تقرير أممي يحمّل الجزائر مسؤولية ما يقع في تندوف وهكذا تأسست البوليساريو - تيلي ماروك

تقرير أممي - الجزائر - تندوف - البوليساريو تقرير أممي يحمّل الجزائر مسؤولية ما يقع في تندوف وهكذا تأسست البوليساريو

تقرير أممي يحمّل الجزائر مسؤولية ما يقع في تندوف وهكذا تأسست البوليساريو
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 12/07/2020

«وثيقة من وثائق أرشيف الخارجية الأمريكية مرقمة بترقيم 1124-1973، صادرة من سفارة الولايات المتحدة في الرباط، تقول إن نشطاء صحراويين مغاربة اتصلوا سرا ببعض قدماء جيش التحرير لتسهيل تسللهم عبر الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر، قادمين من باريس، رغبة منهم في العودة إلى الأقاليم الصحراوية التي غادروها سنة 1963، بعد أن كانوا مبحوثا عنهم على خلفية التمرد على الجيش. وطلبوا أن يحصلوا على وعد بعدم اعتقالهم في حالة العودة، وأعلنوا رغبتهم في الحديث مع أحد مستشاري الملك الحسن الثاني لكي يشرحوا له بالتفصيل موقفهم من قضية الصحراء، وفعلا تم السماح لهم من طرف وزير الداخلية المغربي وقتها حدو الشيكر، بالعودة.

في هذا الملف سوف نكشف بعض كواليس تأسيس البوليساريو سنة 1973 في نسختها الأولى التي لم تكن انفصالية، وكيف استغلها الهواري بومدين واخترقها لتهديد الوحدة الترابية للمغرب مباشرة بعد المسيرة الخضراء سنة 1975.

محمد الفقيه البصري، رمز المعارضة المغربية وقتها في باريس والشرق الأوسط، كان شاهدا على هذه المرحلة، ورفض، حسب ما تؤكده الشهادات والوثائق، أن يكون مستفيدا من تغيير نهج البوليساريو التي تأسست لتحرير الجنوب المغربي من قبضة الإسبان، في إطار الحركات التحررية التي ظهرت في فلسطين وأمريكا الجنوبية.

لقد كان محمد الفقيه البصري مؤمنا بضرورة الكفاح المسلح في الصحراء المغربية لاستكمال تحرير المغرب من القوات الأجنبية. لقد كان يؤمن بهذا الأمر خلال مرحلة الشباب الأول، سنة 1958، وظل مؤمنا به حتى بعد أن أصبحت له صداقات متينة مع الجزائريين وهو في منفاه بباريس متنقلا بين العواصم لحشد الدعم المعنوي للمعارضة المغربية في الخارج.

في هذا الملف سوف نستعيد وقائع، بعضها ينشر لأول مرة، لأكبر عملية لطمس تاريخ الصراع حول استقرار الصحراء، مع جيش التحرير المغربي إلى أن وُلدت البوليساريو وكيف تم تحويلها إلى جماعة مسلحة تمول من الجزائر للانفصال عن المغرب.

التنظيم السري للشباب الصحراوي.. أو كيف أسس الوالي ولد السيد قنبلة «بوليساريو»

في بداية مارس الماضي، أعلن امباركبودرقة، أسابيع فقط قبل وفاة عبد الرحمن اليوسفي الذي كان بودرقة يُعتبر أقرب مقربيه، صدور كتاب جديد اختار له عنوان «بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة». تحدث فيه بإسهاب عن التحضير لثورة 23 مارس 1973، بل وقدم نقدا ذاتيا للمجموعة التي كان يقودها محمد الفقيه البصري، وكان هو، أي بودرقة، أحد أهم المنسقين داخلها.

