هشام الهبطي: البحث العلمي هو مدخل التنمية والكفاءات المغربية قادرة على تحقيق نتائج مبهرة - تيلي ماروك

هشام الهبطي - البحث العلمي - الكفاءات المغربية هشام الهبطي: البحث العلمي هو مدخل التنمية والكفاءات المغربية قادرة على تحقيق نتائج مبهرة

هشام الهبطي: البحث العلمي هو مدخل التنمية والكفاءات المغربية قادرة على تحقيق نتائج مبهرة
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 01/07/2020

تبرز معارك ضارية إلى جانب تلك التي تخوضها قطاعات الصحة عبر العالم، في مواجهة انتشار وباء «كوفيد- 19»، فبعد التزام جل دول العالم بقرارات سلطاتها واعتماد الحجر الصحي لمواجهة انتشار الوباء، والانتقال إلى نمط التعليم عن بعد، بدأت تطرح بقوة إشكالات مرتبطة بهذا التوجه عبر العالم، حول قدرة الأنظمة التعليمية في الاعتماد حصرا على النمط، وما يقتضيه من توفر وسائل تقنية وكفاءات مهنية عالية لإنجاحه.

وإلى جانب ما يطرحه التعليم عن بعد من إشكالات، ألقت جائحة الفيروس التاجي الضوء بقوة على الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه البحث العلمي والابتكار في تقوية الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء، وقد أبرز الإعلان عن صناعة عدد من الأجهزة الطبية كجهاز التنفس الصناعي والطقم الخاص بالاختبارات الطبية للكشف عن المرض، من قبل باحثين ومخترعين مغاربة، الجانب العملي للدور الفعال الذي يمكن أن يقدمه الابتكار، خلال هذه الأزمة الصحية التي يعيشها المغرب كما باقي دول العالم.

في هذا الحوار يستعرض هشام الهبطي، كاتب عام جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، الخطوط العريضة لجانب من الدينامية التي شهدها حقل البحث العلمي والتعليم العالي خلال هذه الفترة من الأزمة، والمبادرات التي شاركت جامعة محمد السادس متعددة التقنيات في تثمينها، في مجالات الابتكار وتطوير التعليم العالي وخدمة التعليم عن بعد، وكلها نحو هدف أسمى وهو تحقيق التنمية المنشودة للبلاد.

كيف اشتغلتم في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات على دعم جهود الدولة، خلال الأزمة الحالية في مجال البحث العلمي والتعليم عن بعد؟

إن إنشاء جامعة محمد السادس متعددة التخصصات كان من طرف مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط، وهي التي تتوفر على صفة المنفعة العامة، وتابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، المقاولة المغربية الوطنية، والدولة هي المساهم الوحيد فيها، وبالتالي فإننا نعتبر أننا في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، نرتبط بشراكة بين الخاص والعام، وتحديدا مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، كما نعتبر أنفسنا جامعة للمنفعة العامة، فالمشاريع التي نشتغل عليها منذ تأسيس الجامعة، وخصوصا خلال فترة الأزمة الحالية المرتبطة بوباء كورونا، كلها بغرض أساسي هو مساندة الوزارة الوصية للتعليم العالي، عن طريق عدد من المبادرات والتي كان أولها إنشاء مسطحة خاصة بالأقسام التحضيرية، وهي المسطحة التي كنا قد بدأنا الاشتغال عليها منذ عام ونصف العام، وقد رفعنا وتيرة الاشتغال عليها أكثر، وبعد الانتهاء، منحنا إمكانية الولوج إليها لجميع تلاميذ الأقسام التحضيرية بشكل مجاني، هذا بالإضافة إلى مسطحة «telmid tice»، وهي مسطحة تقوم الجامعة باحتضانها. كما قمنا بإطلاق موقع جديد، وهو «moocs.um6p.ma»، وهو الموقع الذي اشتغلنا عليه بشراكة مع مؤسسة للتعليم العالي، صنفت الخامسة عشرة على الصعيد العالمي، وهي «مدرسة البوليتكنيك» في لوزان، على أن يتم تقاسم مضامين هذه المسطحة مع جميع الجامعات والمدارس العليا في المغرب، وهذا كله يندرج في إطار عمل ومبادرات الجامعة في مجال الرقمنة والتعليم عن بعد.

