يزمي يتحدث عن تجربته مع ناسا وهذا رأيه بتدابير المملكة في مواجهة كورونا - تيلي ماروك

يزمي - ناسا - تدابير المملكة - كورونا يزمي يتحدث عن تجربته مع ناسا وهذا رأيه بتدابير المملكة في مواجهة كورونا

يزمي يتحدث عن تجربته مع ناسا وهذا رأيه بتدابير المملكة في مواجهة كورونا
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 30/04/2020

رشيد يزمي، باحث وبروفيسور، فاقت عدد براءات الاختراع التي حصل عليها مائة وخمسين براءة، ولقب بـ«ملك البطاريات» لكونه مخترع بطارية الليثيوم، التي أحدثت ثورة صناعية في عالم الأجهزة الكهربائية بما فيها الهواتف المحمولة. رشح سنة 2019 لنيل جائزة «نوبل» في الكيمياء، غير أن حرمانه من الجائزة حرك انتقادات واسعة ضد المؤسسات السويدية والنرويجية المنظمة لها، وصلت حد التشكيك في مصداقيتها.

في هذا الحوار، نخطو مع يزمي خطواته الأولى في مساره من فاس ثم الرباط ففرنسا وسنغافورة، ونستقي من عالم خبر دهاليز المختبرات العلمية الفرنسية والأمريكية سبيل تطوير الصناعات في مجال الطاقة المتجددة، لنعْبُرَ معه إلى موضوع الساعة والأزمة العالمية المرتبطة بوباء «كوفيد19»، وتجربة المغرب في محاصرة الوباء، وعن رأيه في مستوى التعليم والبحث العلمي في المغرب.

كيف بدأ مسارك العلمي من المغرب إلى فرنسا؟

أنا من مواليد مدينة فاس سنة 1953، تابعت هناك دراساتي العلمية في المستويات الثانوية بكل من مؤسسة مولاي رشيد، وثانوية مولاي إدريس، وحصلت على شهادة الباكالوريا سنة 1971، في شعبة الرياضيات، ثم انتقلت إلى مدينة الرباط حيث واصلت دراستي الجامعية بجامعة محمد الخامس، وهناك درست لعام قبل أن أنتقل إلى فرنسا لمتابعة مساري العلمي في تخصص الرياضيات والفيزياء .

هل واصلت التعليم العالي في جامعة فرنسية أم بمعهد متخصص؟

انتقلت لمواصلة البحث العلمي في المعهد الوطني التكنولوجي في غرونوبل، ودرست فيه تخصص الهندسة الكيماوية، وتخرجت سنة 1978 بشهادة مهندس. وفي السنة نفسها بدأت دراسات الدكتوراه بالمعهد، وحصلت على شهادة دكتوراه الدولة من المعهد سنة 1985، وكان موضوع بحثي في الدكتوراه حينها حول بطاريات الليثيوم واستعمال مادة الكرافيت في البطاريات .

ما هي نقطة التحول في مسار بحثك بمعهد البحث العلمي الفرنسي؟

نقطة التحول كانت سنة 1980 حين اكتشفت أن مادة الكرافيت يمكن أن تستخدم كقطب سالب في بطاريات الليثيوم القابلة للشحن. كان هذا أكبر اكتشاف من هذا النوع، وكان في أول مراحل بحثي في الدكتوراه، غير أن هذا الاكتشاف لم يحظ بالاهتمام الكبير في ذلك الحين، إلى أن استغلت شركة «سوني» في اليابان هذا البحث سنة 1991، وبالتالي بدأ الاستغلال الفعلي للاكتشاف الذي كنت توصلت له قبل 11 عاما، وبدأت الشركة اليابانية إنتاج بطاريات الليثيوم مع استعمال مادة الكرافيت كما توصلت لها في بحثي السابق.

هل لاقى اكتشافك اهتماما؟

أبدت اليابان اهتماما ملحوظا بالأبحاث التي كنت أجريها منذ ولوجي للمعهد الوطني للبحث العلمي في فرنسا، وبرز هذا الاهتمام بشكل كبير في أن وجهت لي الدعوة من أجل قضاء عام من البحث العلمي  في جامعة «كيوطو» سنة 1988، وامتدت تلك الفترة لعامين أمضيتهما في البحث العلمي في مجال البطاريات، ثم عدت إلى فرنسا سنة 1990، لأواصل البحث والاشتغال.