تحدث، وهنا مربط الفرس، عن تأسيس تنظيم البوليساريو، الذي وُجهت للمعارضة المغربية انتقادات كثيرة بشأن معرفتها ببعض تفاصيله. وهنا تدخل بودرقة لكي يصحح مجموعة من المعطيات، وأدلى بحقائق أخرى، أكد صحتها أرشيف الخارجية الأمريكية الذي رفعت عنه السرية مؤخرا. يتحدث هنا مستحضرا مرحلة عودة مصطفى ولد السيد، أحد مؤسسي التنظيم، من أولى العمليات الميدانية في الصحراء لمواجهة الجيش الإسباني والدفاع عن وحدة المغرب: «بعد عودة مصطفى ولد السيد من هذه العملية، أخبرني منتشيا بإطلاقهم الكفاح المسلح ضد الوجود الإسباني على التراب الجنوبي للمغرب. لم يكن لديهم البتة أي نزوع انفصالي في البداية. ولا كانت للجزائريين عليهم دالة ولا وصاية.

ذلك أنني كنت حاضرا ومنسقا رفقة إبراهيم أوشلح لأول لقاء جمع الوالي مصطفى السيد مع جلول ملائكة، المسؤول عن ملف الحركات التحررية بحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري.

كانت الأرضية المشتركة بيننا في البدء قائمة على هذا الأساس. تعاون بين التنظيم السري وبين مجموعة الشباب الصحراوي بقيادة الوالي مصطفىولد السيد، لدحر الاستعمار الإسباني من الصحراء المغربية. يليه إيجاد مساحة تحررية يمكن تعميم تجربتها لتمتد شمالا. كل هذا تم ضمن إطار مشروع وحدوي، خال من أي نزعة انفصالية ودون تدخل للحسابات الإقليمية على الخط ليبية كانت أو جزائرية.

سعينا إلى إيجاد بديل ينقلنا من خندق الحصار والإحراج إلى فضاء الدعم والاحتضان، فمشروعنا يرمي تحرير الأرض والإنسان وتصفية الاستعمار. وهو عمل مشروع تكفله المواثيق الدولية لذلك لن يكون هناك مانع لحصول دعم عربي ودولي لقضيتنا.

في خطوتنا تلك كانت أكثر من رسالة، وأكثر من رهان. كنا شركاء في المشروع، بأفكارنا وأطرنا وسلاحنا، لكن شاءت الإرادة الجزائرية لاحقا أن تفصلنا عن بعضنا لتنفرد بجبهة البوليساريو وتوجهها وفق بوصلتها».

في هذا الملف سوف نرى كيف كان الهواري بومدين، كثير الحسابات والأسرار أيضا. فقد كان يعلم كثيرا من التفاصيل في الموضوع لم يطلع عليها الملك الراحل الحسن الثاني في اجتماع بينهما، كما أنه لم يرد على طلب من الصحراويين بخصوص السماح لهم بقيادة أنشطتهم صوب تيندوف. كان يفكر في طريقة تسهل عليه استغلال الوضع لصالحه واختراق التنظيم منذ تأسيسه لكي يدعم أطروحة الانفصال حتى قبل أن يخرج الإسبان من الصحراء المغربية.

بعد نصف قرن..الأمم المتحدة تتهم الجزائر لأول مرة بمسؤولية ما يقع بالمخيمات

التقرير الأممي الأخير الصادر بخصوص الأوضاع في تيندوف واختطاف نشطاء صحراويين كانوا يعارضون قيادة البوليساريو ويتهمونها بخرق حقوق الإنسان والمتاجرة في المساعدات الإنسانية، سيكون له ما بعده بدون شك.

هذه هي المرة الأولى التي تنفجر فيها الأوضاع إلى هذا الحد.

كيف إذن تأسست جبهة البوليساريو؟ في هذا الملف سوف نعود إلى الكواليس الأولى للتأسيس، والتي تؤكد الوثائق التاريخية أنها تأسست للدفاع عن استقلال الصحراء المغربية عن الاستعمار الإسباني سنة 1973، لكن الهواري بومدين اخترقها.

السبب أن المقاومين المغاربة لجؤوا إليه على اعتبار أنه يدعم الحركات التحررية وفي إطار المساعدات التي كان يتبادلها جيش التحرير المغربي مع جبهة التحرير الجزائرية. لكن الهواري بومدين كان له رأي آخر.

اتُهم الاتحاديون المغاربة بدعم البوليساريو، لكن توضيحات صدرت في هذا الموضوع مستندة على وثائق أرشيف المراسلات بين قيادات التنظيم واتحاديين مغاربة، أكدت أن الأمر كان يتعلق بحركة تحررية من الاستعمار الإسباني في الصحراء، تمثل جيش التحرير المغربي الذي لم يكن انفصاليا في يوم من الأيام.

