ضباط مغاربة قهروا البوليساريو وعاشوا بعيدا عن الأضواء لا يعرفهم أحد - تيلي ماروك

ضباط مغاربة - البوليساريو   ضباط مغاربة قهروا البوليساريو وعاشوا بعيدا عن الأضواء لا يعرفهم أحد

ضباط مغاربة قهروا البوليساريو وعاشوا بعيدا عن الأضواء لا يعرفهم أحد
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 12/10/2020

منذ وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو، في بداية عام 1991، بدأت طبقات الغبار تلف ذاكرة المغاربة، إذ نادرا ما يذكر الناس معارك الصحراء وأبطالها الأشاوس الذين وهبوا حياتهم للوطن، فمنهم من مات في صمت ومنهم من استشهد في ساحة الشرف ومنهم من يقضي ما تبقى من حياته في تقاعد رتيب.

ما زالت آثار القتال بادية على أجساد العديد من الجنود وضباط الصف والضباط الذين صنعوا ملاحم الصحراء في كثير من المعارك، وفي جلساتهم يستحضرون بعض المواجهات التي كانوا فيها على خط الموت، ويروون تفاصيل الجبهة الأمامية وخنادق الدفاع عن الوطن.

هي واحدة من أطول الحروب في العالم رغم ما تخللها من توقف، قبل أن يسمع من جديد صوت الرصاص، مجموعة من المعارك المتناثرة على رمال الصحراء دامت أكثر من ثلاثين سنة، شهدت ست عشر سنة منها معارك طاحنة وخلفت المئات من الضحايا بين الطرفين لا أحد يعرف عددهم اليوم بالتدقيق، لكن الذاكرة تحتفظ بأسماء معارك الصحراء، والتي تم تخليدها داخل المدن المغربية ببعض الساحات والشوارع والأزقة والحارات والمرافق العمومية مثل: بئر أنزران، الحوزة، الفارسية، المسيد، السمارة وغيرها من أسماء المواقع في الصحراء، التي شهدت معارك طاحنة.

في هذه الملاحم برز أبطال منهم من تحمل شوارع وثكنات أسماءهم، ومنهم من عاشوا في ظل الحدث، وطال الصدأ نياشينهم بعد أن لمعت أسماؤهم أثناء احتدام فترة الحرب ضد انفصلاليي البوليساريو، لكن أغلب هؤلاء لا أحد يسمع بهم اليوم، وحتى إن عثر عليهم فغالبا ما يصرون على الصمت باسم التحفظ المهني الذي ما زال يسكنهم.

وفاة صامتة للغجدامي المراسل العسكري للحسن الثاني

يحترمه خصومه قبل رفاقه، يصفه صحافيو المعارك بـ«أسد الصحراء»، رغم أنه ظل يعيش في الظل حين يتعلق الأمر بتتويجات. هكذا عاش الكولونيل محمد الغجدامي في حرب الصحراء، وهكذا نجا الرجل عشرات المرات من موت محقق.

في معركة «واركزيز» الشهيرة، كتب لهذا العقيد أن يتواصل مع الملك الحسن الثاني مباشرة، أن يحيطه بأدق تفاصيل المعركة ضد ميليشيات البوليساريو، مدعمة من الجيشين الجزائري والليبي.

كان محمد الغجدامي مسؤولا عن الفيلق السادس للجيش المغربي تحت إمرة الجنرال أحمد الدليمي، وبأمر من الحسن الثاني عهد للغجدامي بالإشراف على سير العمليات والهجوم المباشر والكاسح على معسكر مرتزقة البوليساريو، مع ما تتطلبه المهمة من يقظة. جاء القرار الملكي بعد أن أحيط علما بمؤهلات هذا الرجل «الزيلاشي» الأصول، والذي كان مهندسا عسكريا يحظى بإعجاب الملك الحسن الثاني، لدرجة أثارت غيرة القائد العسكري للمنطقة الجنرال الدليمي.

