مواجهة تشق الأغلبية الحكومية قبل انتخابات 2021 - تيلي ماروك

مواجهة - الأغلبية الحكومية - انتخابات 2021 مواجهة تشق الأغلبية الحكومية قبل انتخابات 2021

مواجهة تشق الأغلبية الحكومية قبل انتخابات 2021
  • 64x64
    الأخبار
    نشرت في : 03/12/2019

كلما اقتراب موعد الاستحقاقات التشريعية المزمع إجراؤها سنة 2021، كلما تزداد حدة التسخينات الانتخابية بين الأحزاب المتنافسة، وخاصة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، الحليفين داخل الحكومة الحالية. وتعمقت الخلافات خلال الأسابيع الأخيرة حول بعض القوانين المعروضة للمناقشة على أنظار البرلمان، بعد عودة التراشق الكلامي بين مكونات الأغلبية الحكومية، حيث بدأت معالم أزمة جديدة تلوح في الأفق، وفي هذا الملف نستعرض أهم القوانين المثيرة للجدل التي أشعلت المواجهة داخل الحكومة.

بعد إجراء التعديل الحكومي، عاد التراشق الكلامي بين مكونات الأغلبية الحكومية، وكأن الانتخابات على الأبواب، وبدأ التنافس، خاصة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، حول الاستغلال الانتخابي والسياسي لبعض الملفات، كان أبرزها خلال الأسابيع الأخيرة قوانين تمليك الأراضي السلالية، حيث رد عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، بقوة على تصريحات سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي نسب لحزبه هذه القوانين، وكذلك على مستوى البرلمان، اندلعت أزمة أخرى بين مكونات الأغلبية بخصوص المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020، التي تمنع الحجز على ممتلكات وأموال الدولة والجماعات الترابية لتنفيذ الأحكام القضائية النهائية، بالإضافة إلى ظهور معالم «البلوكاج» داخل لجنة العدل والتشريع التي تناقش مشروع القانون الجنائي، بسبب خلافات حول الحريات الفردية.

مواجهة بين العثماني وأخنوش

في لقاء حزبي جماهيري عقده بجماعة «السويهلة» بنواحي مراكش، قال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن قوانين تمليك الأراضي السلالية جاءت بها حكومته، وإن تعديل القانون كان بمبادرة من الحكومة بعد قرن من الزمن، لكن في الحقيقة، فإن تعديل قوانين الأراضي السلالية وقرار تمليكها لذوي الحقوق غير متضمنين في البرنامج الحكومي وفي البرنامج الانتخابي للحزب الذي يقوده العثماني، وجاء قرار تمليك الأراضي السلالية لفائدة 10 ملايين مغربي من ذوي الحقوق، بمبادرة من الملك محمد السادس، ووزارة الداخلية أعدت ثلاثة قوانين تتعلق بالأراضي السلالية، ويتعلق المشروع الأول منها بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، والثاني بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، فيما يتعلق مشروع القانون الثالث بتتميم وتغيير الظهير الشريف المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري. ويأتي وضع هذه الترسانة القانونية، تفعيلا لمضامين الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية السابقة، الذي دعا من خلاله الملك محمد السادس، إلى تمليك الأراضي الجماعية البورية لفائدة ذوي الحقوق على غرار تمليك الأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري.

تصريحات العثماني دفعت أخنوش إلى الرد عليه، حيث قال في كلمة ألقاها أمام 8000 عضو منتمين لحزبه، خلال لقاء انعقد بمدينة سيدي إفني، منتقدا تفاخر العثماني ببعض الإنجازات في مجال العقار، خصوصا تلك المتعلقة بالأراضي السلالية، إن «محمد أوجار حينما كان وزيرا للعدل، اشتغل بجدية على ملف الاستيلاء على عقارات الغير، سيما بمدينة الدار البيضاء»، مضيفا «حبذا لو أضاف إليها الاستيلاء على إنجازات الغير». واعتبر أخنوش أن التصريحات التي تصدر عن بعض القادة السياسيين والتي تهاجم حزبه، «لن تؤثر علينا، نحن واقفون، وسنبقى كذلك، والمعارك الجانبية و«الملاغة» لا تهمنا، لأن التنافس السياسي يكون بالأفعال والنتائج، ولا يكون بقذف الأشخاص، وبتصريف الأزمات الحقيقية بافتعال الصراعات الداخلية»، حسب أخنوش، مضيفا: «وزراؤنا يشتغلون لخلق فرص الشغل، إذ في أفق سنة 2020 سيتم وضع أكثر من 400 ألف منصب شغل في صناعات متعددة في ظرف خمس سنوات؛ كما أن وزير المالية قدم مشروع المالية بإمكانيات مهمة لدعم المقاولات المتوسطة والشباب ولفائدة القطاعات الاجتماعية. وإجمالا وزراء حزبنا قدموا الكثير وما زال الخير في المستقبل، لأنهم وراء صاحب الجلالة، ويشتغلون من أجل المواطنين».

