إنعاش الاقتصاد وتعديل قانون المالية.. هذه ملامح مغرب ما بعد كورونا - تيلي ماروك

إنعاش الاقتصاد - قانون المالية - مغرب ما بعد كورونا إنعاش الاقتصاد وتعديل قانون المالية.. هذه ملامح مغرب ما بعد كورونا

إنعاش الاقتصاد وتعديل قانون المالية.. هذه ملامح مغرب ما بعد كورونا
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 01/06/2020

فرضت الأزمة الصحية عدة تحديات على كل دول العالم، والمغرب ليس بمنأى عن ذلك، نظرا للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، والتي ستفرض مستقبلا على واضعي السياسات العمومية إعادة ترتيب الأولويات، انسجاما مع التغيرات التي سيعرفها العالم على كافة المستويات، لأن عالم ما بعد كورونا ليس عالم ما قبل كورونا، ولذلك شرع المغرب بالتزامن مع التخفيف من إجراءات الحجر الصحي المفروض منذ شهرين، في وضع خطة لإنعاش الاقتصاد بإعادة تحريك عجلة القطاعات الإنتاجية، والشروع في إدخال تعديلات على قانون المالية لملاءمته مع الظروف الحالية.

تأثر المغرب، على غرار جل دول العالم، بشكل كبير بتداعيات الأزمة الصحية على المستوى الاقتصادي والمالي كما يتضح من خلال مجموعة من المؤشرات الاقتصادية. وشرعت الحكومة في وضع مخطط لإنعاش الاقتصاد الوطني، لمواجهة هذه التداعيات التي طالت أهم القطاعات الإنتاجية والخدماتية. وقالت لجنة اليقظة الاقتصادية إن المخطط يستندعلى مخططات إنعاش قطاعية، حيث ستأخذ العملية بعين الاعتبار خصوصيات كل قطاع إنتاجي، وأكدت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن الحكومة ستدرس الحلول المالية على المدى الطويل، والتي تلائم كل قطاع، بهدف دعم عودة الشركات الكبرى مع تقليص آجال السداد بما يساعد على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الصغيرة جداً.

أولويات الحكومة

كشف رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خلال الجلسة المشتركة التي عقدها مجلسا البرلمان، أن أولوية الحكومة في المرحلة المقبلة هي إنعاش الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى انشغالها بمواجهة الجائحة وتداعياتها الآنية. وأوضح العثماني أن هذه الجائحة وتداعياتها، وما واكبها من تحديات، وما أثارته من تساؤلات، وأفرزته من انتظارات، «نتطلع معها جميعا إلى غد مشرق، ومغرب أفضل، مما يفرض علينا أخذ هذه التحولات بعين الاعتبار، وترتيب أولوياتنا بالتبع، مع وضوح في الرؤية، ونجاعة في الأداء»، مشيرا إلى أنه موازاة مع الاستمرار في مواجهة الوباء وتداعياته، فإن هنالك أوراشا يتعين إطلاقها على وجه الاستعجال، من مثل إطلاق خطة لإنعاش الاقتصاد الوطني، لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وتوفير مناخ ملائم للمقاولات الوطنية لتنمية أنشطتها وإحداث فرص الشغل، مؤكدا على ضرورة استرجاع الدينامية التنموية التي انطلقت بداياتها خلال الأشهر الأخيرة من السنة الفارطة. 

وإضافة إلى هذا الورش المستعجل، يقول رئيس الحكومة، «فإنه ينبغي لبلادنا أن تستعد لعالم ما بعد الأزمة الصحية كوفيد-19، من خلال زيادة حجم الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية الواعدة، إذ يكاد يحصل إجماع بخصوص الأوراش والمجالات التي يجب أن نضاعف العناية بها في المستقبل، وأن نوليها العناية الكبرى ونمدها بالإمكانيات الضرورية، ويتعلق الأمر أساسا بقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي والحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى ورشين داعمين أساسيين، هما تسريع التحول الرقمي والحكامة الجيدة». مؤكدا أن التفكير في المستقبل لا يعني التوقف وعدم الإبداع في ظل الأزمة، وأردف قائلا:«فوعيا بالظرفية التي نعيشها، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي برنامجا لدعم البحث العلمي متعدد التخصصات في المجالات ذات الصلة بالجائحة خصص له غلاف مالي يبلغ عشرة ملايين درهم. وقد توصل المركز الوطني للبحث بـ 400 مشروع بحثي، اختير منها 53 مشروعا تعالج جائحة كورونا من 6 جوانب هي: الطب وعلم الأوبئة والتكنولوجيا (آليات الوقاية والتنفس)، والانعكاسات الاقتصادية، والانعكاسات الاجتماعية و النفسية، والجوانب السياسية والإدارة في حالة الطوارئ، ويغطي الحقل الطبي والعلمي والتكنولوجي 60 في المائة من تلك البحوث». وفي هذا الصدد، سيتم البت في كيفية تمويل الباقي من 200 مشروع نالت الاستحسان في الانتقاء الأولي، كما ستعمل الحكومة على التعجيل بإحداث وإرساء المجلس الوطني للبحث العلمي طبقا لأحكام القانون الإطار، وذلك لبلورة استراتيجية وطنية شاملة ومنسقة للبحث العلمي.

تحديات ما بعد كورونا

من تحديات المرحلة، يضيف العثماني، أيضا، تحقيق تحول رقمي قوي على المستوى الوطني، إذ من شأن إنجاح هذا الورش تيسير ودعم عدد من المجالات التي برزت الحاجة إليها خلال هذه الفترة الأخيرة، في التعليم والمحاكم والعمل عن بعد، وتنزيل سياسات الدعم، وتطوير آليات الرصد والتتبع. ويقتضي التحول الرقمي في القطاع العام، الانتقال من الحكومة الإلكترونية، أو من رقمنة مسارات الأعمال وتقديم الخدمات على الورق، إلى إعادة هيكلة «مصممة رقميا» للخدمات والمسارات، كما يتطلب هذا التحول اعتماد مقاربة تتمحور حول المستعملين، تمكن المواطنين والمقاولات من التفاعل والتعاون مع القطاع العام لتحديد حاجاتهم الخاصة والاستجابة لها.

