مشاورات انتخابية والبيجيدي خارج الإجماع... هذه ملامح الدخول السياسي بالمغرب - تيلي ماروك

مشاورات انتخابية - البيجيدي - الدخول السياسي - المغرب مشاورات انتخابية والبيجيدي خارج الإجماع... هذه ملامح الدخول السياسي بالمغرب

مشاورات انتخابية والبيجيدي خارج الإجماع... هذه ملامح الدخول السياسي بالمغرب
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 15/09/2020

تتميز هذه السنة بدخول سياسي واجتماعي استثنائي بسبب تداعيات أزمة فيروس كورونا، ورغم توجيه كل الاهتمام لمحاصرة تفشي الفيروس، إلا أن هناك العديد من الملفات التي تفرض نفسها على الساحة السياسية، ومن أبرزها الاستعداد لتنظيم جميع الاستحقاقات الانتخابية، خلال السنة المقبلة، كما أعلن عن ذلك وزير الداخلية، الذي مازال يباشر مشاورات مع زعماء الأحزاب السياسية بغرض التوصل إلى اتفاق حول تعديل القوانين الانتخابية، وعلى مستوى آخر، عاد مشروع القانون التنظيمي للنقابات إلى طاولة الحكومة، ما ينذر بتفجر معركة جديدة بين الحكومة والمركزيات النقابية الرافضة لهذا المشروع.

تلقي تداعيات أزمة كورونا بظلالها الى الدخول السياسي والاجتماعي للسنة الحالية، ويبقى أبرز حدث يميز هذا الدخول هو الشروع في الإعداد القانوني لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية، خلال السنة المقبلة، حيث يباشر وزير الداخلية الجولة الأخيرة من المشاورات مع الأحزاب السياسية بخصوص الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها في سنة 2021، قبل استكمال إعداد مشاريع القوانين المتعلقة بالانتخابات قبل عرضها للمصادقة بالمجلس الحكومي والبرلمان خلال الدورة التشريعية المقبلة.

مشاورات الانتخابات

أفادت المصادر، بأنه بعد الجولة الأخيرة من المشاورات، ستعمل وزارة الداخلية على إعداد مسودة تتضمن التعديلات المقترحة على القوانين الانتخابية ونمط الاقتراع وكذلك قانون الأحزاب السياسية، ستسلم إلى الأحزاب السياسية لإبداء ملاحظاتها، قبل عقد جولات أخرى حاسمة بخصوص الصيغة النهائية لهذه التعديلات وبلورتها في مشاريع قوانين ستعرض للمصادقة الى المجلس الحكومي ثم غرفتي البرلمان، وذلك في غضون الدورة البرلمانية المقبلة لتكون هذه القوانين جاهزة قبل شهر ماي من السنة المقبلة، حيث من المتوقع إجراء الانتخابات المهنية في شهر يونيو والانتخابات الجماعية والتشريعية في شهر شتنبر من السنة المقبلة.

ووضعت أحزاب المعارضة المشكلة من أحزاب الاستقلال، والأصالة والمعاصرة، والتقدم والاشتراكية، مذكرة مشتركة لدى وزارة الداخلية، تتضمن مقترحاتها بخصوص القوانين الانتخابية ونمط الاقتراع، في إطار الاستعداد لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية المقرر إجراؤها خلال السنة المقبلة، وأوضحت مذكرة الأحزاب الثلاثة، أن الانتخابات ليست هدفا في حد ذاتها، بل هي آلية ووسيلة لإفراز مؤسسات منتخبة تعكس ارادة الناخبين واختياراتهم، باعتبارها أداة للتعبير السياسي الحر ومدخلا رئيسيا للممارسة الديمقراطية، واعتبرت الاشتغال على ورش نزاهة الانتخابات وشفافيتها، هو أحد الأوراش الرئيسية التي ينبغي الانكباب عليها، من أجل تعزيز و حماية العملية الانتخابية وإحاطتها بكافة الضمانات  القانونية، والإدارية، والقضائية، والسياسية، والعمل على توفير كل الشروط والآليات لتجرى العملية الانتخابية في أجواء يسودها التنافس السياسي الحر بين الأحزاب، و تفعيل مبدأ تقديم الحساب وعدم التهرب من المسؤوليات، والقطيعة مع بعض الممارسات المسيئة المتمثلة في استعمال المال من طرف بعض المرشحين، وتقديم الإغراءات العينية، واستعمال الوسائل العامة في الحملات الانتخابية، والحياد السلبي للإدارة، إلى غير ذلك من الممارسات التي تفرغ العملية الانتخابية من مدلولها الديمقراطي، وتؤثر بشكل كبير على أداء ومردودية المؤسسات المنتخبة، وتسمح بصعود نخب ضعيفة الكفاءة والقدرات، مما يعكس صورة سلبية عن الفاعل السياسي، ويضعف ثقة المواطنين في الأحزاب وفي المجالس والمؤسسات المنتخبة.

