع لمسلسل إصلاح عميق.

وتطرق جطو إلى وضعية الصندوق المغربي للتقاعد، نظرا للمخاطر الكبيرة التي تمثلها مؤشرات العجز في هذا الشأن على توازن المالية العامة، وذلك بالرغم من الإصلاح الذي باشرته الحكومة السابقة، والذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من شهر أكتوبر 2016. وسجل المجلس الأعلى للحسابات أن مؤشرات ديمومة نظام المعاشات المدنية برسم سنة 2017 استمرت في التدهور، حيث تقلص عدد النشيطين إلى 2,12 بالنسبة لكل متقاعد واحد خلال السنة الماضية بدل 2,24 سنة 2016. وقال جطو إن عدد المتقاعدين ارتفع إلى 358 ألف مستفيد سنة 2017 بدل 337 ألف متقاعد سنة 2016.

وأضاف جطو أن مجموع المساهمات المستوفاة خلال سنة 2017، بلغ ما يناهز 18,6 مليار درهم، في حين وصل حجم المعاشات المؤداة إلى 24,2 مليار درهم، ما ترتب عنه عجز تقني بلغ 5,6 مليارات درهم السنة الماضية مقابل عجز ناهز 4,76 مليارات درهم سنة 2016، مسجلا أن «كل التوقعات الاكتوارية تخلص إلى أن ارتفاع التزامات النظام تجاه المتقاعدين، بمن فيهم المستفيدون لاحقا، سيبقى أكبر من ارتفاع موارده، وذلك راجع إلى عدة أسباب، منها على الخصوص وتيرة الترقية في الوظيفة العمومية وما يترتب عنها من ارتفاع لشريحة الموظفين الذين يرتبون كأطر، حيث انتقلت حصة الأطر في فئة المتقاعدين الجدد من 79,5 في المائة سنة 2016 إلى 88,6 في المائة سنة 2017، وهو ما يساهم بشكل كبير في الرفع المطرد من مستوى المعاشات».

وأكد جطو أنه، على الرغم من دخول الإصلاح حيز التنفيذ في أكتوبر 2016، استمرت احتياطيات نظام المعاشات المدنية في الانخفاض، حيث بلغت 79,9 مليار درهم في متم 2017 مقابل 82,6 مليار درهم سنة 2016، مضيفا أن انخفاض الاحتياطيات سيستمر في السنوات القادمة مع توقع نفادها الكامل في حدود سنة 2027، وخلص إلى أن الإصلاح المعتمد لنظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد «يظل غير كاف ولا يمكن أن يشكل سوى مرحلة أولية في إطار إصلاح شمولي يتم التأسيس له عبر الحوار والتوافق بين مختلف الفرقاء، من حكومة وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين».

الحكومة تعترف بخطأ تحرير أسعار المحروقات

بدأت تظهر معالم فشل إصلاح صندوق المقاصة الذي فرضته الحكومة السابقة، حيث اعترف وزير الشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، بارتكاب خطأ تحرير أسعار المحروقات.

 وتتجه الحكومة الحالية إلى إدخال المواد البترولية إلى لائحة المواد الاستهلاكية المقننة، من خلال تدخل الحكومة لتحديد أسعار هذه المواد.

وحمل مجلس المنافسة في تقريره الأخير، كامل المسؤولية للحكومة لأنها اتخذت قرار التحرير الكلي لأسعار المحروقات دون إقرار تدابير مواكبة لحماية المستهلك ومكونات القطاع الأكثر هشاشة. واعتبر المجلس أن تسقيف الأسعار الذي تريد فرضه الحكومة حاليا، يشكل تدبيرا تمييزيا يطبق بدون استثناء على كافة المتدخلين في القطاع، مهما كانت أحجامهم وبنية تكاليفهم، مما يمثل خطرا حقيقيا قد يضر بالمتدخلين الصغار والمتوسطين الذين ستتصاعد هشاشتهم، كما أن سوق المنافسة يعاني من عدة اختلالات ذات طبيعة بنيوية لا يمكن لتدابير جزئية وظرفية الإجابة عنها، مشيرا إلى أن الحكومة «قامت بالتحرير دون الاهتمام مسبقا بالمكونات الرئيسية للنظام التنافسي، أي وجود حواجز قوية أمام ولوج السوق في مختلف مستوياته، ومستوى مرتفع للتركيز الاقتصادي في القطاع، وبنية احتكارية لبعض الأسواق واحتكار القلة بالنسبة لأسواق أخرى».

