التاريخ المنسي لحرب الموانئ - تيلي ماروك

التاريخ المنسي لحرب الموانئ التاريخ المنسي لحرب الموانئ

التاريخ المنسي لحرب الموانئ
  • 64x64
    Télé Maroc
    نشرت في : 08/12/2021

قبل أن يصبح المغرب أول رائد في تجهيز الموانئ في القارة الإفريقية، بعد افتتاح ميناء طنجة المتوسط الذي أزاح موانئ كبرى بالعالم من لائحة ترتيب أكبر الموانئ التي تحقق أرقام معاملات ضخمة سنويا، عاشت البلاد فترات تاريخية حالكة وأخرى ملتهبة، صنعنا من خلالها تاريخا كاملا من «حرب الموانئ» التي لم تكن تنتهي إلا لتبدأ..، خصوصا وأن الموانئ المغربية كانت دائما في مرمى مدفعيات إسبانيا والبرتغال. وحتى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية بل ومع استقلال المغرب، كان موضوع الموانئ المغربية دائما محاطا بكثير من الحساسية لما تمثله من رمزية تاريخية.
عندما قرر الفاسيون حرق ميناء الناظور

بعض المؤرخين، المنحدرين من فاس تحديدا أو من درسوا فيها، مثل عبد الهادي التازي الذي توفي أخيرا، وعبد الله الفاسي، الذي عايش المولى الحسن الأول ويعتبر أحد أهم المؤرخين الذين اشتغلوا في قلب دواوين الوزراء المغاربة خلال القرن 19 ورافق سفيرا مغربيا إلى أوربا في نفس الفترة، بالإضافة إلى الدكتور محمد الفاسي الذي كان أول وزير للتعليم في حكومة سنة 1956، كل هؤلاء تطرقوا إلى تاريخ مدينة فاس، لكنهم تجنبوا أو لم يركزوا أساسا، على الجوانب المحرجة لتاريخ بعض مشاهير فاس ومن صنعوا مجدها..، خصوصا في تنافسهم على السلطة والمال.

إذ إن واقعة محاولة الفاسيين إحراق ميناء مدينة الناظور، والتي تطرقت لها الكتابات الأجنبية أكثر مما أشار إليها المؤرخون المغاربة، كانت أعنف ممارسة لجأ إليها تجار فاس وأثرياؤها للتعبير عن رفضهم ميلاد منافسين لهم.

تعود الواقعة إلى ما قبل مجيء الدولة الإسلامية إلى المغرب، وهناك من شكك في الموضوع، وقال إن الواقعة حدثت بعد وفاة المولى إسماعيل، لكن لا توجد وثائق ولا مراسلات رسمية توثق لتاريخ معين للواقعة. إلا أن ما يهم هو تفاصيلها التي تناقلت عبر التاريخ الشفهي، والتي تطرق لها عدد من المؤرخين والباحثين في التراث الشفهي، خصوصا في منطقة الريف. إذ إن الحادث يعود إلى غضب الفاسيين من تضرر تجارتهم بسبب الغارات التي قام بها الإسبان على ميناء مدينة الجديدة، أحد أقدم الموانئ التي تعامل معها الفاسيون. بل إن سفراء القصر كانوا ينزلون في الجديدة بحرا، ويشدون الرحال إلى فاس. تضرر هذا الميناء انعكس بشكل مباشر على الوضعية الاقتصادية لتجار فاس الكبار. حدث كل هذا وهم يراقبون كيف أن التجار القادمين من الناظور كانوا يسيطرون على السوق لأن ميناء الناظور في البحر المتوسط كان بعيدا عن الحرب التي تدور رحاها في سواحل المحيط الأطلسي على مشارف مدينة «مازاكان». وهكذا قرروا وضع حد لاغتناء التجار في الناظور، وقرروا إرسال من يحرق الميناء في الناظور.