الأكثر من هذا أن تاريخا كاملا من مواجهات جيش التحرير المغربي منذ خمسينات القرن الماضي، دُفن تماما ولم يعد يتحدث عنه أحد، رغم أن بعض رموزه لا يزالون على قيد الحياة، في ما أغلب الذين كانوا يحركونه سواء في الخمسينيات أو بعد تأسيس جبهة البوليساريو، أخذوا معهم أسرارهم إلى قبورهم.

جيش تحرير الصحراء..كواليسعن«سوء الفهم الكبير» تروى لأول مرة

عندما كان أعضاء جيش التحرير يحتفلون في الرباط والدار البيضاء ومراكش وأكادير باستقلال المغرب، وينتقم بعض الشبان المتحمسين من بقايا زمن الحماية الفرنسية من قياد وباشاوات أيّدوا نفي الملك الراحل محمد الخامس، كان بعض قادة جيش التحرير المنحدرين من الجنوب المغربي وباب الصحراء، يلوذون إلى الصمت. ليس توجسا، وإنما لتعميق التفكير في مشكل الوجود الإسباني في الصحراء المغربية.

كان الاستقلال بالنسبة إلى هؤلاء ناقصا.

وحسب عدد من الشهادات في الموضوع، والتي لا يتسع المجال لذكرها جميعا، فإن الملك الراحل محمد الخامس، دعا الجميع في عدد من الاستقبالات التي ترأسها شخصيا رفقة ولي العهد الأمير مولاي الحسن، إلى ترك مسألة تدبير ملف المفاوضات مع الإسبان لاسترجاع الصحراء المغربية، لكي تبت فيه الدولة وليس جيش التحرير.

ماذا وقع إذن؟

في نفس السنة، أي 1956، قرر عدد من أعضاء جيش التحرير بداية حرب ضد إسبانيا في المدن الصحراوية مثل كلميم، طرفاية والعيون. وهناك بطبيعة الحال شهود على المرحلة، أحدهم صالح سعد الله، أحد قدماء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ونقابيي الحزب في التعليم. وقد تم تكريمه مؤخرا من طرف أعضاء الاتحاد الاشتراكي. كان سعد الله في قلب العمليات في الأقاليم الجنوبية ممثلا لجيش التحرير، وكانت مهمته الإشراف على عمليات استهدف فيها المقاومون ثكنات عسكرية للجيش الإسباني الذي كانت إمكانياته العسكرية تفوق بكثير إمكانيات أعضاء جيش التحرير. ورغم ذلك فقد تم إلحاق أضرار كثيرة بمخازن السلاح بل وتم احتجاز جنود إسبان كأسرى حرب.

تدخل الملك الراحل محمد الخامس لاحتواء الأزمة، خصوصا أن جيش التحرير كان يقاتل دون تنسيق مع الملك الراحل، بل وفي المرحلة التي كان فيها يتم تأسيس الجيش الملكي، وهو ما جعل التنظيم يدخل في حالة من الفوضى التي بعثرت صفوفه، خصوصا مع إعلان الحكومة المغربية سنة 1956، أن الممثل الوحيد للمغرب على الميدان هو الجيش الملكي، وأن دور جيش التحرير قد انتهى باستقلال المغرب رسميا عن فرنسا، أما بخصوص مسألة الصحراء فإن الملك محمد الخامس سوف ينسق مع إسبانيا لكي يتم حل الموضوع بدون أسلحة. وكان الرهان الأول أمام الملك الراحل محمد الخامس هو فك الأسرى الإسبان وإعادتهم إلى إسبانيا، كعربون حسن نية في المفاوضات، وقد كان ولي العهد الأمير مولاي الحسن، هو الراعي الرسمي لتلك الخطوة.