وتقدمت الأحزاب السياسية بمذكرات تتضمن مقترحاتها بخصوص القوانين الانتخابية ونمط الاقتراع، في إطار الاستعداد لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية المقرر إجراؤها خلال السنة المقبلة، وتطالب أحزاب المعارضة بإحداث اللجنة الوطنية للانتخابات بقانون كهيأة مكلفة بالتنسيق والتتبع ومواكبة الانتخابات، تكون ذات طابع مختلط، تتكون، بالإضافة إلى ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية الممثلة في البرلمان، من ممثلي الحكومة والسلطة القضائية، وتكون بمثابة آلية للتشاور والإعداد والتتبع ويعهد برئاستها لممثل السلطة القضائية، على أن تتكلف الحكومة بالتدبير الإداري للانتخابات.

تقارب مقترحات الأحزاب

هناك مقترحات متقاربة بين أحزاب المعارضة وأحزاب من الأغلبية بمراجعة نمط الاقتراع الانتخابي وكذلك التقطيع الانتخابي، حيث تطالب بضرورة مراعاة خصوصية بعض الاقطاب الحضرية الجديدة في التقسيم الترابي والتقطيع الانتخابي، و ضم بعض الجماعات الترابية المتقاربة والمتجانسة، أما فيما يتعلق بنمط الاقتراع، طالبت بالحفاظ على نظام الاقتراع المزدوج: أحادي / لائحي، في الانتخابات الجماعية، من خلال اعتماد الانتخابات باللائحة في الجماعات التي يفوق عدد سكانها 50.000 نسمة، وكذا في الجماعات التي تقل ساكنتها عن هذا العدد شرط وجود مقر العمالة فوق ترابها، واعتماد الاقتراع الأحادي الإسمي في باقي الدوائر الانتخابية، وتقوية مشاركة النساء والشباب باعتماد لوائح جهوية للنساء، والشباب ذكورا وإناثا، بدل اللائحة الوطنية.

وطالبت بعض الأحزاب من الأغلبية والمعارضة بإدخال تعديلات على القوانين المنظمة للحملة الانتخابية، من خلال عدم اعتبار وجود الرموز الوطنية والنشيد الوطني وكذا اللونين الأحمر والأخضر في المنشورات والمطبوعات الدعائية أو استعمالها في مهرجانات الحملات الانتخابية من موجبات الطعن، كما طالبت بتنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية مرة واحدة و في نفس التاريخ، للرفع من نسبة المشاركة، ولترشيد المواد المالية والبشرية، واعتماد الاقتراع يوم الأربعاء عوض الجمعة شريطة منح كل الموظفين والمستخدمين في القطاع العام والخاص رخصة تغيب استثنائية مؤدى عنها  ولا تقتطع من الإجازة السنوية.

وخلافا لمطلب باقي الأحزاب بتوسيع نمط الاقتراع الفردي ليشمل الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 50  ألف نسمة عوض 30 ألف نسمة، اقترح حزب العدالة والتنمية، في مذكرته حول الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، توسيع نمط الاقتراع باللائحة وفق أكبر بقية، مع تعميم نظام الاقتراع باللائحة على الجماعات التي يتجاوز عدد سكانها 20000 نسمة، وأوضح الحزب في مذكرته، أن من شأن تعميم نمط الاقتراع باللائحة أن يسهم في تعزيز دور ومكانة الأحزاب السياسية، ودعم التنافس بين البرامج والهيئات السياسية، بدل التنافس بين الأشخاص.

وتطالب أحزاب المعارضة بالعمل على تفعيل مقتضيات الفصل 17 من الدستور الذي يكفل حق المغاربة المقيمين بالخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات، وضمان تمثيلية الجالية المغربية بمجلس النواب، عن طريق ترشيحات تقدم في إطار اللائحة الجهوية المشار إليها سابقا، كما تطالب بتوحید العتبة الانتخابیة والمالیة في 3 في المائة، وھو ما یعني أن اللوائح الانتخابیة التي تشارك في توزیع الأصوات في جمیع الانتخابات الجماعیة والجھویة والتشریعیة وانتخابات مجالس العمالات والأقالیم والغرف المھنیة ھي اللوائح التي تحصل على الأقل على نسبة 3 في المائة من الأصوات بصرف النظر عن حجم وطبیعة الدائرة الانتخابیة المعنیة، ويقترح حزب الأصالة والمعاصرة حذف العتبة الانتخابية.

«البيجيدي» خارج الإجماع

أكد حزب العدالة والتنمية في مذكرته المرفوعة إلى وزارة الداخلية على الإشراف السياسي للحكومة على تدبير الانتخابات، وعلى تعزيز دور القضاء في الرقابة الفعالة والصارمة والنزيهة على كافة مراحلها، مع اعتماد إطار قانوني ينظم الإشراف التنظيمي على المستويين الوطني والمحلي، وأكد حزب العدالة والتنمية، أنه يعبر عن رأيه في الإعداد للانتخابات المقبلة، ليس بمنطق حزبي ضيق، ولكن من منطلق مبدئي في الدفاع عن الديمقراطية وشفافية  ونزاهة الانتخابات، والحرص من خلال ذلك على تحقيق الإرادة الشعبية والوفاء لنضاله المستمر من أجل ذلك.

