طريقة توزيع لقاح كورونا تثير مخاوف العالم - تيلي ماروك

لقاح كورونا - مخاوف العالم طريقة توزيع لقاح كورونا تثير مخاوف العالم

طريقة توزيع لقاح كورونا تثير مخاوف العالم
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 09/06/2020

بعدما كان القلق العالمي ينصب حول التوصل للقاح لعلاج فيروس كورونا المستجد، الذي قد يستغرق 12 شهرا في المتوسط، أصبح التوتر الأكبر حول ما إذا كان اللقاح سيوزع بشكل متساو وعادل بين جميع الدول، أم ستعمل الدول المصنعة ومافيا الاحتكار على السيطرة عليه، رغم الجهود المبذولة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنع المضاربة على اللقاح ومنع تخزينه والتلاعب به.

وفقا للخبراء والقائمين على تصنيع الأدوية، سيستغرق الأمر على الأقل عاما لتزويد العالم أجمع من لحظة توفر اللقاحات، إذ هناك طابور مدته 12 شهرا إذا سارت الأمور على ما يرام، بعد العثور على لقاح.

ومن جهته، يرى الخبير الكندي في فريق أنشأ لقاحا ناجحا ضد وباء إيبولا ستيفن جونز، فإنه لا توجد عملية قائمة لضمان وصول اللقاحات بشكل متساو إلى الآن. ووفقا لخبراء آخرين، فمن المحتم أن تحاول بعض الدول استخدام «اتفاقيات الشراء المسبق» لتأمين الإمدادات، أو الدفع لمنتجي اللقاحات المحتملين والاستثمار لديهم من أجل تأمين احتياجاتهم من اللقاح في حال نجاح المنتج، إلا أن هناك منظمات مصممة للمساعدة في التوزيع العادل للقاح، أبرزها "جافي"، والتي تهدف إلى زيادة الوصول إلى البلدان الفقيرة، و" Coalition for Epidemic Preparedness Innovation"، التي تساهم المملكة المتحدة بتمويلها، كما يمكن لمنظمة الصحة العالمية أن تحاول القيام بدور قيادي في ذلك لكنها في وضع صعب، ويجب أن تبدأ الحكومات في البحث الآن عن عملية عالمية أخلاقية ومنصفة، ولن يكون الأمر سهلاً.

محاولة احتكار أمريكية

بعد إعلان ألمانيا عن التوصل إلى لقاح خاص بكورونا، سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحصول على صفقة حصرية للقاح لفيروس «كوفيد-19». وعرضت أمريكا على شركة «كيور فاك» الخاصة، الواقعة في مدينة توبينغن، مليار دولار للحصول على الحقوق الحصرية لعقار يتم تطويره حاليا. كما أن الرئيس الأمريكي يحاول جذب علماء ألمان إلى بلاده بهبات مالية كبيرة أو ضمان اللقاح حصريا لبلاده.

ومن جهته، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، إن «الباحثين الألمان رائدون في مجال تطوير الأدوية والعقاقير. ولا نستطيع أن نسمح للآخرين بالحصول على نتائج أبحاثهم حصريا». وأضاف «سوف نتمكن من هزيمة هذا الفيروس معا وليس ضد بعضنا بعضا». ومن جانبه، كتب رئيس لجنة الصحة في البرلمان الألماني، أرفين روودل، في حسابه على تويتر، أن «المنافسة في هذا الوقت هي رسالة خاطئة»، مؤكدا أهمية التعاون الدولي وليس المصلحة الوطنية فقط، «فالفيروس لا يتوقف عند الحدود، واللقاح كذلك لا يجب أن ينحصر عند حدود معينة».

وذكرت تقارير صحفية في ألمانيا أن شركة «كيور فاك» نفت أنها تدرس إبرام عقد مع الولايات المتحدة لتطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد حصريا لأمريكا. كما أكد الرئيس التنفيذي للشركة كريستوف هتيش، في تصريحات لصحيفة «مانهايمر مورغن» الألمانية، أنهم يريدون تطوير لقاح «للعالم كله وليس لدول بعينها».