ماذا عن تجربتك مع وكالة الفضاء الأمريكية؟

سنة 2000 استدعيت من طرف وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، والمعهد التكنولوجي بكاليفورنيا من أجل زيارة، واستقر بي المقام هناك عشر سنوات، وكان الاشتغال حينها على مشروع بطاريات الضمن المسبار الذي تم توجيهه نحو المريخ، وتواصل البحث رفقة فريق كنت أقوده عشر سنوات، كانت مميزة بأن حصلت فيها على نحو 30 براءة اختراع، بالإضافة إلى المنشورات العلمية التي تم نشرها خلال تلك الفترة.

كيف كان الانتقال إلى سنغافورة؟

إلى جانب ذلك، وخلال تلك الفترة أسست شركة أشرفت عليها تحت اسم « «CFX PATRIE. اشتغلنا في تلك الشركة على نوع أكثر تطورا من البطاريات، وهي بطاريات الفليور التي اخترعتها أيضا، واستمررت في الاشتغال بالشركة التي أسستها عامين قبل أن أنتقل للاشتغال في سنغافورة.

هل كان اشتغالك في مجال البحث العلمي أم في الصناعة؟

اشتغلت في سنغافورة في مجال التدريس بالتعليم العالي، وتحديدا في جامعة التكنولوجيا بـ«نيانغ يانغ» وهي أكبر مدرسة للمهندسين في العالم. واشتغلت فيها أستاذا محاضرا ورئيس قسم تخزين الطاقة. واصلت الاشتغال بالمؤسسة إلى حدود سنة 2018، حيث حصلت على التقاعد وتفرغت لتسيير شركة أسستها تحت اسم «KVI»  ، وحصلنا في هذه الشركة على أزيد من 50 براءة اختراع بالارتباط بمجال البطاريات الذكية، وتجمعنا شراكات قوية مع عدد من المؤسسات في الصين والولايات المتحدة الأمريكية، واليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى فرنسا وألمانيا، التي نشتغل فيها على مشروع شراكة مع واحدة من كبريات شركات صناعة السيارات، وكذلك بالتأكيد إلى جانب بعض الشراكات التي تجمعنا بالقطاع الخاص في المغرب.

هل اشتغلت بالتدريس وأوقفت مسار البحث؟

لا بطبيعة الحال، فأنا أواصل مسار البحث العلمي، وعلى الرغم من حصولي على التقاعد من معهد البحث العلمي الفرنسي ومن جامعة التكنولوجيا في سنغافورة، إلا أنني ما زلت أشتغل على مشاريع بحثية، منذ أقل من أسبوع من الآن وضعت رفقة بعض زملائي في الولايات المتحدة الأمريكية، الخطوات النهائية لمشروع بحث علمي مع وزارة الطاقة الأمريكية، واشتغلت على هذا المشروع رفقة ثلاثة أطراف أخرى، وكان من بين محاوره المهمة براءة اختراع أتوفر عليها تهم واحدا من الأنواع الجديدة للبطاريات التي تتوفر على قدرة تخزين تتجاوز الأنواع الحالية الموجودة.

بالعودة إلى فترة اشتغالك مع وكالة الفضاء الأمريكية، ما طبيعة المشروع الذي اشتغلتم عليه؟

الأمر يتعلق بمشروع اشتغلت عليه إلى جانب وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، يتمثل في إرسال جهازي روبوت إلى المريخ من أجل دراسة تربة هذا الكوكب، وكانت مهمتي توفير البطارية التي من شأنها تأمين الطاقة لهذين الجهازين، وبالفعل تم إطلاق الجهازين وكانا الأولين من نوعهما اللذين استمدا طاقتهما من بطارية الليثيوم، وكانت تلك أول مرة تغادر فيها بطارية ليثيوم المجال الأرضي وتعبر إلى الفضاء.