وأكد أخنوش أن من حل ملف الأراضي الفلاحية الجماعية «ليس أي جهة حزبية بين عشية وضحاها، بل وزارة الداخلية ووزارة الفلاحة، اللتين أخرجتا إلى حيز الوجود كل القوانين الخاصة بأراضي الجموع بتوجيه من الملك محمد السادس، كما جاء في خطابه إلى المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة سنة 2015»، مضيفا أنه «وقبل أن تخرج هذه القوانين، وزارة الداخلية اشتغلت مع وزارة الفلاحة وأعطت حق التمليك لـ44 ألف هكتار من أراضي الجموع وتمت تجزئة 120 ألف هكتار في دوائر الري لمدة 6 سنوات، بناء على ظهير 1969 ونتيجة اشتغال حكومات متعاقبة». وأبرز أخنوش أن وزارة الفلاحة ستواصل الاشتغال مع وزارة الداخلية، لكي تملك أكثر من مليون هكتار من الأراضي الفلاحية المستغلة مباشرة من طرف ذوي الحقوق، كما جاء في التوجيهات الملكية لخلق طبقة وسطى فلاحية في العالم القروي.

«بلوكاج» داخل لجنة العدل والتشريع

بدأت تظهر معالم «بلوكاج» داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، بسبب وجود خلافات بين مكونات الأغلبية الحكومية حول تقديم تعديلات مشتركة على مشروع القانون الجنائي المعروض على اللجنة منذ ثلاث سنوات، وأفادت مصادر برلمانية بأن فرق الأغلبية عقدت اجتماعا للتوافق حول تعديلات مشتركة، لكن وقعت خلافات حول إدراج مقترحات تتعلق بالحريات الفردية والإجهاض، ومن المنتظر أن يقدم كل فريق تعديلاته بشكل منفرد، ولذلك وجه الفريق الحركي رسالة إلى رئيس اللجنة، يطالبه من خلالها بتمديد آجال وضع التعديلات إلى حين تنظيم الجامعة الشعبية للحزب حول الحريات الفردية، لإدراج توصياتها ضمن التعديلات المقترحة، وهو ما استجابت إليه اللجنة، حيث حددت يوم 13 دجنبر الجاري كآخر أجل لتقديم التعديلات.

وقال محمد بنعبد القادر، وزير العدل، في تصريح لـ«الأخبار»، إنه سيقبل كل التعديلات التي ستتقدم بها فرق الأغلبية والمعارضة، التي تهدف إلى تعزيز الحقوق والحريات، مع مراعاة ضوابط ومرجعيات الدولة وتوجهاتها العامة، وأضاف: «سأكون حريصا كل الحرص على التفاعل الإيجابي مع كل الاقتراحات التي تهدف إلى تجويد النص»، مؤكدا أنه سيتفاعل كذلك مع التوصيات والمقترحات الواردة في مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتباره مؤسسة دستورية وطنية. ونفى الوزير وجود أي أزمة داخل الحكومة حول القانون الجنائي، مؤكدا أن «رئيس الحكومة لم يمارس أي تكبيل أو ضغط بخصوص التعامل مع مقترحات تعديل القانون، لأن الموضوع لم يسبق إثارته لا سواء داخل المجلس الحكومي، ولا بين الوزير ورئيس الحكومة، ولم نتدارس سقف التعديلات، ولم أقترح إضافة تعديلات أخرى، لأن المشروع صادق عليه المجلس الحكومي وأحيل على البرلمان قبل أربع سنوات». وأوضح محمد بنعبد القادر «الحكومة هي ائتلاف لا يشتغل بالضغط ولا بالتكبيل، يشتغل بالحوار، والنقاش حول الموضوع مفتوح داخل المجتمع، وسيبقى مفتوحا».