وسبق للحزب أن تقدم بمقترح قانون، خلال الولاية الحكومية السابقة، يطالب من خلاله بإبعاد وزارة الداخلية عن تدبير ملف الانتخابات وإسناد الإشراف عليها إلى القضاء، واعتبر في مذكرة وجهها سابقا بشأن القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية والقانون المحدد لشروط وكيفيات الملاحظة المستقلة،  استمرار وزارة الداخلية في تدبير الملف الانتخابي لا ينسجم مع التوجه الجديد الدستوري العام القاضي بإقرار فصل حقيقي للسلطات، لكن الحزب تراجع عن هذا المطلب،  وصوت ضد مقترح إحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، تقدم به حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي.

ودعت المذكرة، إلى مواصلة وتعزيز نهج التشاور الموسع مع الفاعلين السياسيين المشاركين في التنافس الانتخابي حول عملية تدبير الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مطالبا بالإعداد الجيد والتدبير الزمني الناجع لمختلف المحطات الانتخابية المقبلة سواء منها المهنية أو الجماعية أو التشريعية، وبخصوص البرمجة الزمنية لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية، اقترح حزب العدالة والتنمية، إجراء الانتخابات الجماعية والجهوية والمهنية من جهة والانتخابات التشريعية الخاصة بمجلس النواب من جهة أخرى في فترتين زمنيتين منفصلتين، لإحاطة النوعين من الاستحقاقات بضمانات وشروط النجاح، فيما تطالب أحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية، في مذكرتها المشتركة، بتنظيم جميع الاستحقاقات في يوم واحد.

وخلافا لمطلب باقي الأحزاب بتوسيع نمط الاقتراع الفردي ليشمل الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 50  ألف نسمة عوض 30 ألف نسمة، اقترح حزب العدالة والتنمية، في مذكرته حول الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، توسيع نمط الاقتراع باللائحة وفق أكبر بقية، مع تعميم نظام الاقتراع باللائحة على الجماعات التي يتجاوز عدد سكانها 20000 نسمة، وأوضح الحزب في مذكرته، أن من شأن تعميم نمط الاقتراع باللائحة أن يسهم في تعزيز دور ومكانة الأحزاب السياسية، ودعم التنافس بين البرامج والهيئات السياسية، بدل التنافس بين الأشخاص، وأكد  في مذكرته، أن تجربة الانتخابات التشريعية والجماعية منذ 2002،  أكدت أن ساكنة الوسط القروي قد استأنست بهذا النظام، بل إن حجم المشاركة في القرى هو أعلى منه في المدن.

وفي الوقت الذي تطالب باقي الأحزاب بتخفيض نسبة العتبة إلى 3 %، ويطالب حزب الأصالة والمعاصرة بحذف العتبة نهائيا،  اقترح حزب العدالة والتنمية، اعتماد عتبة 6 % في الدوائر المحلية التشريعية، والانتخابات الجهوية والجماعية، والاحتفاظ بعتبة 3 % بالنسبة لدائرة اللائحة الوطنية، وذلك من أجل تعزيز ترشيد وعقلنة الخريطة السياسية، ودعا الحزب إلى مراجعة جذرية للوائح الانتخابية الحالية المتعلقة بالانتخابات العامة، وإذا لزم الأمر القيام بمراجعة استثنائية للوائح الانتخابية العامة، استصحابا للعملية المماثلة المنجزة سنة 2016 وعملا على تطويرها، وشدد على ضرورة التقيد العملي بتفعيل بعض مقتضيات القانون رقم 57.11، من مثل المادة 21 منه التي تنص على شكليات وإجراءات إيداع طلبات القيد في اللوائح الانتخابية من فاتح أبريل إلى غاية 31  دجنبر من كل سنة، فضلا عن تيسير سبل التسجيل الإلكتروني، وكذا القيام بحملات رسمية بمختلف الوسائل من أجل دعوة المواطنين للتسجيل في اللوائح الانتخابية.

وفي رده على مطلب إلغاء اللائحة الوطنية لما تكرسه من «ريع» انتخابي وبرلماني، أعلن الحزب تشبثه باللائحة الوطنية بصيغتها الحالية، مع تحفيز ترشيح الشباب والنساء في اللوائح المحلية من مدخل الدعم المالي وولوج الإعلام العمومي، وبشأن تمثيلية مغاربة العالم بمجلس النواب، دعت المذكرة ذاتها، إلى تمكين مغاربة العالم من التصويت انطلاقا من بلدان الإقامة، مقترحا في السياق ذاته، اعتماد لائحة وطنية لمغاربة العالم لتعزيز تمثيليتهم بمجلس النواب.