وكشف التقرير الذي أنجزته اللجنة الاستطلاعية حول أسعار المحروقات، عن مخاطر قرار تحرير الأسعار الذي اتخذته الحكومة السابقة، برئاسة عبد الإله بنكيران، على القدرة الشرائية للمواطنين، بعد عدم التزام الحكومة بوضع إجراءات موازية لرفع دعم صندوق المقاصة عن المواد البترولية. وحمل التقرير المسؤولية للحكومة التي مررت قرار رفع دعم المقاصة، بسبب غياب الإجراءات المصاحبة لتحرير سوق المحروقات، وعلى رأسها غياب نظام للتتبع الدقيق لحركة الأسعار على المستوى الدولي وأثرها على المستوى الداخلي، والتدخل عند الضرورة كما هو معمول به في المواد الغذائية الأساسية المحررة.

ومن أهم الخلاصات التي توصل إليها التقرير، هو أن أول مستفيد من عملية رفع الدعم عن المواد البترولية وتحرير القطاع، الذي أقره بنكيران، هي الحكومة التي استفادت من توفير ما يزيد عن 35 مليار درهم سنويا، التي تشكل نفقات المقاصة والتي بلغت سنة 2012 مستوى قياسيا يقدر ب 56 مليار درهم. وهنا نطرح السؤال المحير، أين ذهبت هذه الأموال التي وفرتها سنويا الحكومة السابقة والحالية، بعدما وعد الحزب الحاكم، بإعادة برمجتها لخدمة القطاعات الاجتماعية وتوجيه الدعم المالي المباشر على الفئات الفقيرة؟

وأشار التقرير أيضا إلى أن قرار تحرير أسعار المحروقات كان سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين، مؤكدا وجود تأثير مباشر لارتفاع المحروقات على القدرة الشرائية للمواطنين، وذلك بالاستناد إلى أرقام وإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط.

لقد فشلت الحكومة في الالتزام بالوعود التي قدمتها لإصلاح الصندوق، فقد سبق لها أن أعلنت عن وضع تصور حول إصلاح هذا الصندوق، يقوم في إطار مقاربة تدريجية تهدف إلى تحقيق التوازن بين مختلف الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والمالية لنظام الدعم وذلك من خلال استراتيجية تنبني على ثلاثة ركائز أساسية، أولها مواصلة عملية مراجعة تركيبة أثمان المواد المدعمة ومسالك توزيعها وتسويقها، وعقلنة استفادة القطاعات وتهييئها للتحرير الكامل للأسعار على المدى الطويل في إطار تشاوري مع كل الفاعلين والمتدخلين، والثاني، صياغة استراتيجية موازية لاستهداف الأسر المعوزة والتي هي في هشاشة، بالإضافة لجزء من الأسر المتوسطة الأكثر هشاشة والاستفادة في ذلك من التجارب الدولية والوطنية، باعتماد مبدأ الدعم المالي المباشر المشروط بالتعليم والصحة وحث هذه الفئات على الانخراط في برامج محو الأمية و الأنشطة المدرة للدخل، ثم الركيزة الثالثة وهي تفعيل نظام للحماية ضد تقلبات الأسعار عبر اعتماد الآليات الملائمة من شأنها أن تساعد على التحكم في فاتورة دعم الطاقة.

