الجزائر تتخبط في أزمة اقتصادية غير مسبوقة دفعت بها إلى تقليص وارد - تيلي ماروك

الجزائر الجزائر تتخبط في أزمة اقتصادية غير مسبوقة دفعت بها إلى تقليص وارد

الجزائر تتخبط في أزمة اقتصادية غير مسبوقة دفعت بها إلى تقليص وارد
  • 64x64
    Télé Maroc
    نشرت في : 31/08/2021

السيناريو اللبناني والفنزويلي يلوح في الأفق وتقارير دولية تفيد بانهيار القدرة الشرائية للمواطن المتوسط سنة 2022

قررت الجزائر، منذ نهاية الشهر الماضي، تعليق عمليات الاستيراد للمنتجات المعدة لإعادة البيع اعتباراً من 31 أكتوبر المقبل، حيث يأتي هذا القرار في سياق الازمة الاقتصادية الخانقة التي تمر منها البلاد، وذلك بسبب الانخفاض المستمر في احتياطيات الجزائر من النقد الأجنبي "العملة الصعبة" الذي تهاوت بشكل غير مسبوق، حيث وحسب تقارير رسمية جزائرية وصلت هذه الاحتياطات الآن إلى أقل من 40 مليار دولار بداية سنة2021، فيما أكدت تقارير دولية رسمية وجد موثوقة، أنه وصل لأقل من 20 مليار دولار خلال هذه السنة، في حين تؤكد وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية المتخصصة في الاقتصاد، أن احتياطي الجزائر من النقد الأجنبي وصل ل 14 مليار دولار فقط.

ويأتي هذا القرار، في ظل الاقتصاد الهش الذي تعيش عليه الجزائر بفعل تراجع مداخيل البلاد من المواد البترولية والغاز، إثر تدهور أسعارها دوليا في عدة مرات، وهو ما جعلها نهاية سنة 2017 تقرر سن إجراءات وصفت بالجد متقشفة، في قانون موازنتها المالية، حيث أعلنت ساعتها أن هذه الإجراءات ستمتد إلى سنوات عديدة، ما جعلها تتخذ مؤخرا القرار المذكور آنفا.

وحسب التقارير الصادرة من الجزائر، فإن كل هذه الإجراءات التي بدأت تتخذها أعلى السلطات بالبلاد منذ أربع سنوات، يتمثل في التحذيرات المتتالية من اقتصاديين ومؤسسات دولية، ‏‎فنقص احتياطي الصرف دفع بحكام قصر المرادية والمتحكمين في دواليب السلطة بالبلاد إلى لتقليص الواردات، وذلك لهدف واحد فقط لا غير، هو ربح القليل من الوقت، قبل وقوع البلاد في نفس السيناريو الذي وقعت فيه كل من فنزويلا ولبنان مؤخرا، وهو ما اعتبرته نفس المصادر سيحدث في ظرف سنتين من الأن كأقصى تقدير، في حين ترى مصادر "الأخبار" أن هذا الأمر سيحدث قبيل نهاية 2022 لنفس الأسباب الآنفة إن لم يتم تدارك الأمر.

 

الجزائر تعيش جفافا اقتصاديا 

وفي هذا السياق، أوضح محمد الشرقي الخبير الاقتصادي والمالي، أن أزمة الجزائر الاقتصادية ليست بالجديدة، بل بدأت منذ ست سنوات، إذا ما اعتمدنا على الأرقام الرسمية لصندوق النقد الدولي، ففي حدود نهاية سنة 2013 كان احتياطي النقد الأجنبي بالجزائر يبلغ 194 مليار دولار، ثم انخفض في نهاية 2020 إلى 42 مليار دولار، ثم انخفض بداية سنة 2021 إلى 32 مليار دولار، ثم هناك تراجع مع بداية الصيف حيث وصل إلى 20 مليار دولار فقط، أما وكالة "بلومبيرغ" فتقول إن احتياطات الجزائر من العملة الصعبة تصل فقط ل 14 مليار دولار.

وأضاف الأستاذ محمد الشرقي، أن أي بلد يصل لهذا المستوى من احتياطات النقد الدولي، فإنه يصل لجفاف اقتصادي، فالمشكل يعود بالأساس للانخفاض الحاد الذي شهدته البلاد في الإيرادات، وإذا ما أردنا تحليل الوضعية جيدا، فالجزائر لها مشكلان أساسيان، الأول انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، فسعر النفط الآن للبرميل الواحد يصل زهاء 68 دولار، والجزائر تحتاج من أجل تخطي أزمتها الحالية، أن يباع البرميل الواحد في السوق، بثمن لا يقل عن 169 دولار كي تحقق التوازن المالي.

