نتا اللي جا معاك التفاؤل - تيلي ماروك

رشيد نيني - شوف تشوف نتا اللي جا معاك التفاؤل

نتا اللي جا معاك التفاؤل
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 03/03/2019

بعدما قال إن الأوضاع في المغرب أحسن من فرنسا ها هو العثماني يقول إن المغاربة لا يعانون من الإحباط ولا من اليأس وأن الواقع ليس مقلقا ولا مزعجا بل مفرح، بدليل أنه “هوا بعدا مكايشعرش باليأس”.

طبيعي ما تشعرش باليأس، خدام كاتشد شي عشرة كيلو فالشهر، ساكن فابور، واكل شارب فابور، المازوط والطوموبيل فابور، غادي حتى نتا تكمل عامين اللي باقيا ليك وتخرج بتقاعد ديال سبعة دلمليون، ماشي خصك ما تشعرش باليأس عندك الحق ما تشعرش بينا حتى حنا”.

نتساءل حقيقة في أي كوكب يعيش رئيس الحكومة، فيبدو أن الرجل، منذ تعود على شهيوات الممون رحال الذي يحمل إلى سعادته بمقر رئاسة الحكومة الوجبات الغذائية بانتظام إلى درجة أنه “ربى الطحيشة”، أصبح يرى كل شيء ورديا.

إذا كان المغاربة لا يعانون لا من الإحباط ولا من اليأس فلماذا يهاجر كل هؤلاء الأطر جماعيا، ولماذا لم يرد رئيس الحكومة عن تلك الدراسة التي كشفها استطلاع أنجزه موقع Rekrute.com، المتخصص في عروض العمل والوظائف، والذي كشف أن 91 بالمائة من المغاربة مستعدون لمغادرة البلاد والاستقرار في الخارج؟

“زعما هاد الناس كاملين غي فاقو فالصباح ورشقات ليهم وبغاو يخرجو من بلادهم ويتغربو فبلادات الناس؟”.

على رئيس الحكومة أن يعود لنتائج الترتيب الأخير الذي يصنف الشعوب حسب درجة إحساسهم بالسعادة أو التعاسة، ومن 155 دولة حل المغرب في الرتبة 84 عالمياً، وهي رتبة تعني أن المغاربة يشكون من التعاسة ومشتقاتها.

والسؤال الذي كان يجب أن يطرحه رئيس الحكومة ويبحث له عن جواب هو ما هي السعادة بالنسبة للمغاربة؟ ولماذا نحن تعساء؟

حسب دراسة أنجزتها شركة لاستطلاع الرأي لفائدة شركة تأمينات فحوالي 96 بالمائة من المغاربة يعتبرون “الصحة والسلامة وستر مولانا” السبب الرئيسي لسعادتهم.

وفي المراتب التالية يأتي الاستقرار والثروة والسلطة، ثم بقية المحددات الأخرى التي يعتبرها المغربي ثانوية بالنسبة إليه.

هذا يعني أن الشغل الشاغل للمغاربة هو الصحة، فهم يعرفون أن الصحة عندما تخونك في المغرب فإنك تصبح مجرد زبون يتاجر في مصيرك أصحاب المصحات وباعة الأدوية ومحترفو التحاليل وشركات التأمين وسماسرة التعاضديات.

وربما ليس صدفة أن يحتل المغرب المراتب المتأخرة ضمن مؤشر السعادة العالمي، فنحن، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، نتوفر في بلادنا على جميع أسباب التعاسة التي حصرتها “شبكة حلول التنمية المستدامة” في دراستها التي رسمت على ضوء نتائجها خريطة السعادة في العالم.

فمن بين أسباب التعاسة نجد “ارتفاع تكاليف المعيشة والبطالة والرواتب المتدنية وسوء الصحة وعدم الشعور بالسعادة في الحياة الزوجية وعدم الشعور بالرضا عن المظهر الخارجي، وافتقاد الأصدقاء وعدم الاستقرار العام والخوف من المستقبل”.

وقد يعتقد البعض أن الطبقات العاملة أو المتوسطة أو المسحوقة في المغرب هي وحدها المعنية بهذا الشعور الفادح بالتعاسة، وأن طبقة «المرفحين» و«الألبة» لا تشملها هذه التعاسة، وهذا خطأ شائع.

فإذا كانت الطبقات الشعبية في المغرب، أو ما يسميه أبناء العائلات الكريمة في نواديهم المغلقة وصالوناتهم المخملية بـ«لابوبيلاص»، تشعر بالتعاسة بسبب بطالة أبنائها أو بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وسوء الخدمات الصحية، فإن طبقة «الألبة» لديها أيضا نصيبها من التعاسة، خصوصا بسبب عدم الرضا عن المظهر الخارجي وافتقاد الأصدقاء والخوف من المستقبل. الذي بسببه تم تهريب كل هذه المليارات إلى الخارج قبل استعادة جزء منها تحت التهديد.

أما ما تشترك فيه جميع الطبقات على اختلاف مستوياتها الاجتماعية بالمغرب فهو الخوف من المستقبل.

