ملف سياسي.. هكذا رهنت الحكومة الأجيال المقبلة بالمديونية الخارجية - تيلي ماروك

ملف سياسي - الحكومة - الأجيال - المديونية ملف سياسي.. هكذا رهنت الحكومة الأجيال المقبلة بالمديونية الخارجية

ملف سياسي.. هكذا رهنت الحكومة الأجيال المقبلة بالمديونية الخارجية
  • 64x64
    الأخبار + تيلي ماروك
    نشرت في : 21/01/2020

مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية الحالية، دقت العديد من المؤسسات الدستورية، بينها المجلس الأعلى للحسابات والمندوبية السامية للتخطيط، ناقوس الخطر، محذرة من مخاطر الارتفاع المهول للمديونية الخارجية التي بلغت أرقاما قياسية غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، وتجاوزت بذلك كل الخطوط الحمراء المسموح بها. وبذلك تكون الحكومة تدفع بالبلاد نحو المجهول، وترهن مستقبل أجيال من المغاربة بسبب ذلك، ستؤدي ثمنها الحكومات المقبلة. والخطير في الأمر أن الحكومة توظف أموال القروض في الاستهلاك عوض تمويل الاستثمار أو القطاعات الاجتماعية، ما يهدد الاقتصاد الوطني في ظل استمرار العجز البنيوي للميزانية والميزان التجاري.

بمناسبة ذكرى عيد العرش، استقبل الملك محمد السادس بالقصر الملكي بتطوان، عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، الذي قدم له التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2018. وفي معرض كلمته أمام الملك، أشار الجواهري إلى أن نمو الاقتصاد الوطني بلغ 3 بالمائة، في محيط دولي محفوف بالشكوك، مؤكدا أن المستوى الذي وصلت إليه المديونية، والذي يستلزم المزيد من اليقظة، أمر لا يمكن التغاضي عنه. وبعدها مباشرة صدر التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، الذي أكد بدوره أن مالية الدولة تواجه صعوبات أخرى، تتجلى أساسا في عدم التحكم في ارتفاع ديون الخزينة والتي بلغت عند متم 2018 ما قدره 722,6 مليار درهم، بنسبة ارتفاع تناهز 4,4 في المائة مقارنة مع سنة 2017، كما تضاعف جاري دين الخزينة أكثر من مرتين ما بين سنتي 2009 و2018 بمعدل ارتفاع سنوي نسبته 8,6 في المائة. ولمواجهة هذه الصعوبات، يؤكد التقرير، يتوجب إرساء حكامة جيدة على مستوى كل وظائف الدولة، من تخطيط وبرمجة وتنفيذ ومراقبة، وتقييم للبرامج والعمليات التي تنجزها الأجهزة العمومية.

ارتفاع مهول للمديونية

يرجع مصدر القلق من الارتفاع المهول للمديونية، إلى أن هذه القروض سترهن مستقبل البلاد والحكومات المقبلة في الديون الخارجية، خاصة أن المديونية تجاوزت الخطوط الحمراء المسموح بها، وذلك بوصول نسبتها إلى ما يزيد عن 91 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في حين وضع البرلمان خلال قانون المالية الحالي نسبة 60 في المائة كسقف لا يمكن تجاوزه بالنسبة للقروض الخارجية. وعند تشكيل النسخة الأولى من الحكومة، كانت المديونية لا تتجاوز نسبة 51 في المائة، كما أن جميع الحكومات السابقة لم تتجاوز نسبة 60 في المائة التي يحددها البرلمان سنويا، لكن في عهد حكومة بنكيران السابقة، عرفت المديونية ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقلت من 743 مليار درهم سنة 2014 إلى807 مليارات درهم سنة 2015، أي بقيمة تجاوزت 64 مليار درهم، ويمثل 81,3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. والمثير أن الحكومة لا توظف هذه القروض في الاستثمارات، من أجل زيادة نسبة النمو وانتعاش الدورة الاقتصادية، لكنها تقوم بتوظيف هذه القروض في نفقات التسيير.