ماذا بخصوص عمل الجامعة في تطوير البحث العلمي والابتكار؟

بطبيعة الحال إن هذا المجال مهم جدا في برامج الجامعة، ولعلكم تابعتم ابتكار أول جهاز تنفس صناعي، وهو الجهاز الذي تم تصنيعه أسابيع قليلة بعد بداية انتشار الوباء في المغرب، وقد اشتغل عليه فريق من الباحثين وطلبة من مؤسسات مختلفة بشكل عفوي ودون توجيه من جهات رسمية، وكان ضمن الفريق المصنع باحثون ومهندسون من الجامعة، ليكون هذا الابتكار أول جهاز تنفس صناعي من صنع مغربي. وقد واصل فريقنا البحثي العمل على المشروع، وقد تم اختراع جهاز جديد سميناه «نَفَس» وتم تقديمه لوزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، وهذا الجهاز ذو استعمال في أقسام الإنعاش، وهو متطور بشكل كبير عن الجهاز الذي تم تصنيعه في بداية الجائحة ببلادنا.

في تقديركم، أين تتجلى أهمية البحث العلمي في دعم التنمية بالبلاد؟

بالنسبة إلينا فالبحث العلمي محور أساسي في إعداد هذا النموذج التنموي الجديد، وفي جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، منذ تدشينها من طرف جلالة الملك محمد السادس في سنة 2017، كان لها هدف رئيسي وهو المساهمة في النهوض بقطاع التنمية في المغرب من خلال البحث العلمي، وتعتمد الجامعة في مقاربتها هذه على نموذج بحث تطبيقي يقوم على التجريب، لأن هذا النوع من البحث العلمي يجعلنا في صلب الأسئلة التي تواجهها البلاد وحتى القارة الإفريقية، ومن هذه التحديات تلك المرتبطة بالأمن الغذائي، والقضايا المتعلقة باستغلال الموارد المنجمية بطريقة مستدامة، زد على ذلك تثمين المؤهل البشري. وبالنسبة إلينا فإن تطوير البحث العلمي، أساسي في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وفي تقديري أن من الإيجابيات التي جاءت بها هذه الأزمة، أنها دفعت نحو إعطاء أهمية أكبر للبحث العلمي، والتقدير الكبير للكفاءات المغربية التي أبانت عن علو كعبها في مجال الابتكارات المرتبطة بهذه الأزمة الصحية، وهذا أمر قد ساهم في خلق قيمة مضافة في المغرب.

في هذا السياق، كيف تشتغلون في الجامعة على استثمار الكفاءات المغربية على أرض الوطن أو في الخارج، من أجل تطوير حقل البحث العلمي والابتكار؟

لقد عملنا على إطلاق شراكة مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بثلاثة محاور رئيسية، أولها يتمثل في إنشاء صندوق دعم البحث العلمي في المغرب، حيث سيتم التركيز في هذا الصندوق على دعم البحث العلمي المرتبط بالقطاع الصناعي والاقتصادي بالمغرب، بالإضافة إلى صندوق سيخصص لدعم الباحثين الشباب من أجل تطوير ابتكاراتهم واختراعاتهم ومواكبتهم بغية إنشاء مقاولاتهم، فيما كان المحور الثالث هو تطوير الرقمنة والتعليم عن بعد.

إن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات تتوفر على أزيد من مائة باحث، من أكثر من 20 جنسية، أكثر من 40 في المائة منهم هم مغاربة قرروا العودة إلى أرض الوطن، بعدما كانوا يستقرون أو يدرسون في الخارج، وقد اختاروا العودة لما وجدوا أن الجامعة تمثل مشروعا واعدا يرتكز حول تنمية البلاد من خلال البحث العلمي، وقد دفعهم حسهم الوطني إلى  الانخراط في مشروع الجامعة هذا والمساهمة فيه. هذا بالإضافة إلى كون الجامعة تخصص منحة مهمة للدكاترة من أجل تفرغهم للبحث العلمي، وعدم الانشغال بأمور أخرى. وبالإضافة إلى كل هذا، فإن الجامعة تتوفر على مختبرات بحث مصنفة على المستوى العالمي، وتتوفر فيها تجهيزات متطورة كالتي توجد في كبريات الجامعات الدولية، كما أننا عملنا على ميزة إضافية لا تتوفر لعديد من الجامعات والمعاهد العليا العالمية، وهي المختبرات الحية والتي تتوفر على سلم بحثي حقيقي، كالمنجم التابع للمكتب الشريف للفوسفاط، والذي تم تخصيصه من أجل إجراء التجارب العلمية، وكذلك المزرعة التجريبية التي نتوفر عليها كذلك بمدينة بنجرير، والتي تصل مساحتها إلى 110 هكتارات، ويشتغل فيها الباحثون بالجامعة في مجال الزراعة والفلاحة.