الطبقة المتوسطة وموظفوها وعمالها وفقراؤها يخافون أن يفاقم المستقبل من أزمتهم، والأغنياء يخافون أن يجدوا أنفسهم في المستقبل مضطرين للتخلي عن امتيازاتهم ونمط عيشهم المرفه. مع فارق بسيط هو أن الأغنياء في المغرب يستعدون للمستقبل بتعليم أبنائهم في الخارج والبحث لهم ولأنفسهم عن جنسيات أجنبية استعدادا لترك السفينة في الوقت المناسب، أما البقية فتستعد للمستقبل بإغراق نفسها في المزيد من القروض، وقد استطاعت الحكومة السابقة أن تقترض في ظرف خمس سنوات ما اقترضته جميع الحكومات السابقة، فكأنما كان بنكيران يسابق الزمن لكي يغرق “الشقف” للبلد في أسرع وقت ممكن.

ولعل ما غاب عن أصحاب التقرير الخاص بالسعادة الذي يصنف المغرب بين التعساء، هو أن أكبر سبب لتعاسة المغاربة هو أنه بين كل أربعة مغاربة هناك ثلاثة لديهم قروض يؤدون أقساطها كل شهر من رواتبهم، أي أن هؤلاء يشتغلون عند البنوك وشركات القروض الصغرى طيلة حياتهم، وربما يورثون ديونهم لأبنائهم من بعدهم.

وحسب آخر الإحصائيات فالمغرب يعيش فيه حوالي 300 ألف مريض بانفصام الشخصية. وهذا المرض بالنسبة للذين يجهلونه هو تعايش شخصيتين متنافرتين داخل الشخص الواحد. ولكي تعرف شخصا مصابا بانفصام الشخصية من غيره فيكفي أن تنتبه لكلامه. وإذا وجدت شخصا من معارفك أو أصدقائك يردد بكثرة في كلامه «واحد الراس كال ليا سير وواحد الراس كال ليا بقا»، فاعلم رعاك الله أن مخاطبك مصاب بهذا المرض الخطير، لأنه مرض يجعل الإنسان يتصور نفسه تنينا برؤوس متعددة عوض بني آدم برأس واحد مثل الآخرين.

وكل تقارير وزارة الصحة الطبية التي تصدر حول الصحة النفسية والعقلية للمغاربة تثير الفزع، فمرض الاكتئاب يصيب 26.5 في المائة من المغاربة، أي أن هناك ما يعادل 5 ملايين مغربي “مطونص”، بينما يعاني 300 ألف من اضطراب انفصامي.

والسؤال المهم هنا هو من الذي يكترث بالحالة الوبائية للمغاربة؟ هل هناك جهة تحرص على إبلاغ عموم المواطنين بالأمراض التي تغزو أجسادهم وعقولهم في غفلة منهم؟

لعل أخطر تقرير صدر مؤخرا هو كون 30 بالمائة من المغاربة مصابين بالسل الكامن، وأخطر منه كون خمسين بالمائة من المغاربة مصابين بالضغط الدموي، وأن السبب الأول لموت المغاربة هو الأمراض المرتبطة بالقلب والشرايين التي يعتبر الضغط سببها الرئيسي.

لماذا أصبح المغاربة شعبا “مطونس” إلى هذا الحد، هل سبب ذلك مشاكل غلاء المعيشة، أم بسبب الاحتقان الحزبي وهزالة العرض السياسي، أم بسبب تلوث الجو والماء والغذاء؟

السبب يكمن في كل هذه الأشياء مجتمعة، مما أعطانا مواطنا فاقدا للأمل في كل شيء.

أدخل أول صيدلية في حيك واسأل صاحبها عن الدواء الذي يطلبه المغاربة بكثرة، سيقول لك إن الجميع يطلب أدوية للجهاز العصبي والمهدئات والضغط الدموي. ولو أردنا أن نكون صريحين حول نسبة إصابة المغاربة بالضغط لقلنا إن تسعين في المائة من المغاربة مصابون به

لذلك نرى هذا الإقبال المرضي على الانتحار بشتى الوسائل، على الطرقات بسبب التهور في السياقة، وفي الأسواق بسبب التفاهات، وداخل الأسر بسبب غياب الرحمة والمودة، وأمام أبواب المستشفيات بسبب غياب العناية، وداخل البارات التي يشرب فيها المغاربة من الكحول 131 مليون لتر سنويا لكي ينسوا الضغط الاجتماعي والمهني، إلى الحد الذي أصبح معه استهلاك الروج في المغرب أكثر من استهلاك الحليب.

الحل الوحيد للخروج من هذه الدوامة بسيط وغير مكلف.

وفوق كل هذا “يجي السي العثماني ويقول ليك إنه لا يشعر باليأس وإن الوضعية مزيانة، عندك الحق أسي العثماني، الوضعية معاكم مزيانة، حنا اللي قابلين عليكم اللي ما مزيانينش”.


إقرأ أيضا