 في المقابل، صرح مسؤول أمريكي بأن التقرير «مبالغ فيه بشكل كبير.. لقد تحدثت الحكومة الأمريكية مع العديد من الشركات (أكثر من 25) التي تدعي أنها يمكن أن تساعد في تطوير لقاح. وقد تلقت معظم هذه الشركات بالفعل تمويلا أوليا من مستثمرين أمريكيين».

ونفى المسؤول أيضا أن الولايات المتحدة كانت تسعى للاحتفاظ بأي لقاح محتمل لنفسها، مؤكدا «سنواصل التحدث إلى أي شركة تدعي قدرتها على المساعدة». وقال المسؤول إن أي حل يتم العثور عليه سيتم تقاسمه مع العالم.

تعهد صيني بعدم الاحتكار

أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ لمنظمة الصحة العالمية، أن أي لقاح تطوره بلاده ضد فيروس كورونا المستجد سيكون «للمصلحة العالمية العامة» فور بدء استخدامه، مشيرا إلى أن بلاده تدعم «تقييما شاملا» للاستجابة العالمية لوباء كوفيد-19 «بعد السيطرة عليه». وتأتي تصريحات الرئيس الصيني في ذروة التوتر مع الولايات المتحدة وفي خضم اتهامات أمريكية للصين بمحاولة قرصنة أبحاث أمريكية حول لقاحات وعلاجات فيروس كورونا.

وصرحت بكين بأن لديها خمسة لقاحات محتملة في التجارب السريرية، فيما يتسابق العالم للوصول للقاح للقضاء على الفيروس. وقال شي، في أول اجتماع افتراضي للجمعية، «بعد الانتهاء من البحث والتطوير في اللقاح الصيني لفيروس كورونا ووضعه قيد الاستخدام، سيصبح منفعة عامة عالمية»، موضحا أنّ هذه الخطوة ستكون مساهمة من الصين في تحقيق إمكانية الوصول للقاح والقدرة على تحمل تكاليفه في البلدان النامية أيضا. وقال نائب مدير لجنة الصحة الوطنية تسنجي شين إن المزيد من اللقاحات المحتملة قيد الإعداد وبانتظار الموافقة على التجارب البشرية. وقال الرئيس الصيني إن بلاده ستقدّم ملياري دولار كمساعدات لمكافحة وباء كوفيد-19 على مدى عامين، مؤكدا أنّ بكين «لطالما كان لديها موقف منفتح وشفاف ومسؤول وتقاسمت المعلومات بشأن الفيروس في وقتها.»

قرار أممي يمنع الاحتكار

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء 21 أبريل 2020، قراراً يدعو إلى «منع المضاربة على لقاح مضاد لفيروس كورونا ومنع تخزينه»، بعد خوض الدول العظمى لسباق الوصول إليه.

القرار يصبو إلى الحيلولة دون اتخاذ قرارات تمنع وصول هذه الأدوية أو اللقاحات إلى الدول التي تحتاجها، خاصة النامية منها.

وحظي هذا القرار بإجماع من الجمعية العامة، المؤلَّفة من 193 دولة، وتمت عملية التصويت من خلال آلية (لم توضحها) تسمح بتمريره، دون حاجة ممثلي الدول الأعضاء للتصويت عليه بقاعة الجمعية العامة في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك. ويؤكد القرار أن «منظمة الأمم المتحدة هي المسؤولة في المقام الأول عن تنسيق الجهود العالمية للسيطرة على انتشار الفيروس». ويدعو أيضاً جميع دول العالم إلى «اتخاذ إجراءات عاجلة للقضاء على المضاربة والتخزين غير المبرر، الذي من شأنه أن يعوق الوصول إلى الأدوية واللقاحات ومعدات الوقاية الشخصية والمعدات الطبية الآمنة والفعالة وميسورة التكلفة، خاصة في الدول النامية».