وتضمن تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات انتقادات وتوصيات تهم ارتفاع حجم المديونية الداخلية والخارجية، وخاصة اللجوء المفرط للاقتراض الخارجي منذ سنة 2012. وكشف المجلس جملة من الاختلالات التي تهم المديونية الداخلية والخارجية، وأوصى السلطات العمومية بإرساء تأطير أفضل لمستوى المديونية، وإعادة النظر في تأطيرها المؤسساتي، وبالخصوص إقرار فصل بين مستوى التدبير التنفيذي للدين ومستوى اتخاذ قرار سياسة المديونية. وذكر التقرير أنه منذ سنة 1993، تميز تدبير الديون بتبني مقاربة جديدة قائمة على توزيع جديد بين الموارد الداخلية والخارجية من أجل تقليص ثقل الدين الخارجي وتكاليفه للوصول إلى مستوى مقبول، ومكنت هذه المقاربة من تخفيض الدين الخارجي للخزينة من 80 في المائة من دينها الإجمالي سنة 1984 إلى حوالي 24 في المائة سنة 2012، حيث تم تعويض هذا الدين تدريجيا باللجوء المكثف إلى المصادر الداخلية مما نتج عنه تزايد الدين الداخلي من 20 في المائة سنة 1984 إلى 76 في المائة من دين الخزينة سنة 2012.

وأورد تقرير المجلس الأعلى للحسابات أنه، إلى غاية نهاية 2012، بلغ مخزون دين الخزينة الداخلي والخارجي ما مجموعه 493,67 مليار درهم مقابل 327,52 مليار درهم سنة 2005 بزيادة 50 في المائة، أما نسبة دين الخزينة من الناتج الداخلي الخام، فقد سجلت تراجعا ملحوظا منذ 2009، إذ انتقلت من 46,9 في المائة إلى 59,6 في المائة نهاية 2012. وأكد التقرير أن حجم الدين العمومي وصل، خلال نهاية سنة 2012، إلى 589 مليار درهم، ممثلا بذلك أكثر من 71 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بزيادة أكثر من 7 نقط بالمقارنة مع 2011.

وكشف جطو عن أرقام مخيفة حول ارتفاع المديونية في عهد الحكومة السابقة والحكومة الحالية، بتأكيده على أن دين الخزينة واصل وتيرته التصاعدية، إذ بلغ مع نهاية 2017 ما يناهز 692,3 مليار درهم بنسبة 65,1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مسجلا مديونية إضافية تناهز 35 مليار درهم، وأضاف أن مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، بشقيها المضمون وغير المضمون من طرف الدولة، واصلت ارتفاعها، إذ بلغت مع متم 2017 ما يناهز 277.7 مليار درهم بنسبة 26.1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وبزيادة قدرها 16.5 مليار درهم مقارنة مع سنة 2016، مشيرا إلى أن الدين الخارجي يشكل جزءا مهما من مديونية هاته المؤسسات والمقاولات، إذ بلغ سنة 2017 ما قدره 178.3 مليار درهم، وهو ما يمثل نسبة 53.9 في المائة من الدين العمومي الخارجي.

وسجل جطو أنه، بناء على هذه المعطيات، فقد ارتفع الحجم الإجمالي لمديونية القطاع العام من 918.2 مليار درهم سنة 2016 إلى 970 مليار درهم مع متم 2017، أي بزيادة 51.8 مليار درهم في ظرف سنة واحدة، بينما انتقلت حصته من الناتج الداخلي الخام إلى 91.2 في المائة، وقال «إذا كانت كلفة الدين العمومي قد عرفت بعض التحسن خلال الأربع سنوات الأخيرة، فإن حجم المديونية، على العكس، واصل منحاه التصاعدي خلال الفترة ما بين 2010 و2017، إذ انتقلت مديونية الخزينة من 384,6 مليار درهم إلى 692,3 مليار درهم، والمديونية العمومية من 534,1 مليار درهم إلى 970 مليار درهم، أي بتحملات إضافية بلغت 435,9 مليار درهم، بمعدل يناهز 55 مليار درهم سنويا، بالرغم من الظرفية الملائمة التي تميزت بتنامي موارد المساعدات الخارجية وبتراجع أسعار بعض المواد الأساسية في الأسواق العالمية وانخفاض نفقات المقاصة، حيث تراجعت نسبتها مقارنة بالنفقات العادية من 25,4 في المائة سنة 2012 إلى 5,5 في المائة مع نهاية سنة 2017.