ويتضمن مشروع القانون مجموعة من المستجدات التي تنص على تقنين الإجهاض، حيث لا يعاقب على الإجهاض، إذا كان الحمل ناتجا عن اغتصاب أو زنا المحارم، شريطة أن يقوم به طبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك، وأن يتم قبل اليوم التسعين من الحمل، وأن يتم الإدلاء بشهادة رسمية تفيد فتح مسطرة قضائية يسلمها الوكيل العام للملك المختص بعد تأكده من جدية الشكاية، وأن يشعر الطبيب مندوب وزارة الصحة بالإقليم أو العمالة قبل إجراء عملية الإجهاض، وأن يتم إرشاد الحامل من قبل الطبيب شخصيا أو بواسطة مساعدة اجتماعية إلى الإمكانيات القانونية المتاحة لها بخصوص كفالة الطفل وإلى الأخطار الصحية، التي يمكن أن تتعرض لها جراء الإجهاض.

ولا يعاقب القانون الجديد على الإجهاض إذا كانت الحامل مختلة عقليا، شريطة أن يقوم به طبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك، وأن يتم قبل اليوم التسعين من الحمل، وأن يتم بموافقة الزوج أو أحد الأبوين إذا لم تكن متزوجة أو النائب الشرعي إذا كانت قاصرا أو الشخص أو المؤسسة المعهود لها برعايتها، وأن يتم الإدلاء بما يفيد إصابة الحامل بالخلل العقلي. كما ينص القانون على عدم المعاقبة على الإجهاض، إذا قام به طبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك، في حالة ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة للعلاج وقت التشخيص، بواسطة شهادة تسلمها لجنة طبية يعينها وزير الصحة بكل جهة من الجهات، على أن يتم الإجهاض قبل مرور 120 يوما من الحمل، ويلزم القانون كل مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لإجراء الإجهاض أو يحتمل أن تجرى بها عمليات الإجهاض، أن تمسك سجلا خاصا يحدد نموذجه بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالصحة ويتم توقيعه وترقيم أوراقه قبل البدء في استعماله من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية، التي يقع بدائرة نفوذها مقر المستشفى أو المصحة.

انقلاب على المادة 9

خلافا لمجلس النواب الذي صادق بإجماع كافة الفرق البرلمانية على المادة التاسعة من قانون المالية المثيرة للجدل، التي تمنع تنفيذ الأحكام القضائية ضد الدولة والجماعات الترابية، انقلب فريق العدالة والتنمية على هذا الإجماع، معلنا رفضه لهذه المادة، وكشفت جلسة المناقشة التفصيلية لمشروع قانون المالية بمجلس المستشارين، عن تباين في مواقف الفرق البرلمانية بين مؤيد ومعارض. وخرج فريق «البيجيدي» الذي يقود الحكومة ليهاجم مشروع القانون المالي، واعتبر نبيل الشيخي، رئيس الفريق، أن المادة 9 من مشروع قانون المالية «غير دستورية»، مهاجما وزير الاقتصاد والمالية، وبدأت تظهر الخلافات داخل الأغلبية الحكومية، وذلك بعد خروج برلمانيين ووزراء من حزب العدالة والتنمية يتبرؤون من المادة التاسعة، وإلقاء المسؤولية على وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، المحسوب على حزب التجمع الوطني للأحرار. وأوضح مصدر حكومي، أن مشروع قانون المالية صادق عليه مجلس الحكومة، ولم يعلن خلاله أي وزير عن موقفه الرافض لهذه المادة، بمن فيهم مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، الذي يترأس لجنة لتعديل قانون المسطرة المدنية، ما اعتبره المصدر محاولة من البعض للتملص من المسؤولية والركوب على موجة الرفض لمقتضيات المادة، مع العلم أن فريق حزب العدالة والتنمية تقدم بمقترح تعديل يتضمن نفس المقتضيات قبل سنتين على مشروع قانون المالية لسنة 2017، وتمت المصادقة عليها بمجلس النواب، لكن تم التصويت ضدها وإسقاطها بإجماع جميع الفرق البرلمانية بمجلس المستشارين.