وبخصوص خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، قال العثماني:«يصعب التكهن في هذه المرحلة بالتطورات المستقبلية لامتدادات الأزمة، في غياب رؤية واضحة للبعد الزمني الذي تستلزمه هذه الظرفية لكي تستعيد الاقتصاديات العالمية عافيتها، الشيء الذي يجعل من الصعب الجزم بشأن سيناريو ماكرو اقتصادي واضح حول التطورات المستقبلية للمؤشرات الرئيسية لاقتصادنا الوطني، الذي يبقى رهينا بتدبير رفع الحجر الصحي وسرعة استئناف القطاعات الاقتصادية لنشاطها والتي يمكن أن يتم وفق آفاق زمنية مختلفة». وبالموازاة مع الإجراءات قصيرة المدى، وإدراكا منها لأهمية الإجراءات الاستباقية لما بعد الأزمة، تعمل الحكومة على وضع خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد الوطني، سوف تشكل رافعة مهمة من أجل تسريع استئناف النشاط الاقتصادي الوطني وتعزيز قدرته على استشراف معالم ما بعد أزمة كورونا التي تلوح في الأفق. وأضاف رئيس الحكومة «ويتعين أن تكون المقاربة المعتمدة لبلورة هذه الخطة، شاملة ومتكاملة، ومعتمدة على آليات أفقية تراعي خصوصيات كل قطاع على حدة، وتأخذ بعين الاعتبار العوامل الخارجية، لا سيما المرتبطة بسلاسل القيمة العالمية، والعوامل الداخلية المرتبطة بالعرض والاستهلاك الوطنيين».

وحسب رئيس الحكومة، سيكون من بين التحديات الرئيسية، في هذا الصدد، التفكير في الآليات التي ستتم تعبئتها لضمان توفير التمويلات اللازمة للمقاولات وخصوصا المقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل استئناف أنشطتها، كما يستوجب الأمر التفكير في كيفية استخدام الطلبيات العمومية كوسيلة لإنعاش الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال مراجعة أساليبها وأولوياتها، من أجل دعم الإنتاج والاستهلاك المحليين، وأكد على ضرورة مضاعفة الجهود لحل بعض الإشكاليات الهيكلية التي أكدت الأزمة على أهمية واستعجالية معالجتها، كإشكاليات القطاع غير المهيكل والحماية الاجتماعية.أما على المستوى الدولي، فقال العثماني:«فسيتحتم على بلادنا أن تتكيف مع التشكيل الجديد لسلاسل القيمة العالمية، من خلال جذب استثمارات دولية، على نطاق واسع، والتي هي بصدد البحث عن مراكز إنتاج جديدة بالقرب من الأسواق الأوروبية والإفريقية».

فرضيات.. وظرفيات

كشف العثماني عن اشتغال الحكومة على مشروع تعديل قانون المالية، وسيكون مرتكزا على تفعيل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، نظرا للمتغيرات المرتبطة بالظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية نتيجة أزمة كوفيد-19، ولتأثيرها على مختلف الفرضيات التي أطرت إعداد قانون المالية لسنة 2020. ويستلزم قانون المالية التعديلي وضوحا في الفرضيات التي سيبنى عليها عالميا ووطنيا، يأخذ بعين الاعتبار توقعات تراجع معدل النمو، إلى جانب آثار الجفاف وانخفاض الإيرادات الضريبية، ومن المنتظر أن تحدد توجهاته العامة قصد عرضها على المجلس الوزاري، قبل أن يعرض المشروع على المجلس الحكومي، ثم يحال على البرلمان، كما ينتظر أن يكرس هذا المشروع أولويات من قبيل التعليم والبحث العلمي والصحة والتشغيل والحماية الاجتماعية، وأن يركز كذلك على التحول الرقمي بوصفه رافعة للتنمية. 

وأشار العثماني إلى أن الحكومة عازمة على الاستثمار الجيد لعدد من التجارب والنجاحات التي تحققت خلال المرحلة الفارطة، من مثل دعم الصناعة الوطنية للاستجابة للاحتياجات الذاتية، وتجربة التعليم عن بعد، وتشجيع البحث العلمي وروح الابتكار، وكذا الحيوية التي أبان عنها المجتمع المدني عامة، والشباب خاصة، مشيرا إلى أن الحكومة تشتغل على عدة أوراش تتجلى في استراتيجية التخفيف من الحجر الصحي، وخطة إنعاش الاقتصاد الوطني، وإعداد مشروع قانون المالية التعديلي، وهي كلها أوراش ذات أهمية كبرى في المرحلة المقبلة، معلنا عن مبادرة بدء سلسلة مشاورات مع القوى الوطنية من أحزاب سياسية ومركزيات نقابية وجمعيات مهنية وغيرها، وذلك باعتبارها أوراشا وطنية تحتاج إلى انخراط جماعي، وتعبئة رأي الجميع، لإنجاح مواجهة معضلات جائحة كورونا وما بعدها.

إنعاش الاقتصاد بعد كورونا يستنفر الحكومة والقطاع الخاص

تسابق عدد من المؤسسات المالية والاقتصادية في المغرب الزمن، لطرح تصوراتها لاستعادة إنعاش الاقتصاد الوطني، واقتراح التدابير التي يجب اتخاذها لاحتواء التداعيات السلبية لجائحة كورونا، ومواجهة «الكساد»، وإنقاذ الشركات من الإفلاس، حيث لم تكن الجائحة وحدها التي باتت تنذر بـ«كساد» اقتصادي العام الجاري، بل تزامن انتشار الفيروس مع موسم جفاف، كما تسبب في تعطيل عجلة السياحة وتعليق أنشطة مصانع إنتاج وتجميع السيارات، وتوقيف سلسلة الإمدادات بسبب تراجع الطلب العالمي. وأعلنت الحكومة في 11 مارس الماضي، إنشاء «لجنة اليقظة الاقتصادية» لمواجهة انعكاسات وباء كورونا على الاقتصاد، وتحديد الإجراءات المواكبة.