قام العقيد محمد الغجدامي وفيلقه باكتساح مرتزقة البوليساريو وتدمير قوتهم، وكان على وشك الاشتباك مع الطائرات الحربية الجزائرية لولا أوامر الحسن الثاني، الذي أمر العقيد بالتراجع والعدول عن الهجوم على تندوف مباشرة. لتنتهي معركة «واركزيز» بتألق ملفت لثلاثة أبطال وهم: العقيد الغجدامي، العقيد عبد السلام العابدي والرائد إدريس الحارثي. تلقى الغجدامي تهاني الملك مباشرة، وطالبه بنقل تحياته لكل الجنود المرابطين بالصحراء، كما وعده بإرسال فرق غنائية ومسرحية للترويح عنهم.

في يوم من أيام سنة 1976، اتصل الحسن الثاني بالغجدامي وطالبه بمرافقة وفد صحافي مكون من مغاربة وأجانب، في زيارة إلى الجبهة العسكرية، وحسب ما أوردته صحيفة «العلم»، فإن الغجدامي قد طلب من الصحافيين أن يخرجوا معه في «نزهة» في الصحراء، للوقوف على حقيقة الوضع. يروي الصحافي محمد الأشهب الذي شارك في الجولة: «لن أنسى في حياتي تلك الخرجة، بعد أن نزع الغجدامي حزام سلاحه وراح يسوق «الجيب» كمجنون، ويسأل الصحافي الفرنسي: قل لي إلى أين تريد أن نمضي... أين هي البوليساريو؟ في ذاك اليوم، حين أحس الصحافيان والغجدامي ومرافقه بالجوع وسط الصحراء، أكلوا الخليع بالخبز والطماطم».

من المفارقات الغريبة أن يلفظ محمد الغجدامي أنفاسه في 14 ماي 2003، وهو يوم عيد ذكرى القوات المسلحة الملكية، مات هذا البطل الفذ بالمستشفى العسكري في الرباط، بعد أن نجا مرات من موت في اشتباك عسكري. مات الرجل الذي ضرب كفا بكف حين علم بخبر وقف إطلاق النار في الصحراء.

عبد السلام العابدي.. عقيد طرد النوم من عيون زعماء البوليساريو

يروى أن العابدي أو العبدي كان مثالا للشجاعة والإقدام و«كان شوكة في حلق البوليساريو إلى درجة أن هذه الأخيرة، وضعت من بين أهدافها الملحة تصفية هذا الضابط المغربي». لكن لغز وفاته ظل محيرا، إذ تتحدث مصادر إعلامية عن المعركة التي فقد فيها المغرب واحدا من خيرة ضباطه، وهي معركة أم ادريكة التي دارت رحاها يوم 16 شتنبر 1988.

تقول الروايات التي يتبادلها الراسخون في معارك الصحراء، إن القائد عبد السلام العابدي قد اعتقل في معركة أم ادريكة التي يحكى أن البوليساريو تكبدت فيها خسائر فادحة، وكان الضابط المغربي يراهن على هجوم كاسح ينهي حكاية ميليشيات الانفصاليين، وتم تكليف العقيد العابدي بالقيام بهذه المهمة، وتقدم على رأس الراجمة الثالثة، وقال لجنوده: «إذا انسحبوا سنطاردهم ولو في التراب الموريتاني»، إذ كان العابدي يخطط لخوض معركة حاسمة ونهائية.

تتحدث مصادر البوليساريو أن العابدي وقع مع عدد من ضباطه في فخ، فوجد نفسه محاصرا من طرف قوات البوليساريو، وتعرضت عربته المصفحة للنيران المعادية فأصيب إصابات بالغة (كان مجروحا ورجله مكسورة ومصابا على مستوى تحت العمود الفقري والبطن إصابة بالغة)، وأصيب نائبه الركراكي إصابة بالغة أيضا، كما مات اثنان من مرافقيه الستة، من بينهم قائد محطة الاتصال.

