المغاربة وتوانسة... مد وجزر من الملك باي إلى قيس سعيد - تيلي ماروك

المغاربة - توانسة - مد وجزر - الملك باي - قيس سعيد المغاربة وتوانسة... مد وجزر من الملك باي إلى قيس سعيد

المغاربة وتوانسة... مد وجزر من الملك باي إلى قيس سعيد
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 21/10/2019

بين المغرب وتونس قواسم مشتركة عديدة، بدءا بالدين واللغة والثقافة والمجتمع والمجال، لكن العلاقات المغربية التونسية تجاوزت هذه الثوابت المشتركة إلى التاريخ والجغرافيا، خاصة وأن البلدين كانا تحت حماية واحتلال مستعمر واحد اسمه جمهورية فرنسا. لذا فإن الأحداث التي شهدها المغرب العربي، منذ فجر استقلال أقطاره الخمسة: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، ثم موريتانيا، تدعو للتوقف عندها وقياس درجة المد والجزر في هذه العلاقات التي لها جذور عميقة في تربة الوطن العربي.

لا يمكن اختزال العلاقات بين الرباط وتونس في التاريخ المعاصر، لأن عقبة بن نافع الفاتح جاء إلى المغرب من تونس، وموسى بن نصير جاء من تونس لفتح بلاد المغرب، في زمن لم تكن فيه حدود ولا نقط تفتيش ولا جمارك. ثم إن العلاقات وصلت حد المصاهرة التي تمت بين أبي حسن المريني، وأبي بكر الحفصي حين زوج أولا ابنته فاطمة الحفصية، ثم ثانيا أختها عزونة بعد وفاة فاطمة.

وأما العلاقات بين الدولة العلوية وتونس فلها هي الأخرى مظاهر عديدة، جعلت علاقات الأسرتين الحاكمتين في البلدين تتآزران في السراء والضراء، وما أن بزغ فجر الاستقلال حتى بادر الملك محمد الخامس إلى عقد لقاء تشاوري مع الحبيب بورقيبة، قاطعا شريط العلاقات بين البلدين. بعد خمسة أشهر رد الرئيس التونسي على الزيارة، وتم توقيع «معاهدة الأخوة والتضامن».

من زمن الملك التونسي الباي الحسيني إلى الرئيس الجديد قيس سعيد، ومن عهد محمد الخامس إلى محمد السادس، مرت مياه غزيرة تحت جسر العلاقات بين البلدين، لكن ظلت تونس حليفة للمغرب وأعرب المغرب عن وفائه لهذا العهد حتى في أصعب المراحل.

الحسن الثاني يمنح الجنسية المغربية لابن الملك المخلوع

في سنة 1957 أعلن الحبيب بورقيبة سقوط نظام محمد الأمين باي، ونصب نفسه رئيسا لتونس مع استبدال نظام الباي الحسيني بالنظام الجمهوري. كان أول قرار اتخذه الحبيب هو مصادرة أملاك محمد الأمين الذي كان حاكما لتونس، وطرد أبنائه من القصر، رغم أن بورقيبة كان مقربا من عائلة محمد الأمين باي.

عاش أبناء وحفدة آخر ملوك تونس محنة حقيقية، بعد أن لفظهم بورقيبة مباشرة بعد حصول تونس على استقلالها، في اعترافات يتحدث الطبيب شفيق عن رحلة بعض أفراد أسرة الملك المخلوع إلى المغرب. حيث حزمت العائلة حقائبها لتهاجر إلى شمال المغرب، هروبا من معاناة رهيبة دامت خمس سنوات، بدأت باعتقال الباي ومصادرة ممتلكاته، ثم الحجز على مصحة والده الدكتور محمد الشلي، وكان أشهر الأطباء الجراحين بتونس.