مخطط ما بعد الجائحة

شرعت الحكومة في وضع مخطط لإنعاش الاقتصاد الوطني، بعد تداعيات فيروس كورونا التي طالت أهم القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وقالت لجنة اليقظة الاقتصادية إن المخطط سيستند على مخططات إنعاش قطاعية، حيث ستأخذ العملية بعين الاعتبار خصوصيات كل قطاع إنتاجي. وأكدت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن اجتماع الحكومة سيدرس الحلول المالية على المدى الطويل، والتي تلائم كل قطاع، وهي الحلول التي يفترض أن تكون ملائمة لكل قطاع بهدف دعم عودة الشركات الكبرى، مع تقليص آجال السداد، بما يساعد في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الصغيرة جدا.

وذهبت الوزارة إلى أن اقتراحات الحكومة ستولي اهتماما خاصا لآليات دعم الطلب، مع إيلاء اهتمام خاص لمسألة الترويج للمنتجات ذات المحتوى المحلي، وذلك بعدما تضررت العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية بالمغرب جراء انتشار فيروس كورونا، حيث تجلى ذلك أكثر على مستوى السياحة والتجارة وبعض القطاعات الصناعية. وأكد محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن الصناعات الاستراتيجية والغذائية وقطاع المواصلات والخدمات، التي تمثل نسبة 41 في المائة من الناتج الإجمالي غير الزراعي لم تتوقف، وهي نسبة ترتفع إلى 53 في المائة عند الأخذ بعين الاعتبار الإدارات العمومية.

وتترقب مؤسسات محلية ودولية قبل الأزمة الأخيرة، أن يتراجع نمو الناتج الإجمالي المحلي بين 3.5 و4.6 في المائة، قبل أن تعيد النظر في توقعاتها أخيرا تحت تأثير فيروس كورونا. وتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد المغربي بنحو 3.7 في المائة في العام الجاري، بعد نمو في حدود 2.2 في المائة في العام الماضي، مترقبا أن يمر الاقتصاد الوطني بمرحلة ركود في العام الحالي، رغم الجهود التي بذلت من أجل التخفيف من آثار فيروس كورونا، وسينعكس الركود الاقتصادي على فرص العمل والبطالة في المغرب في العام الجاري، خاصة بعد توقف الآلاف من الشركات أو تعثر نشاطها، حيث وصل عدد الذين صرحوا بتوقفهم عن العمل إلى أكثر من 800 ألف عامل.

مقترحات الاتحاد العام لمقاولات المغرب

من جانبه، قدم الاتحاد العام لمقاولات المغرب مقترح الاتحاد حول خطة انتعاش الاقتصاد الوطني. حيث يرى الاتحاد أن هذا الانتعاش يجب أن يندرج في إطار ميثاق جديد بين الدولة والمواطن والمقاولات، تحت شعار الثقة والشفافية والفعالية والإدماج، وتحدد هذه الخطة حول 25 خطة انتعاش قطاعية  و508 إجراءات اقترحتها الفيدراليات المهنية، وهي تتمحور حول 3 نقاط رئيسية هي حماية العرض، وتحفيز الطلب عبر تدخل الدولة بشكل أكبر، ووضع آليات عرضية لتعجيل تحول الاقتصاد الوطني. ومن أجل إحداث صدمة على مستوى العرض، وتقليل الخسائر المتراكمة خلال فترة حالة الطوارئ، ودعم التكاليف الثابتة للمقاولات التي تأثرت من انخفاض الطلب، يدعو الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى تنفيذ تدابير عرضية استعجالية.

 في ما يتعلق بالتمويل، يوصي الاتحاد بإنشاء آليات قروض مشروطة طويلة الأجل مغرية وتلقائية لفائدة المقاولات، سيما الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، وشبه الصناديق الخاصة لفائدة المقاولات ذات الحجم المتوسط والمقاولات الكبرى. بالإضافة إلى ذلك يدعو الاتحاد في إطار تحفيز الطلب، إلى تفعيل رافعات مثل الترويج لعلامة «الصنع المغربي» وتشجيع الاستهلاك المحلي، وكذا الحفاظ على الطلبيات العمومية وإعطائها الأولوية وتسريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، فضلا عن تحفيز الاستهلاك الوطني والدولي. كما يوصي بتخفيض مؤقت في الضريبة على القيمة المضافة، لصالح القطاعات التي تواجه منافسة كبيرة من قبل القطاع غير المهيكل، لتقليص فجوة التنافسية من جهة، وتحفيز الطلب من جهة أخرى.

 بالنسبة إلى الآليات العرضية لتحويل الاقتصاد الوطني والتصدي للصعوبات الموجودة حتى قبل الجائحة، يؤكد الاتحاد على ضرورة دمج القطاع غير المهيكل، كما يوصي بإعادة النظر في سياسات المشتريات العمومية والإعانات وتوجيهها بشكل أكبر نحو المحتوى المحلي، ويدعو إلى إعادة إنشاء صناديق مشتركة بين القطاعين العام والخاص من أجل تراكم رأس المال. ويسلط الاتحاد العام لمقاولات المغرب أيضا الضوء على ضرورة تسريع الإدماج المالي لجميع المواطنين، من خلال حلول رقمية مثل الدفع عبر الهاتف المحمول، وكذا الحكومة الإلكترونية،  لتبسيط العلاقة بين الإدارة والمقاولات.

وعلى صعيد آخر، فإن الاتحاد يشدد على ضرورة وضع آليات لتقليص آجال الأداء بسرعة، من خلال توجيه المساعدات المقدمة للمقاولات العمومية والمقاولات الكبرى إلى تسديد مستحقات موردي هاته المقاولات. وفي ما يتعلق بالبعد الاجتماعي، يدعو الاتحاد إلى توسيع نطاق الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي الإجباري على المرض (AMO)، ليشمل المواطنين الذين لا يستفيدون منه حاليا (المهن الحرة، التجار...).