ورغم التطمينات التي تقدمها الحكومة حول مستوى المديونية، إلا أن خبراء في مجال الاقتصاد يؤكدون أن المديونية الخارجية للمغرب من شأنها أن تكون لها مضاعفات كبيرة على صورة المغرب في الخارج، بعد تجاوزها للخطوط الحمراء المسموح بها، ويمكن لمديونية المغرب أن تتضاعف في ظل وجود ثقافة لدى المسؤولين في الحكومة ممن يتصرفون وكأنه ليس هناك مشكل للمديونية ولا يعتبرون المعطيات الاقتصادية والمالية والوضعية الاستثنائية التي تعرفها البلاد منذ سنوات، إضافة إلى تدبير النفقات العمومية من خارج الحكومة وداخلها، خاصة في ما يتعلق بالأوراش الكبرى، مما يعني أن المغرب سيعيش مستقبلا مشاكل في المالية العمومية وتفاقما في المديونية الداخلية والخارجية، ومصدر القلق هو أن هذه القروض سترهن مستقبل البلاد والحكومات المقبلة في الديون الخارجية، حيث تجاوزت المديونية الخارجية سقف 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

السير نحو المجهول

أثناء مناقشة قانون المالية، حذرت فرق المعارضة من خطورة ارتفاع حجم المديونية الخارجية، وجر البلاد نحو المجهول، على اعتبار أن الحكومة الحالية اقترضت مجموع ما اقترضته الحكومات السابقة. وأكدت الفرق ذاتها أن الاستدانة المفرطة ستترتب عنها حتما مخاطر عديدة، بينها مخاطر التضخم وآثاره الانكماشية على الاقتصاد الوطني، ومخاطر فقدان الخزينة لسيولتها ومقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، ومخاطر تعذر إعادة تمويل الدين العمومي نظرا لتقلص مدة القروض إلى 5 سنوات في المعدل، إضافة إلى المخاطر المحدقة بسيادة القرار المالي الوطني وبالأجيال القادمة. وأمام هذا الانفجار المخيف للمديونية، طالب برلمانيون بلجم الحكومة من خلال سن تشريعات لتسقيف حجم الدين بهدف تجنب التجاوزات المالية الصادرة عن حكومات لا تعير اهتماما بالغا للتوازنات ولا تتقيد بمبادئ الحكامة المالية الجيدة. ولذلك بادرت فرق المعارضة البرلمانية إلى اقتراح تعديلات على مشروع قانون المالية تهدف من جهة إلى تسقيف مديونية الخزينة وحجم الدين العمومي المرخص به، وإلى التنصيص على ضرورة طلب الإذن من البرلمان كلما استدعت الضرورة تجاوز السقف المرخص به، تفعيلا لروح ومضامين الفصل77 من الدستور، الذي ينص على المسؤولية المشتركة للحكومة والبرلمان في الحفاظ على توازن مالية الدولة، إلا أن هذه التعديلات المقترحة قوبلت برفض الحكومة.

وفي رده على تخوفات النواب البرلمانيين من ارتفاع حجم المديونية، أوضح محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، أن مؤشر الدين الإجمالي للخزينة عرف خلال العشرية الأولى من سنوات 2000 تراجعا ملموسا، حيث انتقل من نسبة 68,1 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2000 إلى 46,1 في المائة سنة 2009، إلا أنه نظرا للظرفية الاقتصادية الصعبة المرتبطة بتأثيرات الأزمة العالمية، عرف هذا المؤشر ارتفاعا ابتداء من سنة 2010 ليصل الى حدود 58,2 في المائة متم سنة 2012 ثم 63,3 في المائة نهاية 2014 و65,1 في المائة نهاية سنة 2017 و65,3 في المائة سنة 2018. وبفضل الإصلاحات المعتمدة والتحكم في عجز الميزانية، قال الوزير إن الحكومة نجحت في تقليص وتيرة تطور مؤشر معدل المديونية نسبة إلى الناتج الداخلي الخام، حيث تراجعت من 3,9+ نقطة من الناتج الداخلي الخام كمتوسط سنوي بين 2009 و2013، إلى حوالي 1+ نقطة كمتوسط سنوي بين 2014 و2017، ثم إلى 0,3+ سنة 2018، وذلك بالرغم من التراجع النسبي لمعدل النمو الاقتصادي الذي عرفته هذه الحقبة.