وبخصوص المشكل الثاني، أنه في الجزائر تنخفض انتاجاتها وكذا صادراتها في المواد البترولية، وذلك بسبب تجهيزاتها القديمة في المجال وعدم صيانتها خلال العقدين الماضيين، ما يشكل أعطابا في الإنتاج، وبسبب أن كلفة انتاج البترول والغاز في الجزائر يعد من بين الأكثر كلفة عالميا، إذا ما قارناه مثلا "بالكويت السعودية قطر الامارات روسيا أو حتى انتاج العراق".

وقال الخبير الاقتصادي، إن عجز ميزان المدفوعات " Balance de paiement »  «في الجزائر يصل إلى 18 في المائة من الناتج الإجمالي، وفي هذه الحالة، أنت ملزم كدولة بحلين فقط لا ثالث لهما، الحل الأول هو استعمال احتياط البلاد من العملة الصعبة، وهذا استعملته الجزائر، فيما الحل الثاني يتمثل في توقيف الاستيراد، وقد تم استعماله هو الاخر تحت اسم " فرض الرسم الوقائي الإضافي" وذلك على حوالي 2000 مادة غذائية، عبر الزيادة ب 100 في المائة إلى 200 في المائة من الرسوم الجمركية على هذه السلع، وهو القرار الذي يدخل في ميزانية 2021 الجزائرية. دون تغافل، أنهم اتخذوا قرار بممنوعات الاستيراد الذي أدخلهم مع الاتحاد الأوروبي في مشاكل جمة، على غرار سحب ألمانيا لشركة « Volkswagen» للسيارات من البلاد، فضلا عن مغادرة هيونداي الكورية الجنوبية كذلك.

فبالتالي الآن يوجد أطراف داخل الاتحاد الأوروبي ستطرح في أكتوبر المقبل، داخل أروقة البرلمان، طلب إعادة النظر في الاتفاقية الموقعة مع الجزائر سنة 2005، حيث أن الجزائر أصبحت تخرق الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد في مجال التجارة الخارجية، ومجال السلع ومجال التسديد، بل الأكثر من ذلك في مجال إخراج العملة، وهذه نقطة مهمة فالشركات الأجنبية العاملة داخل التراب الجزائري، أصبحت تعاني كثيرا في إخراج أرباحها فقط، لأنه لا توجد عملة صعبة في السوق وهو ما سيعجل بها حسب دراسات للخروج من البلاد في أسرع وقت ممكن، ما سيؤثر اجتماعيا كثيرا على الجزائر قبل أن يؤثر اقتصاديا.

السيناريو الفينزويلي واللبناني يلوح في الأفق

وبالنسبة للسيناريو الفنزويلي واللبناني الذي تتجه نحوه الجزائر، فقد أوضح الخبير الاقتصادي والمالي محمد الشرقي أنه، يجب الإشارة أولا إلى أن ما حدث في كل من لبنان وفنزويلا، كان أولا عبارة عن عجز بنسب كبيرة جدا، ثم ارتفاعا في التضخم بنسب كبيرة جدا كذلك، ثم بعدها تهاوت الأسعار بشكل خطير، وهذا هو السيناريو الذي تنظر إليه الجزائر وتتجه نحوه بل يمكن الجزم أنه نفس السيناريو، فمعدل التضخم رسميا بالجزائر يصل إلى 7 ، لكن واقعيا هو أكثر بكثير، فالعملة الجزائرية تنخفض كل يوم وليس كل شهر،  وبالتالي لا أحد يعلم في الجزائر متى سيتوقف هذا النزيف بما فيه البنك المركزي.

وأكد المتحدث ذاته، أن هذا السيناريو يلوح في الأفق للجزائر، حيث قال إنه في كل الحالات ففي لبنان هناك إعلام هناك صحف، هناك مجتمع حي يكشف عن هذه الحوادث والأمور، والعالم يعلم ما يجري في الداخل اللبناني، بينما في الجزائر هناك تعتيم وتكتم، وكذلك ترهيب للأشخاص الذين يكشفون هذه الحقائق، سواء بمواقع التواصل أو حتى الشارع، وهو ما جعل البلاد تسن لجنة جنائية لمتابعة أي شخص يكشف عن معلومات تمس البلاد.

وعطفا عن الموضوع يضيف محمد الشرقي، أنه مثلا في السيناريو اللبناني فالطبقة المتوسطة لم تعد تمتلك الامكانيات من أجل البنزين، لأن عملة البلاد قياسا للدولار لا تساوي شيء، أم بالنسبة للجزائر، نعم، بالفعل هناك نفط، لكن البلاد لا تمتلك المواد الغذائية، وهو ما ينتج عنه بدون أدنى شك، أن هذه المواد ستصبح صعبة وفوق طاقة الطبقة الوسطى.