بعض قدماء جيش التحرير لم يبتلعواهذا الموضوع، وفضلوا البقاء والقتال. هناك رواية أخرى بطلها هذه المرة هو المقاوم الصحراوي بمنطقة أقا السيد النوحي. هذا الأخير كان شاهدا على صحافة حزب الاستقلال بداية الخمسينيات، وعاد إلى الصحراء في إطار عمليات جيش التحرير، ويزعم أن القايد حمو، أحد رموز القتال ضد إسبانيا في الصحراء سنة 1958، كان يرغب في أن يستقبله الملك الراحل محمد الخامس، لكن رجال محيط القصر كانوا يضعون أمامه العراقيل. أما موضوع اللقاء فقد كان هو اندماج أعضاء جيش التحرير الصحراويين في الجيش الملكي، لكن بدا له أن بعض أعضاء الحرس القديم ومحيط الملك لم يكونوا يرغبون في أن يتم اللقاء بينه وبين الملك الراحل محمد الخامس، بل وصل الأمر حد تهديده بالاغتيال ليترك الرباط ويعود إلى الصحراء مستأنفا للعمليات ضد الجيش الإسباني، ليتم في سنة 1958، القيام بأكبر عملية عسكرية في الصحراء وقتها، تزعمها الإسبان، وساعدهم الفرنسيون لقصف المقاومة.

عملية «إيكوفيون» العسكرية سنة 1958.. عندما سال الدم أنهارا في الصحراء

من المؤسف أن تعلموا أن الجيش الفرنسي استعان بطيارين مغاربة ممن تدربوا في فرنسا وقاعدة مكناس الجوية لكي يقصفوا إخوانهم المغاربة في الصحراء في إطار العملية العسكرية التي أرادت من خلالها إسبانيا السيطرة على جيش التحرير المغربي في الجنوب، بعد أن رفض أعضاؤه التوقف عن شن الهجمات على الثكنات الإسبانية في المدن الصحراوية المغربية.

استرجع المغرب رسميا مدينة طرفاية في 15 أبريل 1958. لكن أعضاء جيش التحرير في الصحراء، قرروا مواصلة القتال رغم استرجاع المغرب للمدينة، ورغبوا في توسيع نفوذ جيش التحرير في المنطقة. هنا، نورد شهادة الطيار المغربي صالح حشاد الذي انفردنا بنشر مذكراته عن تأسيس الطيران المغربي وأولى العمليات التي قام بها بعد استقلال المغرب، حيث جمعها مع الكاتب المغربي عبد الكريم الجويطي في كتاب. يقول صالح حشاد إنه انطلق يوم 27 ماي 1959 من الرباط نحو الصحراء لكي يشارك في عمليات تطويق أفراد جيش التحرير الذين تمردوا ورفعوا سلاحهم في وجه أعضاء الجيش الملكي، ورفضوا وضع سلاحهم حتى بعد استرجاع طرفاية.

يقول صالح حشاد: «وفي يوم 27 ماي 1959، أقلعت من الرباط في جو ممتاز وأقلعت نحو الجنوب إلى واحة «كوليمين» .Goulimine تمثلت مهمتي في القيام باستطلاعات جوية للمنطقة الموجودة بين طانطان وطرفاية لرصد المتمردين. طرت معتمدا على الرؤية وعلى المسار في الخريطة. ثبتت الطائرة على علو 3000 متر.

(..)سرت نحو أكادير الراقدة بين جبل وبين المحيط الأطلسي. ومن هناك توجهت نحو مدينة تزنيت المحاطة بسور تاريخي كان يحميها من شراسة محيطها. وبعد جبل بعلو 2000 متر تقريبا وجدت نفسي أمام الصحراء الهائلة والغامضة، والساحرة أيضا.

وبحسب التوقيت وحسابات الخريطة قدرت بأنني قريب من هدفي. وبعد قليل تبينت واحة «كوليمين» الصغيرة وذات الخضرة الرائعة بدورها الواطئة ذات اللون الرملي. توجهت نحو المدرج الترابي، ووجدت زملائي الطيارين والميكانيكيين في انتظاري.

كنا معزولين عن العالم. نقضي وقتنا نلعب لعبة الورق فوق سطح برج ونحن ننتظر التعليمات.

بعد أيام جاء قرار الذهاب لطانطان. وهكذا وأنا على رأس ثلاث طائرات موران مسلحة بمدافع 7/12. اتجهت جنوبا وأثخنت في الصحراء بلا تواصل عبر الراديو مع الأرض ولا شيء غير الهباء والرمال وبعض النباتات المتناثرة وجمال تتعقبها.