خطة إنعاش الاقتصاد وتعديل قانون المالية

أعلنت لجنة اليقظة الاقتصادية، خلال انعقاد اجتماعها السادس، أنها شرعت في الانكباب على بلورة خطة إنعاش شمولية ومتناسقة للاقتصاد الوطني، وأوضح بلاغ لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة أن خطة الإنعاش هذه ستعتمد على بلورة خطط إنعاش على المستوى القطاعي، تأخذ بعين الاعتبار الفترة الخاصة لإعادة استئناف كل قطاع من هذه القطاعات لنشاطه حسب خصوصياته، مضبفا أن أعضاء لجنة اليقظة الاقتصادية قاموا بترسيم المبادئ الرئيسية للخطة الشمولية وآليات الدعم الأفقية الكفيلة بتحقيق الانتعاش المرتبط بها.

آليات تمويل طويلة الأجل

أكد المصدر ذاته أنه خلال اجتماعها المقبل، ستتدارس اللجنة، على وجه الخصوص، آليات التمويل طويلة الأجل، الملائمة لكل قطاع بغية دعم إنعاش المقاولات الكبرى، مشروطة بالاستفادة من تقليص آجال الأداء، وكذلك مواكبة استئناف أنشطة المقاولات الصغيرة والمتوسطة والمقاولات الصغرى العاملة في مختلف القطاعات الإنتاجية. وأضاف البلاغ أنه سيتم أيضا التداول بشأن آليات تحفيز الطلب خلال الاجتماعات القادمة للجنة، مع إيلاء اهتمام خاص لتعزيز المنتوج/المحتوى المحلي، وتابع أنه وقع اتفاق أعضاء اللجنة على محتوى وأهداف الخطط القطاعية التي يجب تكييفها حسب الخصائص المحددة لكل قطاع، مشيرا إلى أن خطط الإنعاش القطاعية هذه ستخضع، بمجرد بلورتها في صيغتها النهائية، لتقييم اللجنة في أفق توحيدها وضمان تناسقها في إطار خطة الإنعاش الشمولية التي سيتم الإعلان عنها قبل نهاية حالة الطوارئ الصحية.

وتميزت أشغال هذا الاجتماع بعرض الوضعية الاقتصادية والمالية الشاملة للمغرب بناء على أحدث المؤشرات المحينة للظرفية الاقتصادية، وقد مكن تحليل هذه المؤشرات من الوقوف على تطور الوضعية الماكرو اقتصادية في بلادنا وكذا تطورات الظرفية المسجلة على مستوى القطاعات الإنتاجية الرئيسية. وأضافت الوزارة أن لجنة اليقظة الاقتصادية أخذت علما بدليل KIT) ) تقدم به الاتحاد العام لمقاولات المغرب لاستئناف الأنشطة، وأشادت به، مشيرة إلى أنه هو الذي يجب أن يوجه الإجراءات الوقائية والصحية للمقاولات لضمان أقصى قدر من السلامة لأجرائها وزبنائها. وخلص البلاغ إلى أن أعضاء اللجنة شددوا، في ختام هذا الاجتماع، على التزامهم بالعمل من أجل خلق الظروف الملائمة لاستئناف الأنشطة الاقتصادية، مع ضمان أن يتم ذلك في ظل الامتثال الكامل للمتطلبات اللازمة من حيث الأمن الصحي وما يرتبط بذلك من الحفاظ الكامل على صحة المواطنين التي تظل في صلب أولويات المغرب.

تعديل قانون المالية

كشف وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، أمام مجلس النواب، عن إمكانية تعديل قانون المالية، وأكد أن أي محاولة لتقييم أو تقدير الآثار الناتجة عن هذه الأزمة تبقى مجرد عملية تقريبية فقط، إذ يعتمد تقييم الآثار على عدة عوامل، منها مدة الأزمة وحجمها، وفعالية التدابير المتخذة لمواجهتها، وكذا قُدرة الدول على تدبير الفترة التي تلي هذه الأزمة. وأبرز الوزير أن المغرب لا يُوجد بمنأى عن الاضطرابات التي يعرفها الاقتصاد العالمي، فالاضطرابات في سلاسل الإمداد والإنتاج وإغلاق الحدود أدت إلى توقف مجموعة من القطاعات، وأربكت أخرى. وخلص بنشعبون إلى أن هناك تطورات قطاعية توجد طور التبلور، لكن حجمها وعُمقها ومداها يتغير بوتيرة متسارعة، ما يزيد من صُعوبة وتعقيد وضع سيناريوهات للنمو ربما ستصبح أكثر وضوحاً ارتباطاً بتطورات الأزمة خلال الأيام المقبلة.

وأوضح الوزير أن النشاط الاقتصادي للمغرب لم يعرف توقفاً تاماً، بل مازالت بعض الفروع تزاول أنشطتها كالصناعات الاستخراجية والصناعات الغذائية وقطاع المواصلات والخدمات المالية، حيث تمثل هذه القطاعات ما يناهز 41% من الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي، وإذا ما أضفنا إليها الإدارات العمومية فإن هذه النسبة تصل إلى 53%. وتوقع الوزير أن تتوضح الرؤية بتطور الأزمة خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، للوقوف على إمكانيات التدارك المتاحة لبعض القطاعات بعد انتهاء فترة الحجر الصحي، مشيرا إلى توجيه الدعم اللازم لكل الأطراف المعنية ما سيمكن من التعافي السريع للاقتصاد المغربي بكل قطاعاته، وفي نفس الوقت تعمل وزارة الاقتصاد والمالية على التتبع الدقيق للوضعية الاقتصادية الوطنية والدولية بما في ذلك تطور مختلف المؤشرات الماكرو اقتصادية، و"سنتخذ ما يلزم من إجراءات فور اتضاح الرؤية بخصوص تطورات الأزمة داخليا وخارجيا، مما لا يستثني اللجوء إلى قانون مالي مُعدِّل".