لكن الحكومة، لم تتمكن من وضع تصور شامل لهذا الإصلاح الذي تعثر في خطواته الأولى، بسبب الارتجالية التي طبعت عملها بهذا الخصوص، بعد الإعلان عن العديد من السيناريوهات لهذا الإصلاح قبل أن تتراجع عنها الحكومية، من قبيل سيناريو توزيع الدعم المباشر على الفقراء والذي أثار جدلا واسعا، وهو المقترح الذي تبرأ منه رئيس الحكومة بعد الجدل السياسي الذي أثاره، داعيا إلى فتح نقاش مجتمعي موسع حول الإصلاح مع كافة الأطراف، واكتفت الحكومة بوضع إجراءات ترقيعية تروم تقليص نفقات الصندوق والدعم العمومي المخصص له.

 ومن بين هذه الإجراءات التي اعتبرتها الحكومة تدخل في إطار إصلاح هذا الصندوق، قررت تطبيق نظام المقايسة الذي أفضى بشكل مباشر إلى الزيادة في أسعار المحروقات، قبل أن ترفع عنها الدعم نهائيا خلال سنة 2016، لتعلن بعد ذلك عن قرار رفع الدعم تدريجيا عن مادة السكر.

وانتقد المجلس الأعلى للحسابات، الطريقة التي تنهجها الحكومة لإصلاح صندوق المقاصة، ولاحظ التقرير على صعيد تطبيق الإصلاحات الهيكلية، أن التدابير المتخذة من أجل التحكم في غلاف الدعم، لم تندرج في إطار إصلاح شامل لنظام المقاصة الذي يأخذ بالاعتبار المخاوف المتصلة بالحفاظ على القدرة الشرائية للفئات الهشة، وتعزيز التماسك الاجتماعي، والحفاظ على القدرة التنافسية للمقاولات. وحذر المجلس في تقرير حول صندوق المقاصة، من التداعيات السلبية للقرار الذي اتخذته الحكومة، بخصوص رفع الدعم عن المحروقات، وأكد أن القرار ستكون له انعكاسات على النسيج الاقتصادي وتنافسية المقاولات، وكذلك على بنية الاقتصاد الوطني برمته، كما أقر بصعوبة تطبيق مقترح الحكومة الرامي إلى توزيع الدعم المباشر على الأسر الفقيرة.

عرقلة قانون التربية والتكوين بالبرلمان بعد فشل الإصلاحات السابقة

بالرغم من العناية الملكية الخاصة بورش إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، باعتباره ثاني أولوية وطنية بعد الوحدة الترابية للمملكة، مازال مشروع إصلاح التعليم يراوح مكانه، بعد تعثر مصادقة البرلمان على مشروع القانون المتعلق بالتربية والتكوين، وإخراجه إلى الوجود، بسبب المزايدات السياسية بين الأحزاب المشكلة للأغلبية والمعارضة حول تدريس اللغات الأجنبية.

وتحولت قضية إصلاح التعليم إلى موضوع للمزايدات السياسية والإيديولوجية وتصفية الحسابات داخل مكونات الأغلبية الحكومية وداخل حتى حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي، وذلك على حساب مصلحة الملايين من أبناء المغاربة الذين يراهنون على إخراج القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، لإنقاذ التعليم من أزمته. والمتتبع للجدل العقيم حول هذا القانون، والذي تم اختزاله في اللغات الأجنبية، يخرج بخلاصة مفادها أن الأحزاب السياسية بعيدة كل البعد عن هموم المواطنين ومصلحة الوطن، خاصة أن التعليم يشكل قضية وطنية ثانية بعد قضية الوحدة الترابية للمملكة، فضلا عن أن مبادرة وضع القانون الإطار جاءت تنفيذا لتوجيهات الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2015، والداعية إلى صياغة الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون- إطار يحدد الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم على المدى البعيد. ناهيك عن أن هذا القانون يعد من أبرز المحطات التي اقترحتها الرؤية لإضفاء المشروعية القانونية، والانسجام المؤسساتي، والمصداقية السياسية على الإصلاح التربوي المنشود في أفق سنة 2030، كون هذا القانون يشكل ضمانة أساسية لتحصين الإصلاح من أي تراجع أو تعثر أو تردد، والآن، بعد مرور ثلاث سنوات، تم هدر زمن ثمين في سجال عقيم.