في اليوم الثالث قمنا بنفس المهمة. لكن في هذه المرة كانت هناك مفاجأة في انتظاري. فطائرة زميلي العربي خرمت بأربع رصاصات، بل إن واحدة منها استقرت بمحاذاة خزان الكيروزين وكادت الطائرة أن تنفجر. بسرعة فهمت أن الهجوم نظمه الجمّالون الذين يذرعون الصحراء وأنهم يحفرون حفرا يختبئون فيها. ووحدها فوهات بنادقهم تبقى مصوبة نحو السماء».

حكى صالح حشاد أيضا عن لقاء مع جنود الجيش المغربي الذين كانوا يطوقون مقاتلي جيش التحرير الذين رفضوا الانصياع للأوامر رغم استرجاع طرفاية، وكيف كانوا يرابطون في ظروف مناخية صعبة للغاية لإجبار رفاقهم السابقين على الاستسلام والالتزام بالتعليمات.

أما عمليات القصف التي قادتها إسبانيا بتحالف مع فرنسا، فقد كانت نتائجها موجعة فعلا للمغرب، إذ أن عددا كبيرا من مقاتلي جيش التحرير، نُسفوا في خيامهم وقطع عنهم مجرى الوادي ومات بعضهم عطشا، في ما هلك آخرون في عمليات القصف رغم محاولات الفرار. كان الجيش الإسباني يقود تلك العمليات بمساعدة عسكريين فرنسيين انضموا إلى الفريق الجوي الإسباني وقادوا عمليات على الأرض أيضا لمساعدة الإسبان على السيطرة على مناطق أخرى في الصحراء. في حين كان النفوذ المغربي متوقفا في طرفاية وحدها، إلى أن تم استرجاع باقي المناطق الصحراوية سنة 1975. وهذه هي الحقيقة التي تُحرج البوليساريو إلى الآن.

بعض الذين كانوا في قلب تلك الأحداث، كانوا من بين الهاربين سنة 1963 إلى الجزائر مخافة أن يطالهم الاعتقال، لكنهم كانوا يعارضون تأسيس البوليساريو سنة 1973.

ورفضوا كل الاتهامات التي وجهت لهم بشأن عصيان 1959، واعتبروا أن الأمر لم يكن إلا سوء فهم بين القيادات من أجل استرجاع الصحراء المغربية في أسرع وقت خصوصا وأنهم كانوا يقاتلون بعضويتهم في جيش التحرير المغربي.

وثيقة من وثائق أرشيف الخارجية الأمريكية مرقمة بترقيم 1124-1973، صادرة من سفارة الولايات المتحدة في الرباط، تقول إن نشطاء صحراويين مغاربة اتصلوا سرا ببعض قدماء جيش التحرير لتسهيل تسللهم عبر الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر، قادمين من باريس، رغبة منهم في العودة إلى الأقاليم الصحراوية التي غادروها سنة 1963، بعد أن كانوا مبحوثا عنهم على خلفية التمرد على الجيش. وطلبوا أن يحصلوا على وعد بعدم اعتقالهم في حالة العودة، وأعلنوا رغبتهم في الحديث مع أحد مستشاري الملك الحسن الثاني لكي يشرحوا له بالتفصيل موقفهم من قضية الصحراء، وفعلا تم السماح لهم من طرف وزير الداخلية المغربي وقتها حدو الشيكر، بالعودة.

وقتها كان تأسيس البوليساريو قد بدأ، وحاول عدد كبير من المغاربة الوطنيين أن يصححوا الوضع باتخاذهم قرار العودة إلى مناطقهم في الصحراء، والدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب.

شاهد على التأسيس (امباركبودرقة): البوليساريو تأسست لقتال إسبانيا ولم يكن لدى أفرادها أي نية للانفصال عن المغرب

في صيف سنة 1973، التقى الملك الراحل الحسن الثاني في مدينة أكادير، كلا من الرئيس الجزائري وقتها الهواري بومدين، والموريتاني المختار ولد دادة.

كان موضوع اللقاء هو بحث قضية الصحراء المغربية التي كانت لا تزال تجري بها عمليات عسكرية إسبانية. وحسب عدد من المصادر، فإن الصحراويين وقتها لم يكن لهم أي اتصال بالهواري بومدين ولم تكن لديهم أي رغبة في الانفصال.