قال الدكتور شفيق الشلي، حفيد ملك تونس، في تصريح صحفي: «هربنا إلى المغرب بعد أن عاشت العائلة خمس سنوات كانت الأسوأ في تاريخها، وأعطانا الحسن الثاني الجنسية المغربية. كانت والدتي ليليا ترغب في الهجرة إلى بلد نظامه السياسي شبيه بتونس الملكية، فقررنا الهجرة إلى المملكة المغربية».

عاشت الأسرة في مسكن تابع لمستشفى سانية الرمل بتطوان، حيث كان الطبيب يشتغل في قسم الولادة، إذ قررت الأسرة طي صفحة الماضي والعمل من أجل تدبير عيش كريم بعيدا عن نظام بورقيبة.

في كتابها «نساء وذاكرة» تتحدث زكية باي، ابنة محمد الأمين باي، عن الظروف التي عاشها والدها آخر سنوات حياته، وكيف كان يرغب في مغادرة تونس نحو المغرب أو ليبيا أو تركيا، وعن اعتقاله وجنازته البئيسة، وكيف كان موقف الملك الحسن الثاني واضحا، حين رحب بأفراد الأسرة ومنح بعضهم الجنسية المغربية، متصديا لغضبة بورقيبة الذي أرسل موفدا عنه إلى الرباط لثني الملك عن قرار استضافة حفدة الباي دون جدوى.

موريتانيا.. أول غيمة قلق بين محمد الخامس وبورقيبة

بلغت العلاقات المغربية التونسية أقصى حالات التوتر مع مطلع الاستقلال، خاصة بعد المساندة القوية من طرف الحبيب بورقيبة لموريتانيا، وإصراره على رفض مقترح محمد الخامس بجعل شنقيط امتدادا للمملكة. غضب الملك من موقف الحبيب وأعلن القطيعة مع تونس، بالرغم من العلاقات التي كانت تربط ملوك المغرب برؤساء دولة تونس.

استأنف البلدان الاتصالات الرسمية، وكان أول لقاء بينهما بعد الاستقلال، من خلال زيارة قام بها الملك محمد الخامس إلى تونس في أكتوبر 1956، والتي رد عليها رئيس الدولة التونسية الحبيب بورقيبة بزيارة مماثلة إلى المغرب بعد خمسة أشهر، وتحديدا في مارس 1957. «في هاتين الزيارتين المتبادلتين تم الوصول إلى ما يعرف حاليا في تاريخ البلدين الدبلوماسي بمعاهدة الأخوة والتضامن»، كما جاء في مجلة «دعوة الحق».

لكن مع مرور الأيام تبين أن اتفاقية الأخوة والتضامن أضحت مجرد حبر على ورق، وأن المعاهدة ظلت حبيسة رفوف الحكومتين، قبل أن يرسل محمد الخامس ولي عهده مولاي الحسن، إلى تونس في مهمة يراد منها إحياء بنود الاتفاقية.

كانت زيارة الحسن الثاني إلى تونس بتاريخ أبريل 1959، والحسن الثاني يومئذ ولي للعهد. وتوبعت الاتصالات في مختلف المستويات، يدعمها التمثيل الدبلوماسي الذي كان الأداة الدائمة لقيام تفاهم حقيقي متبادل.

عاد الحسن الثاني مجددا إلى تونس لكن كملك للمغرب، وتحديدا بتاريخ 9 دجنبر 1964، وهي الزيارة التي أغضبت الجزائر ودفعت بن بلة إلى توقيع اتفاقية مماثلة مع مصر، نكاية في التقارب المغربي التونسي.  

الحسن الثاني يود شراء القصر الرئاسي بالمنستير لإهدائه لأسرة بورقيبة

على الرغم من التفاهم الذي سادها في كثير من المراحل، لكن أشد الأزمات في علاقات البلدين حصلت سنة 1960، حين قاد الحبيب بورقيبة حملة تدعو إلى انفصال موريتانيا عن المغرب، في الوقت الذي كان فيه الملك محمد الخامس رفقة شخصيات موريتانية ينادون باندماج تاريخي. لكن الخلاف لم يمنع بورقيبة من حضور جنازة الملك محمد الخامس سنة 1961. وهو ما ثمنه الحسن الثاني وأقسم أنه سيحمل نعش بورقيبة على كتفيه.