الملفات الاجتماعية.. أولوية حاسمة

يشكل الملف الاجتماعي وتنزيل مضامين الاتفاق الاجتماعي بين المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، والحكومة، وممثلي أرباب العمل، الذي تم توقيعه في أبريل من السنة الماضية، واحدا من الملفات الحارقة التي تواجه حكومة سعد الدين العثماني في بداية الدخول الاجتماعي والسياسي الحالي، حيث تضمن هذا الاتفاق التزاما للقطاع الخاص بالرفع من الحد الأدنى للأجور بنسبة 10 في المائة على سنتين؛ 5 في المائة ابتداء من يوليوز 2019، و5 في المائة في يوليوز 2020، كما نص على عدد من القرارات الاجتماعية والاقتصادية وضمان الحقوق النقابية للأجراء، وهي الالتزامات التي باتت النقابات تعتبر أن الحكومة لم تسهر على تنزيلها في القطاعين العام والخاص.

وشكلت تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد الوطني غطاء لأرباب العمل في مواجهة المطالب الملحة للنقابات حين اعتبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يُمثل القطاع الخاص، أن تأجيل هذه الزيادة يأتي للتركيز على الحفاظ على مناصب الشغل؛ بعدما كانت مقررة في شهر يوليوز الماضي، غير أن التبعات الاقتصادية لأزمة كورونا على المقاولات المغربية جعلت تلك المقاولات تلجأ إلى القروض والدعم المالي لتغطية مصاريفها القارة في ظل انخفاض الإنتاج أو انقطاعه بشكل كامل.

وإلى جانب الزيادة في الحد الأدنى للأجر، تطالب النقابات الحكومة بالسهر على تنزيل مقتضيات الاتفاق الاجتماعي في جانب التشريع والحريات النقابية، حيث تم الالتزام بالتشاور حول مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب وتعديل مدونة الشغل وقانون النقابات والمنظمات المهنية، واحترام الحقوق النقابية والتشاور الاجتماعي حول إطلاق مسلسل الإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد وإرساء نظام للقطبين العام والخاص؛ فيما تعتبر النقابات أنه لا يمكن تأجيل العديد من بنود الاتفاق الاجتماعي والتي تهم بالخصوص الزيادة في الحد الأدنى للأجور وتحسين الأوضاع الاجتماعية للأجراء.

من جانب آخر، تشكل الانتخابات المهنية، التي ينتظر أن تجرى سنة 2021، واحدا من الملفات المهمة خلال هذا الموسم، لعدة اعتبارات ترتبط برفض العديد من النقابات للصيغة الحالية لمنظومة الانتخابات المهنية والمطالبة بتغييرها، فقد دعت أربع نقابات عمالية رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى العمل على تعديل منظومة الانتخابات المهنية، لتجاوز الاختلالات التي شابت الاستحقاقات المهنية السابقة لإفراز تمثيلية نقابية حقيقية وموضوعية ومنصفة.

وطالب تنسيق نقابي مكون من الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والاتحاد العام للشغالين والفيدرالية الديمقراطية للشغل والكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، بتعديل المنظومة الانتخابية المهنية لتعزيز الحضور النقابي على الساحة الوطنية، وذلك من خلال توحيد معايير التمثيل بين القطاعين العام والخاص، بشكل يرفع الحيف الذي يطال القطاع العام، كما طالبت الهيئات النقابية، في مراسلتها، بـ"الحد من ظاهرة انتخاب ممثلي الأجراء بدون انتماء نقابي، وإشراك النقابات في مواكبة ومراقبة العملية الانتخابية في كل مراحلها، في القطاعين الخاص والعام، وذلك من خلال تشكيل لجان إقليمية ولجنة وطنية لهذه الغاية".

وإلى جانب الاتفاق الاجتماعي والانتخابات المهنية، مازال ملف القانون التنظيمي للإضراب، وقانون النقابات، مثار خلاف بين الحكومة والنقابات ومن الملفات الشائكة التي تنتظر الحسم فيها خلال هذه السنة التشريعية، ففي الوقت الذي ما تفتأ الحكومة تعلن، عبر الوزارة الوصية، عن الوصول إلى المرحلة النهائية من صياغة المسودة المتعلقة بمشروع القانون والمنتظر قرب عرضها أمام المجلس الحكومي، تؤكد النقابات أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الوزارة والنقابات حول الصيغ المقترحة من الوزارة، وأنها لم تطلع على ما وصلت إليه الوزارة بخصوص مسودة مشروع القانون الجديد.

وواجهت المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية إعلان وزارة التشغيل عن مسودة مشروع قانون النقابات، بالرفض الواسع، فيما يطالب النص الأولي للقانون الذي كانت قد كشفت عنه الوزارة، النقابات بأن تتضمن أنظمتها الأساسية مقتضيات تهم كيفية اختيار مرشحيها وأحكاما تكفل ضمان تمثيلية النساء والشباب في الأجهزة المكلفة بإدارة وتسيير النقابة، والجهاز المكلف بمراقبة مالية النقابة أو المنظمة، كما يؤكد المشروع على ضرورة احترام مواعد انعقاد المؤتمرات الوطنية والجهوية والمحلية، على أن لا تتجاوز المدة الفاصلة بينها أربع سنوات، وعلى أن النقابات مطالبة باحترام تجديد هياكلها داخل الآجال المقررة في أنظمتها الأساسية تحت طائلة اعتبارها في وضعية غير قانونية وانعدام الأثر القانوني لأي تصرف صادر عنها قبل تسوية وضعيتها.