وأضاف الوزير أنه، وبالرغم من أن نسبة المديونية قد تبدو مرتفعة، إلا أن الأهم يبقى هو مدى استدامة هذا الدين، إذ إن المستوى الحالي للمديونية يعد بعيدا عن الخط الأحمر الذي حدده صندوق النقد الدولي بالنسبة للدول الصاعدة في نسبة 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام، والحال أن مديونية الخزينة بقيت في حدود 65,3 في المائة نهاية سنة 2018، وأثبت اختبار القدرة على تحمل الصدمات المنجز من طرف صندوق النقد الدولي، على مستوى الدين الحالي، أن دين الخزينة يبقى مستداما.

وبخصوص دين القطاع العمومي، أوضح الوزير بعض المفاهيم، حيث تبقى الإحصائيات المقدَّمة من طرف بعض الفاعلين بخصوص حجم الدين العمومي، محدودة من حيث المعنى المتعارف عليه دوليا، لأنها تعتمد على مفاهيم مختلفة ولا تتوافق بالضرورة مع المعايير التي تجب مراعاتها في هذا المجال. وأشار بنشعبون إلى أنه، بناء على طلب نواب عن حزب الأصالة والمعاصرة، وضع رهن إشارة لجنة المالية مذكرة توضح المفاهيم المستخدمة لإعداد ونشر بيانات الدين الموحد، وبالتالي، فوفقا للمعايير الدولية الجاري بها العمل في هذا المجال، يبلغ حجم دين الخزينة ما يقارب 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في حين يمثل حجم الدين الموحد للإدارات العمومية ما قدره 55 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

وأشار بنشعبون، في هذا الصدد، إلى أن الرقم المتداول لحجم الدين العمومي بالنسبة للناتج الداخلي الخام، المتمثل في 91 في المائة، والذي تم قياسه على أساس مجمَّع للدين العمومي دون اللجوء إلى مبدأ توحيد البيانات، لا يتوافق بتاتا مع المعايير الدولية، بما في ذلك تلك المعتمدة من طرف صندوق النقد الدولي، ولا يمكن أن يقبل كأساس للمقارنة بين الدول أو كمؤشر لتحليل استمرارية القدرة على تحمل الدين، مؤكدا أن اللجوء إلى الاستدانة يخضع للترخيص من قبل البرلمان، باعتبار أن مستوى المداخيل والنفقات وحاجيات التمويل السنوية يتم الترخيص لها في إطار قانون المالية السنوي، والذي يحدد سقفا لمستوى التمويلات الخارجية لا يمكن بأي حال تجاوزه، وتتم تغطية الفارق المتبقي من احتياجات التمويل بالموارد الداخلية.

وأوضح بنشعبون أنه، في إطار اللجوء إلى الاقتراض، تعمل الحكومة على احترام عدة مبادئ، أهمها توجيه الموارد المتأتية من القروض أساسا إلى المشاريع الاستثمارية، إضافة إلى إعادة تمويل استهلاك الدين، ومن أجل ذلك، تم تضمين القانون التنظيمي لقانون المالية قاعدة ذهبية تلزم الحكومة بتخصيص المديونية الإضافية للخزينة كليا للاستثمار (المادة 20 من القانون التنظيمي لقانون المالية)، والتحكيم بين مصادر التمويل الداخلية والخارجية من أجل الحصول على شروط مواتية تضمن أقل كلفة ممكنة، مع التقليل من مخاطر تقلبات أسعار الفائدة والصرف. وعلى أساس هذه القاعدة، فإن توقعات المشروع في هذا الباب منسجمة تمام الانسجام مع مقتضيات القانون التنظيمي للمالية، حيث إن المبلغ الصافي للاقتراض (أي 97.2 مليار درهم – 67.5 مليار درهم= 29.7 مليار درهم)، يبقى دون نفقات الاستثمار المتوقعة (78 مليار درهم).