ماذا شكلت لك تلك التجربة؟

شكلت لي تلك التجربة مصدر فخر واعتزاز بكوني مغربيا يشارك في مجال البحث، واعتبرت أن جزءا كبيرا من عمل هذا المشروع كان مرتبطا بما أنجزته، خصوصا أن البطاريات التي تم تركيبها في الروبوتات، فاقت توقعات علماء وكالة الفضاء الأمريكية، الذين توقعوا أن تكون أقصى مدة اشتغال تلك البطاريات في الفضاء وعلى سطح المريخ أربعة أشهر، إلا أن تلك البطاريات واصلت الاشتغال لأكثر من عشر سنوات، فقد استمر الروبوت «أوبوغتونيتي» منذ 2003 إلى 2018، واستمر الروبوت «سبيريت» من سنة 2003 إلى سنة 2010، وبالتالي فقد فاق إنجاز بطارية الليثيوم ما كان يتوقعه علماء (ناسا).

كيف كانت نتائج المشروع؟

واصلت تلك البطاريات الشحن انطلاقا من استمداد الطاقة الشمسية عبر محسسات من على سطح المريخ لمدة أطول من المتوقع، وكانت عدة إكراهات واجهتنا في الاشتغال على الموضوع وتغلبنا عليها، وكنت متابعا لهذه المهمة بشكل شبه يومي في مركز الفضاء بكاليفورنيا، وكنت فخورا بكون البطارية التي اخترعتها وصلت إلى المريخ.

هل كان هذا هو المشروع الوحيد مع (ناسا)؟

إلى جانب هذه المهمة، اشتغلت على عدد من المشاريع البحثية بمعية خبراء وكالة الفضاء الأمريكية، وحصلنا خلال هذه الفترة على أكثر من عشرين براءة اختراع، ونشرت عددا كبيرا من المقالات العلمية حينها وكان يدون إسمي إلى جانب علماء الوكالة. كان من بين الاكتشافات العلمية، أننا توصلنا لاختراع مادة تجعل بطاريات الليثيوم تشتغل في ظروف مناخية درجة الحرارة فيها أقل من أربعين.

ماهي الخصائص التي تجعل بطارية الليثيوم تحظى بهذا الانتشار الواسع؟

إن من بين مميزات البطاريات القابلة للشحن بصفة عامة، مدى القدرة الطاقية للبطارية بالمقارنة مع وزنها وحجمها، بالإضافة إلى القوة الطاقية للبطارية، وبالإضافة أيضا إلى القدرة العمرية للبطارية ودائرة تفريغها وشحنها، زيادة على عنصر أساسي وهو المرتبط بالأمان، حيث لا يجب أن تنفجر هذه البطاريات، بالإضافة إلى عنصر احترام البيئة وعدم تواجد مواد سامة أو ضارة بالبيئة في تركيبتها، زيادة على الثمن والتكلفة المالية.

وبالعودة إلى كل هذه المعايير، يمكن أن أؤكد لك أن أجود أنواع البطاريات في العالم والتي تتوفر فيها العناصر التي ذكرت، هي بطارية الليثيوم، وهي الآن المستعملة في جميع الهواتف الذكية أو الحواسيب أو السيارات الكهربائية.

هل هذا ما يجعل مستقبل هذه البطارية واعدا في الصناعات الحديثة؟

كما قلت إن مستقبل بطاريات الليثيوم في العالم الحالي، واعد جدا، على اعتبار أن سوق السيارات الكهربائية في تطور متزايد وبطاريات الليثيوم تستعمل في صناعات السيارات، لأنها تمنح طاقة وقوة شحن تمكن من استعمال السيارة لما يزيد عن 500 كيلومتر دون توقف، بالإضافة إلى أن أمد حياة البطارية قد يتجاوز سبع سنوات، دون إغفال الجانب المتعلق بالبيئة ومشاكل الاحتباس الحراري، والذي تشكل المحركات الكهربائية الحل الفعلي لتجاوزه، وبالتالي تناقص المحركات التي تشتغل بالمحروقات والتي تؤدي لارتفاع التلوث، زيادة على أن تكلفة المحركات الكهربائية أقل من المحركات التي تستعمل المحروقات. ولعل هذا ما دفع العديد من الدول لوضع خطط مستقبلية بهدف الاعتماد بشكل واسع على المحركات الكهربائية، وهذه المحركات التي قد تشغل في الدراجات الكهربائية والقوارب الكهربائية وغيرها من المحركات.