الجزائر من الدول التي تستورد تقريبا كل شيء، ولا تنتج إلا الطاقة، بما يصل إلى 97 في المائة، وبالتالي فعندما تكون في هذا الوضع، فأنت أمام أزمة كبيرة، ففي الحالات السابقة، مثلا سنة 2012 ،ى لم تكن هذه المشاكل لدى الجزائر، لأنه كان هناك فائض في الميزان التجاري، وبالتالي كان بإمكانك الاستيراد دون أدنى مشكل، بل يمكنك الاستيراد وتمويل القيمة داخل السوق، عبر "سوق الضبط " مثل (صندوق المقاصة في المغرب)، فالوضع اليوم تغير، فأنت كدولة لا تملكين العملة الكافية، لأنه في سنة 2020 مبيعات الجزائر من الطاقة كانت أقل من 21 مليار دولار، ووارداتها كانت تصل ل 50 مليار دولار، لتقرر البلاد البدأ في نقص مواردها، إلى أن وصلت لحد أدنى، لا يمكن أن يستمر.

وبالتالي هذا الشيء، أدى إلى أن تعلن الجزائر عما أسمته "ضبط عشوائية الاستيراد"، وهو ما جعل المستهلك البسيط يتضرر كثيرا بالداخل الجزائري، لأنه اصبح بين نارين،  ( أن يقف هذا المستهلك وسط طابور حتى يتمكن من أخذ ما يريد إن هو تبقى، أو أنه سيلتجئ للسوق الثانوية، السوق السوداء لشراء مايريد بثمن مضاعف)، حيث تفشت ظاهرة السوق السوداء بشكل غير مسبوق بالجزائر، وبالتالي يمكن الجزم أن اغلاق الجزائر لحدودها مع المغرب أو ليبيبا أو حتى تونس بشكل أو بآخر، كان بسبب خوف الحاكمين من دخول سلع تصنع بهذه البلدان، حتى لا يقال في الداخل، لماذا هذه البلدان تصنع هذه السلع ونحن لا نصنع.

ويرى المحلل الاقتصادي، أن السيناريو اللبناني والفنزويلي بدأ أصلا بالجزائر، لكن، أين سيصل وكيف سيحل؟ يجيب الأستاذ محمد الشرقي بالقول أنه شخصيا يرى أن الجزائر قامت بخطأ فادح جدا، وهو عندما أعلنت عن وقف العلاقات الديبلوماسية مع المملكة المغربية، لأن الموضوع صار ذات اهتمام دولي، وفي نفس الوقت الأزمة الجزائرية الاقتصادية الخانقة دخلت لمنطق التدويل، فالإعلام الأوربي والأمريكي والعربي وكذا الأسيوي تحدث عن هذا الأمر، وهو ما جعل أسئلة الإعلاميين والصحافيين تتجه صوب مسببات الأزمة الاقتصادية، وتعمل تحقيقات صحافية حول اقتصاد البلاد، باعتبارها هي من اتخذت قرار قطع العلاقات بشكل أحادي.

2022 ستكون سنة عصيبة اقتصاديا واجتماعيا على البلاد 

يرى محمد الشرقي الخبير الاقتصادي والمالي، أن سنة 2022 عمليا وعلميا ستكون صعبة جدا على اقتصاد الجزائر، لماذا؟ يجيب، لأنه ابتداء من 2022 سيتوقف النمو بالبلادـ، بحيث يمكن لنا القول "أن الموطور سيقف" ، وهذا ليس من نسج الخال أو عدم الموضوعية والدقة، بل هذا ما قاله تقرير للبنك الدولي، وآخر لصندوق النقد الدولي، إذ أشارت التقارير أن نمو البلاد سيترواح بين 0.2 في المائة أو 0.3 في المائة، أي أنه شبه متوقف، والنمو الديمغرافي سيكون متواصل بنسبة 2 في المائة، وبالنسبة للدخل فإن الجزائر ستفقد ما بين 20 إلى 30 مليار دولار سنويا، ابتداء من 2022، ماذا سيقع؟ يجيب محمد الشرقي بالقول، إنه سيقع انهيار في القدرة الشرائية للمواطن المتوسط وليس الفقير. لذلك فالسيناريو المتبقي للجزائر أن تلتجئ إليه، هو لجوؤها  إلى صندوق النقد الدولي، وإبرام اتفاق معه، وهو أمر مستبعد، نظرا للشروط التي يضعها الصندوق، وعلى رأسها دولة مدنية، وتوقيع اتفاقيات دولية ملزمة.


إقرأ أيضا