 تذكر مصادر العدو أن العقيد العابدي وقع أسيرا في قبضة البوليساريو وهو جريح، ثم مات لاحقا، لكن هل تلقى العلاج والمعاملة الإنسانية؟ هذا هو السؤال المقلق.

مما رواه الأسرى المغاربة عند البوليساريو فمن الراجح أن يكون الاحتمال الثاني هو الذي حدث، خاصة وأن البوليساريو كانت قد ذاقت الويلات من هذا الضابط المغربي في ساحات المعارك، وبالتالي لا نستبعد أن يكون قد تعرض للتعذيب والقتل، لأن درجة حقد العدو عليه كانت كبيرة.

وحسب الروايات الرسمية فإن سبب وفاته هو الخطأ الفادح الذي ارتكبه يوم استشهاده، حيث خالف الأوامر المعطاة له من القيادة الحربية بأكادير.

«كانت له كتيبة خاصة داخل الفيلق الثالث، كانت هذه الكتيبة مثل حرسه الخاص، وحوالي الساعة الرابعة صباحا اشتبكت ميليشيات البوليساريو مع بعض الكتائب القتالية للفيلق الثالث بالأسلحة الثقيلة، لكن العقيد العابدي وبدون إشعار القيادة بأكادير، قام باختراق الحزام الأمني مصحوبا بالكتيبة سالفة الذكر لمباغتة مهاجميه من قوات العدو، بمكان تمركزهم خارج الحزام الأمني. وكانت هذه هي نقطة ضعفه، حيث كانت مجموعة من المرتزقة تترصد خروجه من الحزام، وبالفعل اصطادته عند عبوره.

الكولونيل الحارثي.. فضل خوض المعركة قبل أداء مناسك الحج

في الدار البيضاء والخميسات والسمارة والعيون وتارودانت ومدن أخرى، تحمل شوارع وأرقة ومؤسسات تعليمية وساحات عمومية اسم الشهيد الكولونيل إدريس الحارثي، الرجل الذي قدم حياته قربانا للوطن في أم المعارك بالسمارة.

ولد إدريس الحارثي بناصر بمدينة الخميسات عام 1934، درس في المسيد، قبل أن ينتقل إلى مدرسة الأطلس بالخميسات، حيث تابع تعليمه النظامي ومنها إلى مدارس محمد الخامس بالرباط، قبل أن يدخل مجال التعليم العسكري ويلتحق بإحدى المدارس في القاهرة.

انضم إدريس مبكرا إلى فيالق جيش التحرير، في زمن كان فيه العديد من سكان زمور يفضلون إلحاق أبنائهم بالجيش الفرنسي، بينما شكل جيش التحرير النواة الأولى لقبائل زمور الباسلة مكونة من القادة: محمد بن الميلودي، جناح بنعشير، إدريس بن بوبكر، إدريس الحارثي وغيرهم ممن التحقوا في فترة لاحقة.

حين نال المغرب استقلاله، طلب من جيش التحرير الانصهار ضمن أسلاك القوات المسلحة الملكية، وتقول الروايات التاريخية إن اجتماعا قد عقد بمنزل المحجوبي أحرضان، الذي كان يشغل حينها منصب عامل على أحواز الرباط، وهو الاجتماع الذي حضره كذلك ولي العهد مولاي الحسن، بالإضافة إلى قادة جيش التحرير.

قال ولي العهد لقادة جيش التحرير إن مهمة جيش التحرير انتهت، وبلغهم رضاه، وتحمس الحاضرون لفكرة الإدماج، إلا أن فئة منهم رفضت وأكدت أن المهمة لم تنته بعد. وكان إدريس الحارثي من بين الرافضين الداعين إلى استمرار جيش التحرير في مهمته لتحرير جميع مناطق المغرب، لكن بعد ذلك سلم جيش التحرير السلاح، واندمج جزء منه في الجيش الملكي وبعضهم اندمج في الحياة العامة وصرف النظر عن الثكنات.