ما مدى إمكانية تطوير صناعة السيارات الكهربائية في المغرب؟

هناك مشروعان كبيران لاثنتين من كبريات شركات صناعة السيارات في طنجة والقنيطرة، ومن الأكيد أن هذه الشركات تعي جيدا أن المستقبل للسيارات الكهربائية. ففي فرنسا هناك توجه مستقبلي نحو التوقف عن السيارات بمحركات البنزين، في أفق 2030، وحسب علمي، فإن هناك مشروعا قريبا لصناعة أول سيارة كهربائية 100/100 في المغرب، وسيتم في صناعة المرحلة الأولى تصديرها للدول الأوربية، وأتمنى أن يزيد اهتمام المغاربة بالسيارات الكهربائية لما فيها من المميزات التي ذكرت.

هل يمكن أن يكون المغرب رائدا إفريقيا في صناعة السيارات الكهربائية بتوظيف بطاريات الليثيوم؟

نعم فكل المؤشرات توحي بأن المغرب لديه كل المؤهلات التي تسمح له بأن يخطو خطوات متقدمة في مجال صناعة السيارات الكهربائية، وهناك شركات صناعة السيارات التي باشرت استثمارات مهمة في المغرب، ولا محالة ستمضي هذه الشركات في مجال صناعة السيارات الكهربائية، ناهيك عن أن بطاريات الليثيوم التي يمكن استعمالها في هذه السيارات، يمكن أن تصنع في المغرب، لأن جميع المؤهلات تتواجد في المغرب من أجل صناعة بطاريات الليثيوم المغربية مائة بالمائة، وذلك في أفق عامين إلى ثلاث سنوات. وأعتقد أن هناك رغبات لمستثمرين من أجل ولوج هذا المجال في المغرب، خصوصا أن المغرب يتوفر على عدد من المواد الطبيعية التي تدخل في صناعة هذه البطاريات.

ماذا يمكن أن تقدم للمغرب في هذا المجال؟

لمست أن هناك إرادة في المغرب من أجل ولوج هذا النوع من الاستثمارات، غير أن ما يلزم هو الالتقائية وتوحيد التصورات بين ممثلي التوجهات السياسية وممثلي الصناعة والبحث العلمي والمستثمرين من أجل الخروج بتصور في أفق تطوير هذه الصناعات. وأنا بدوري على أتم الاستعداد من أجل العمل مع المتدخلين في تطوير هذا المشروع لكي يكون المغرب أول دولة إفريقية مصنعة لبطارية الليثيوم. فمن الطبيعي ومن الواجب أن يكون المغرب رائدا في هذا المجال ما دام مغربي هو مخترع بطارية الليثيوم.

تابعتَ الأزمة العالمية التي تسبب فيها انتشار وباء كورونا، ما تعليقك كباحث حول التطورات الأخيرة المرتبطة بالموضوع؟

إن وباء «كوفيد19» كارثة عالمية، ولم يكن يخطر ببال العلماء وخبراء الصحة والمستشرفين، أن يتطور الأمر من تسجيل حالات إصابة في الصين في شهري دجنبر ويناير إلى ما وصلت إليه الأحداث في باقي دول العالم، وكانت أكثر الدول تضررا بالوباء هي الصين وإيران وإيطاليا التي شهدت كارثة بجميع المقاييس، تم انتشر الوباء في باقي دول العالم في وقت وجيز ولم نكن نتوقع أن يصل بهذه الحدة.

ما تقييمك للإجراءات الاحترازية التي اتخذها المغرب لمواجهة انتشار الوباء؟

كان انتشار الوباء مفاجئا لغالبية الدول وعلى رأسها الأوربية، والتي لم تكن في أتم الاستعداد للوباء، وبالتالي فقد شكل الوباء مفاجأة لتلك الدول إذ لم تتمكن المنظومة الصحية لتلك الدول من استيعاب العدد المتزايد من المصابين. وعلى خلاف ذلك، ومما يبعث على الفخر، أن المغرب من أوائل الدول التي تفاعلت مع انتشار الوباء بسرعة من خلال عدد من القرارات الجريئة، من قبيل إغلاق الحدود مع باقي الدول، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات احترازية لضمان حماية المواطنين من انتشار العدوى.

ماذا عن تجاوب المواطنين المغاربة مع الإجراءات الحكومية؟

لاحظت أن تفاعل المواطنين المغاربة مع الإجراءات التي اتخذتها السلطات، كان تفاعلا إيجابيا، وعبر المواطنون عن مستوى راق في الالتزام بالإجراءات، وبدؤوا يتأقلمون مع هذه الإجراءات.

