عندما طردت الجزائر 350 ألف مغربي ردا على المسيرة الخضراء   - تيلي ماروك

الجزائر - طرد مغاربة - المسيرة الخضراء   عندما طردت الجزائر 350 ألف مغربي ردا على المسيرة الخضراء  

عندما طردت الجزائر 350 ألف مغربي ردا على المسيرة الخضراء  
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 14/12/2020

لم ينتظر الرئيس الجزائري هواري بومدين طويلا للرد على المسيرة الخضراء، ففي الثامن من دجنبر 1975، اتخذت الحكومة الجزائرية قرارا بطرد آلاف المواطنين المغاربة المقيمين بصفة شرعية بالتراب الجزائري.

هؤلاء الأشخاص الذين اندمجوا، منذ عقود بالجزائر، أسسوا أسرا جزائرية مغربية، وحملوا السلاح خلال الحرب في مواجهة المحتل الفرنسي، تتم مجازاتهم في النهاية بقرار الطرد التعسفي، وحتى بدون سابق إشعار، نحو المغرب. والأغرب في القرار أن يتم تنزيله في يوم عيد الأضحى، العيد الذي تحول إلى مأساة إنسانية، بالنسبة للذين شملتهم وكافة أفراد أسرهم عمليات الطرد.

وبحلول الذكرى الـ45 لهذه «المناسبة» الأليمة، مازال الأفراد الذين طالهم قرار الطرد ومن ذوي حقوقهم، من يتساءلون مجددا حول هذه الوقائع. التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر سنة 1975، في بيان له بالمناسبة أكد أن وقعها هذه السنة، يكتسي طابعا أكبر بفعل تداعيات جائحة كوفيد 19 المستجد.

«لقد وقع هذا المشهد في الوقت الذي كان فيه المسلمون، عبر العالم، يحتفلون بأحد أهم الأعياد الدينية: عيد الأضحى، حيث اقتيد الآلاف من النساء والرجال والأطفال والمسنين ومن ذوي الإعاقة في اتجاه الحدود المغربية. إنهم أفراد من أصول مغربية، أرغموا على مغادرة الجزائر مطرودين من البلد الذي استقروا به، منذ عقود من الزمن، وغالبيتهم رأوا النور به»، وحذر التجمع من ارتفاع المعاناة التي ستكبر عندما يكون من يقف وراءها وتسبب فيها، مسؤولون ببلد جار، بلد شقيق.

في هذه الورقة نسلط الضوء على مبادرة ذوي الحقوق، الذين عاشوا هذه المأساة الإنسانية، بتحيينها وجعلها ذاكرة حية من خلال تأسيس جمعيات لهذا الغرض. نسلط الضوء على هذه المأساة من زاوية أخرى، حيث نزيح طبقات الغبار عن نجوم عاشت الحدث وتمردت على الضياع.

فتيحة السعيدي.. البرلمانية الناجية من الترحيل بسبب رحلة

ذاقت فتيحة السعيدي مرارة التهجير، لكنها أصرت على الهجرة إلى أوربا لإعادة بناء مستقبلها، حتى أصبحت من نجوم السياسة في بلجيكا. لكن الكثير من المتتبعين لا يعرفون بأنها من ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر. كانت مرشحة للطرد وورد اسمها في وثائق المرشحين للإبعاد من طرف النظام الجزائري، كان القدر المحتوم ينتظرها في مخفر للشرطة كي تتكدس في الشاحنة المخصصة لإجلاء مغاربة الجزائر، على غرار آلاف المغاربة الذين رحلوا، لكن الصدفة لعبت لفائدتها، فقد كانت حينها في بلجيكا رفقة والدها. كان عمرها أثناء النكبة لا يتجاوز 14 سنة.

ندرت فتيحة السعيدي التي تنحدر من منطقة بني سعيد، بنواحي إقليم الناظور، حياتها للدفاع عن قضايا المظلومين والمهمشين في كل بقاع الدنيا في البرلمان البلجيكي، لكنها لم تتعرف على المحنة إلا في سنة 2007، وهي السنة التي التقى فيها والدها مع جمعويين مهتمين بالقضية.