القانون التنظيمي للنقابات يعود إلى طاولة الحكومة

بعد «تجميد» إخراجه منذ خمس سنوات على إثر صفقة بين الحكومة والمركزيات النقابية، عاد القانون التنظيمي للنقابات إلى طاولة الحكومة، حيث وجه وزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز، الكتاب العامين للهيئات النقابية، لمطالبتهم بتقديم ملاحظاتهم ومقترحاتهم بخصوص هذا القانون، وهي الدعوة التي قوبلت بالرفض من طرف المسؤولين النقابيين، الذين طالبوا بمنحهم مهلة زمنية لمناقشة القانون، ويعني ذلك محاولة ربح المزيد من الوقت إلى حين نهاية الولاية الحكومية الحالية.

ويحدد القانون مدة ولاية زعماء النقابات، ويتضمن مقتضيات تهم على الخصوص «كيفية اختيار مرشحي النقابة أو المنظمة الذين سيكلفون بمهام الإدارة والتسيير في مختلف الأجهزة»، و«مدة ولاية الأعضاء المكلفين بالإدارة والتسيير داخل الأجهزة»، و«شروط الانخراط وإقالة واستقالة الأعضاء» وكذا «أحكام تكفل ضمان تمثيلية النساء والشباب في الأجهزة المكلفة بإدارة وتسيير النقابة»، و«الجهاز المكلف بمراقبة مالية النقابة أو المنظمة»، كما أكد على ضرورة احترام مواعد انعقاد المؤتمرات الوطنية والجهوية والمحلية، مشترطا أن «لا تتجاوز أربع سنوات»، ليردف أن «الفترة الفاصلة بين المؤتمرات العادية لنقابات العمال أو للمنظمات المهنية للمشغلين لا يجب أن لا تتجاوز المدة المنصوص عليها في النظام الأساسي في ما يتعلق بولاية الأعضاء المكلفين بإدارة وتسيير هيكل النقابة أو المنظمة على جميع المستويات.»، كما أن النقابات أو المنظمات المهنية مطالبة بـ«احترام تجديد هياكلها داخل الآجال المقررة في أنظمتها الأساسية تحت طائلة اعتبارها في وضعية غير قانونية وانعدام الأثر القانوني لأي تصرف صادر عنها قبل تسوية وضعيتها.»

وينص القانون في المادة 33 على أن «تتلقى المنظمات النقابية للعمال الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني، دعما من الدولة في شكل عيني أو في شكل مساهمة مالية سنوية، من أجل تغطية كل أو جزء من مصاريف تسيير المنظمة ومصاريف تنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية ومصاريف الأنشطة المرتبطة بالتكوين النقابي المنظمة لفائدة أعضائها ولتوظيف خبراء وإجراء دراسات في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والإدارية التي من شأنها تعزيز قوتها الاقتراحية والتفاوضية»، وأوضحت المادة كيفية توزيع مبلغ المساهمة المالية السنوية للدولة، بين المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا للعمال على الصعيد الوطني، حيث نصت على أن يتم ذلك «على أساس النتائج المحصل عليها في انتخابات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء والانتخابات المهنية على المستوى الوطني ووفق الكيفيات المحددة بنص تنظيمي». وبموجب مشروع القانون، فإن نقابات العمال والمنظمات المهنية للمشغلين، يمكنهم أن يمتلكوا أموالا منقولة وغير منقولة، بعوض أو بغير عوض، من أجل مزاولة الأنشطة الضرورية لتحقيق أهدافهم، ومنع القانون، «الحكم بحجز المنقولات والعقارات اللازمة لعقد اجتماعات نقابات العمال أو المنظمات المهنية للمشغلين، وكذا المنقولات والعقارات اللازمة لخزانات كتبها، أو لتقديم دروس أو تكوين لفائدة أعضائها، إلا ضمن الشروط المحددة بمقتضى القانون.»

ووضع القانون معيارين أمام المنظمة النقابية للعمال من أجل الحصول على صفة  «الأكثر تمثيلية»، يرتبط  المعيار الأول بحصول النقابة المعنية على «نسبة 6 في المائة على الأقل من مجموع عدد ممثلي موظفي الدولة والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري في انتخابات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بالقطاع العام، ومن عدد مندوبي الأجراء في الانتخابات المهنية بالقطاع الخاص، على المستوى الوطني»، فيما ينص المعيار الثاني على أن «تكون ممثلة بمجلس المستشارين»، وحدد مشروع القانون أربعة معايير لحصول المنظمة المهنية للمشغلين على صفة «الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني»، وهي «الرقم الإجمالي للمعاملات الذي حققه منخرطوها على المستوى الوطني، وعدد مناصب الشغل المصرح بها والتي وفرتها أنشطة منخرطي المنظمة، وحجم تواجدها على مستوى مختلف القطاعات الاقتصادية، وتمثيليتها بمجلس المستشارين.»