وبالإضافة إلى الكفاءات التي تحتضنها الجامعة، في مختبراتها، هناك كفاءات مغربية تستقر في الخارج، من فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، كندا والولايات المتحدة، وغيرها من البلدان، ولدينا في الجامعة شراكات مع هذه الكفاءات، وعلى الرغم من استقرارها في الخارج، فإن الجامعة تستعين بهذه الكفاءات على وجهين، أولهما أنهم يحتضنون دكاترة وباحثي الجامعة الذين ينتقلون إلى تلك البلدان للقيام ببحوث أو اجتياز فترات تدريب، وهذا من شأنه أن يفتح للباحثين المنتسبين إلى جامعتنا آفاق أرحب. كما أن هؤلاء الخبراء والباحثين المغاربة في الخارج يشكلون شبكة مهنية، يتم التعاون معهم في كل مناسبة بحث.

هل الأمر مرتبط كذلك بالشراكات مع مؤسسات التعليم العالي الدولية؟

إن تطوير الشراكات مع المؤسسات العليا عبر العالم، كان موضوعا كهدف حتى قبل تأسيس الجامعة، ومنذ انطلاق الدراسة بها، عملنا على ربط علاقات الشراكة مع كبريات الجامعات الدولية منها المصنفة في صدارة الترتيب العالمي، في الولايات المتحدة الأمريكية، كما تربطنا شراكات مع عدد من الجامعات في كندا، وفرنسا كذلك مع عدد من الجامعات والمعاهد العليا، وفي سويسرا وبلجيكا وهولندا، وكذلك مع أكثر من مائة جامعة ومعهد في إفريقيا. وهذه العلاقات التي تربطنا بالمؤسسات العالمية، نضعها رهن إشارة مؤسسات التعليم العالي المغربية والباحثين المغاربة، على اعتبار العلاقات الثنائية التي تجمعنا مع الجامعات المغربية، كجامعة القاضي عياض وجامعة الحسن الثاني، وجامعة محمد الخامس، وجامعة الحسن الأول وغيرها.

هل يتوفر المغرب على الكفاءات القادرة على تطور البحث العلمي؟

إن عددا من المبادرات والابتكارات التي تم إطلاقها خلال هذه الأزمة المرتبطة بوباء (كوفيد- 19)، من قبيل جهاز التنفس الاصطناعي، وطقم التحاليل المخبرية الذي صنع في أحد مختبرات التطوير في بالرباط، وهذه كلها ابتكارات مغربية خالصة، لخير دليل على أن الكفاءات المغربية قادرة على تحقيق نتائج مبهرة، إذا ما توفرت الإمكانيات، زيادة على عناصر مهمة تتمثل في توفر الجامعات والأقسام التحضيرية من المستوى العالي، وكل هذه عناصر لخطو خطوات واعدة في مجال البحث العلمي والابتكار.

بخصوص جانب التعليم عن بعد، تم اعتماد هذا النظام بشكل كامل خلال الأزمة، هل تتوفر الإمكانية لمواصلة اعتماده، أم أن الأمر مرتبط بفترة عابرة؟

في تقديرنا أنه سيتم الاعتماد بشكل أكبر على نظام التعليم عن بعد، وهذا الأمر كان واحدا من محاور الشراكة التي وقعناها مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، من أجل إحداث مركز وطني للرقمنة والتعليم عن بعد. وبداية من الموسم المقبل، فستتوفر جميع الجامعات المغربية على استوديوهات من أجل تسجيل المحاضرات والكفاءات، التي ستواكب عمل الأساتذة على رقمنة الدروس.