عندما تذكر والدها النكبة وكيف رحلت جدتها وجدها كالأكباش، في أيام العيد، دون سابق إشعار، بدأ الأب، دون أن يستطيع التغلب على أحاسيسه، يذرف الدموع بحرقة، أحست البرلمانية السعيدي بالصدمة، ومنذ تلك الفترة قررت أن تفتح ملفا للقضية في مكتبها، وأن تخدم القضية، وفاء لأسرتها، ولوالدها الذي فقد ممتلكاته، ولجميع الضحايا.

مع مرور الأيام أصبحت فتيحة عضوا في مجلس الشيوخ البلجيكي الاشتراكي، وعنصرا في لجنة المساواة وعدم التمييز بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وقامت بزيارة استطلاعية لمدينتي الدار البيضاء والرباط٬ وذلك في إطار تحضيرها لتقرير حول «المساواة بين الجنسين ووضعية النساء بالجوار الجنوبي لمجلس أوروبا»، كما ترددت على معرض الكتاب في الدار البيضاء٬ وشاركت في جلسة نقاش حول «الهجرة في جميع أبعادها - مغاربة العالم في الدستور الجديد»٬ وكانت لها لقاءات مع أكثر من وزير في حكومة المغرب، وفي كل لقاءاتها يحضر شبح الترحيل فالهجرة ليست دوما حلما، ففي واقعة طرد مغاربة الجزائر إجبار على الهجرة القصرية إلى الوطن.

المختار الإدريسي.. ضحية تهجير يصبح خبيرا بوكالة للاتصالات بأمريكا

ينحدر المختار وأسرته من مستغانم، المجاورة لمدينة وهران، وكان عمره لا يتجاوز 18 سنة، حين شمله قرار الترحيل القسري حينها، لكنه واصل دراسته في مدينة وجدة، قبل أن يقرر السفر في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية التي ظهرت فيها عبقريته وأضحى يشغل منصب مدير عام لوكالة كبيرة للاتصال، ويساهم في شبكة الاتصالات في كبريات القنوات التلفزية الأمريكية.

في كثير من حواراته يتحدث المختار عن واقعة التهجير، وكيف عاشها وهو شاب سيما أن الحدث صادف عيد الأضحى، ما زاد من قلق المطرودين على نظام لم يراع مشاعر المسلمين في عيد ديني،  لقد كان الكل منهمكا في تفاصيل العيد ويعد نفسه ليوم حافل تسوده أجواء الفرحة والسرور كما تقضي بذلك التقاليد والعادات التي فيها ما يذيب كل الفوارق الاجتماعية والثقافية بين المغاربة والجزائريين، في هذا الجو الديني والحميمي فوجئت العديد من الأسر بجيش عرمرم من العسكر والدرك والشرطة ومختلف المصالح الأمنية، وهي تنكل بكل من له أصل مغربي وتشبعهم سبا وشتما في «المروك».

شمل الطرد العائلات الجزائرية التي تربطها أواصر الدم والقرابة مع المغاربة، بحيث عمد نظام بومدين إلى تفريق الابن عن والدته إن كان الزوج جزائريا، حينها يتم طرد الزوجة في حين يبقى الزوج والأبناء رغما عن إرادتهم في الجزائر، أما إذا كانت الزوجة جزائرية والأب مغربيا، فالطرد يكون من نصيب الأب والأبناء على أساس أن أصلهم مغربي، في حين تبقى الزوجة مرغمة في الجزائر.

لكن الشاب الذي تم تهجيره عبر حافلات وشاحنات نقل البضائع التي أصبحت شاحنات لنقل المطرودين، من مغنية إلى وجدة عبر طريق طويلة ومتعبة وشاقة جسديا ونفسيا، كانت دافعا للمختار كي يصبح من نجباء ثانوية وجدة ويصنع مجده في بلد العم سام.

محمد الشرفاوي.. مطرود بالوكالة الدولية للطاقة النووية يكتب عن «المسيرة الكحلة»

وضع محمد الشرفاوي، الذي كان يتابع دراسته في شعبة الفيزياء في جامعة الجزائر العاصمة، سقف أحلام تجعل منه عالما من علماء الفيزياء. تجمع روايات من صميم النكبة على أن الشرفاوي كان لحظة الترحيل يحمل حقيبتين من الكتب، وبعد التحقيق معه من قبل الشرطة والدرك، اقترحوا عليه أن يبقى في الجزائر ليواصل دراسته، لكنه رفض هو ووالده، وفضل أن يحشر مع بقية أفراد الأسرة في اتجاه المغرب. واجه صعوبات كبيرة بعد الترحيل، لأن الجامعات المغربية كانت حينها تفتقر إلى تخصصه، ما دفعه إلى مواصلة المعركة من أجل متابعة دراسته في الخارج. توجه نحو فرنسا، وحصل على دكتوراه في الفيزياء، وهو حاليا يشتغل أستاذا جامعيا، ويحمل صفة خبير لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية، لقد ضحى الشرفاوي من أجل الوطن وتمكن من ركوب صهوة المجد وأصبح أولئك الذين طردوه يوما يطلبون وده.