وينص مشروع القانون في المادة 100 على أن تمسك «المنظمات النقابية والمهنية للمشغلين، نظاما محاسبيا سنويا»، وبأن «تحتفظ بجميع الوثائق المثبتة لمحاسبة المنظمة لمدة عشر سنوات تبتدئ من التاريخ الذي تحمله هذه الوثائق»، ويلزم القانون النقابات والمنظمات المهنية للمشغلين، بصرف الدعم المالي السنوي الممنوح لهم «في الأغراض التي منح لأجلها»، معتبرا أن «كل استخدام كلي أو جزئي للدعم المالي الممنوح من طرف الدولة لأغراض غير التي منح لأجلها يعد اختلاسا للمال العام يعاقب عليه طبقا للقانون». وأكد المشروع على أن المجلس الأعلى للحسابات هو المؤسسة المخول لها «مراقبة صرف الدعم السنوي الذي تستفيد منه المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني»، لينص في هذا الصدد على أن توجه هذه المنظمات إلى هذه المؤسسة الدستورية، «داخل أجل أقصاه 31 مارس من السنة الموالية للسنة المالية المنصرمة، تقريرا مفصلا عن أوجه استعمال هذا الدعم عن السنة المعينة»، وهذا التقرير «يجب أن يكون مصادقا عليه من لدن خبير محاسب مقيد في جدول هيئة للخبراء المحاسين، ومرفقا بالمستندات التي تثبت النفقات المنجزة برسم السنة المالية المعنية.»

وأوضح مشروع القانون أنه «في حالة عدم توجيه التقرير السنوي داخل الأجل المحدد، أو إذا كانت المستندات التي تم الإدلاء بها غير كافية، أو لا تبرر جزئيا أو كليا استعمال الدعم المحصل عليه في الغايات التي منح من أجلها، يوجه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إنذارا إلى رئيس النقابة من أجل تسوية وضعيتها داخل أجل أقصاه 30 يوما، أو إرجاع مبلغ الدعم إلى الخزينة العامة للمملكة»، وأضاف «في حالة عدم استجابة النقابة المعنية لإنذار الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، فإنها تفقد حقها في الاستفادة من الدعم السنوي، كما تفقد حقها في الدعم في حالة عدم عقد مؤتمرها الوطني العادي وفق الآجال المنصوص عليها في نظامها الأساسي، وذلك بعد انصرام أجل أٌقصاه ستة أشهر من التاريخ المحدد لانعقاد المؤتمر»، على أن «تسترجع المنظمة هذا الحق ابتداء من تاريخ تسوية وضعيتها بهذا الخصوص».

تجريم الإثراء غير المشروع يعيد القانون الجنائي إلى نقطة الصفر

عاد مشروع القانون الجنائي إلى نقطة الصفر، بعدما قطع أشواطا من المناقشة والدراسة داخل اللجنة البرلمانية منذ سنة 2016، وصلت إلى مرحلة تقديم التعديلات، لكن فرق الأغلبية قررت سحب توقيعها من لائحة التعديلات المقدمة بشكل مشترك، وذلك بعد انقلاب حزب العدالة والتنمية على حلفائه داخل الأغلبية الحكومية، بسحبه لتعديل متوافق عليه حول تجريم الإثراء غير المشروع.

تقديم التعديلات.. موعد آخر

حددت اللجنة موعدا آخر لتقديم التعديلات، انتهى قبل أسبوعين، لكن مرة أخرى طالبت الفرق البرلمانية الثلاثة بتأجيل الموعد، فيما تقدم فريق العدالة والتنمية وفرق المعارضة بتعديلاتها، وبرر فريقا التجمع الدستوري والاتحاد الاشتراكي طلبهما بتعذر عقد اجتماع للفريقين، بسبب أزمة كورونا، وتزامن ذلك مع عطلة البرلمانيين، فيما برر الفريق الحركي طلبه بمنح مهلة إضافية من أجل التوصل إلى توافق حول التعديلات بين فرق الأغلبية البرلمانية.

وأوضح مصدر حكومي، أن قيادة حزب العدالة والتنمية تصر على الهيمنة في تمرير مشروع القانون الجنائي برؤية حزبية ضيقة، ما جعل هذا المشروع يعود إلى نقطة الصفر من جديد، بعد أن تنصل فريق الحزب الذي يقود الحكومة من التعديلات التوافقية ضمن الأغلبية، ما جعل باقي الفرق تنسحب رسميا من هذا التوافق، وتطلب من رئيس لجنة العدل والتشريع فتح آجال جديدة لإيداع التعديلات. وأضاف المصدر ذاته أنه «في اللحظة التي كان الجميع يترقب توجيه الدعوة لوزير العدل من أجل الحضور إلى اللجنة والشروع في البت في التعديلات المقترحة، يفتعل فريق العدالة والتنمية أزمة داخل فرق الأغلبية، من شأنها أن تزج بهذا المشروع في أفق ملتبس».