جطو يوجه اتهامات خطيرة للحكومة بالتلاعب بالأرقام

دق إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، ناقوس الخطر بخصوص الصعوبات التي تواجه المالية العمومية في ظل تنامي عجز الميزانية وارتفاع المديونية الخارجية التي وصلت إلى مستويات قياسية. وأوضح التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، أن تنفيذ قانون المالية لسنة 2018 عرف تسجيل عجز في الميزانية بلغ 41.353 مليون درهم، مقابل تقديرات أولية في حدود 33.274 مليون درهم، أي بفارق بلغ 8.079 ملايين درهم،  ويعزى ذلك أساسا، حسب التقرير، إلى ارتفاع في النفقات الإجمالية (زائد 2.777 مليون درهم) وانخفاض في منتوج المداخيل العادية (ناقص 2.891 مليون درهم)، وفي الحصيلة الصافية للحسابات الخصوصية للخزينة (ناقص 2.411 مليون درهم). وأشار التقرير إلى أنه، مقارنة بالناتج الداخلي الخام، فقد ناهز عجز الميزانية نسبة 3,7% مسجلا ارتفاعا بحوالي 0,2 نقطة مئوية مقارنة مع سنة 2017، وتغييرا لمنحاه التنازلي الذي شهده خلال السنوات الفارطة، والتي عرف خلالها انخفاضا من مستوى 6,8 % من الناتج الداخلي الخام سنة 2012 إلى نسبة 3,5 % سنة 2017.

وأكد التقرير أن مالية الدولة تواجه صعوبات أخرى، تتجلى أساسا في عدم التحكم في ارتفاع ديون الخزينة، والتي بلغت عند متم 2018 ما قدره 722,6 مليار درهم، بنسبة ارتفاع تناهز 4,4 % مقارنة مع سنة 2017، كما تضاعف جاري دين الخزينة أكثر من مرتين ما بين سنتي 2009 و2018 بمعدل ارتفاع سنوي نسبته % 8,6. ولمواجهة هذه الصعوبات، يؤكد التقرير، يتوجب إرساء حكامة جيدة على مستوى كل وظائف الدولة، من تخطيط وبرمجة وتنفيذ ومراقبة، وتقييم للبرامج والعمليات التي تنجزها الأجهزة العمومية.

هذا وفضح التقرير تلاعب الحكومة بالأرقام والمعطيات، وأشار إلى أنه يتم إعداد التقارير حول تنفيذ ميزانية الدولة بناء على وضعية تكاليف وموارد الخزينة التي تنشرها مديرية الخزينة والمالية الخارجية، وكذا النشرة الشهرية لإحصائيات المالية العمومية التي تصدرها الخزينة العامة للمملكة. وسجل المجلس غياب الانسجام على مستوى بعض المعطيات المتعلقة بالتوقعات والإنجازات الواردة في كلا البيانين، ويؤدي غياب هذا الانسجام إلى ضعف مقروئية وصعوبة استغلال المعطيات المتعلقة بميزانية الدولة، خصوصا وأن الفروق المسجلة، والتي تكون في الغالب غير مفسرة، تهم عدة مؤشرات، منها ما هو أساسي للقيام بتحليل سليم لنتائج تنفيذ الميزانية. وعلى سبيل المثال، حدّدت وضعية تكاليف وموارد الخزينة مجموع المداخيل العادية المنجزة خلال سنة 2017 في مبلغ 229.886 مليون درهم مقابل 222.724 مليون درهم تم تسجيلها في التقارير الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة، أي بفارق بلغ 7.162 ملايين درهم. كما تم تسجيل الحالة نفسها بالنسبة للرصيد العادي الذي حدد في مبلغ 24.125 مليون درهم على مستوى وضعية تكاليف وموارد الخزينة، مقابل مبلغ 15.826 مليون درهم الوارد في النشرة الشهرية لإحصائيات المالية العمومية، أي بفارق 8.299 ملايين درهم.

وخلص التقرير إلى أن مسعى خفض نسبة دين الخزينة على الناتج الداخلي الخام إلى 60 في المائة في أفق سنة 2021، والمحدد ضمن برنامج الحكومة للفترة 2017-2021، يبقى صعب المنال في حالة تفاقم العجز واستمرار النهج التصاعدي للمديونية، بالمقابل استمرت تكلفة الدين التي بلغت ذروتها سنة 2013، في التراجع مسجلة، سنة 2017، ما مجموعه 127.871 مليون درهم، أي بانخفاض قدره 1.105 مليون درهم مقارنة مع سنة 2016 التي سجلت 128.976 مليون درهم. ويعزى هذا الانخفاض أساسا إلى تراجع تكاليف استهلاك أصل الدين التي انخفضت بمبلغ 1.247 مليون درهم مقارنة مع سنة 2016، في حين لم تسجل تكاليف الفوائد تغييرا ملحوظاً، إذ ارتفعت بـمبلغ 142 مليون درهم، أي بنسبة 0,5 في المائة مقارنة مع سنة 2016.