لكن الشرفاوي يختلس من عالم الطاقة النووية المعقد، ساعات للنبش في الطرد الوحشي والتعسفي في حق أزيد من 300 ألف مغربي، تم اقتيادهم بشكل قسري إلى مراكز الاعتقال بالجزائر حيث قضوا أزيد من شهرين قبل أن يتم ترحيلهم نحو المغرب، تاركين وراءهم قسما من أسرهم وكافة ممتلكاتهم.

ألف الشرفاوي كتابا يحمل عنوان «المسيرة الكحلة» تناول شهادة شخصية وذاتية لمغربي شاب من بين المغاربة الذين تم ترحيلهم من الجزائر في 1975، ويركز الكتاب الذي ساهمت في تحريره مارتينا بارتوس، كاتبة سير ذاتية، على المعاناة التي عاشها المغاربة على إثر قرار جائر للسلطات الجزائرية.

ويقول رئيس جمعية المغاربة المطرودين من الجزائر محمد الشرفاوي مؤلف الكتاب، في كلمته أثناء تقديم هذا المؤلف في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، إنه ومنذ ترحيل عائلته في عام 1975، لم يستطع أن يحكي ما وقع في الفترة لأولاده حتى توفيت والدته في عام 2005، ليقرر أن يؤرخ لذلك الألم الذي عاشه وشاطرته إياه 45 ألف عائلة أصبحت في ليلة وضحاها دون مأوى تاركة ورائها ممتلكاتها ومتجهة نحو المجهول.

وقال الشرفاوي إن من الصدف أن مكان المعرض الدولي للنشر والكتاب في الدار البيضاء حاليا، احتضن في عام 1975 مئات المغاربة المطرودين من الجزائر، وأضاف قائلا: «أردت كتابة هذا العمل ضد النسيان، حتى لا يصبح هذا الأخير معاناة ثانية، فالأجيال الحالية أو المستقبلية يجب أن تعرف تاريخها».

وجاء في مقدمة الكتاب التي كتبتها فتيحة السعيدي عضو مجلس الشيوخ في بلجيكا ومن إحدى العائلات المغربية المطرودة، أن «طريق الذاكرة طويل، لكن يجب سلكها».

قائمة بلعوشي.. صحافية تخضع للتهجير من بوابة مدرستها الابتدائية

ولدت قائمة بلعوشي سنة 1965 في بلدة صغيرة تسمى تاركا تابعة لولاية وهران غرب الجزائر، بعد عشر سنوات تعرضت إلى جانب عدد كبير من المغاربة المقيمين في الجزائر للطرد إلى الحدود وعاشت وهي طفلة صغيرة مأساة الإجلاء. قبل أن تغادر المدرسة في 25 دجنبر عائدة إلى بيتها، التقت والدها أمام بوابة المؤسسة ينقل لها خبر «الخروج النهائي» والاستعداد لسفر ليس ككل الأسفار.

انتقلت قائمة رفقة أفراد أسرتها إلى مخفر الشرطة ومنه تم الترحيل إلى الحدود الغربية للجزائر رفقة مئات من المغاربة الذين تقرر ترحيلهم إلى المغرب. عاشت قائمة رفقة أسرتها في المخيم الحدودي بوجدة، وأقامت في «خيرية» المدينة قبل أن يتم تدبير ملف العائدين من طرف وزارة الداخلية المغربية، حيث تقرر توظيف والدها في إحدى الإدارات براتب زهيد في مصلحة إدارية بالرباط.