وكان فريق العدالة والتنمية قد انقلب على حلفائه داخل الأغلبية الحكومية، باتخاذ قرار انفرادي بسحب التعديلات المقترحة على مشروع القانون الجنائي، المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، بعد التوافق عليها، وقرر الفريق سالف الذكر سحب التعديل 31 الذي تقدم به بمعية فرق الأغلبية، بشأن مشروع قانون رقم 10.16 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، والإبقاء على الفرع 4 مكرر المتعلق بـ«الإثراء غير المشروع» كما جاءت به الحكومة في المشروع المذكور، مع تمسك الفريق ببقية التعديلات المقدمة سابقا بمعية فرق الأغلبية.

وتنص الصيغة التي جاءت بها الحكومة في المشروع على أنه «يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية، أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، ويجب في حالة الحكم بالإدانة بمصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من القانون نفسه، والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية».

تعديلات مشتركة

كانت الأغلبية تقدمت بتعديلات مشتركة قبل انقلاب فريق العدالة والتنمية، تنص على ألا يخضع المعنيون للمحاسبة إلا بعد انتهاء مهامهم، سواء الإدارية أو الانتدابية، وحصر مهمة المحاسبة في المجلس الأعلى للحسابات، والاقتصار في التصريح بالممتلكات بالنسبة إلى المعني وأبنائه فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار الممتلكات المصرح بها قبل تولي المهمة الإدارية أو الانتدابية. واقترحت مكونات الأغلبية، من خلال التعديلات المقترحة، منح الصلاحيات للمجلس الأعلى للحسابات، لكي يثبت تجاوز ما تم التصريح به بعد نهاية المهمة وليس أثناءها، ويجب أن تكون المقارنة مع ما صرح به من دخل انطلاق من التصريح بالممتلكات الذي أودع المعني بالأمر، وليس مصادر دخله. واقترح فريق الأصالة والمعاصرة ومعه مجموعة حزب التقدم والاشتراكية، بأن لا تتم المتابعة إلا بناء على تقرير معد من قبل المجلس الأعلى للحسابات في حق الشخص المعني بالأمر.

وتشبث الفريق الاستقلالي بالتعديلات التي قدمها سابقا، حيث يطالب بالتنصيص على عقوبات سجنية في القانون، واقترح الفريق بمعاقبة مرتكبي جريمة الإثراء غير المشروع، بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة من 100.000 درهم إلى 1.000.000 درهم، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة ملحوظة، وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة. كما يقترح الفريق نفسه توسيع نطاق الموظفين العموميين المعنيين بهذا الفصل من الملزمين بالتصريح الى  الموظف العمومي، وفق تعريف الفصل 224 من مجموعة القانون الجنائي، والحكم بالعقوبة السالبة للحرية إسوة بجرائم الرشوة والحصول على منفعة غير مستحقة من استغلال الوظيفة المنصوص عليها في الفصل 245-1، وكذلك تماشيا مع توصيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد والقانون المقارن، خاصة الفرنسي.

ثلاثة أسئلة لمحمد العابدةأستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش

1 - ما هي الملفات التي تحظى بالأولية خلال الدخول السياسي المقبل؟

هناك الكثير من الملفات التي تحظى بالأولية خلال الدخول السياسي المقبل، على اعتبار أن الفاعل السياسي يجب أن تكون لديه نظرة استشرافية، انطلاقا من دراسات علمية موضوعية لقراءة المستقبل، وكذلك انطلاقا من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إن على المستوى الداخلي أو الخارجي. ومن هنا، فإن الفاعل السياسي والإداري الناجح ينسق مع مكاتب الدراسات ومكاتب الخبرة من أجل الاستفادة والحصول على المعلومة الموضوعية. وبالعودة إلى الملفات المطروحة، نجد أن خارطة الطريق وضعها جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش للتاسع والعشرين من يوليوز الماضي، والذي وجه الفاعل السياسي إلى ضرورة التركيز على عدد من القطاعات، في مقدمتها القطاع الاجتماعي، والقطاع الاقتصادي، ومجال البحث العلمي والتطوير. فبالعودة إلى القطاع الاقتصادي، على سبيل المثال، نجد أن القطاع غير المهيكل يمثل 67 من القطاع الاقتصادي، وهذا رقم مقلق يستوجب على الفاعل السياسي أن يهتم بالشكل الكبير بهذا الملف، كما أن أزمة «كوفيد19»، وإن كان لها الكثير من السلبيات، فإن من إيجابياتها أنها تسائل صانع القرار حول ضرورة تغيير منهجية الاشتغال، وبالتالي ترتيب الأولويات، كما أن الجائحة أبانت عن ضرورة الاهتمام بالحماية الاجتماعية، ويكفي أن تعلم بأن 75 في المائة من الشباب لا يتوفرون على أية تغطية صحية. وكانت الإشارة الملكية واضحة في خطاب العرش على ضرورة الاهتمام بهذا القطاع، فبدون الاهتمام بالصحة والتعليم لا يمكن للتنمية المستدامة أن تتحقق.

