باريس ترفع الراية البيضاء وتقرر الانسحاب من النيجر - تيلي ماروك

فرنسا باريس ترفع الراية البيضاء وتقرر الانسحاب من النيجر

باريس ترفع الراية البيضاء وتقرر الانسحاب من النيجر
  • 64x64
    Télé Maroc
    نشرت في : 30/09/2023

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن السفير الفرنسي في النيجر سيعود «في الساعات المقبلة» إلى فرنسا، وأن القوات الفرنسية ستغادر الدولة الإفريقية بحلول نهاية العام.

وبعد شهرين من إصرار باريس على رفض قرار قادة الانقلاب في النيجر مغادرة السفير، قال ماكرون إن «فرنسا قررت إعادة سفيرها» من النيجر، و«سنضع حدا لتعاوننا العسكري مع النيجر»، موضحا أن الجنود الفرنسيين الـ1500 سيغادرون «في الأسابيع والأشهر المقبلة»، على أن يتم الانسحاب الكامل «بحلول نهاية العام».

وكان ماكرون قد أعلن خلال زيارة إلى منطقة سومور- أون- أوكسوا (وسط شرق فرنسا) أن المجلس العسكري الحاكم في النيجر «يحتجز» سفير بلاده، سيلفان إيتي، وموظفين دبلوماسيين «رهائن» في السفارة.

«في النيجر، وفي الوقت الذي أتحدث إليكم فيه، لدينا سفير وموظفون دبلوماسيون تم احتجازهم رهائن في سفارة فرنسا». وأضاف الرئيس الفرنسي وقتها أن العسكريين الذين أطاحوا بالرئيس محمد بازوم «يمنعون (عن هؤلاء) الطعام، والسفير يتناول حصصا غذائية عسكرية».

ولدى سؤاله حينها عن احتمال عودة السفير إلى باريس، قال ماكرون: «سأفعل ما سنتفق عليه مع الرئيس بازوم، لأنه هو صاحب السلطة الشرعية وأنا أتحدث معه كل يوم».

 

رد فعل نيجري

يوم 25 غشت 2023، أمهلت القيادة العسكرية في النيجر السفير الفرنسي في نيامي، سيلفان إيتي، 48 ساعة للمغادرة، إلا أن فرنسا رفضت ذلك، بل استنكرت طرد سفيرها، وقالت السلطات الفرنسية إن المجلس العسكري النيجري لا يملك سلطة المطالبة برحيل السفير الفرنسي.

وعلى إثر ذلك، أعلنت وزارة خارجية النيجر في مذكرة أرسلتها إلى وزارة الخارجية الفرنسية في 31 غشت الماضي، رفع الحصانة عن السفير إيتي، وأنه سيتم ترحيله. وبعد هذه المذكرة، تم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة حول السفارة الفرنسية في نيامي، وبدأت قوات الأمن النيجرية في فحص المركبات الداخلة والخارجة من السفارة.

كما تم تعزيز الإجراءات الأمنية حول القاعدة الجوية المسماة «نيامي 101» في العاصمة، حيث يتمركز جنود فرنسيون. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في بيان أصدره يوم 15 شتنبر الجاري، إن السفير إيتي «احتُجز كرهينة» ولم يُسمح بدخول الطعام إلى السفارة.

وكان المجلس العسكري النيجري قد أعلن في الثالث من غشت الماضي إلغاء الاتفاقيات مع فرنسا، الأمر الذي رفضته باريس بذريعة افتقار المجلس إلى الشرعية.

وفي رد فعل نيجري، رحب المجلس العسكري الحاكم بإعلان فرنسا اعتزامها سحب قواتها من البلاد بحلول نهاية العام، معتبرا ذلك «خطوة جديدة باتجاه السيادة».

وقال المجلس في بيان تلي عبر التلفزيون الوطني: «ستغادر القوات الفرنسية وكذلك السفير الفرنسي أراضي النيجر، بحلول نهاية العام.. هذه لحظة تاريخية تشهد على تصميم الشعب النيجري وإرادته».