وتزامنا مع الجدل الذي تثيره المادة التاسعة من مشروع قانون المالية، المعروض حاليا على أنظار مجلس المستشارين، تشتغل وزارة العدل، التي يوجد على رأسها الوزير الاتحادي، محمد بنعبد القادر، على مقاربة أخرى ذات صبغة تشريعية بخصوص تنفيذ الأحكام القضائية، وأفادت المصادر بأن الوزارة أعدت مشروع قانون لتعديل المسطرة المدنية، ستتم إحالته قريبا على مسطرة المصادقة بالمجلس الحكومي ثم البرلمان، يتضمن جملة من المستجدات تهم موضوع تنفيذ الأحكام القضائية، منها الحكم بالغرامة التهديدية على مؤسسات الدولة والجماعات المهنية بتنفيذ الأحكام، وتخويل طالب التنفيذ إمكانية الحجز التنفيذي على الأموال الخاصة بأشخاص القانون العام في الحدود التي لا تنتج عنها عرقلة السير العادي للمرفق العمومي، وإقرار المسؤولية الشخصية للموظف العمومي عند الامتناع عن التنفيذ، وتحديد مسؤولية الآمر بالصرف بشكل واضح، مع إلزامه بأن يصدر أمرا بتنفيذ الحكم القضائي داخل أجل ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ التبليغ القضائي، التنصيص في حالة عدم توفر الاعتمادات اللازمة أو الكافية للتنفيذ برسم السنة الجارية، على اتخاذ التدابير لتوفير الاعتمادات داخل أجل ستة أشهر من تاريخ التأشير على ميزانية السنة الموالية.

ويقترح الاتحاد الاشتراكي إحداث هيئة «قضايا الدولة»، ستكون بديلا لمؤسسة «الوكيل القضائي للمملكة»، يناط بها ترسيخ الحكامة القانونية الجيدة داخل المرافق العمومية لوقايتها من المخاطر القانونية، وذلك عبر تقديم استشاراتها واقتراحاتها لهذه المرافق ومواكبة قراراتها الإدارية واتفاقياتها وعقودها، والدفاع عنها أمام المحاكم الوطنية والأجنبية وأمام هيئات التحكيم الوطني والدولي وفي جميع الدعاوى والمنازعات التي هي طرف فيها. وذكر الفريق أن أسباب تقديم المقترح تنبع من وعي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بخطورة الفساد السياسي والإداري والاقتصادي والمالي المرتبط بتدبير الشأن العام وممارسة المسؤولية العمومية. وتفجر جدل هو هذا القانون، خلال الولاية التشريعية السابقة، عندما اتهم إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحكومة بقرصنة هذا المقترح، وكشف أنها لا تتوفر على مشروع قانون ضمن المخطط التشريعي، ما اعتبره «تدليسا وتضليلا»، وأكد لشكر أنه خلال أشغال المؤتمر العاشر لهيئات قضايا الدولة الذي نظمه المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية التابع لمجلس وزراء العدل العرب، والمنعقد بالعاصمة اللبنانية بيروت، تبين أن ممثلي الحكومة المغربية صرحا وأعلنا بوجود مشروع قانون يتعلق بإحداث هيئة قضايا الدولة مستقلة عن السلطة القضائية، لكن في الواقع يوجد فقط مقترح قانون تقدم به الفريق الاشتراكي يتعلق بإحداث هيئة قضايا الدولة، منذ 18 شتنبر 2012، والذي ما زال يراوح مكانه منذ ذلك التاريخ، بحيث أحجمت الحكومة عن مناقشته رغم أن بنيانه قائم على المحاربة الفعالة للفساد والحكامة، باعتبارهما محوريين أساسيين في البرنامج الحكومي، الذي حازت بموجبه الحكومة على الثقة البرلمانية.