حين تستدرج قائمة بلعوشي رئيسة القطب الرياضي بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، للحديث عن هذه المأساة، تغالبها الدموع مما لحقها وعائلتها أثناء طردهم من الجزائر، مؤكدة بأنه لم يتسن لها «توديع جدتها أو العائلة أو الأصدقاء»، وقالت في حوار صحفي: «لقد قضيت بعد ذهاب إلى «تيموشانت» وأنا في سن 10 أو 11 من عمري ليلة بيضاء في زنزانة مكتظة بأحد المخافر، وسط رائحة قذرة ونتنة بدون أفرشة أو أغطية في وضع لا يمكن أن يتصور».

واعتبرت عميدة الصحافيات الرياضيات، أن وصول المطرودين لمدينة وجدة يوم 26 دجنبر كان بمثابة حفل وعيد، وأن وجودهم في بلدهم وإحساسهم بالانتماء، وسماع كلمات النشيد الوطني «الله الوطن الملك»، شيء لا يمحى من ذاكرتهم. وأكدت في الوقت ذاته أنه يجب التكلم وكشف مجزرة التاريخ البشرية التي حدثت عام 1975، حتى لا تبقى هذه الحقيقة في طي الكتمان.

جل المتتبعين يجهلون بأن هذه الصحافية التي تعتبر من أولى النساء اللواتي اقتحمن عالم الصحافة الرياضة النسائية، والتي ظلت حكرا على الذكور إلى وقت قريب، تنتمي إلى أسرة المطرودين من الجزائر. قبل أن تعمل على تجاوز ألم الفاجعة بالتحصيل والتدريس وتمكنت من أن تصنع لنفسها اسما معروفا في عالم الإعلام الرياضي.

سالم مقران.. كاتب سيرة الغدر بعنوان «دم الميت»

عاش سالم مقران مأساة الترحيل التعسفي لآلاف المغاربة، الذين لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم ولدوا وعاشوا في الجزائر، تحدى الشاب قساوة الترحيل وأصبح أستاذا للغة الفرنسية بزايو ضواحي الناظور، قام بنشر كتاب بعنوان «دم الميت»، وهو عبارة عن شهادة حية حول صفحة مظلمة من تاريخ منطقة المغرب العربي.

في هذا الكتاب، يحكي مقران مأساة 45 ألفا من المغاربة الذين كانوا في نونبر 1975 ضحايا ترحيل جماعي. ورغم أن الكتاب أقرب إلى السيرة الذاتية، إلا أن صاحبه يؤكد أن «دم الميت» هو «شهادة بسيطة» حول جريمة «دنيئة لا تغتفر» أمر بها أصحاب القرار السياسي، ضاربين عرض الحائط جميع الاعتبارات الدينية والإنسانية.

وقال الكاتب، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن «الأمر لا يتعلق بقصتي الشخصية، ولكن بقصة كافة المطرودين من الجزائر الذين لم يكونوا يعتقدون، في يوم من الأيام، أنهم سيطردون بكيفية غير إنسانية وبهذا القدر من الكراهية، حيث تم انتزاع الأمهات من فراش نومهن، والأطفال من مقاعد الدراسة، والرجال من مقار عملهم، واقتيد المرضى تحت تهديد السلاح من المستشفيات.

ويذكر سالم في مقدمة الكتاب أن المأساة كانت واحدة بالنسبة لجميع الضحايا: «هات المفاتيح وغادر البيت»، وكانت ردود الفعل عموما متشابهة: عجز ويأس ومعاناة، مشيرا إلى أن «عددا من رجال الشرطة، المكلفين بتنفيذ عملية الترحيل، كانوا مستائين من هذه العملية الإجرامية، ومحرجين من نظرات جميع هؤلاء الشيوخ والرجال والنساء الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم عاشوا في الجزائر».

نسيم عباسي.. طرد طفلا وعاد إلى الجزائر مخرجا

هو مخرج ومنتج أفلام مغربي من مواليد تمسمان شمال شرق المغرب، وهو زوج الممثلة المغربية عالية الركاب، درس في المملكة المتحدة، وأقام بلندن مدة خمس عشرة سنة قبل العودة إلى المغرب سنة 2006، وسبق له إنتاج وإخراج الكثير من الأفلام القصيرة التي أشاد بها النقاد في الكثير من الملتقيات والمهرجانات السينمائية

عاش نسيم في المحمدية وهو من أصل ريفي انشطرت طفولته بين المغرب والجزائر، بعد أن حصل على الباكالوريا بالمغرب انتقل إلى فرنسا ثم إلى انجلترا لمتابعة دراسته في معهد السينما بجنوب لندن وبعد قضاء أربعة سنوات تخصص في الإخراج السينمائي.