البنك الدولي يحذر ويهدد

أصدر البنك الدولي، أخيرا، تقريرا حول الآفاق الاقتصادية العالمية، سجل من خلاله أن إحدى الخصائص التي تشوب الآفاق الاقتصادية العالمية، تتمثل في أكبر موجة لتراكم الديون وأسرعها وأوسعها نطاقا في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية في الخمسين عاما الماضية. فقد قفز مجموع ديون هذه الاقتصادات إلى نحو 170% من إجمالي الناتج المحلي في 2018 من 115% من هذا الإجمالي في 2010،  وارتفعت الديون أيضا في البلدان منخفضة الدخل بعد هبوطها الحاد في فترة الأعوام 2000-2010.

ويشير التقرير إلى أن موجة الديون الحالية تختلف عن الموجات السابقة في أنه حدثت زيادة في نسبة حيازات غير المقيمين من الديون الحكومية لاقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، وفي ديون القطاع الخاص المقومة بعملات أجنبية في هذه الاقتصادات، وبالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، في الاقتراض من الأسواق المالية والجهات الدائنة الثنائية من غير أعضاء نادي باريس، وهو ما أثار المخاوف بشأن شفافية الديون وضمانات الديون. وحسب التقرير، يمكن أن يكون الاقتراض الحكومي مفيدا ويحفز التنمية الاقتصادية إذا استخدم في تمويل استثمارات في مشروعات تؤدي إلى تعزيز النمو، مثل مرافق البنية التحتية، والرعاية الصحية والتعليم. وقد يكون تراكم الديون أيضا مناسبا في أوضاع الركود الاقتصادي كوسيلة لتحقيق استقرار النشاط الاقتصادي.

وأكد التقرير أن موجات تراكم الديون الثلاث السابقة انتهت نهاية سيئة، بعد تخلف جهات سيادية عن السداد في أوائل الثمانينيات، وأزمات مالية في أواخر التسعينيات، والحاجة إلى إعفاء كبير من الديون في العقد الأول من القرن الحالي، والأزمة المالية العالمية في 2008-2009. ومع أن أسعار الفائدة المنخفضة حاليا تساعد على تخفيف بعض المخاطر، فإن ارتفاع مستويات المديونية ينطوي على مخاطر كبيرة، فقد يجعل البلدان عرضة لصدمات خارجية، وقد يحد من قدرة الحكومات على مواجهة موجات الركود باستخدام تدابير التحفيز المالي، وقد يضعف النمو على الأمد الطويل بمزاحمة الاستثمارات الخاصة التي تعزز معدلات الإنتاجية.

وأوصى البنك الدولي، من خلال التقرير، الحكومات بضرورة اتخاذ خطوات لتقليص المخاطر المرتبطة بتراكم الديون، وقد تساعد الإدارة السليمة للديون، وشفافية الديون على الحد من تكاليف الاقتراض، وتعزيز القدرة على تحمل أعباء الديون، وتخفيف المخاطر المتصلة بالمالية العامة. وقد يساعد وجود أطر تنظيمية ورقابية قوية، وقواعد جيدة لحوكمة الشركات، ومعايير دولية مشتركة، على احتواء المخاطر، وضمان استخدام الديون استخداما مثمرا، وتحديد مواطن الضعف والقصور في مرحلة مبكرة.

العثماني: العام زين

رغم التحذيرات التي أطلقتها مؤسسات دستورية وطنية، ورغم التخوفات التي عبرت عنها مختلف الفرق البرلمانية، نفى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أثناء تقديم الحصيلة المرحلية لحكومته، ارتفاع نسبة المديونية، ورفض تحميل الحكومة هذه الوضعية، مشيرا إلى أن المؤشرات المسجلة تؤكد عكس ذلك تماما، ذلك أن نسبة مديونية الخزينة انخفضت من 65.1% سنة 2017 إلى 64.7% سنة 2018. ولقد سمح هذا التطور الإيجابي بوضع حد للمنحى التصاعدي الذي تعرفه بلادنا منذ 2009 لهذه المديونية نسبة إلى الناتج الداخلي الخام، وأكد على أن سبب مستوى المديونية الحالي لا يرجع إلى عجز السنتين أو السنوات الثلاث الأخيرة، وإنما إلى تراكم نسب العجز المرتفعة المسجلة خلال سنوات خلت. ولقد تم تحقيق هذه النتائج الهامة بفضل الإصلاحات والتدابير والإجراءات المتخذة، علما أن التحكم في المديونية من الأهداف الأساسية في البرنامج الحكومي.