وأضاف أن «أي شخص أو مؤسسة أو كيان يهدد وجوده مصالح بلدنا، سيتعين عليه مغادرة أرض أجدادنا شاء ذلك أم أبى».

وتجمع مناصرون للمجلس العسكري في مظاهرة ليلية أمام القاعدة العسكرية الفرنسية في العاصمة نيامي، احتفالا بما وصفه المجلس العسكري بثمرة نضال الشعب وتحقيقه خطوات نحو السيادة.

ودرجت عدة منظمات شبابية وجمعيات إسلامية على تنظيم تظاهرات أمام القاعدة الفرنسية في نيامي، للتنديد بمواقف فرنسا وإلزامها بتطبيق قرار المجلس العسكري بسحب سفيرها من النيجر ومغادرة قواتها لبلادها.

 

حظر الطائرات الفرنسية

قررت النيجر حظر مجالها الجوي أمام الطائرات التجارية الفرنسية، وجاء ذلك في بيان لوكالة سلامة الملاحة الجوية في إفريقيا ومدغشقر «أسيكنا»، نقلته وسائل إعلام فرنسية، الأحد المنصرم، دون أي تعليق فرنسي رسمي على هذا البيان.

وتوضح نسخة من خطاب الوكالة إلى شركات النقل الجوي بتاريخ السبت 23 شتنبر الحالي، أن مجال النيجر الجوي متاح لجميع الرحلات الجوية التجارية الوطنية والدولية، باستثناء الطائرات الفرنسية أو المستأجرة من فرنسا، بما في ذلك أسطول الخطوط الجوية الفرنسية، وفق قناة «بي إف إم تي في» الفرنسية.

وردا على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية، اكتفت شركة «إير فرانس» الرئيسية بالقول إنها «لا تحلق في المجال الجوي للنيجر».

وعلقت «إير فرانس» التي تُسَيِّرُ رحلات بين أوروبا وإفريقيا، منذ السابع من غشت الماضي، رحلاتها إلى العاصمة نيامي (4 رحلات في الأسبوع) حتى إشعار آخر.

 

انتكاسة جديدة لفرنسا

ثمة إجماع في العاصمة الفرنسية على اعتبار أن التطور الأخير يشكل نكسة جديدة للسياسة الفرنسية في منطقة الساحل. فانسحاب القوة الفرنسية من النيجر هو الثالث من نوعه، بعد انسحابها تباعا من مالي، ثم من بوركينا فاسو. وفي الحالتين، نقلت قيادة الأركان الفرنسية جزءا من القوة المنسحبة إلى النيجر، التي كانت باريس تقيم معها علاقات هي من بين الأفضل في منطقة الساحل.

واللافت في حديث ماكرون للقنوات التلفزيونية ثباته في اعتبار أن عملية «برخان» التي أرسلت باريس بموجبها في عام 2013 قوة عسكرية كبيرة إلى مالي لمنع سقوط عاصمتها باماكو بأيدي التنظيمات الجهادية والإرهابية كانت ناجحة، وأن تدخل فرنسا العسكري في البلدان الثلاثة (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) كان بناء على طلب سلطاتها. وشدد على أنه «من دون (هذا التدخل)، لكانت معظم هذه البلدان قد سيطر عليها… جهاديون». وأضاف: «نحن لسنا موجودين هناك لكي نكون رهائن لدى الانقلابيين. الانقلابيون هم أصدقاء الفوضى»، مشيرا إلى أن الهجمات الجهادية تسفر عن عشرات القتلى يوميا في مالي، وأنها استؤنفت أيضا في النيجر. ولأن محاربة الإرهاب هي مسوغ بقاء القوة الفرنسية في النيجر، ولأن التعاون بين هذه القوة وبين الجيش النيجري متوقف منذ الانقلاب العسكري، فهذا يعني، وفق باريس، أن سبب بقائها انتفى. لذا قال ماكرون: «إننا ننهي تعاوننا العسكري مع سلطات الأمر الواقع في النيجر، لأنها لم تعد تريد محاربة الإرهاب».