واجتمع موكب من قادة العالم ورؤساء الجمعيات الخيرية ورؤساء الصناعة، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لدعم مبادرة منظمة الصحة العالمية لضمان تقاسم أي علاجات ولقاحات بشكل عادل حول العالم، إلا أن دولا كالولايات المتحدة والصين وروسيا والهند لم تكن حاضرة.

أزمات سابقة

في إفريقيا، القارة الأكثر تضرراً من الإيدز، سنة 2000، كان الإيدز متفشياً لدرجة أن 15% من الأطفال في أوغندا تيتَّموا بسبب المرض، وأصيب به أكثر من 35% من البالغين في بوتسوانا. لكن التركيبة المضادة للفيروسات المكونة من ثلاثة أدوية ART، واللازمة لعلاج المرض، كانت تكلف حينذاك أكثر من 10 آلاف دولار للشخص الواحد في السنة، وهو أكثر بكثير مما يستطيع 99% من الـ25 مليون شخص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية تحمُّل تكلفته. وألقي اللوم آنذاك على الشركات الغربية التي تتحكم في براءات الاختراع واتفاقية منظمة التجارة العالمية حول الجوانب التجارية المتعلقة بالملكية الفكرية TRIPS، مسؤولية ارتفاع أسعار الأدوية وصعوبة الحصول عليها.

وفي دجنبر 2006، رفضت السلطات الإندونيسية تسليم عينات من فيروس إنفلونزا الطيور دون ضمانات بأنها ستستفيد من أي لقاح يتم إنتاجه منها، ووسط تفشي أنفلونزا الخنازير في عام 2009، أمرت الحكومة الأسترالية شركة تصنيع اللقاح بتلبية طلبها قبل تلبية الطلبات في الخارج، وفي نونبر من نفس العام، أعرب مسؤولون من منظمة الصحة العالمية عن مخاوفهم من أن الكارثة التي تنتظرهم حول هذه النقطة كانت ستكون أكبر لو كان الوباء أشد فتكاً، بعد أن قامت عدة دول غنية بتأمين اللقاحات التي تحتاجها.

آلية لإنتاج الأدوية

تلزم قواعد الملكية الفكرية التي وضعتها منظمة التجارة العالمية إياها بمنح الحماية التي توفرها براءات اختراع لجميع الابتكارات التكنولوجية، ومن ضمنها الأدوية واللقاحات، التي تلبي المعايير الأساسية. ولكن، ولأن البراءات تحمي حقوق الاحتكار، فإنها تؤدي إلى توتر متأصل بين حماية الملكية الفكرية والحاجة إلى صنع وتوزيع الأدوية بأسعار معقولة. وعادة ما تُحلُّ هذه التوترات عن طريق الترخيص، الذي يمكّن حامل براءة الاختراع من السماح للآخرين بصنع أو بيع المنتج المحمي، عادة بسعر مرتفع وبإشراف من صاحب البراءة؛ لضمان مراقبة الجودة. ولكن قد تحاول بعض الشركات أو الحكومات في بعض الأحيان الحصول على ترخيص مطلوب على وجه السرعة، لإنتاج لقاح ينقذ الأرواح على سبيل المثال، ولكنها تفشل في ذلك. وفي هذه الحالة، بموجب اتفاقية TRIPS، بإمكان الحكومات التي تواجه حالة طوارئ صحية إصدار ما يسمى التراخيص الإجبارية للشركات المحلية، لتمكينها من تصنيع منتجات حاصلة على براءة اختراع دون موافقة أصحاب البراءات. وبموجب اتفاقية TRIPS، لا تُمنح التراخيص الإجبارية إلا بموجب شروط صارمة، ولكن التركيز المتزايد لمنظمة التجارة العالمية، عقب اجتماعها عام 2001، على المرونة في تفسير القوانين لتلبية احتياجات الصحة العامة، شجَّع شركات الأدوية على إعادة دراسة نهجها. ورغبةً منها في تجنُّب تلطيخ سمعتها والتكلفة المالية المرهِقة للترخيص الإجباري، تبنَّت العديد من شركات الأدوية الرائدة، من تلقاء نفسها، نهجاً أكثر تساهلاً في منح التراخيص؛ مما أدى إلى تخفيضات كبيرة في أسعار الأدوية.