بالإضافة إلى هذه الملفات، أعتقد أن من بين الملفات الحارقة، أيضا، ارتباط العديد من القطاعات بما هو خارجي، والحديث هنا عن القطاع السياحي، والصناعة التقليدية، والنقل، والصناعة، والتجارة، وغيرها، وهنا ينبغي للفاعلين في الحقلين السياسي والاقتصادي، البحث عن إجابات دقيقة لكيفية تحقيق المزيد من الاستقلالية لهذه القطاعات عن التقلبات الخارجية، وكيفية الحصول على سرعة تأقلم للاقتصاد المغربي في مواجهة الأزمات، وهنا تجب الإشارة إلى أن عددا من الشركات والمقاولات المغربية أبانت عن قدرة كبيرة في التأقلم مع الأزمة التي اكتسحت العالم، كما يجب، أيضا، الاشتغال على مجال دعم البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا، على الأقل الوصول إلى 2 في المائة من الدخل القومي، والتي يجب أن تكون مخصصة لتطوير البحث العلمي، كما يجب الاشتغال بقوة على المنظومة الصحية وتطويرها وتحفيز العاملين في المجال بالإضافة إلى الاشتغال من أجل تسهيل الولوج للعلاجات.

2- هل من شأن الأزمة الحالية لكورونا أن تغير من أولويات الدخول السياسي المقبل؟

هذا السؤال مرتبط بالسؤال الأول، فبطبيعة الحال أثرت الأزمة الحالية على ترتيب الأولويات، فإن لم نستفد من هذه الأزمة لعلاج مكامن الخلل، فإننا سنكون قد أضعنا فرصة نحو تحقيق التنمية المرجوة، ولابد من تغيير منهجية الاشتغال، بأن تكون الدولة هي دولة الرعاية والتي تهتم بالقطاعات الاجتماعية المهمة جدا، وإذا لم يتم هذا الاهتمام، فمن الصعب تحقيق التنمية، ونرى كيف أننا لم نستطع مواصلة الحجر الصحي والإغلاق العام، بسبب عدم صلابة الاقتصاد وقدرة الدولة في تقديم المزيد من المساهمة في تلبية احتياجات الناس، ولهذا ينبغي تغيير الأولويات، وعندما نقول الأولويات، فإنه يجب أن نركز على الصحة والقطاع الاجتماعي والقطاع الاقتصادي من خلال محاولة إدماج القطاع غير المهيكل. وأبانت الجائحة، من جهة أخرى، على ضرورة العناية بالإدارة الإلكترونية، وهذا أمر مهم جدا، كما يجب أن تكون هناك سلاسة من أجل الولوج للتكنولوجيا الحديثة والأنترنت، وهنا يجب التأكيد على أن المسؤولية تتحملها المؤسسات العمومية والحكومة والفاعلون والجماعات المحلية والمنتخبون كل من موقعه، بالإضافة إلى المجتمع المدني، لأن «كوفيد 19» أوجب علينا إعادة النظر في عدد من الملفات المهمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وينبغي تنزيل دستور 2011، وهو دستور حقوقي بامتياز. وعموما يمكن القول إن الفاعل السياسي والاقتصادي مطالب بقراءة الخطاب الملكي الأخير الذي يعتبر خارطة طريق، وتنزيله على شكل قوانين من لدن البرلمان ومراسيم من لدن الحكومة وعلى شكل اقتراحات ومبادرات عملية من لدن مختلف الفاعلين.

3- إلى أي مدى سيؤثر رهان الانتخابات القادمة على تدبير الملفات السياسية؟

هذا الموضوع له راهنية كبيرة وهو موضوع مهم، لعدة اعتبارات، إذ إنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية دون التطرق لمرحلة ومحطة الانتخابات، والانتخابات القادمة ينبغي التهييء لها مسبقا، فقد حان الوقت لكي تتنافس الأحزاب السياسية، ليس إيديولوجيا، بل انطلاقا من البرامج وقراءة المشهد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتفاعل العديد من الملفات مع المحيط الإقليمي والدولي. ولهذا فإن الفاعل الحزبي، وبناء على أن التنظيم الترابي للمملكة هو تنظيم لا مركزي يبنى على الجهوية المتقدمة، فإن تصور الحزب السياسي ينبغي أن يكون تصورا سياسيا، وذلك من خلال سعي الحزب إلى وضع برامج تتماشى مع تطلعات وطموحات الساكنة المحلية، وهنا نعود إلى الخطاب الملكي السامي الذي يقول بضرورة تحقيق العدالة المجالية، والعدالة الاجتماعية، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق ما دام الحزب يعمل فقط في العاصمة، بل يجب أن ننتقل إلى اللامركزية، والتواصل مع المواطنين، وتحقيق الديمقراطية اللامركزية، والبحث عن فاعلين حزبيين يتحملون المسؤولية في بناء اقتصاد تنافسي، ويستطيعون وضع برامج تعني بهذه الأولويات.


إقرأ أيضا