شاءت الأقدار أن يحصل انقلاب أبيض في تونس أطاح ببورقيبة، ووضع زين العابدين بن علي على كرسي الرئاسة، وفي أول قرار تم وضع الزعيم التونسي الحبيب في إقامة إجبارية بمدينة المنستير.

هدد الحبيب بورقيبة خلال فترة إقامته الجبرية بقصر مورناق بالانتحار، احتجاجا على الظروف القاسية التي عاشها في تلك الفترة بالذات بعلاقة مع ظروف إقامته في القصر الرئاسي، الذي أودعه فيه الرئيس السابق إثر الانقلاب عليه، يوم سابع نونبر 1987، بمحض تقرير طبي.

ولما تناهت إلى مسامع الحسن الثاني ظروف إقامة بورقيبة، والتي كانت أشبه بالسجن، عرض على بن علي شراء القصر الرئاسي بالمنستير ليهديه لبورقيبة، وهو الأمر الذي رفضه بن علي بشدة.

كان الحبيب بورقيبة الابن، هو من اشتكى للملك من سوء المعاملة التي تميز إقامة والده، وعبر له عن حالة الاستياء التي يعرفها أفراد أسرته جراء موقف بن علي وأتباعه، الذين سلبوا عائلة بورقيبة الكثير من ممتلكاتها.

ظل خيط الود بين الحسن الثاني والحبيب نجل بورقيبة قائما، خاصة وأنهما ظلا على تواصل حين كان هذا الأخير وزيرا للخارجية التونسية ووزيرا للعدل في عهد والده، وكان صديقا للحسن الثاني، الذي ظل يستدعيه إلى مناسبات، حيث كان حاضرا في الهجوم على قصر الصخيرات سنة 1971، حيث نجا بأعجوبة من الموت، قبل أن يعيش في آخر أيامه ما يشبه النفي الاضطراري، ويلفظ أنفاسه في باريس سنة 2009 بعد معاناة مع المرض، لكن وصيته أجبرت عائلته على دفنه في تونس، إلا أن نظام بن علي رفض الدفن في مقبرة العائلة بالمنستير وحول جثمانه إلى مقبرة بالمرسى.

بورقيبة يهدي مطربين مغاربة أوسمة الشرف

أعجب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بأغاني المغربي إبراهيم العلمي، فقرر توشيح صدره بوسام الجمهورية، وظل يردد أغانيه في حضرة الملك الحسن الثاني، ويؤكد بأنها أقرب إلى الوجدان التونسي. يقول رشيد العلمي، ابن الفنان الراحل إبراهيم، في حوار صحفي سابق، «إن علاقة والده بالملك الراحل الحسن الثاني، كانت قوية ومتينة، حيث كان يتردد كثيرا على القصر، ما مكنه من نسج علاقة مع الرئيس التونسي».

من جهته، قدم حميد الزاهر وأفراد فرقته أعمالا عديدة في تونس، وكان معروفا في الأوساط الفنية بمطرب البهجة، حيث إنه رافق الملك الراحل الحسن الثاني مرات عديدة في رحلاته إلى دول المغرب العربي، خاصة إلى تونس، التي كان مواظبا على تلبية دعوات رئيسها الراحل الحبيب بورقيبة، هذا الأخير كان من أشد المعجبين بأغاني حميد وأفراد الفرقة، بل كان يلح على سماع أغنية «لالة فاطمة»، ونال في حفل رسمي وسام الجمهورية من يد رئيس تونس، كما قدم أعماله في ليبيا بالرغم من التوتر الذي كانت تعيشه العلاقات المغربية الليبية. ولم يقتصر على تونس وليبيا، بل سجل حضوره في حفل فني أقامه الرئيس الجزائري الأسبق، هواري بومدين، على شرف مجموعة من الجنرلات والشخصيات.