وتطرق الوزير إلى التوافق في إطار لجنة اليقظة الاقتصادية على منهجية للتفكير الاستباقي تنبني على وضع السيناريوهات الممكن تنفيذها بالنسبة للمرحلتين القادمتين، وتتعلق المرحلة الأولى بالعودة التدريجية لمختلف القطاعات إلى ممارسة أنشطتها في إطار التنسيق مع استراتيجية رفع حالة الطوارئ الصحية، في حين تتعلق المرحلة الثانية بتنزيل الآليات الملائمة والمتجددة التي ستمكن من وضع الاقتصاد الوطني في منحى للنمو القوي والمستدام، في مرحلة ما بعد أزمة كوفيد-19، ويبقى الهدف الأساسي لهذه السيناريوهات، حسب بنشعبون، هو إعادة النشاط الاقتصادي في أقرب وقت في احترام تام لما سيتم اتخاذه من تدابير لرفع حالة الطوارئ الصحية، وتحقيق شروط الإقلاع الاقتصادي من خلال استغلال كل الهوامش على مستوى تعبئة الموارد بما في ذلك الهوامش المتاحة على مستوى الدين العمومي، وينبغي في نفس الوقت، يضيف الوزير، توجيه الإنفاق العمومي نحو الأولويات التي تفرضها هذه المرحلة على مستوى دعم الطلب الداخلي، ولكن كذلك دعم العرض والإنتاج وتطوير القيمة المضافة المنتجة محليا.

هذا، وأكدت مصادر من وزارة الاقتصاد والمالية، أن مصالح الوزارة وكذلك الأقسام المكلفة بالمالية والميزانية بالقطاعات الحكومية، شرعت في إعداد قانون مالية معدل، في أفق استكمال المعطيات الرقمية للتوقعات، لعرضه أمام مجلس الحكومة ومجلسي البرلمان في غضون الأسابيع المقبلة. وأوضح مصدر من مديرية الميزانية بالوزارة، أن قانون المالية المعدل أصبح يفرض نفسه بحكم الواقع، على غرار جل بلدان العالم، التي وضعت قوانين مالية معدلة، بسبب التداعيات الاقتصادية للأزمة التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا، وسيكون القانون جاهزا خلال الأسبوع الجاري، كما ستصدر وزارة المالية تقريرا مفصلا حول تنفيذ ميزانية السنة الحالية، سيتضمن معطيات مفصلة حول مداخيل الميزانية وكذلك النفقات المتوقعة. وأكد المصدر أن الوزارة تشتغل على عدة سيناريوهات في انتظار أن تتوضح الرؤية أكثر، لتقييم حجم الخسائر على الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن تعديل قانون المالية يتطلب بالضرورة إجراء تقييم وتوقعات حول مداخيل الميزانية، وكذلك توقعات مضبوطة حول الاعتمادات المخصصة للنفقات الضرورية بعد تحديد الأولويات، ثم معدل النمو المتوقع في ظل هذه الجائحة.

وحسب المادة الرابعة من القانون التنظيمي لقانون المالية، لا يمكن أن تغير خلال السنة أحكام قانون المالية للسنة إلا بقوانين المالية المعدلة، وتنص المادة 51 من نفس القانون على أن  البرلمان يصوت على مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى خمسة عشر (15) يوما الموالية لإيداعه من طرف الحكومة لدى مكتب مجلس النواب، ويبت مجلس النواب في مشروع قانون المالية المعدل داخل أجل ثمانية (8) أيام الموالية لتاريخ إيداعه، وبمجرد التصويت على هذا المشروع أو نهاية الأجل المحدد في الفقرة السابقة، تعرض الحكومة على مجلس المستشارين النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول الأمر مدخلة عليه إن اقتضى الحال التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس النواب والمقبولة من طرف الحكومة، ثم يبت مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل أربعة (4) أيام الموالية لعرضه عليه، ويقوم مجلس النواب بدراسة التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس المستشارين ويعود له البت النهائي في مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى ثلاثة (3) أيام.

خطة إنعاش الاقتصاد والنموذج التنموي الجديد أية علاقة؟

أكد وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، أمام البرلمان أن المغرب على غرار جل الدول  قد تأثر بشكل كبير بتداعيات الأزمة الصحية على المستوى الاقتصادي والمالي كما يتضح من خلال مجموعة من المؤشرات الاقتصادية، وأعلن الوزير عن وضع خطة لإنعاش الاقتصاد الوطني بعد الجائحة، وكذلك تعديل قانون المالية لمواجعة الفرضيات والتوقعات التي بني عليها هذا القانون.

القطاعات الأكثر تضررا

أوضح الوزير، خلال جلسة الأسئلة الشفوية التي عقدها مجلس المستشارين، أنه بناء على المعطيات المتوفرة للأشهر الأربعة الأولى من سنة 2020، تم تسجيل تراجع كبير للصادرات بـناقص 61,5% مقابل تراجع الواردات بنسبة 37.6%، وتتجلى القطاعات التصديرية الأكثر تضررا في الأنشطة الصناعية المرتبطة بسلاسل القيمة العالمية مثل قطاع السيارات الذي تراجعت صادراته بنسبة 96% في أبريل مقابل تراجع بنسبة 86% في مارس، وصناعات الطيران (-81% في أبريل مقابل -52% في مارس)، والإلكترونيك (-93% في أبريل مقابل -51% في مارس)، والنسيج والألبسة (-86.5% في أبريل مقابل -40% في مارس)، في الوقت الذي تم تسجيل تطور إيجابي لصادرات الفوسفاط ومشتقاته (+ 14% في أبريل).

وحسب الوزير، فقد انعكس تباطؤ النشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ أيضًا على تطور عائدات السياحة التي انخفضت بنسبة 60% برسم شهر أبريل، ليبلغ معدل الانخفاض على مدى الأشهر الأربعة الأولى لهذه السنة ناقص 15%، ووفق نفس المنحى، تم تسجيل انخفاض ملحوظ في تحويلات المغاربة بالخارج خلال شهر أبريل بنسبة ناقص 30%، وناقص 11% برسم الأشهر الأربعة من السنة الجارية. وأكد الوزير أن كل هذه المؤشرات الاقتصادية تعكس بوضوح شدة تأثير الأزمة على مجموعة من القطاعات والأنشطة الاقتصادية.