هل من مؤشرات على نجاعة الإجراءات التي اتخذها المغرب لمواجهة انتشار كورونا؟

طبعا هناك عدد من المؤشرات التي لا أعتقد أنها في متناول الجميع، والتي توضح أن المغرب خرج مرفوع الرأس في تدبيره الجيد لهذه الأزمة الصحية. ومن بين هذه المؤشرات يكفي أن نعلم أن من بين كل مليون نسمة نجد أن نسبة الوفيات بالوباء فقط 4،5 في المائة، وهي النسبة التي تسير في منحى الانخفاض، في مقابل أن نسبة الوفيات في إسبانيا، على سبيل المثال، لكل مليون نسمة هي 465 وفاة، وهي النسبة التي تضاعف تلك المسجلة في المغرب بأكثر من مائة مرة .

ألم تكن هذه الإجراءات قاسية بالمقارنة مع ما اتخذته بعض الدول المتقدمة؟

على العكس، فالإجراءات التي اتخذها المغرب في إطار مواجهة هذه الجائحة، كانت ضرورية وجيدة جدا، ويكفي ما قدمت لك من مؤشر عددي لبيان أن الخطوات الاحترازية التي تم اتخاذها ساعدت في تجنب سيناريو أسوأ، وساعدت إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، كذلك، في جعل نسبة الوفيات في المغرب جراء الإصابة بكوفيد19 من أقل النسب في العالم، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن  ما حققه المغرب في مواجهة هذا الوباء مبعث على الفخر والاعتزاز.

باعتبارك باحثا وأستاذا للتعليم العالي في سنغافورة، ما تقييمك لاعتماد المغرب نمط التعليم عن بعد خلال فترة الحجر الصحي؟

عامة، حين تحدث الأزمات، كما هو الشأن بالنسبة للأزمة الحالية المرتبطة بوباء كوفيد 19، فإن الناس يبحثون عن حلول مبتكرة، إما لحل بعض المشاكل التي أثيرت بسبب الأزمة، أو لتخفيف تداعيات الأزمة على فئة معينة. وفي هذا الباب تدخل الأساليب الحديثة التي اعتمدها المغرب في مجال التعليم عن بعد، إذ تم خلق منصات افتراضية للتواصل بين المدرسين وهيئات التدريس. وعلى الرغم من أن منهجية وطريقة التدريس عن بعد هذه كان معمولا بها في عدد من الدول، إلا أنها جديدة في المغرب، وبدا أنه من الممكن الاعتماد عليها بسبب توفر الوسائل، مثل الربط بشبكة الإنترنت، وخدمات القنوات التلفزيونية العمومية، وهي الحوامل والمنصات التي كانت الدعامة الأساسية في هذه العملية.

هل المغرب مؤهل للاعتماد بشكل أكبر على التعليم عن بعد؟

نعم يمكن القول إن المغرب مؤهل لاعتماد التعليم عن بعد خلال أيام الأزمة هذه، للاعتبارات التي ذكرت بعضا منها، وأنا متفائل جدا بأن تجد هذه الطريقة الحديثة للتعليم طريقها لمزيد من التطوير والانتشار في المستقبل، وتكون المرحلة الحالية بمثابة محطة أولى لمزيد من الاعتماد على هذا النمط الحديث للتعليم. وكانت تقنية التعليم عن بعد معمولا بها منذ عدة سنوات في عدد من الدول، وهذا أمر سجلته منذ قدومي إلى سنغافورة سنة 2010، حيث كانت هذه التقنية معتمدة بشكل واسع في الجامعات، وكان الطلبة في سنغافورة يتلقون المحاضرات عن بعد من أساتذة أمريكيين.

هل يمكن الاعتماد على الحلول المبتكرة والتكنولوجيا الحديثة لمواجهة وباء كورونا؟

لعل من إيجابيات هذه الأزمة أنها دفعت الناس إلى التأقلم معها والبحث عن حلول من أجل الإبقاء على عجلة الحياة، منها المرتبطة بالتعليم عن بعد أو التجارة الإلكترونية أو محاربة الإشاعات والأخبار الكاذبة، وغيرها من مناحي الحياة التي ترتبط بالتكنولوجيا.