وأوضح العثماني أنه بين عامي 2009 و2012، زادت المديونية بأكثر من 12 نقطة مئوية من الناتج الداخلي الخام، بينما انخفضت، ولأول مرة، بنسبة 0.4 نقطة سنة 2018. أما الباقي، فمجرد تأويلات ولي لعنق الأرقام والمعطيات. وأضاف «لقد اكتفينا في هذا المقام بذكر مديونية الخزينة، لأنها هي التي تدخل مباشرة تحت مسؤولية الحكومة، إذ التزمت في برنامجها الحكومي بخفضها إلى 60%، كما أن هذا المؤشر هو الذي يمكن من إجراء المقارنة وتتبع تطوره على مدى عشر سنوات»، ونبه العثماني إلى ثلاث ملاحظات إضافية، الأولى تتعلق بكون القانون التنظيمي للمالية يمنع توجيه الاقتراض إلى التسيير، وثانيا أن هذه التمويلات يتم توجيهها أساسا للاستثمار في مجالات استراتيجية، خاصة منها الطاقة الشمسية، والسكك الحديدية، والموانئ والمطارات والطرق السيارة وغيرها، وثالثا أن الولوج إلى الاستدانة يعكس الثقة في بلادنا وقدرة المالية العمومية على تسديد هاته الديون.

ارتفاع المديونية.. أجراس الخطر تدق حول الحكومة

واصلت المديونية الداخلية للمغرب ارتفاعها خلال السنوات الأخيرة، في وقت ينتظر أن تعود الحكومة للاقتراض من السوق الخارجية لمواجهة عجز الموازنة، بهدف التخفيف من اللجوء إلى السوق المحلية وفسح المجال أمام المستثمرين من أجل الاستفادة من التمويل المصرفي، حيث تشير الخزينة العامة للمملكة إلى أن المديونية الداخلية وصلت إلى حوالي 57 مليار دولار في الثمانية أشهر الأولى من العام الماضي، مرتفعة بحوالي 300 مليون دولار، مقارنة بالمستوى الذي بلغته في الفترة نفسها من سنة 2018، حسب الأرقام الرسمية، التي أشارت إلى أن الخزينة العامة للمملكة سددت رسم فوائد على الدين الداخلي بحوالي 2.2 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2019، مقابل 1.9 مليار دولار عام 2018، بينما لم تتجاوز تحملات فوائد الدين الخارجي حوالي 230 مليون دولار، حسب تقارير رسمية.

أرقام ارتفاع  المديونية، دفعت بعبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، إلى دق ناقوس  الخطر في عدد من المناسبات، كان آخرها لما حذر من هذه الأرقام، مؤكدا خلال الاجتماع الدوري للبنك على أنه يتعين «توخي الحذر واليقظة»، إزاء مستوى الدين العمومي، وتجنيب الأجيال المقبلة مديونية «لا تحتمل»، معتبرا أنه عندما تسقط في برنامج التقويم الهيكلي يفرض عليك البنك الدولي «شروط الخزيرات»، في إشارة إلى الشروط التعجيزية التي تضعها المؤسسة المالية من أجل المواكبة المالية للبلدان التي تعاني من صعوبات جراء اختلالات توازناتها المالية.

وعلى الرغم من أن الجواهري يبدى اطمئنانا للأهداف المتمثلة في حصر عجز الميزانية في حدود 3 في المائة، والتضخم في حدود 2 في المائة، والمديونية في حدود 60 في المائة، ذلك هدف يتطلع إليه رغم الصعوبات التي يجدها من أجل بلوغه، معبرا وهو الذي كان وزيرا للمالية في فترة التقويم الهيكلي بين 1981 و1986، عن  قلقه من ارتفاع المديونية، في التقرير السنوي الذي رفعه إلى الملك، اعتبر أن البعض يدعو إلى سياسات نقدية وموازنة أكثر مرونة، مشيرا إلى أنه نبه إلى أنه يجب الحذر في ما يتصل بالدين العمومي، الذي يتجاوز 80 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