وأفاد بنشعبون، بأنه من المتوقع أن يكلف شهران من الحجر الصحي، الاقتصاد المغربي 6 نقاط من نمو الناتج الداخلي الإجمالي برسم سنة 2020، أي ما يعني خسارة مليار درهم عن كل يوم من الحجر. وحسب المسؤول الحكومي، فإن الخسارة كانت ستكون أكبر لو لم يتم تقديم الدعم المالي من طرف صندوق تدبير جائحة كورونا الذي تم إحداثه بتعليمات ملكية، وعلى مستوى المالية العمومية، من المنتظر أن يؤدي التراجع الاقتصادي  إلى نقص في مداخيل الخزينة، يناهز 500 مليون درهم في اليوم الواحد خلال فترة الحجر الصحي.

خطة لإنعاش الاقتصاد

إلى جانب التدابير الاستعجالية لدعم المقاولات والأسر المتضررة عبر صندوق تدبير جائحة فيروس كورونا، انكبت اللجنة على إعداد خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد الوطني، والتي ستشكل لامحالة رافعة مهمة ستمكن، في نفس الوقت، من مواكبة العودة التدريجية لمختلف قطاعات الاقتصاد الوطني لممارسة نشاطها، وتوفير الظروف المواتية لانتعاش اقتصادي واعد ومُدْمِج، بعد تجاوز مرحلة الأزمة، وتنبني هذه الخطة التي يتم إعدادها وفق منهجية شاملة ومندمجة من خلال إشراك كافة الفاعلين المعنيين على آليات أفقية تأخذ بعين اعتبار الخصوصيات القطاعية في إطار خطط خاصة بكل قطاع، بالإضافة إلى التأسيس لميثاق اجتماعي ينبني على إدماج فئات عريضة من المجتمع المغربي في دينامية التنمية، من خلال تعميم التغطية الصحية الإجبارية، وتجميع وعقلنة كل البرامج الاجتماعية الموجهة لاستهداف الفئات الهشة، وإقرار التحفيزات الضرورية لإدماج القطاع غير المهيكل. وموازاة مع ذلك، سيتم التركيز في إطار خطة الإنعاش الاقتصادي، في نفس الوقت، على دعم العرض وتحفيز الطلب.

وفي المقابل، أبرز الوزير، أنه سيتم العمل على تحفيز الطلب من خلال دعم الاستهلاك والحفاظ على وتيرة مستقرة للاستثمار العمومي، بحيث يمكن أن يمثل هذا الأخير أداة حاسمة للانتعاش الاقتصادي، نظرا لتأثيره المضاعف على النمو الاقتصادي، كما شدد بنشعبون على ضرورة إرساء تدبير أمثل للإنفاق العمومي في هذه الفترة الاستثنائية وتوجيهه نحو الأولويات المرتبطة بتدبير أزمة جائحة كورونا، وتوفير ظروف الإقلاع الاقتصادي لمرحلة ما بعد الأزمة من خلال دعم الشركات الوطنية والمنتوج الوطني والإبقاء على القيمة المضافة محليا. 

وأعلن الوزير عن شروع الحكومة في إعداد مشروع قانون المالية المُعَدِّل، وأشار إلى أن النمو الاقتصادي سيتأثر بالأزمة الصحية، وكذلك بتراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي نتيجة قلة التساقطات وعدم انتظامها، كما أنه من المتوقع أن تتراجع بشكل كبير موارد الخزينة، وبالتالي ينبغي إعادة النظر في الفرضيات التي تم على أساسها إعداد قانون المالية لسنة 2020.  وأوضح الوزير أن مصالح وزارة الاقتصاد والمالية شرعت في إعداد مشروع تعديلي لقانون المالية، من تحيين الفرضيات التي تم اعتمادها لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2020 والمؤشرات الاقتصادية الرئيسية، ووضع توقعات جديدة أخذا بعين الاعتبار تأثير الأزمة على عجز الميزانية وميزان الأداءات والدين، ووضع خطة عمل متعددة السنوات لإنعاش النشاط الاقتصادي.

وبالموازاة مع ذلك، قال الوزير «نحن بصدد دراسة مجموعة من السيناريوهات لنكون مستعدين لجميع الاحتمالات»، وأكد أن كل سيناريو ستكون له آثار مختلفة على مؤشرات النشاط والمؤشرات الماكرو اقتصادية ارتباطا من جهة بسرعة استئناف القطاعات الاقتصادية لنشاطها والتي يمكن أن تتم وفق آفاق زمنية مختلفة، ومن جهة أخرى بمسار تطور كل قطاع مقارنة بالآخر. وأوضح أن اعتماد أي سيناريو يتطلب اتخاد مجموعة من التدابير المناسبة والمستدامة، وهو ما نحرص عليه في إطار لجنة اليقظة الاقتصادية من خلال الاستماع لجميع الفاعلين الاقتصاديين، ووضع الأدوات اللازمة لتمكين المقاولات من تجاوز هذا الوضع غير المسبوق، في إطار خطة الإنعاش الاقتصادي التي ننكب على وضع اللمسات الأخيرة لبلورتها، والتي سيكون مشروع قانون المالية المُعَدِّل مناسبة لتقديم خطوطها العريضة. 

وأشار الوزير إلى اتخاد ما يلزم من إجراءات وتدابير، في إطار لجنة اليقظة وبمعية كل الشركاء، للتخفيف من آثارها على المقاولات والمواطنات والمواطنين المغاربة الذين تضرروا بفعل الجائحة، مستنيرين في ذلك بالتوجيهات الملكية. وكشف بنشعبون عن وجود مخطط لجعل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني ميثاقا للإنعاش الاقتصادي والشغل، مبنيا على طموح مشترك ومتقاسم بين كل الأطراف المعنية (الدولة والمقاولات والقطاع البنكي والشركاء الاجتماعيين،...)، وذلك وفق التزامات محددة بشكل واضح ومبنية على آليات ناجعة للتتبع والتقييم، ومن المنتظر أن تمكن هذه الخطة، التي ستكون حلقة الوصل مع  النموذج التنموي الجديد الذي يوجد طور الإعداد، من وضع أسس اقتصاد قوي ومدمج سيفتح لبلادنا آفاقا جديدة ستقوي تموقعها في عالم ما بعد أزمة كورونا.