رفض أزيد من 180 عسكريا فكرة حل جيش التحرير وغالبيتهم من زمور، وتقرر أن يستمر هذا الجيش في مهمته من أجل تحرير الصحراء، ووجه ملتمس في الموضوع إلى الملك محمد الخامس، يتضمن الرغبة في متابعة النضال العسكري في المناطق الجنوبية، الأمر الذي استجاب له الملك. وتم إنشاء المركز الأول في إسني، ثم المركز الثاني في بويزكارن، والمركز الرئيسي في كلميم في سنة 1956. وفي هذه السنة تكون جيش التحرير في كلميم، وأصبح تحت قيادة بنحمو المسفيوي وبحضور فاعل لإدريس الحارثي.

بعدما انتهت مهام جيش التحرير التحق إدريس بالجيش النظامي المغربي، وخاض العديد من المعارك التي أبلى فيها البلاء الحسن، خاصة حرب الرمال ومعارك خارجية، قبل أن يعين رئيسا لكتيبة عسكرية بالسمارة قائدا على النقطة الأكثر تقدما في الصحراء.

عرف عنه إصراره على أن يكون في الخطوط الأمامية، وسجل اسمه بمداد الفخر في معركة السمارة يوم  6 أكتوبر 1979، حيث ظل يطارد فلول البوليساريو في الصحراء، بعدما فوجئت المدينة بهجوم كثيف قوامه حوالي 5000 مرتزق يمتطون 800 سيارة، بتعزيزات ضخمة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة وبالمدافع والقاذفات والصواريخ مزدوجة الفوهات المسلمة من الجيشين الجزائري والليبي.

أجمعت التقارير الإعلامية الفرنسية التي واكبت الموقعة، على قساوتها «كانت حامية الوطيس، ودامية من خلال الالتحام الجسدي، وتدخلت القوات الجوية الملكية في المعركة، وتوالت غارات طائرات «الميراج» النفاثة مسددة إلى صفوف العدو الضربات القاسية، وكانت شجاعة ربابنتها تتحدى صواريخ «سام»، وكانت رغبتهم في إصابة الأهداف بادية جلية».

لكن الكولونيل إدريس الحارثي لم يقنع بنصف انتصار، بل أصر على المطاردة، حيث اختار المرتزقة ظلام الليل لتنظيم انسحابهم، ورغم تخلص «السمارة» من براثن العدو، إلا أن الحارثي بدأ المطاردة طوال الليل، ما أدى إلى استشهاده وسقط في ساحة الشرف من جانبه 121 ما بين شهيد وجريح.

حمل جثمان إدريس الحارثي إلى الخميسات ليوارى الثرى في تربة قبائل زمور، في موكب جنائزي غير مسبوق، حيث بكاه كبار قادة الجيش المغربي، خاصة رفيق دربه الغجدامي. ورغم مرور عقود على هذه الملحمة فما زالت معركة السمارة، تدرس في مدارس التكوين العسكري.

الحسين مزريد.. الأمازيغي الذي أصبح بطل معركة بئر أنزران

لمع اسم الحسين مزريد ابن منطقة إيموزار مرموشة، في سماء البطولات داخل صفوف القوات المسلحة الملكية، حين كان قائدا لشبه القطاع بئر أنزران. خاض الرجل أهم معركة من معارك حرب الصحراء، ويتعلق الأمر بمعركة بئر أنزران أشهر معركة في تاريخ المواجهات مع البوليساريو، ليس فقط على مستوى الحصيلة الرقمية وعدد القتلى في صفوف العدو، بل أيضا في أهمية المعركة على المستوى الاستراتيجي، بل إن كسب المعركة يعني السيطرة على كامل التراب المشكل اليوم لقطاع وادي الذهب الكويرة وأوسرد، وعاصمته الداخلة، في يوم خروج الموريتانيين منها في 14 من غشت 1979.