وفي تقديري، فإنه بقدر عدم إمكانية التخلي عن الدروس الحضورية، فإنه كذلك بات من الضروري التقدم خطوات إلى الأمام في اعتماد التعليم عن بعد، حيث أصبح الحديث على مستوى العالم عما بات يعرف بـ«blendedlearning» وهو الذي يرتكز على الجانبين الحضوري وعن بعد، واستثمار التكنولوجيات الحديثة التي باتت تفرض علينا مراجعة الوتيرة البيداغوجية التي يتم اعتمادها، وكل هذا من أجل منح طلبتنا وتلاميذنا الفرصة للتعلم أكثر، واستيعاب الدروس التي يحصلون عليها، إذ إن منح الدروس للتلاميذ وجعلها في متناولهم من خلال مسطحات يسهل عليهم ولوجها متى أرادوا، ويسهل عليهم عملية الاستيعاب والتركيز والإعداد القبلي للدروس. وبالنسبة إلينا، وهذه رؤيتنا في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، أنه لن نظل معتمدين على نظام التعليم الحضوري مائة في المائة، لأن هذا العصر قد ولى، وأعتبر أنه بداية من شتنبر المقبل سنمضي قدما في هذا التوجه، ويمكن التأكيد على أن توجه التعليم عن بعد أصبح خيارا عالميا، فالجامعة العريقة «أوكسفورد» بإنجلترا قد قررت أن تكون الدراسة فيها خلال السنة المقبلة كلها عن بعد.

هناك تجارب متقدمة لدى عدد من الدول، هل استفدتم منها؟

كما أشرت لك سابقا، فإن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات منذ تأسيسها، قد وضعت في أولوياتها موضوع الرقمنة، وهي مطروحة بقوة في تصوراتنا، على اعتبار أن الهدف تحقيق الأثر الإيجابي في تنمية البلاد، لذلك وجب تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين المغاربة في الوصول إلى المكونات البيداغوجية، ولهذا كان لنا منذ البداية، استوديوهات للتسجيل من الطراز الراقي جدا، وقد أحدثناها بشراكة مع الجامعات السويسرية التي طورت هذا النمط من التعليم، وقد كانت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات أول جامعة إفريقية تشارك في مسطحة «edex»، التي قامت ثلاث جامعات مصنفة الأولى علميا بتأسيسها.

لقد عملنا على تطوير كفاءات مغربية في مجال التعليم عن بعد، وهدفنا اليوم هو تقاسم هذه الكفاءات والخبرات مع باقي الجامعات والمعاهد العليا المغربية، وهذا محور الشراكة التي جمعتنا أخيرا مع الوزارة الوصية.

ما هي المنهجية التي ستشتغلون بها في إطار هذه الشراكة؟

سنتشغل على إنشاء المركز الوطني للرقمنة والتعليم عن بعد، وهو المركز الذي سيكون بجامعة محمد السادس ببنجرير، وهذا المركز ستساهم فيه جميع الجامعات المغربية، بالتعاون مع الوزارة الوصية. وفي إطار هذا المركز الوطني، سيتم العمل على تبادل الخبرات وتقاسم الشراكات التي تجمع بعضنا البعض، وهذا المركز سيكون مفتوحا في وجه جميع مؤسسات التعليم العالي الخاص أو العمومي، وسيكون الجميع مدعوا للمشاركة في مسطحة وطنية تحتضن جميع الدروس الجامعية التي اشتغل عليها أساتذة جامعيون، وهذا هو الحس الذي لدينا في الجامعة منذ انطلاقها.

في سطور

يشغل هشام الهبطي حاليا منصب الكاتب العام لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، بعد أن راكم خبرة أكاديمية ومهنية واسعة في الرياضيات التطبيقية والاقتصاد والتدبير، حيث حصل على شهادة في الهندسة من بوليتكنيك باريس، وكذا المدرسة العليا للطرق والقناطر بفرنسا، في الاقتصاد والإدارة والتمويل.

انضم هشام الهبطي إلى المجمع الشريف للفوسفاط في يناير 2013، حيث شغل العديد من المناصب، قبل تعيينه نائبا للكاتب العام.

وقبل انضمامه إلى «OCP»، تولى العديد من المناصب الاستراتيجية والإدارية، بما في ذلك قيادة مشاريع استراتيجية محورية، وإدارة المخاطر المالية وإدارة الاستثمارات، وتقديم الخدمات الاستشارية والتوجيه للشركات الرائدة في المغرب وفرنسا.


إقرأ أيضا