وهو ما جعل الريفيين يقررون الانتقام وإحراق فاس بدورهم. لكن الواقعة لم تتم. إذ إن حكاية من التاريخ الشفهي في الريف المغربي، حسب ما نقله الباحث محمد أزناكي، الذي أنجز عددا من المقالات والدراسات عن الريف، تستحق أن تُروى. فقد قال، في مقال عن رغبة الريفيين في الانتقام وإحراق مدينة الناظور: «تقول الحكاية الشعبية المأثورة: إن ريفيي «آيت توزين» لما استشاط غضبهم وتذمرهم من جشع الفاسيين واستفزازاتهم، قرروا التخلص منهم بصفة نهائية عن طريق إحراق مدينة فاس التي تؤويهم، وهكذا شدوا الرحال إليها في حملة تأديبية غاضبة.. ولكن عندما بلغوا مشارف المدينة تفقدوا فتيل وعود الكبريت في رحلهم وبين أمتعتهم، فلم يجدوا له أثرا. ربما نسوه.. أو أضاعوه في الطريق. ومع ذلك، ومن شدة سخطهم على هؤلاء القوم، لم يرضوا حتى بشراء عود الكبريت من عندهم، بل فضلوا العودة أدراجهم إلى أرض الريف لجلبه، ومن ثم العودة مرة أخرى لإتمام مهمة إحراق فاس. هذا ما يقوله متن الحكاية حسبما هو متوارث جيلا عن جيل. أما أنا فقد حاولت التجوال بين مجموعة من الكتب التي قلما تخلو منها إشارة ولو من بعيد إلى دخان النار/ الحكاية. والتي تعود جذورها إلى العصر «المغربي» الوسيط، أيام كان ميناء الدولة البادسية بالريف، المنفذ البحري الدولي الوحيد بالنسبة لـ«الدولة» المغربية، والمرفأ الأقرب لعاصمتها فاس (في زمن لم يكن فيه شيء اسمه ميناء طنجة المتوسط، ولا الصويرة ولا الدار البيضاء) هذا الميناء الريفي التاريخي الذي لعب دورا حيويا كبيرا في تنشيط حركة المبادلات التجارية بين ضفتي المتوسط، بعدما تكاملت مجموعة من العناصر المتضافرة في تبوئه لهذه المكانة التجارية والاقتصادية الهامة والخطيرة، خاصة موقعه الجغرافي الاستراتيجي، كنقطة وصل بين الساحلين المتوسطيين، الجنوبي الريفي الإفريقي».

 

الجمارك المغربية.. قبل 400 عام وصفها الأجانب بـ«الصارمة»

في اعتقاد عدد من الباحثين، خصوصا الأجانب الذين ركزوا على تاريخ المغرب، فإن «حقد» موظفي الجمارك المغاربة على الأجانب كان نابعا من منظور ديني. لكن الحقيقة أن موظفي الجمارك المغاربة عبر التاريخ القديم لإطلاق الموانئ المغربية، كانوا دائما متجهمين، ولم يكن منصبهم يسمح لهم بتكوين صداقات مع أحد ولا قبول الرشاوى.

وكلما خرج بعضهم عن القاعدة، كان البقية ينتظرون أن يتم العصف بهم لتعويضهم بآخرين يبدؤون بنفس الصرامة لكي يلاقوا نفس مصير من سبقهم في حالة التساهل في استخلاص الضرائب.

كان هؤلاء الموظفون موزعين على الموانئ الكبرى، خلال الأربعة قرون الأخيرة، أي منذ عهد المولى عبد الرحمن تقريبا، الذي ورث عن أسلافه نظاما ضريبيا غير مستقر، لكنه كان من الصرامة بما يكفي لاستخلاص الضرائب كلما كانت الدولة في حاجة إليها.

ولأن الحدود البرية وقتها لم يكن لها وجود، فقد كان وجود الجمارك متركزا أساسا في الموانئ، خصوصا موانئ الجديدة والصويرة وطنجة وأيضا ميناء الدار البيضاء الذي أعيد بناؤه كليا سنة 1907 ليصبح الميناء الأول في المنطقة وليس في المغرب فقط، قبل أن تأتي فصول أخرى من التاريخ.

هؤلاء الموظفون لم يكونوا يتوارثون مناصبهم على شاكلة القطاعات الأخرى التي تتوارثها العائلات. وإنما كان الوصول إلى مناصب استخلاص الضرائب في الموانئ يأتي عبر اختيار وزراء داخل القصر الملكي لمن يكون مناسبا للمهمة. حيث يتدخل القضاة وعلماء القرويين بفاس، في لائحة تلك التعيينات، وترفع إلى القصر مباشرة لكي يقرر فيها. وعندما ترغب الدولة في بدء إصلاحات ضريبية، فإن أول من يطيرون من مناصبهم هم موظفو الجمارك، خصوصا عندما لا يكون أداؤهم مقنعا.

لذلك كان الراغبون في الاستقرار بكنف المخزن، يتهربون دائما من العمل في قطاع الجمارك، لأنه كان دائما الملعب الذي لا تستقر أرضيته ولا لاعبوه، ولا يدخله فريق إلا ليغادره. 


إقرأ أيضا