باعتبار أنك خبرت التجربة السنغافورية، كيف استطاعت سنغافورة تسطيح منحى الإصابات بكورونا، مستعينة بالتكنولوجيا الحديثة؟

أعتقد أن تجربة سنغافورة في توظيف التكنولوجيا من أجل مواجهة انتشار وباء كورونا، تجربة رائدة، حيث إن الدولة استعملت تطبيقات حديثة ووسائل التتبع الدقيق للمواطنين القادمين من الخارج في وقت الأزمة، وهذا الأمر ساعد كثيرا في العزل الصحي ومنع اختلاط الحالات المشتبه بها مع المواطنين داخل البلاد، وبالتالي التقليل من عدد الإصابات التي كان من الممكن أن تكون أكثر مما هو مسجل اليوم، غير أن هذا لا ينفي أن المغرب بدوره اتخذ عددا من الإجراءات الفعالة التي ستتيح للبلاد، حسب التوقعات، الخروج سريعا من هذه الأزمة بالمقارنة مع الدول التي توصف بالمتقدمة.

هل يمكن الاعتماد على هذه التقنية أيضا في المغرب؟

استخدمت سنغافورة وسائل التتبع وعملت بها في مواجهة مثل هذه الأوضاع، بفتح نقاش الحريات الفردية والحياة الخاصة للأفراد، بالإضافة إلى حماية المعطيات الشخصية، ولعل هذا هو النقاش القانوني الذي يواكب استعمال وسائل التتبع الإلكترونية من أجل ضبط حياة الأفراد. واستعملت سنغافورة سياسة التتبع «tracking» منذ الشهر الأول لبداية الأزمة من أجل الوصول لأول حالة مصابة بالوباء، وكان لهذه التقنية الأثر الإيجابي، إذ استطاعت سنغافورة الوصول للحالات المصابة ومعرفة مكانها، وبالتالي فرض الحجر الصحي على هذه الحالات فقط دون اللجوء للحجر الصحي العام، وبذلك استمرت الحياة بشكل طبيعي، إلى حدود الأسبوعين الأخيرين.

لكن لماذا لجأت سنغافورة في ما بعد إلى الحجر الصحي العام؟

الخطة السنغافورية لم تكن مثالية مائة في المائة، حيث تفاجأت الحكومة بعدد من البؤر الوبائية وهي تلك المرتبطة بعدد من العمال القادمين من دول آسيوية قريبة من سنغافورة، والذين تربطهم عقود عمل تصل من سنة إلى سنتين، وهؤلاء العمال يعيشون بشكل مشترك، ما ساهم في ظهور حالات إصابة على اعتبار أن عددا من هؤلاء العمال سافروا إلى بلدانهم في فترة انتشار الوباء ثم عادوا منها إلى سنغافورة حاملين معهم الفيروس وإن لم تكن تظهر عليهم آثار الإصابة.

يشهد المغرب خلال الأزمة زخما في الصناعة الحديثة المرتبطة بمواجهة الوباء، هل يمكن لهذه التكنولوجيا أن تكون فعالة في تخطي الأزمة؟

نعم استعمال التكنولوجيا في مجال محاربة انتشار الأوبئة يمكن أن يكون فعالا، لكن ما لا يجب إغفاله هو أن سنغافورة كانت تتوفر على تقنية التتبع من ذي قبل، على اعتبار أن هذه التقنية طورتها الكفاءات السنغافورية ويتم استعمالها في عدد من المجالات، لذلك لم تجد صعوبة في تنزيلها خلال هذه الأزمة، وفي المغرب يمكن الاعتماد أيضا على الكفاءة المغربية من أجل تطوير وسائل حديثة في هذا السياق، وهذا الأمر برز بشكل جلي في اختراعات مغربية خلال هذه الأزمة، كما هو الأمر بالنسبة لصناعة أجهزة التنفس الاصطناعية المحلية أو وسائل التعقيم، وحتى تطوير تطبيقات مغربية مرتبطة بمحاربة الوباء.

وفي الأخير لا يسعني إلا أن أدعو بالرحمة للمواطنين الذين توفوا جراء الوباء وبالشفاء للمغاربة الذين مازالوا يواجهون الإصابة، وأملنا أن تعود الحياة إلى طبيعتها في القريب العاجل إن شاء الله.


إقرأ أيضا