حقيقة الأمر أن باريس وجدت نفسها في مأزق حقيقي. فهي منذ حصول الانقلاب، رفضت الاعتراف بالسلطة الجديدة التي يترأسها الجنرال عبد الرحمن تياني بصفتها سلطة أمر واقع، لا بل كانت الأكثر تشددا من بين الدول الغربية كافة في التنديد بالمجلس العسكري، وبقيت مصرة على اعتبار أن شرعية الحكم تعود إلى الرئيس المعزول محمد بازوم. والأهم من ذلك أن باريس دعمت قرارات المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا «إيكواس» التي هددت باللجوء إلى التدخل العسكري لإعادة الانتظام الدستوري إلى النيجر، وتحرير الرئيس المحتجز، وتمكينه من استعادة سلطاته. وراهن الجانب الفرنسي على التدخل العسكري، وأكد أكثر من مرة مساندته لكافة القرارات التي تتخذها المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، بما فيها اللجوء إلى قوة السلاح. وأكثر من مرة، قالت كاترين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية، إن الوضع في النيجر يمكن أن يعود إلى الوراء. والحال، بعد انقضاء شهرين على الانقلاب، أصبح احتمال التدخل العسكري بعيدا للغاية. فـ«إيكواس» منقسمة على نفسها، والاتحاد الإفريقي لا يدعم التدخل العسكري الذي تعارضه الولايات المتحدة ودول أوروبية رئيسية، مثل ألمانيا وإيطاليا… كذلك، فإن الرئيس النيجيري بولا تينوبو الذي كان الأكثر حماسة للعمل العسكري، تراجع واقترح خطة سلام تنص على مرحلة انتقالية من تسعة أشهر يعود الحكم بعدها إلى المدنيين، على غرار ما حصل في بلاده.

 

تزايد الوجود الروسي

أصبحت القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي، عاصمة النيجر، مركزا للاحتجاجات المناهضة لفرنسا، منذ انقلاب 26 يوليوز الماضي.

وتنظم مسيرات بانتظام في الشوارع المحيطة بالقاعدة، للمطالبة بطرد القوات المتمركزة في العاصمة. ونظم عشرات الآلاف احتجاجا على فرنسا هذا الشهر، وحملوا خلاله نعوشا ملفوفة بالعلم الفرنسي. ولوح متظاهرون مؤيدون للانقلاب في نيامي بالأعلام الروسية، مما زاد مخاوف الدول الغربية من أن النيجر يمكن أن تحذو حذو مالي وتستعيض عن قواتها بمقاتلي «فاغنر».

وقبل وفاته في حادث تحطم طائرة الشهر الماضي، قال يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة «فاغنر»، على وسائل التواصل الاجتماعي، إنه سيجعل روسيا بلدا أكثر عظمة في كل القارات، وستكون إفريقيا أكثر حرية. ولا يزال مصير مجموعة «فاغنر» غير واضح، منذ وفاته.

وتنشط «فاغنر» أيضا في جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا. وتقول دول غربية إنها موجودة أيضا في السودان، لكن الجماعة تنفي ذلك. ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العودة للنظام الدستوري في النيجر.

وكانت النيجر آخر دول منطقة غرب إفريقيا التي تنعم باستقرار نسبي، قبل أن تشهد انقلابا خلط الأوراق، فالنيجر كانت تُرى أكثر الدول استقرارا في المنطقة، ولم تمر سوى بضعة أشهر على وصف أنتوني بلينكن، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، لها بأنها «نموذج للديمقراطية». واستند هذا الرأي حينها إلى نجاح رئيسها محمد بازوم، الوسطي والمؤيِّد للغرب، في الفوز بانتخابات عام 2021 الرئاسية بأكثر من 55 في المائة من الأصوات، ليصبح أول زعيم للبلاد يتولى السلطة سلميا منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1960.

 


إقرأ أيضا