إليكم شهادة أحد الذين حضروا تلك اللقاءات بين المقاتلين الصحراويين وممثلي الرئاسة الجزائرية في نفس السنة. يتعلق الأمر بامباركبودرقة، رفيق عبد الرحمن اليوسفي ومحمد الفقيه البصري. يقول في كتابه الأخير الذي صدر في بداية مارس الماضي: «كان بوزاليم عضوا في جيش التحرير، يتوفر على شبكة علاقات كبيرة متداخلة مع أهل الصحراء، ممن يقصدون الموسم السنوي لتيندوف من مختلف ربوع الجنوب المغربي. عند عودته ضمّن تقريره استعداد تجار أهل الصحراء ممن التقاهم في تيندوف لدعم هذه الحركة الثورية التحررية ومساعدتها ماديا».

هذه المعلومة على قدر كبير من الأهمية. إذ أنها مربط الفرس. فقد كانت الخطة التي اقترحها محمد الفقيه البصري وامباركبودرقة وآخرون من اللاجئين بالخارج ممن صدرت ضدهم أحكام ثقيلة بتهمة التآمر على النظام ترمي إلى مساعدة الصحراويين على محاربة الوجود الإسباني في الصحراء سنة 1973.

وفي نفس الوقت كانت الجزائر تقدم الدعم والتسهيلات للفارين المغاربة من أحكام السجن المؤبد والإعدام، على خلفية مؤامرة يوليوز 1963 وثورة مارس 1973. وكما هو معروف، فقد تمت إدانة عدد من قدماء جيش التحرير المغربي بهذه التهمة، ومن بينهم بوزاليم هذا الذي قال عنه بودرقة إنه ذهب إلى الصحراويين لجس النبض، ليتم تقرير مساعدتهم ماديا ومعنويا.

يقول بودرقة أيضا: «طلبنا لقاء لدى الرئاسة الجزائرية، لشرح المشروع التحرري ضد الاستعمار الإسباني انطلاقا من أراضي تيندوف. والأهم، تقديم طلب للسلطات الجزائرية لغض الطرف عن تحركات المقاومين المغاربة فوق هذه الأراضي، باعتبارها لا تستهدف زعزعة استقرار الجزائر، بل تروم إلى تحرير الصحراء المغربية من الاحتلال الإسباني».

صمت الجزائريون، بينما ظل هؤلاء المغاربة ينتظرون. وفي نفس الوقت، وصلهم خبر لقاء بومدين بالملك الحسن الثاني. وكان وقتها الملك الراحل يثق كثيرا في الرئيس الجزائري الأسبق.

لم يكن للصحراويين أي نية للانفصال عن المغرب أو تأسيس دولة في الصحراء. يقول بودرقة: «تزامن هذا اللقاء على مستوى القيادة مع تأسيس جبهة البوليساريو وتنفيذها لأول عملية ضد المركز الإسباني.بعد عودة الوالي مصطفى السيد من هذه العملية أخبرني منتشيا بإطلاقهم للكفاح المسلح ضد الوجود الإسباني على التراب الجنوبي للمغرب.

لم يكن لديهم البتة أي نزوع انفصالي في البداية. ولا كانت للجزائريين عليهم أية وصاية».

هذه الشهادة التاريخية التي قدمها امباركبودرقة في كتابه الأخير «بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة»، قدم خلالها مراسلات بخط اليد تشهد على المعلومات التي قدمها بشأن تأسيس البوليساريو. ماذا وقع إذن؟الواضح أن الهواري بومدين استغل الوضع واخترق البوليساريو ودعم انقلابا داخليا بين أفرادها في نفس السنة، 1973، لكي تصبح منظمة انفصالية تنادي بدولة في الصحراء. فمباشرة بعد عودته من لقاء الملك الراحل الحسن الثاني، تجمعت لديه معلومات كافية لكي يبدأ خطته. هل هناك دليل على هذه الرواية؟ طبعا. أرشيف مراسلات الخارجية الأمريكية رصد كل شيء.