مواقف متضاربة بين فرق الأغلبية حول المادة 9 من قانون المالية

بخلاف مشاريع قوانين المالية للسنوات السابقة، حقق مشروع قانون مالية 2020 شبه إجماع على رفض أهم مستجد من مستجداته التشريعية، وهي المادة 9 التي حاولت الحكومة من خلاله تحصين ممتلكات الدولة من الحجز القضائي، حيث ألزمت المادة المذكورة الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح وزارة المالية، وكانت أولى ردود الفعل ضد المادة من طرف المحامين الذين وجهوا انتقادات شديدة للقانون المذكور، معتبرين أن هذه المادة منه تتعارض مع منطق الدستور وضمان حقوق المواطنين، ثم  دخل القضاة بدورهم على الخط، معتبرين أن استقلالية السلطة القضائية وتحصين دور القاضي في حماية حقوق وحريات المواطنين أفرادا أو جماعات، والأهمية الكبيرة لمؤسسة تنفيذ الأحكام والمقررات القضائية، ودورها المحوري في توطيد «الأمن القضائي» وترسيخ قيمتي العدل والإنصاف، تتطلب اتخاذ موقف واضح من المادة التاسعة من مشروع القانون المالي.

واعتبر القضاة في بيان لنادي قضاة المغرب، أن ما تضمنته مقتضيات المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020 من منع لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الدولة والجماعات الترابية عن طريق الحجز «يشكل مسا واضحا بمبدأ فصل السلط واستقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما هو منصوص عليه في الفصلين 1 و107 من الدستور»، مضيفين أن «مقتضيات المادة المذكورة آلية تشريعية ترمي إلى إفراغ الأحكام والمقررات القضائية الصادرة في مواجهة الدولة والجماعات الترابية من محتواها وإلزاميتها، وذلك خلافا للفقرة الأولى من الفصل 126 من الدستور، الذي ينص على: «أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع»، دون تمييز بين أطراف الدعاوى المتعلقة بها، أكانت من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص».

وبعد تمرير مجلس  النواب لمشروع القانون المالي بما تضمنه من جدل حول المادة 9 منه، انتقل الجدل إلى مجلس المستشارين، وكشفت جلسة المناقشة التفصيلية لمشروع قانون المالية بمجلس المستشارين عن تباين في مواقف الفرق البرلمانية بين مؤيد ومعارض، وخرج فريق حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة ليهاجم مشروع القانون المالي، واعتبر نبيل الشيخي، رئيس الفريق، أن المادة 9 من مشروع قانون المالية «غير دستورية»، مهاجما وزير الاقتصاد والمالية، في الوقت الذي أعلن حزب الاستقلال عن تصديه المباشر لمشروع القانون المالي من خلال اعتزام التصويت ضده في الجلسة العامة للتصويت، معتبرا بدوره أن المادة 9 من هذا  المشروع غير دستورية، حيث  قال عبد السلام اللبار، رئيس فريق حزب الاستقلال بمجلس المستشارين، إن «الفريق الاستقلالي سيصوت ضد مشروع قانون المالية برمته»، موضحا أن «القرار قرار الحزب وليس فقط فريقه البرلماني»، مشيرا إلى أنه «لا يمكن أن يصوت الفريق على قانون برى فيه الضرر للشعب وعامته، كما أنه لا يعارض من أجل المعارضة فقط»، حسب تعبير اللبار، الذي أضاف أنه «ما دمنا سنصوت على المشروع بالرفض فذلك تعبير على أنه غير دستوري، فلا يمكن لقانون أن يكون دستوريا ونرفضه إن كانت فيه مصلحة للبلاد».

وبدورهما عبر حزبا التجمع  الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري من خلال فريق التجمع الدستوري، عن رفض المادة 9 من مشروع القانون المالي، واعتبر فريق الحزبين المشاركين في الحكومة أنه «لا يقبل بتاتا المساس بالمبادئ والأحكام الدستورية الواردة في الفصل 126، الذي ينص على أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمه للجميع». وأكد الفريق ذاته على ضرورة استحضار مبدأ فصل السلط وتوازنها واستقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومبادئ دولة الحق والقانون واحترام وصيانة حقوق المواطنين المنصوص عليها في الدستور، وفي الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، مشددا على «عدم المساس أو تهديد الأمن القانوني والقضائي كضمانة لتوفير المناخ السليم لممارسة الأعمال والاستثمار، والطمأنينة القانونية والمؤسساتية».