حسب صحيفة «قوات الدفاع» المغربية، فإن المعركة استمرت 12 ساعة بين جنود ثكنة بئر أنزران وعددهم لم يتعد 300 جندي وبتسليح ضعيف، وقوات من المرتزقة قارب عددهم 3000، «رغم طلبات الإغاثة المتكررة لم تأت فرق الفيلق السادس للمشاة بقيادة الكولونيل الغجدامي، إلا بعد ساعات لإنهاء ما بدأ أسود بئر أنزران وعلى رأسهم الكوموندو مزريد، حيث قام وجنوده بعمليات بطولية يشهد لها التاريخ من أجل الدفاع عن هذا الجزء الغالي من الوطن، بل إن بعض جنوده كانوا يصدون رصاص المرتزقة لصدورهم لحماية المدنيين من سكان قرية بئر أنزران، والذين سيشكلون لاحقا نواة الحضارة في منطقة الداخلة المهجورة آنذاك».

كانت الحصيلة ثقيلة فقد استشهد 125 مغربيا، وقتل 500 من مرتزقة البوليساريو وتم تدمير أزيد من 60 عربة للعدو وأسر 1000 منهم، لكن الأهم هو استعادة هذه البقعة من الوطن. وقامت القيادة العليا بتوشيح صدور أبطال هذه المعركة، وترقية استثنائية لكل أفراد الجيش المشاركين في المعركة، وتمكن الرائد مزريد حينها من الحصول على رتبة «ليوتنون كولونيل». ثم أنهى سنوات خدمته بالقوات المسلحة الملكية برتبة «جنرال دو بريكاد»، وهو من الرجال الذين يفخر المغرب بهم لما قدموه للوطن والعرش من خدمات جليلة.

محمد الخر.. أول عسكري يدخل العيون بعد المسيرة

بدأ محمد الخر مساره المهني مقاتلا في صفوف جيش التحرير على غرار كثير من الأبطال، واشتهر بكونه بطل حرب الدشيرة التي خاضها جيش التحرير ضد الجيش الإسباني، في منتصف الخمسينيات. وفي عام 1961، بعد قرار حل جيش التحرير، سلم المقاتل الخر وأربعون من رجاله سلاحهم إلى الجيش الملكي، وأصبح منذ تلك الفترة ضابطا في الجيش برتبة ملازم أول.

منحه رؤساؤه الجدد تعيينا حتم عليه الانتقال إلى منطقة أبطيح حتى رأس الخنفرة، جنوب مدينة طانطان. قبل وفاته كان محمد الخر، الذي قضى معظم حياته على صهوة سيارة من نوع «لاندروفر» مقاتلا في الصحراء، ويقول لابنه حسن الخر: «لقد انتهت الحرب وبدأ موسم التنازلات».

خاض الرجل أعنف حروب الصحراء وأكثرها شراسة، عندما كانت وحداته العسكرية تجوب شعاب الصحراء تطارد فلول مقاتلي البوليساريو، أو تتدخل لمد العون وفك الحصار عن فيلق وقع في كمين نصبه له العدو.

عندما اندلعت حرب الرمال عام 1963، كانت وحدات محمد الخر في الصفوف الأمامية من جبهة القتال. انتهت تلك الحرب كما بدأت بدون منتصر ولا منهزم، وخرج الخر منها برتبة ملازم أول وعاد إلى مدينة طانطان ليتولى شغل منصب مدني هو «قائد ممتاز»، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى قرر الملك الراحل الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء في منتصف السبعينيات، «صدرت الأوامر إلى الخر وأمثاله من الضباط من أصول صحراوية للعودة إلى صفوف الجيش الملكي، وأسندت إلى الخر قيادة الكتيبة الثالثة للمسيرة الخضراء برتبة «عقيد»، وهذه الكتائب شكلها الملك الراحل من قدماء جيش التحرير وأبناء المناطق الصحراوية، ووضع على قياداتها ضباطا صحراويين أمثال أب الشيخ وبا علي، الذي اعتقلته القوات الإسبانية وسجنته في سجن بالداخلة، والحبيب حبوها والبشير مختار ولد الغيلاني»، حسب ما جاء في كتاب «رصاص في الصحراء»، للكاتب عيدي ولد البيه.