وشدد الجواهري على أنه لا يجب رهن مستقبل الأجيال القادمة عبر الإمعان في الاستدانة، قبل أن يضيف «لقد عشت برنامج التقويم الهيكلي، وأتمنى ألا يعود  المغرب مرة أخرى إلى التقويم»، معتبرا في الوقت نفسه أنه إذا تم السماح بارتفاع معدل التضخم، فإن ذلك سيضر بالقدرة الشرائية للمواطن، مضيفا أنه لا يوجد تضخم «جيد» بالنسبة لمن يبذل المال من جيبه، مبينا أنه يمكن بلوغ عجز موازني في 3,7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو عجز ينتظر أن يصل إلى 3,5 في المائة، مشددا على أن وزارة الاقتصاد والمالية ملتزمة باحترام مقتضيات خط الوقاية والسيولة، الذي أبرمه المغرب مع صندوق النقد الدولي.

من جانبها، دقت المندوبية السامية للتخطيط من جديد ناقوس الخطر بسبب ارتفاع الدين  الخارجي، محذرة في تقرير للتوقعات المستقبلية حول الميزانية المتوقعة لسنة 2020 من ارتفاع الدين  الخارجي، بسبب رفع حكومة سعد الدين العثماني من وتيرة الاقتراض الخارجي، حيث كان القانون المالي لسنة 2019 حدد مبلغ  27 مليار درهم، وجرى رفع الرقم خلال القانون المالي للسنة الجارية إلى 31 مليار درهم، وأشارت المندوبية إلى أن هذا  الارتفاع سيكون له تأثير ملحوظ على  الاقتصاد  الوطني، حيث ينتظر أن يرتفع معدل التضخم من 0.8 في المائة المسجل سنة 2019 إلى 1.1 في المائة في سنة 2020، كما ينتظر أن يرتفع  العجز التجاري على هذا الأساس إلى 18.6 في  المائة.

وأشارت توقعات المندوبية السامية للتخطيط إلى أن النمو الاقتصادي خلال السنة الجديدة سيتراجع ليبلغ عتبة 3 في المائة، مؤكدة أن المالية العمومية تميزت خلال السنة الماضية بصعوبة تقليص حاجيات الميزانية، بسبب توسع النفقات الجارية مقابل تحسن طفيف للمداخيل الجارية، مبينة على أن الميزان التجاري وإن كان قد استفاد من مداخيل  الخوصصة بما يزيد عن 4 ملايير درهم، غير أن النمو الاقتصادي ما زال، حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط، سيتأثر سلبا بعراقيل عديدة تعيق مساهمته في التشغيل، وإعادة توزيع الدخل اجتماعيا وترابيا، وتحسن مستويات المعيشة للسكان.

وفي السياق ذاته، أشارت توقعات مندوبية التخطيط إلى أن النفقات الجارية ستعرف زيادة مهمة، لتبلغ حصتها 19,6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 19,3 في المائة، كما ستتفاقم نفقات التسيير نتيجة الارتفاع الذي ستعرفه نفقات الأجور في إطار الحوار الاجتماعي، حيث ستصل حصتها إلى9,7  في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي،  في  الوقت  الذي تتراجع نفقات الاستثمار التي ستصل إلى 6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، منبهة إلى أنه ستتم تغطية هذه الحاجيات عبر اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، حيث ينتظر أن تبلغ حصة الدين الخارجي للخزينة في الدين الإجمالي للخزينة وفي الناتج الداخلي الإجمالي على التوالي   21,4 في المائة و 14.2 في المائة، عوض  20,5 في  المائة و13,4 في  المائة.

وسجلت  المندوبية أنه بالموازاة مع ذلك، سيرتفع حجم الاقتراض الخارجي للمؤسسات والمقاولات العمومية، نتيجة الحاجيات المتزايدة الضرورية لتمويل استثماراتها، وفي هذا الإطار سيتجاوز حجم الدين الخارجي المضمون بأربعة أضعاف مستواه المسجل سنة 2005، وهكذا، سيستأنف الدين الخارجي العمومي منحاه التصاعدي، بعد أن انخفض خلال  2018 بـ6,1 ملايير درهم، لتنتقل حصته في الناتج الداخلي الإجمالي من 29,5 في المائة سنة 2018 إلى 30,3 في  المائة سنة 2019، وبالتالي وفي ظل هذه الظروف، سيصل الدين العمومي الإجمالي إلى حوالي  82,3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، عوض  81,4 في المائة سنة 2018.


إقرأ أيضا