كما أقرت منظمة التجارة العالمية خلال دورة 2002 في البنود 8، 9، 10 حقوق الحكومات التي أصيبت دولها  بـ «وباء» في أن تقوم بتصنيع الأدوية دون الرجوع للشركات المنتجة كحق من حقوق الإنسان وعمل من أعمال السيادة الوطنية واستندت في الأمر إلى أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كَفَلَ حق كل فرد في  الاستفادة من التقدم العلمي بما في ذلك التقدم العلمي في مجال الأدوية، فيصدر وفقا للقوانين الدولية قرار بالترخيص الإجباري لتصنيع الدواء بدون موافقة الشركة صاحبة حق الملكية الفكرية عليه.

وكانت مصر استفادت من هذه البنود والإجراءات في السابق، حينما استطاعت أن تثبت أن حالة فيروس «سي» في مصر هي حالة وبائية وليست مجرد حالة عادية، وهذا هو الذي جعل علاج فيروس «سي» في مصر رخيصا مقارنة بسعره الحقيقي من الشركات التي تملكه والذي كان بمثابة أضعاف مضاعفة، واستفادت أيضاَ من هذه البنود والمواد حكومات ودول أخرى، مثل البرازيل في علاج الملاريا، والهند في علاج السرطان بعقار «جلفيك»، وجنوب إفريقيا في علاج الإيدز.

حقوق ملكية مجانية خاصة بـ"كوفيد-19"

إن تقديم دواء جديد إلى السوق يكلف شركة الأدوية ما يقرب من مليار دولار، في المتوسط، وتطوير اللقاحات- التي تعد أكثر خطورة وتتطلب اختبارات أكثر تعقيداً- ما يزال أعلى تكلفة بشكل عام. لكن لتخفيف العبء عن الشركات تتعاون الحكومات والمنظمات الدولية لمساعدة مُصنّعي الأدوية على تجاوز العوائق التقنية واستيعاب المخاطر.

وتنشأ بعض هذه المخاطر والعوائق من قيود الملكية الفكرية، وظهرت المنظمات التعاونية للمساعدة في معالجة هذه القيود. وإحدى هذه المنظمات هي مُجمّع براءات اختراع مدعوم من الأمم المتحدة تأسس عام 2010، لتمكين شركات وحكومات عدة من مشاركة الابتكارات والتراخيص في الطب. تأسس المجمع، الذي سُمي «مجمع براءات اختراعات الأدوية»، لتسريع الحصول على علاجات فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، ووسعّت المنظمة أخيراً نطاق سلطتها لتشمل اللقاحات والعلاجات والتشخيصات للمساعدة في المواجهة العالمية لكوفيد-19.

وفي أبريل 2020، أنشأ عدد من العلماء ومحامو الملكية الفكرية منظمة Open COVID Pledge، التي تشجع الشركات والمؤسسات البحثية على إتاحة حقوق ملكيتها الفكرية مجاناً بصفة مؤقتة لاستخدامها في إنهاء جائحة كوفيد-19.

ويعتمد أولئك المتعهدون رخصة تستمر حتى عام بعد إعلان منظمة الصحة العالمية انتهاء جائحة فيروس كورونا، وعندها بإمكان الشركات العودة إلى امتلاك التراخيص التجارية لملكيتها الفكرية وطلبها. ومن الطرق الممكنة لتعويض هذه المثبطات تقديم جوائز مالية كبرى لأولئك الذين يخترعون لقاحاً. وأما أولئك الذين ينتابهم القلق بشأن عدم المساواة رغم أفضل الابتكارات والنوايا، فيمكنهم اللجوء إلى الملاذ الأخير المتمثل في التراخيص الإجبارية، ووجودها، ووجود اتفاقية TRIPS الخاصة بمنظمة التجارة العالمية بشكل عام، يوفر الأمن لعديد من الأطراف التي تتعاون الآن لإنتاج وتوزيع  لقاح أو علاج لكوفيد-19.


إقرأ أيضا