الدولة كخصم - تيلي ماروك

الدولة كخصم - الأخبار - افتتاحية الدولة كخصم

الدولة كخصم
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 18/01/2019

مشكلة حكومة هؤلاء «الباجدة» هي أنهم ليسوا فقط فاشلين في خلق الثروة ومناصب الشغل، بل إنهم يتسببون في تبذيرها، وخير دليل على ذلك تزايد عدد الأحكام القضائية الصادرة ضد مؤسسات الدولة، والتي تستنزف مبالغ مالية ضخمة من الميزانية، بسبب قرارات خاطئة لبعض الوزراء والمسؤولين، التي تجرها للقضاء. وكشفت معطيات رسمية صادرة عن وزارة العدل، أن الأحكام الصادرة ضد مرافق الدولة، خلال سنتي 2017 و2018، بلغت قيمتها حوالي 530 مليار سنتيم ينبغي أن تدفعها خزينة الدولة، منها 320 مليار سنتيم خلال سنة 2017 و210 ملايير سنتيم إلى حدود شهر شتنبر الماضي.

ويبلغ المعدل السنوي لعدد الدعاوى المرفوعة ضد الدولة ما يناهز 30 ألف قضية، نصفها تقريبا يتعلق بالطعن بالإلغاء وبالاعتداء المادي، نتيجة للجوء بعض الإدارات إلى وضع يدها على عقارات مملوكة للغير من أجل إقامة مشاريع معينة، دون سلوك مسطرة الاقتناء بالمراضاة أو مسطرة نزع الملكية، وتخص أساسا قطاعات التربية الوطنية والتجهيز والنقل والداخلية. 

وسبق للمجلس الأعلى للحسابات أن نبه لخطورة الاختلالات التي تشوب تدبير المنازعات القضائية ضد الدولة، من خلال غياب استراتيجية لتدبير هذه المنازعات على مستوياتها الأساسية، وهي الوقاية من المنازعات والحلول البديلة لفض وتدبير المنازعات القضائية. وتقوم الوكالة القضائية بالدفاع عن أغلب أنواع قضايا الدولة باستثناء النزاعات التي تكون طرفا فيها مديرية أملاك الدولة والمديرية العامة للضرائب والإدارة العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة والخزينة العامة للمملكة، وهي نزاعات متعلقة بمجال اختصاص كل من هذه المديريات.

وبسبب غياب البرمجة والضبط الدقيقين لحاجيات الدولة للعقار، تلجأ الإدارة لوضع يدها على عقارات مملوكة للغير من أجل إقامة مشاريع عمومية، إلا أن وضع اليد هذا يتم، في غالب الأحيان، في غياب مسطرة الاقتناء بالمراضاة ودون سلوك مسطرة نزع الملكية المنصوص عليها قانونا، وهذا ما يعرف بالاعتداء المادي على الملكية العقارية. ويتسبب هذا السلوك في نشوب العديد من المنازعات القضائية التي تفضي إلى إثقال كاهل الخزينة جراء المبالغ المهمة التي يحكم بها ضد الدولة، حيث إن مبالغ جد مهمة يتم الحكم بها في إطار الاعتداء المادي، ويفوق المعدل مبلغ 550 مليون درهم سنويا، أما القطاعات الوزارية المعنية بالنزاعات المترتبة عن الاعتداءات المادية، ففي مقدمتها الوزارات المكلفة بالتعليم والتجهيز والداخلية.

وفي الحالات التي تمتنع فيها الإدارة عن تنفيذ الأحكام لسبب من الأسباب، فإن طالبي التنفيذ يلجؤون إلى مباشرة إجراءات التنفيذ الزجري طبقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية، عبر الحجز على حساباتها لدى المحاسبين العموميين، إلا أنه، ونظرا لكون هؤلاء المحاسبين لا يتوفرون على أموال في شكل حسابات جارية أو سيولة أو أصول يمكن التصرف فيها كما هو الحال بالنسبة للحسابات البنكية، وإنما يقومون بتدبير اعتمادات مالية مدرجة بالميزانية المعنية، فإنهم دأبوا على الإدلاء بتصريحات سلبية تفيد بعدم توفرهم على أموال قابلة للحجز، إلا أن هذا التصريح السلبي يتم اعتباره بمثابة امتناع الخزينة أو المحاسبين العموميين عن التنفيذ، وبالتالي يلجأ طالبو التنفيذ إلى تحريك إجراءات التنفيذ الجبري في مواجهة الخزينة، الأمر الذي أدى مؤخرا إلى سلوك إجراءات زجرية أخرى جديدة، من قبيل تقديم طلب الحجز على أموال الخزينة المودعة لدى بنك المغرب، وهناك أزيد من 100 ملف متعلق بالحجز لدى الغير تم فتحه في مواجهة الخزينة العامة للمملكة، بمبالغ وصلت إلى 331 مليون درهم، وهي مبالغ تتضمن، إضافة للمبالغ المحكوم بها، الفوائد الناتجة عن التأخير في التنفيذ.