بدأت حياته المهنية بلندن منذ سنة 1997 وخلال أربعة سنوات قام بتصوير عدة أفلام قصيرة ومتوسطة انجليزية قلبا وقالبا، وبالموازاة انكب على تحضير الدكتوراه في الجمالية في السينما العربية.

أنجز نسيم عملا سينمائيا حصد العديد من الألقاب، ومن محاسن الصدف أن يتألق فيلمه «ماجد» في مهرجان وهران للفيلم العربي ويتوج بجوائز، لم تخب التوقعات التي رشحت الفيلم المغربي للمخرج نسيم عباسي للفوز بإحدى الجوائز، لدى مشاركته بمهرجان وهران للفيلم العربي في دورته الخامسة فجمع التألق من كل أطرافه.

يقول نسيم في حوار أجراه مع صحيفة القدس اللندنية: «هذا الفيلم يتصل اتصالا شخصيا وثيقا بي، نجم عن رغبتي باسترداد جزء من ذاكرة طفولتي، حين اكتشفت أنها ضاعت مني، مع أنها كانت سعيدة، لاعتبارات سياسية، فأنا من أم جزائرية وأب مغربي، وأقمت مع عائلتي في الجزائر حتى سن العاشرة، عندما اندلعت الأزمة السياسية بين الجزائر والمغرب على خلفية قضية الصحراء، وقيام الرئيس الراحل بومدين في السبعينات، بترحيل حوالي خمسة وأربعين ألف مغربي عن الجزائر، كانت عائلتي من بينهم. بقيت سنوات طفولتي العشر مبهمة، وغير واضحة المعالم في ذاكرتي، لذلك قررت الاشتغال على فيلم يحكي عن طفل يعاني أزمة ذاكرة. خلقت من ماجد شخصية تسعى لمعرفة ملامح ماض، لم يعد يربطه بها إلا صورة لوالديه الراحلين، لكن الصورة الوحيدة التي كان يملكها، محروقة الوجهين، وأخذته في رحلة للبحث عن صورة كاملة الملامح لوالديه أخبره شقيقه الأكبر عنها، لكي يسترد ذاكرته، ويخرج من شرك الماضي».

ميلود الشاوش..التلميذ المطرود من القسم يصبح رئيسا لجمعية المطرودين

في كل مناسبة يطالب ميلود الشاوش رئيس جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، الدولة الجزائرية بتفعيل التوصيات الأممية الخاصة بالمغاربة ضحايا التهجير القصري الجماعي. ويدعو الحكومة المغربية بتحمل مسؤوليتها للدفاع عن هذه القضية أمام المنتظم الدولي.

حكاية مأساة الشاوش المولود لأبوين مغربيين، تعود إلى صبيحة يوم بارد من أيام شهر دجنبر سنة 1975، أيام قليلة فقط تفصل الطفل عن فرحة العيد، كان جالسا في الفصل الدراسي حين حل شرطيان بالزي المدني وبدآ في المناداة على اسمه وأسماء أطفال آخرين، قال الشاوش: «تملكني الخوف حين تم اقتيادنا نحو المجهول».

تفاجأ الصغير حين وجد جميع أفراد أسرته داخل مخفر الشرطة المكتظ رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا، ما إن لمح والدته التي تحمل أخاه الرضيع ويحيط بها إخوته الأصغر حتى سألها بريبة: «ما الذي يحدث؟ لماذا نحن هنا؟»، علم الولد أن ساعة العودة إلى المغرب قد حلت.

في حوار صحفي كشف ميلود عن ساعات في جحيم المخفر، هو ووالده ووالدته وجدته وإخوته الخمسة. لم ينس ميلود الشاوش، الذي بات أحد أشرس المناضلين لرد الاعتبار لضحايا هذا التهجير. مؤسس جمعية أطلق عليها اسم «المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر» بمدينة الرباط حيث يستقر، يكشف عن رحلة مرعبة امتدت لساعات من مدينة تلمسان صوب الحدود. وفي إحدى مداخلاته في ندوة حول المأساة كشف الشاوش عن القصف بالحجارة الذي تعرضت له الحافلة التي كانت تقل المهجرين، «تعرضت حافلتنا لرشق بالحجارة حين وصولنا لمدينة مغنية الجزائرية، ارتفع صراخ الصغار كما النسوة، وكان برفقتنا مرضى خاضعون لعمليات جراحية ونساء حديثات الولادة أُخرجوا من المستشفيات عنوة، وتوفي الكثير منهم على الحدود. كنت تلميذا، كنا نملك بيتا جميلا وسيارة وكان لوالدي مدخول جيد، بين ليلة وضحاها غادرت مدرستي، وحرمت من كتبي وملابسي وانتقلنا للإقامة داخل خيمة بمخيم للاجئين لم تحمنا من الأمطار ولا من برد فصل الشتاء».