المندوبية السامية للتخطيط تتوقع خسائر جسيمة للاقتصاد الوطني

بدأت الاستعدادات بكل القطاعات الحكومية لرفع الحجر الصحي بشكل تدريجي، وستكون البداية بالعودة للعمل ببعض القطاعات الاقتصادية الأساسية والمهمة، بعد توقف لمدة شهرين، منذ الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية. وفي مذكرة إحصائية للمركز المغربي للظرفية، أشار إلى أن الناتج الداخلي الخام سيحقق نموا سالبا بـ3.2 في المائة خلال السنة الجارية، بعدما كانت توقعات المركز الأولية تشير إلى 0.8 في المائة، فيما حدد قانون مالية 2020 توقعات الحكومة حول نمو الاقتصاد الوطني بـ3.7 في المائة. وأشار المركز المغربي للظرفية إلى أن الفرضية الرئيسية بانتهاء الأزمة الصحية منتصف العام الجاري، على أن يتحقق الانتعاش في ما بعد بشكل تدريجي، كما تأخذ النسبة المتوقعة بعين الاعتبار أيضا الموسم الفلاحي المتسم بالجفاف، وما سينتج عنه من انخفاض ملحوظ في إنتاج الحبوب الذي لن يتجاوز 40 مليون قنطار.

توقعات الخبراء

يعتبر خبراء المركز المغربي للظرفية أن إحداث صندوق خاص لتدبير جائحة كورونا يمكن أن يجنب العديد من المقاولات خطر الإفلاس، وبالتالي الحفاظ على مناصب الشغل، وينبني توقع المركز أيضا على فرضيات تقليدية أخرى، من بينها انتعاش أسعار النفط منتصف العام الجاري لتستقر عند مستوى 50 دولارا تقريبا، وأشار تحليل أصدره المركز إلى أن أغلب القطاعات الإنتاجية في المملكة ستعاني من التداعيات السلبية للأزمة الحالية.

ومن جانبها، أكدت المندوبية السامية للتخطيط أن حوالي 142 ألف مقاولة صرحت بتوقف نشاطها بشكل مؤقت أو دائم في بداية الشهر الماضي، وهذا الرقم يمثل أكثر من نصف المقاولات المغربية (57 في المائة)، مشيرة إلى أن الأزمة الناتجة عن تفشي فيروس كورونا المستجد دفعت 135 ألف مقاولة إلى تعليق أنشطتها مؤقتا، بينما أقفلت 6300 مقاولة بصفة نهائية، وكانت حصة الأسد من الضرر في المقاولات الصغيرة جداً بنسبة تصل إلى 72 في المائة، و26 في المائة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، و2 في المائة فقط من المقاولات الكبرى.

وتتوقع المندوبية، أن يواصل الاقتصاد العالمي انكماشه بوتيرة أشد حدة من الفصل السابق، متأثرا بانتشار الوباء وتمديد فترات الحجر الصحي. في ظل ذلك، سيشهد الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب تراجعا بنسبة 12,6 في المائة، خلال الفصل الثاني من سنة 2020، عوض ناقص 6 في المائة المتوقعة في 7 أبريل الماضي، متأثرا بانخفاض الواردات وخاصة الأوربية، مما سيساهم في تراجع الصناعات المحلية الموجهة إلى التصدير. في ظل ذلك، يتوقع أن تنخفض الصادرات الوطنية بـ6,1 في المائة، حسب التغير السنوي، كما ستشهد الواردات تراجعا يقدر ب 8,4 في المائة، موازاة مع تقلص المقتنيات من المواد الخام ومواد الاستهلاك والتجهيز.

نسب وقطاعات

بالإضافة الى تراجع الطلب الخارجي، وباعتبار تمديد فترة الحجر الصحي على أكثر من نصف الفصل الثاني، يتوقع أن ينخفض استهلاك الأسر بنسبة 2,1 في المائة، خلال الفصل الثاني من 2020، وذلك بسبب تراجع النفقات المتعلقة بالنقل وبالمواد المصنعة وبخدمات الفندقة والترفيه، في المقابل، سيواصل الاستثمار تقلصه بوتيرة تناهز 26,5 في المائة، متأثرا بتراجع مخزونات المقاولات، حيث ستساهم الأزمة الصحية في الحد من احتياجات المقاولات من التمويلات، في الوقت الذي ستظل احتمالات انتعاش سريع للطلب غير مؤكدة. وفي العموم، يتوقع أن يشهد الاقتصاد الوطني انخفاضا يقدر بـ 6,8 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2020.

 ومن منظور قطاعي، تتوقع المندوبية انخفاض القيمة المضافة الفلاحية بـ 4,2 في المائة، في الفصل الثاني من سنة 2020، فيما ستتراجع الأنشطة غير الفلاحية بـ6,9 في المائة، حيث ستشهد القيمة المضافة للقطاع الثالثي انخفاضا ملموسا، متأثرة بتراجع أنشطة التجارة، والنقل وتوقف المطاعم والفنادق. وإضافة الى ذلك، يرجح أن تنخفض القيمة المضافة للقطاع الثانوي بـ8,9 في المائة، حسب التغير السنوي.

 وحسب مذكرة المندوبية، ينتظر أن يواكب هذا الانخفاض فقدان ما يقرب 8,9 نقاط من النمو خلال الفصل الثاني من سنة 2020 مقارنة مع توقعات تطور الناتج الداخلي الخام قبل تفشي وباء «كوفيد- 19»، عوض ناقص 3,8 نقاط المتوقعة في بداية شهر أبريل الماضي، وهو ما يرفع الخسائر المتوقعة على مستوى القطاعات الإنتاجية إلى 29,7 مليار درهم، خلال النصف الأول من سنة 2020، عوض 15 مليار درهم المتوقعة في 7 أبريل المنصرم. وأشارت المندوبية إلى أن هذه التوقعات تظل قابلة للتغيير، موازاة مع ظهور معطيات جديدة في ظرفية تتسم بتزايد الشكوك حول مدة الأزمة الصحية وحدة آثارها على النشاط الاقتصادي، وكذلك تأثير مختلف التدابير والبرامج المتخذة لدعم الاقتصاد الوطني.