وخسرت وزارة التجهيز والنقل، خلال الولاية الحكومية السابقة والحالية، العديد من الدعاوى القضائية، حيث يستعين وزراء «البيجيدي»، الذين يتحملون مسؤولية القطاع من 2012، بمحامين ينتمون إلى نفس الحزب، ومؤخرا، أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط، حكما يقضي بتنفيذ أحكام قضائية صادرة ضد الوزارة، وتم تنفيذ الأحكام بالحجز على ما يناهز 180 مليون درهم من أموال الوزارة، وذلك بعد موافقة الخازن المالي للوزارة على تنفيذ أحكام الحجز، وإقراره بوجود سيولة مالية في خزينة الوزارة. ويعود سبب حجز أموال وزارة التجهيز والنقل، إلى تنفيذ أحكام قضائية صادرة ضدها، تتعلق بتعويضات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة. وسارع مسؤولو الوزارة إلى عقد اجتماع طارئ للوقوف دون تنفيذ باقي الأحكام القضائية، والبحث عن سبل إيجاد حلول لتسوية الأحكام التي تنتظر التنفيذ، ومن أبرز الملفات التي لازالت عالقة، تسوية وضعية نزع ملكية الأراضي لإقامة بعض المشاريع.

والأمر نفسه ينطبق على الجماعات الترابية، حيث وصل مجموع المبالغ المحكوم بها ضدها إلى ما يناهز 100 مليار سنتيم، خلال السنة الماضية. وما يثير الانتباه هو سرعة تنفيذ هذه الأحكام من طرف رؤساء الجماعات، ما يثير شبهة التواطؤ، حيث بلغت نسبة التنفيذ 80 في المائة. وناهزت مبالغ الأحكام والقرارات النهائية غير المنفذة حوالي 260 مليار سنتيم مع عدد قضايا رائجة يصل إلى 7 آلاف قضية بمبالغ مطالب بها تقارب 300 مليار سنتيم. أما في ما يخص الملفات المفتوحة للتنفيذ لدى المحاكم الإدارية في مواجهة الجماعات الترابية، فقد بلغت، إلى حدود متم يوليوز 2017، حوالي 1268 ملف تنفيذ مفتوحا بمبلغ إجمالي ناهز 150 مليار سنتيم.

وتتجلى شبهة التواطؤ التي تحدثنا عنها، في كون العديد من الجماعات الترابية لا تقوم بالطعن في الأحكام والقرارات الصادرة ضدها عن طريق استئنافها أو نقضها قبل أن تكتسي قوة الشيء المقضي به. ولاحظ قضاة جطو، من خلال تحليل المعطيات المتعلقة بـ1189 جماعة ترابية، أن أزيد من 840 حكما ابتدائيا بقيمة 481 مليون درهم، و2572 قرارا استئنافيا بقيمة 356 مليار سنتيم، اكتسب قوة الشيء المقضي به خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2016، وذلك بعد أن أصبحت هذه الأحكام والقرارات نهائية نظرا لعدم تفعيل مسطرة الاستئناف والنقض داخل الآجال القانونية، وهذا القصور يؤدي إلى تفويت الفرصة على الجماعات الترابية من أجل الحفاظ على مصالحها وتفادي تحميل ميزانياتها أعباء مالية إضافية، كما أن الجماعات لا تولي الاهتمام الكافي لتحصيل المبالغ المالية المحكوم بها لصالحها.

تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية

 


إقرأ أيضا