لقاء مع الحسن الثاني غير مجرى ملف المغاربة المطرودين من الجزائر

رغم النكبات التي عرفها المغرب في هذه المرحلة الزمنية العصيبة منتصف السبعينات، سيما بعد إقدام السلطات الجزائرية على طرد المغاربة المقيمين في الجزائر واقتيادهم إلى الحدود في ظروف مأساوية، لقد قرر وزير الداخلية حدو الشيكر ترحيل الجزائريين المقيمين في المغرب كرد فعل ضد قرار الجيران، حينها اقترح إدريس البصري بصفته كاتبا للدولة في الداخلية على حدو مكاتبة الديوان الملكي في الموضوع.

يقول لحسن بروكسي مستشار البصري في مذكراته: «ذكرت الشيكر بتاريخ الدولة العلوية وتدبير نزاعاتها مع الخصوم، وقلت له إن الجزائريين المقيمين في المغرب يشتغلون في قطاع التعليم والصحة ومنهم مهندسون ورجال أعمال، لذا فمن الأفضل تحميل هواري بومدين ووزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة تبعات قرار الترحيل، لحسن الحظ أن الديوان الملكي أيد وجهة نظري، فقد قرر الحسن الثاني أن يبرهن للجزائريين أن المغرب قادر على تحمل أبنائه أينما كانوا ومهما كان عددهم».

في عز أكبر حملات الترحيل التي شنتها السلطات الجزائرية خلال عيد الأضحى من سنة 1975، توصل الحسن الثاني من وزارة الداخلية بشريط يكشف عن تجميع المرحلين في شاحنات في ظروف غير إنسانية، وكيف تم إرغامهم على ترك ممتلكاتهم وأموالهم، وأقاربهم من أصول جزائرية. وقدم له تقرير حول التفكك العائلي الذي ميز العملية، إذ تم تشتيت عدد من الأسر، وتفريق الأبناء عن الآباء والأزواج عن الزوجات. وبعض القراءات التي أكدت أن الترحيل جاء كرد فعل من السلطات الجزائرية على تنظيم المغرب المسيرة الخضراء، والتي شارك فيها ما يقرب من 350 ألف مغربي.

قال الملك لوزيره إن الهواري بومدين رد على مسيرتنا الخضراء بـ «مسيرة سوداء» كان الغرض منها إثارة «محن» ومشاكل اجتماعية على حين غرة. وعمل الملك الراحل الحسن الثاني على إعطاء تعليماته من أجل توظيف جزء كبير من المطرودين في أسلاك الوظيفة العمومية وبعض القطاعات التابعة للدولة، وتم تمكين عدد منهم من منازل تابعة للدولة.

رفض الحسن الثاني مقترحا بتوجيه نداء للمجتمع الدولي من أجل مساعدة المرحلين، وقال لوزيره في الداخلية، إن جزائر هواري بومدين أخطأت عندما اتخذت قرار طرد جميع المغاربة المتواجدين على أرضها، من دون سابق إنذار، وفي ظروف غير إنسانية، مع أنها كانت تقيم بصفة شرعية في الجزائر بعد اندماجها في المجتمع الجزائري طوال عشرات السنين. «الآن علينا سلك القنوات القانونية والمطالبة بتعويض السلطات الجزائرية لهذه الأسر مع تمكينها من استعادة ممتلكاتها، وطرق باب اللجنة الأممية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم».