من جانبه، أمسك حزب التقدم والاشتراكية، الملتحق حديثا بالمعارضة بالعصى من  الوسط في الجدل المثار حول المادة 9، ودعا المكتب السياسي للحزب إلى الاجتهاد الجماعي، من أجل إيجاد صيغة متزنة ومتوازنة، بخصوص المادة التاسعة من مشروع قانون المالية 2020. وسجل المكتب، في بلاغ صادر عقب آخر اجتماعاته الدورية، أن الاجتهاد الجماعي في إيجاد صيغة متوازنة ومتزنة بخصوص المادة التاسعة من مشروع قانون المالية 2020، المتعلقة بمنع إمكانية إخضاع أموال وممتلكات الدولة للحجز تنفيذا للأحكام القضائية، هو الحل للحفاظ على حقوق المواطنين، وصون استدامة خدمات المرفق العام، في الوقت ذاته.

زواج القاصرات تسبب في خلافات داخل الأغلبية

من بين القوانين التي تسببت في خلافات بين مكونات الأغلبية الحكومية، مقترح قانون يقضي بتعديل المادة 20 من مدونة الأسرة، المتعلقة بزواج القاصرات دون السن 18 سنة، وتم تأجيل الحسم فيه عدة مرات داخل لجنة العدل والتشريع منذ الولاية الحكومية السابقة، حيث تقدم فريق حزب التقدم والاشتراكية، بطلب فتوى حقوقية من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فيما طلب فريق العدالة والتنمية بطلب «مضاد» للحصول على «فتوى شرعية» من المجلس العلمي الأعلى حول «إجازة زواج القاصرات».

واندلعت معركة قوية داخل الأغلبية الحكومية في صيغتها السابقة، بخصوص منح تسهيلات وهوامش قانونية للقضاء لكي يمنح الإذن بزواج القاصرات بشرط أن لا يقل سنهن عن 16 سنة، في حين طالب البرلمانيون المنتمون إلى باقي الفرق النيابية إلى تقليص هذا الهامش ووضع شروط تروم تشديد الخناق على ذلك، وحجتهم في ذلك أن الأصل في القانون يحدد سن الزواج في 18 سنة، وأن الإذن بزواج الفتاة التي تبلغ هذا السن هو مجرد استثناء.

وينص مقترح التعديل الذي شمل المادة 20 من مدونة الأسرة، على أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى من الفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المدونة والمحدد في 18 سنة، على أن لا يقل سن المأذون عن 16 سنة، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي، وفي جميع الأحوال، يلزم هذا التعديل القانوني، القاضي بضرورة مراعاة تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج، كما نص على أن مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن.

وحذر أعضاء بلجنة العدل والتشريع، من مخاطر أن يتحول زواج الفتيات القاصرات إلى قاعدة والزواج في سن الأهلية إلى استثناء، وطرحوا مجموعة من المخاطر الناتجة عن تزويج الفتيات في سن مبكرة، بينها تزايد أعداد وفيات الزوجات القاصرات عند الولادة، وارتفاع نسبة المطلقات منهن والمشردات والمهملات واللواتي أصبحن عالة على المجتمع، وتزايد أعداد الأمهات الطفلات غير المؤهلات لتربية الأطفال، وتزايد نسبة القاصرات المتزوجات المنقطعات عن الدراسة والمساهمات في الرفع من نسبة الأمية، وأغلبهن غير متوفرات على القدرة على التمييز والإدراك، كذلك تحدثت عن تزايد نسبة المريضات بسرطان الرحم نتيجة الزواج المبكر، وارتفاع نسبة غير القادرات على تحمل أعباء الزواج وهو ما ينتج مشاكل اجتماعية أخرى أكثر خطورة، من قبيل تزايد حالات الإجرام والعنف في حق الزوجات، وتفشي ظاهرة الانتحار بعد الزواج.