ورغم أهمية الموارد المالية المخصصة لقطاع التعليم والتكوين، والتي تشكل ما يناهز 6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، وما تم رصده، برسم قانون المالية، من مبلغ قيمته 59,2 مليار درهم للتربية والتكوين، أي بزيادة 5 مليارات درهم مقارنة بميزانية 2017، إلا أن القطاع لازال يواجه تحديات عديدة، لعل أهمها ما يتعلق بالجودة والمردودية التي تبقى دون المستوى المطلوب مقارنة مع دول أخرى ذات مستوى دخل ومجهود ميزانياتي مثل المغرب أو أقل منه.

ومازالت هناك مؤشرات خطيرة حول تدهور وضعية التعليم العمومي، واستمرار تجاهل الحكومة لهذا القطاع الحيوي والاستراتيجي، ورغم الوصفة التي قدمها وزير التربية الوطنية والتعليم العالي، سعيد أمزازي، لتجاوز بعض الاختلالات والمعيقات التي تواجه حوالي 10 ملايين تلميذ وتلميذة بمختلف أسلاك التعليم، لم تتمكن وزارته من مواجهة الاكتظاظ غير المسبوق الذي تعرفه الأقسام بمختلف المؤسسات والمستويات التعليمية.

وتراكمت مشاكل التعليم بشكل مهول خلال الولاية الحكومية السابقة، بتسجيل ارتفاع نسبة الهدر المدرسي بشكل مهول، إذ انتقلت نسبة الانقطاع عن الدراسة في التعليم الإعدادي والثانوي من 10,4 في المائة إلى 12,2 في المائة. ودق عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ناقوس الخطر بخصوص وضعية التعليم بالمغرب، محذرا من مغبة إرجاء إصلاح التعليم تحت أي ذريعة كانت، وفي مقدمتها محدودية الإمكانيات المادية، مؤكدا على أهمية الإسراع في إصلاح المنظومة التربوية قبل تفاقم الأزمة.

 وتأتي صرخة عزيمان في ظل تجاهل الحكومة لقطاع التعليم، والدليل على ذلك أن المجلس الأعلى وضع خطة استراتيجية لإصلاح المنظومة التربوية لم تلق أي تجاوب أو نقاش من طرف الحكومة السابقة ولا الحكومة الحالية، كما أن التوصيات الواردة في الخطة لم تجد طريقها إلى البرنامج الحكومي.

ومن جهة أخرى، أحالت الحكومة مشروع القانون الإطار المتعلق بإصلاح التربية والتكوين على مجلس النواب، من أجل دراسته خلال الدورة التشريعية التي اختتمت أشغالها قبل أسبوعين، وأثار هذا القانون الكثير من الجدل، وتمكن نواب فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب من عرقلة اجتماعات لجنة التعليم والاتصال بالمجلس، والتي كانت مخصصة للمصادقة على القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، وهو مشروع استراتيجي يحظى بأهمية كبرى من طرف الملك محمد السادس، وذلك بسبب انسحابهم من اجتماع اللجنة، احتجاجا على إدراج تدريس اللغات الأجنبية في القانون. وتوقفت أشغال اللجنة في اجتماعها الذي كان مخصصا لدراسة التعديلات المقترحة على مشروع القانون، والمصادقة عليه قبل اختتام الدورة التشريعية، نظرا لأهمية هذا القانون، لكن نواب العدالة والتنمية أعلنوا انسحابهم من الاجتماع، احتجاجا على رفض فرق برلمانية أخرى تقديم تعديلات مشتركة على المادة 31 المثيرة للجدل، والتي تنص على تدريس بعض المواد العلمية والتقنية بإحدى اللغات الأجنبية، في حين يطالب حزب «البيجيدي» ومعه حزب الاستقلال، بتعديل هذه المادة، من خلال التنصيص بطريقة فضفاضة على إمكانية تدريس بعض المضامين في بعض المجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية، وهو ما رفضته الفرق البرلمانية الأخرى من الأغلبية والمعارضة.


إقرأ أيضا