نداء التجمع الدولي لدعم عائلات المطرودين: عبروا جهرا

أصدر التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر، ورقة في الذكرى الـ45 للمأساة، كشف فيه عن الرغبة في نسيان مآسي هذا الماضي الأليم والأحزان التي تراودهم دوما، وكيف حافظ الأشخاص المطرودون من الجزائر على الصمت ورباطة الجأش، جاعلين الألم مضمرا في أعماق نفوسهم، إلى حين دفنه معهم. لقد ورث الأبناء والأحفاد هذا الموضوع، الذي أصبح في نظرهم عملا مؤسسا لذاكرتهم وماضيهم، واحتفظوا أيضا بآثار هذا الطرد، ولكن، على عكس آبائهم، حركتهم إرادة قوية في أن يروا هذه الأحداث معترفا بها، كي يتم رد الاعتبار لهم ولتاريخهم وآلامهم. وانطلاقا من ذلك تاريخ صيانة ذاكرة أعزائهم الراحلين وآلامهم ولو بشكل غيابي.

«مع تجاوز خطاب الضحية، ومع تعبئة روح الانفتاح والتصالح والإنصاف التي تحدوهم بشكل دائم، قرروا أن يحولوا مشاكلهم وآلامهم وصعوباتهم ضمن استراتيجية جماعية، تقوم على ضمان مصلحة أكبر عدد ممكن من الأفراد. وهو تمرين جيد على مقاومة الضغوط من أجل إعادة امتلاك جزء من تاريخهم دون نوستالجيا ودون حقد أيضا، ومحاولة للفهم، فهم وتحليل مع العودة إلى الماضي، والاستماع للشهادات وتقاطع الأحداث...، وبكلمة واحدة إعادة تشكيل هذه المرحلة من التاريخ التي تم نسيانها بسرعة. إن هذه الاعترافات المذكورة مهمة، ولكن تبقى غير كافية بشكل كبير، وناقصة وجزئية، خاصة عندما يتم أحيانا حجب الأحداث نفسها وتداعياتها، وإعادة النظر في وجودها.

وأمام هذه التأكيدات لحملات الطرد، فإن الغرض منها ليس التنقيص من جدواها أو نفيها تماما من قبل السلطات الجزائرية في 1975، بل العمل على كشف وإطلاع واحد على الوثائق المجمعة في جنيف، وكلها تشكل أرقاما ذات دلالة.

لقد تم، ابتداء من دجنبر 1975، توزيع كميات ضخمة من المواد الغذائية والخيام والأغطية في مخيمات بالمغرب في أعقاب عمليات الطرد الجماعية التي كان ضحيتها هؤلاء المغاربة المقيمين بالجزائر، من الصعب تصور أن آلاف الأطنان من الحليب، ومئات الآلاف من الأغطية يتم توجيهها إلى ثلة من الأشخاص. هذه المعلومات المستقلة في جنيف ليست إلا الجزء المرئي من جبل الجليد، وهي تمثل جزءا من القسم الغارق الذي يلزم تسليط الضوء عليه للرد على الأسئلة التي ظلت معلقة، ويتعلق الأمر إذن بمواصلة العمل على هذه الأحداث «التاريخية» من أجل تسجيلها وفق منظور تاريخي، وإعادة الاعتبار لكرامة آلاف الأشخاص وكذا التحذير كي لا تتكرر فترات مأساوية كهذه (من بين أخرى) في تاريخنا.

وستتيح هذه القراءة أيضا لكافة الأشخاص المطرودين، الذين مازالوا على قيد الحياة، أن يقولوا لأنفسهم وأن يتحدثوا، وأن يتاح لهم التحرر من آلامهم، ليس مجرد تنفيس، ولكن تحويل ذلك كطاقة إيجابية لخدمة الذاكرة وضمان مستقبل أكثر صفاء. وفي هذه الشهادات هناك مجال للاستماع (والانصات) لأصوات، لم يتم الاستماع إليها بشكل جيد، أو لم يتم الإنصات لها بما فيه من كفاية.

وبمناسبة هذه «الذكرى» المؤلمة نوجه نداء إلى كل الأشخاص الذين تحركهم هذه المبادئ كي يلتحقوا بنا من أجل تقاسمها وحملها وإيصالها إلى حد الاعتراف بالخروقات الحاصلة، ولتذكير المسؤولين الجزائريين بثقل مسؤولية شاملة تظل ثقيلةً. وبدون ذلك، نكون مضطرين للتذكير بالأمر في شهر دجنبر من كل سنة. وفي هذا السياق، نشير إلى أن 10 دجنبر هو اليوم العالمي لحقوق الإنسان».

 


إقرأ أيضا