كانت كتيبة الخر المكونة من نحو 300 رجل أول كتيبة مغربية تدخل إلى الحوزة في 11 نونبر 1975، ويتذكر أحد الذين شاركوا إلى جانبه في دخول الحوزة في الساعة الخامسة صباحا، كيف أنهم وجدوا أن الجنود الإسبان الذين فاجأهم دخول قوات الخر دون أن يطلقوا رصاصة واحدة انسحبوا مفزوعين. وتتالت انتصارات الخر فزحف بقواته نحو السمارة والحكونية والدورة إلى أن وصل إلى العيون، فكانت كتيبته أول من دخلها، ويتذكر سائقه الذي لم يكن سوى شقيقه محمود الخر كيف أنهم وجدوا سكان المدينة مذعورين، بعدما انسحبت آخر القوات الإسبانية، فكان رجال الخر يطلبون من الناس الهدوء ويعدونهم بالسلم والأمان. وطوال سنوات السبعينيات وحتى نهاية خدمته العسكرية، كان الخر ووحداته التي كانت تحمل اسمه تجوب الصحراء طولا وعرضا لحراسة قوافل الإمداد العسكري والغذائي للمدن، التي أصبحت خاضعة للإدارة المغربية، ولمد العون ونجدة فيالق الجيش عندما تهاجمها فلول مقاتلي البوليساريو، إلى أن غادر مكرها كتيبته.

الحسن الثاني يهنئ «رامبو» الصحراء إدريس الحاجي

شارك إدريس الحاجي المزداد عام 1952 بوجدة، في معارك طاحنة بالصحراء المغربية من بينها معركة أخفنير والفارسية وأبطيح، والحوزة والمحبس. في رصيده المهني أزيد من 44 اشتباكا مع ميليشيات البوليساريو، وكان حينها ضابطا يجوب رمال الصحراء على سيارته العسكرية «جيب». يحكى أنه كان في الطريق نحو الثكنة، ففوجئ ببعض عناصر العدو وهي تباغته بكمين فأصيب زميله الرائد برصاصة ومات في الحين، مما جعل الحاجي يترجل من السيارة بسلاحه وسط العدو فيقاتل بنفسه، ليسقط عددا منها.

تفاجأ بعد ذلك باتصال الملك الحسن الثاني ليهنئه على شهامته وشجاعته، كان دائما في خطوط النار وكاد أن يدفع فاتورة إقدامه، وكان مشهورا بمقولته: «لي راجل فيكم يتبعني». كان جنوده يلقبونه بأسد الصحراء وعرف لدى رؤسائه بأخلاقه الحميدة.

بعد أن قضى مدة طويلة في الصحراء، انتقل إلى الشمال وتحديدا مدينة الفنيدق للعمل هناك، حيث وضع حدا للمهربين النشيطين بالمنطقة، كما سجل مواقف عديدة في وجه كبار البارونات، غالبا ما يحاولون الإيقاع به، فقد نجا من موت محقق في كثير من الأحيان، وكان لا يرضى بأن يكون في الصف الأخير، بل كان دائما في الصف الأول.

 كان يشعر بالحنين إلى الرمال، وفي جلساته لا يتردد في الحديث بنوستالجيا عن معارك الصحراء وعن رجال بللوا الرمال بدمائهم، إلا أن عاد بعد عشر سنوات إلى الصحراء، وتحديدا لمنطقة أقا التابعة إداريا لطاطا، ليقود الفوج 17 استنادا إلى تجربته الميدانية الطويلة.

لكن الرجل عانى كثيرا من المرض، وظل يقاومه كعدو قبل أن يلفظ أنفاسه في نهاية شهر أكتوبر 2007، بإحدى المصحات، تاركا وراءه تاريخا يستحق أن يدرس في المعاهد العسكرية.