الهواري بومدين خان ثقة الحسن الثاني سنة1973 وCIA تؤكد: الفقيه البصري عارض الانفصال

تقول مراسلات الخارجية الأمريكية التي جمعها قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي رفعت عنها السرية مؤخرا، إن الاستخبارات الجزائرية كانت تحضر لحرب لوجيستيكية على الميدان، بشكل سري، تدعم من خلاله ميلاد حركة تحررية في جنوب الصحراء المغربية، جل أفرادها كانوا يتحركون بين الجزائر وباريس، وكانوا من اليساريين بشكل خاص.

محمد الفقيه البصري، رمز المعارضة المغربية وقتها في باريس والشرق الأوسط، كان شاهدا على هذه المرحلة، ورفض، حسب ما تؤكده الشهادات والوثائق، أن يكون مستفيدا من تغيير نهج البوليساريو التي تأسست لتحرير الجنوب المغربي من قبضة الإسبان، في إطار الحركات التحررية التي ظهرت في فلسطين وأمريكا الجنوبية.

لقد كان محمد الفقيه البصري مؤمنا بضرورة الكفاح المسلح في الصحراء المغربية لاستكمال تحرير المغرب من القوات الأجنبية. لقد كان يؤمن بهذا الأمر خلال مرحلة الشباب الأول، سنة 1958، وظل مؤمنا به حتى بعد أن أصبحت له صداقات متينة مع الجزائريين وهو في منفاه بباريس متنقلا بين العواصم لحشد الدعم المعنوي للمعارضة المغربية في الخارج.

تقول وثيقة مذيلة للسفارة الأمريكية في العاصمة الجزائر، إن الهواري بومدين توصل برسائل من قيادات مغربية في جيش التحرير، كانوا ممن حكم عليهم بالسجن في المغرب على خلفية أنشطة معارضة للملك الحسن الثاني، يطلبون خلالها السماح لهم بالتدرب على حمل السلاح والتوجه صوب تيندوف، بدون إثارة انتباه الجانب الإسباني لكي يشنوا حرب عصابات على الثكنات الإسبانية في الصحراء. لكن السفارة الأمريكية استغربت كيف أن الهواري بومدين لم يخبر الملك الراحل الحسن الثاني بالأمر رغم أنه التقاه في المغرب رفقة الرئيس الموريتاني لبحث موضوع الوجود الإسباني في الصحراء.

تقول الوثيقة نفسها، إن بعض قيادات المخابرات الجزائرية، أرسلوا إلى محمد الفقيه البصري يعرضون عليه خدمات الدولة الجزائرية إن هو قبل دعم البوليساريو لكي تصبح المتحدث الرسمي باسم الصحراويين. وهو ما انتبه الفقيه البصري إلى أنه فخ يُنصب له، ففضل الابتعاد عن الموضوع ورفض القيام بتلك الخطوة.

الأكثر من هذا، أن مراسلة من السفارة الأمريكية في الرباط في 13دجنبر 1973، تقول إن الجانب المغربي توصل بتطمينات بخصوص سلامة نية قدماء جيش التحرير المغربي الذين التحقوا بالجبهة للقتال في الصحراء، ومعلومات استخباراتية تؤكد للملك الحسن الثاني إن هؤلاء الصحراويين ليست لديهم أي دوافع سياسية وإنما دورهم يتخلص في مواجهة الاستعمار الإسباني في الصحراء. لكن المثير للريبة، أن الجانب المغربي حاول الحصول على معلومات عن دعم الجانب الجزائري للثوار، ولم يتوصل بأي جواب، حتى أن المغرب كاد يسحب سفيره من الجزائر لهذا السبب. إذ أن الهواري بومدين لم يخبر الملك الراحل الحسن الثاني في أكادير بأي معلومة عن هذا الموضوع، رغم أنه توصل بطلبات التمويل وظل صامتا لم يجب أي طرف، إلى أن تطورت الأوضاع ونجح في إقناع قيادات أخرى داخل البوليساريو بالانفصال. وقتها أصيب محمد الفقيه البصري وعباس بودرقة بالصدمة، لأنهما كانا شاهدين على توجه أعضاء جيش التحرير المغربي إلى الصحراء المغربية لمحاربة الاستعمار الإسباني، ليقع الانقلاب بدعم جزائري من تيندوف.


إقرأ أيضا