ثلاث أسئلة

إدريس الفينة*

*أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني  للإحصاء والاقتصاد التطبيقي

«على الحكومة الاستعداد لموجة ثانية من الأزمة الاقتصادية بعد نهاية كورونا»

ماهي الإجراءات التي وجب على الحكومة التعجيل باتخاذها لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية بعد كورونا؟

ما يجب التأكيد عليه، هو أن هذه الأزمة الاقتصادية التي تعرفها عدد من القطاعات، هي أثار مباشرة للأزمة الصحية، التي خلفت أزمة اقتصادية، وقد أخذت الدولة مجموعة من الإجراءات من أجل تخفيف آثار هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وقد كانت هناك عدد من القرارات التي اتخذتها السلطات لصالح الأسر والأفراد، وقرارات أخرى لصالح النسيج الاقتصادي، من قبيل الضمانات التي قدمتها الدولة لتمكين المقاولات من الحصول على قروض. وبعد رفع الحجر الصحي، فإن عددا من المقاولات ستعاود الاشتغال بشكل طبيعي، وتحديدا القطاعات التي لم تتوقف خلال هذه الأزمة، وهذه القطاعات تمثل 70 في المائة من النسيج الاقتصادي المغربي، ومنها شركات ومقاولات كبيرة، غير أن نسبة غير هينة من النسيج الاقتصادي ستتطلب تدخلا ودعما من الدولة، وهذا التدخل يجب أن يكون بشكل عقلاني، مبني على أرقام وتقارير، لأن الجميع أصبح اليوم يطالب بالتعويضات والدولة هنا تلعب دور الوسيط الاقتصادي، وإن كانت هي من اتخذت القرار بوقف عدد من الأنشطة الاقتصادية، لما هناك من خطر يحدق باليد العاملة المغربية،  وهنا يطرح منطق تقاسم الضرر، وإيجاد الحلول، لأن منطق التزام الدولة بتعويض جميع القطاعات المتضررة، يستحيل ماليا، ولكن الدولة قامت بتخفيف الكثير من الأضرار من خلال تحمل عبء اليد العاملة، غير أنها غير ملزمة ولن تستطيع تعويض المقاولات على فقدانها جزءا من رقم معاملاتها، والمنطق الذي يمكن أن تشتغل به كما هو الشأن حتى على المستوى العالمي، هو تحمل جزء من المصاريف الثابتة، وهي المتمثلة في كتلة الأجور، وهي التي تمثل جزءا كبيرا جدا من التكاليف الثابتة، ولا اعتقد أن هناك شركات واصلت صرف أجور مستخدميها رغم توقف نشاطها، والدولة قد تحملت عبء أداء تكاليف الأجراء عن القطاعات المتوقفة، واعتبارا لأن الأوضاع الحالية هي استثنائية بكل المقاييس، فإن الدعم الموجه من الدول لاقتصادياتها، هو استثنائي أيضا، كما الشأن بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي قرر تخصيص 15 مليار أورو لما يسمى بالقطاعات والشركات الإستراتيجية.

هل الأزمة الاقتصادية الحالية ستكون مستمرة أم ستتولد عنها أزمات أخرى؟

إن العالم مقبل على موجة ثانية من الأزمة الاقتصادية، ستكون بعد نهاية الموجة الحالية، وهي الموجة التي ستكون أعنف وستمس قطاعات حساسة لم تتأثر خلال الأزمة الحالية، وهذا الأمر سيتطلب ضرورة اتخاذ إجراءات وقرارات استشرافية، حيث أعتقد أن عددا من العوامل ستؤدي إلى هذه الموجة الثانية، وهي العوامل المرتبطة بتراجع الطلب وارتفاع موجة البطالة التي باتت تنتشر بقوة في جميع الدول، بالإضافة إلى نقص الطلب العالمي. وفي تقديري، فإن المغرب بإمكانه التعامل بشيء من الحكمة والفعالية، سواء مع الأزمة الحالية، أو الموجة الثانية من الأزمة الاقتصادية التي ستضرب عددامن الاقتصادات العالمية، على اعتبار الخصوصية التي يتميز بها الاقتصاد المغربي، وما يمكن قوله في هذا الباب هو أن 50 في المائة من الاستثمارات التي كانت منتظرة أن تأتي من الشركات العمومية في القانون المالي هذه السنة، ستتراجع، حيث أن القانون المالي توقع تسجيل 110 مليار درهم من الاستثمارات، غير أنه لن نصل إلا لحدود 50 مليار درهم، وبالتالي فإن جزءا كبيرا من النشاط الاقتصادي سيتم فقدانه، وهذه هي الظروف التي ستتسبب في الموجة الثانية من الأزمة الاقتصادية، والتي كما ذكرت وجب التهيؤ لها جيدا، كما فعلت اليابان من خلال تغيير المنطق الاقتصادي، إذ أصبح من غير الممكن البحث عن تحقيق النمو الاقتصادي في هذه الظرفية.

ما هي الفرضيات التي يجب أن تضعها الحكومة خلال تعديل القانون المالي؟

إن تعديل القانون المالي يجب أن يكون مبنيا على فرضيات الرهان الأول والأخير فيها وهو الحفاظ على الاقتصاد الوطني، وإن كان جزء كبير من قانون المالية فيه عدد من الإجراءات المرتبطة باستمرار العمل الإداري، والاستثمار في القانون المالي لا يهم إلا 70 مليارا، في حين أن الجزء الكبير منه مرتبط باستمرار مرافق الدولة. واعتقد أن الأزمة الحالية ستعطي تغيرات كبيرة منها تراجع الاستثمارات الأجنبية، وانخفاض الطلب الخارجي، كما أن الدول ستحاول حماية نفسها من خلال دفع مقاولاتها الكبرى إلى الاستثمار داخليا، وفي هذا الإطار فإن التدفقات المالية التي يستقبلها المغرب، ستتراجع بشكل كبير، فالأرقام كانت تشير إلى أن التدفقات المالية لهذه السنة ستبلغ 40 مليار درهم، ولا اعتقد أنه في ظل هذه الأزمة الحالية، سنسجل هذا الرقم خلال هذه السنة، فكل الدول باتت تطالب من رؤوس أموالها المتواجدة في الخارج العودة للاستثمار في وطنها الأم.


إقرأ أيضا