الركيبي أمغير.. من جيش التحرير إلى حرب الرمال ومعارك الصحراء

اسمه الكامل أمغير الركيبي بن أحمد بابا، ولد سنة 1937 بجماعة لقصابي إقليم كلميم قبيلة أيت لحسن، وترعرع في هذه الربوع الصحراوية، التحق منذ بداية شبابه بصفوف الحركة الوطنية لمناهضة الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب، وقد تولد لديه الشعور بالروح الوطنية، مند نعومة أظافره، وكان هذا الإحساس هو الدافع الرئيسي الذي زج به وعدد كبير من أبناء قبيلته في معارك التصدي للاحتلال الغاشم. انخرط في صفوف المقاومة وأعضاء جيش التحرير وعمره 20 سنة، شارك وهو في بداية علاقته مع السلاح في معركة أيت باعمران سنة 1958 ضد الاستعمار الإسباني، كما شارك في معركة أم لعشار ومعركة اشت بفم الحصن ضد الاستعمار الفرنسي. قضى في صفوف جيش التحرير بالجنوب المغربي قرابة الأربع سنوات، قبل أن يحصل المغرب على استقلاله ويقرر إنشاء جيش نظامي تحت مسمى القوات المسلحة الملكية.  

 انخرط أمغير في صفوف القوات المسلحة الملكية سنة 1960، وشارك في ما يعرف بحرب الرمال ضد الجزائر سنة 1963 بمنطقة حاسي بيضا، وكان في الخطوط الأمامية، حيث لا يزال يذكر كيف أوقع بـ240 أسيرا جزائريا في موقعة قتل فيها حوالي 300 مجند جزائري. كما سجل حضورا لافتا في معارك عديدة ضد ميليشيات البوليساريو بالصحراء المغربية، نذكر منها: معركة أمغالا ومعركة تفاريتي ومعركة كلتة زمور ومعركة الحوزة ومعركة واد بن دكة نواحي السمارة، ثم معركة طانطان، معركة أبطيح، ومعركة الركيبيينو. حصل الرجل على عدة أوسمة ملكية من مختلف الأصناف آخرها بدرجة فارس، بعد أن قضى قرابة 45 سنة في الدفاع عن راية الوطن، وجاب كل شبر في الصحراء طولا وعرضا.

يعيش أمغير حياة التقاعد في هدوء، حيث يتعايش مع المرض الذي أنهك جسده، لكنه حرص على البقاء في الصحراء، وتحديدا بطانطان المدينة التي نسج معها علاقات راسخة وفيها أنجب أبناء يساهمون كل من موقعه في خدمة الوطن.

الجندي الذي أنهى حياته سياسيا في الصحراء

يعد الجندي مبارك أكو ولد علي ولد الحسين من أبرز أبطال المقاومة بالصحراء المغربية، ازداد سنة 1935 بأسا، وانخرط في جيش التحرير وخاض عدة معارك بطولية، التي سحق فيها الأعداء وأذاقهم فيها هزائم نكراء.

حمل السلاح وانخرط في صفوف القوات المسلحة الملكية وشارك في عدة معارك من بينها معركة لكرب، ومعركة رأس الخنفرة التي أصيب فيها إصابة خطيرة. ليتلقى العلاج بالمستشفى العسكري بالقنيطرة، وعلى إثرها غادر مكرها صفوف القوات المسلحة الملكية المغربية برتبة «كابورال شاف».

لم يغب عن المشهد الصحراوي، بل انتقل فقط من الضفة العسكرية إلى الضفة السياسية، حيث انتهى عضوا في المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في الفترة ما بين 1981- 2005، ودخل غمار السياسة أيضا حين انتخب عضوا للمجلس الجماعي لأسا، ثم عضوا في المجلس القروي للبيرات.

وشح من طرف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بوسام من درجة قائد، اعترافا منها بالخدمات الجليلة التي أسداها لهذا الوطن.

في الرابع من دجنبر 2017 توفي مبارك ولد علي ولد الحسين أكو، الذي كان يعتبر ذاكرة حية للمقاومة والمعارك الصحراوية، ولتاريخ قبائل أيت أوسى، مات وسط مطالب بحفظ ذاكرته الحبلى بالوقائع.


إقرأ أيضا