تجميد قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل

من أبرز القوانين المثيرة للجدل، التي كان مصيرها «التجميد» داخل لجنة العدل والتشريع، بسبب خلافات بين مكونات الأغلبية الحكومية، مقترح قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل، وهو المقترح الذي تبنته خمسة فرق برلمانية، وهي العدالة والتنمية، الاستقلال، الأصالة والمعاصرة، الاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، وقامت الفرق ذاتها بتسجيل المقترح لدى مكتب مجلس النواب في 30 من يوليوز 2013، وأحيل على لجنة العدل والتشريع يوم 30 غشت من السنة نفسها، لكن ما زال «محتجزا» داخل اللجنة البرلمانية.

وينص المقترح على أنه «يعاقب كل من يساهم أو يشارك في ارتكاب أفعال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي أو يحاول ارتكابها بعقوبة حبسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، وغرامة تتراوح بين 100 ألف ومليون درهم، فيما تسري أحكام هذا القانون على كل من اختار الجنسية الإسرائيلية».

ووفق المقترح، فإن تعريف التطبيع المعاقب عليه مع الكيان الإسرائيلي هو «إنجاز أي عملية من العمليات التجارية المنصوص عليها في المدونة المغربية للتجارة مع الكيان الإسرائيلي»، مشيرا إلى أنه «يدخل في هذا الاتجاه كل شخص معنوي أو ذاتي مقيم بالمغرب أو خارجه، أو كان المطبع معه إسرائيليا شخصا ذاتيا أو معنويا، أو تمت العملية بصفة عارضة أو متكررة مباشرة أو بالوساطة». وشدد المقترح على أنه «يعاقب كل من ساهم أو شارك في ارتكاب أفعال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي أو يحاول ارتكابها». كما يدخل ضمن عملية التطبيع التي يعاقب عليها المقترح «كل عملية مالية مع الكيان الإسرائيلي بما في ذلك العمليات البنكية والتأمينية، بالإضافة إلى كل خدمة من الخدمات المهنية أو الحرفية التي تتم مع الكيان الإسرائيلي، سواء كانت بالمقابل أو بالمجان».

الحكومة والأغلبية تتحفظان على المراقبة الدولية للانتخابات

مازال مقترح قانون تقدم به فريق العدالة والتنمية، بتعديل المادة الثالثة من القانون رقم  30.11 يتعلق بتحديد شروط وكيفيات الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات، يراوح مكانه داخل لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، وذلك منذ إحالته على اللجنة يوم 10 دجنبر 2012.

وكانت لجنة الداخلية قد شرعت في مناقشة القانون، وزير الداخلية السابق ومعه فرق المعارضة والأغلبية، أعلنوا تحفظهم عليه، وطالب  الوزير من فريق العدالة والتنمية بعرض مقترح القانون على المجلس الوطني لحقوق الإنسان للاستئناس برأيه الصريح والحقوقي في هذا الشأن، وأبدى حصاد تخوفه الكبير من إغراق الانتخابات المغربية بالملاحظين الوطنيين أو الدوليين، وقال إن الانتخابات في المغرب لها سياقها الخاص ولا تتشابه مع تجارب انتخابية أو استفتائية في دول عربية أخرى، واعتبر حصاد فتح المجال للمراقبين من دون ضوابط من شأنه أن يعرقل العملية، محذرا من إفساد بعض الملاحظين أنفسهم لمجريات العملية الانتخابية.

ويروم مقترح قانون فريق حزب العدالة والتنمية تمكين المنظمات الدولية ذات المصداقية في هذا المجال من المساهمة في ملاحظة الانتخابات، والوفاء بالاتفاقيات الوطنية مع المنظمات الدولية. وينص المقترح على تمكين الملاحظين الوطنيين غير المعتمدين من حق الطعن إذا رفضت طلباتهم المتعلقة بالمشاركة في الملاحظة الانتخابية، أمام المحكمة الإدارية بالرباط، والتي يجب أن تبت في الطعن داخل ثمانية أيام من تاريخ تقديمه.

ويقضي التعديل، بالتنصيص على أنه «لا تخضع لمقتضيات هذه المادة المنظمات الدولية التي تربطها مع المغرب، اتفاقيات تتضمن ملاحظة الانتخابات»، وكذا تعديل المادة 12 من القانون نفسه، لضمان تدخل القضاء لتخويل الهيآت التي يتم إقصاؤها أو رفض طلباتها للمشاركة في المراقبة، الحق في اللجوء إلى القضاء لاستصدار قرار بذلك.


إقرأ أيضا