حرم بورقيبة تستعين بحرفيين مغاربة لبناء قصرها

ولدت وسيلة في مدينة الكاف سنة 1912، لكنها لم تتابع مشوارها الدراسي، حيث زوجها والدها بأحد أثرياء المدينة ويدعى علي الشاذلي، بعد طلاقها تزوجت بالحبيب سنة 1962، الذي انفصل بدوره عن زوجته. قضت وسيلة ربع قرن في عصمة بورقيبة ونالت لقب «الماجدة»، قبل أن تنتهي العلاقة بطلاق بائن سنة 1986، حيث هاجرت وسيلة إلى باريس واستقرت في عاصمة الأنوار، لمدة سنتين.

نالت وسيلة شهرة واسعة في الوسط السياسي، وكانت وراء استوزار عدد من الوزراء والإطاحة ببعضهم، بل إنها كانت وراء تنصيب محمد مزالي وزيرا أول، فضلا عن دورها في السياسة الخارجية التونسية، وكانت تنوب عن الرئيس في مناقشة مجموعة من الملفات ليس فقط مع الفاعلين المحليين، بل حتى مع الزعماء العرب والأجانب.

حين شرعت وسيلة في بناء قصر بالمنستير، اتصلت بالملك الحسن الثاني ملتمسة منه مساعدتها على وضع اللمسة المغربية على القصر، فاستجاب الملك لطلبها ودعا وزارة الصناعة التقليدية إلى استنفار حرفيين من خيرة الصناع، قدموا بعد المعاينة تقريرا للحسن الثاني عبر الوزير والذي حاز موافقة وسيلة، خاصة أنها أصرت على أن يكون في مدخل بهو القصر مدرج فسيح يؤدي إلى قاعة جلوس مغربية التصميم، وهو ما قام به حرفيون مغاربة هم هدية من الملك الحسن الثاني، تعبيرا منه عن تقديره للزعيم الحبيب بورقيبة وإعجابه بفكره ونضاله.

في آخر أيامها تحت عصمة الرئيس التونسي خاضت وسيلة مفاوضات سياسية، في غشت 1985، على إثر الأزمة التونسية الليبية، حين طرد معمر القذافي آلاف العمال التونسيين من جماهيريته.

وتبعا لوساطات مغربية جرت مقابلة بين سفير تونس بباريس وسفير الجماهيرية الليبية في مكتب جامعة الدول العربية بالعاصمة الفرنسية، حيث تواجدت وسيلة في عين المكان وهي على اتصال مع موفد الملك، الذي أصر على تبني طلبات الحسن الثاني، داعيا ليبيا إلى أن تدفع للعمال التونسيين ما اغتصب منهم وأن يفرج عن أرصدتهم المجمدة بالبنوك الليبية.

منصف المرزوقي رئيس تونسي في جلباب مغربي

في أكثر من حديث صحفي يصر منصف المرزوقي على ذكر المغرب كبلد لجوء لوالده محمد المنصف المرزوقي، ويشيد بموقف ملوكه الثلاثة في مساعدته، حين كان مطلوبا من النظام التونسي باعتباره معارضا، «هناك حالات مشهورة في طلبات التسليم التي تخص تونس، نذكر منها رفض الجزائر تسليم تونس الوزير الأول الأسبق محمد مزالي، ورفض بورقيبة تسليم الرائد الليبي عمر المحيشي إلى القذافي، ورفض الحسن الثاني تسليم محمد البدوي المرزوقي (والد منصف المرزوقي) إلى بورقيبة».  

في كثير من الصور ظهر والد الرئيس التونسي الأسبق إلى جانب محمد الخامس وبعده الحسن الثاني، قبل أن يدفن جثمانه بمدينة مراكش، في المقبرة نفسها التي دفنت فيها شقيقته، والتي يحرص على زيارتهما كلما حل بالمغرب.

وشح الملك محمد السادس صديقه المرزوقي بالوسام المحمدي، ولم تنقطع صلة منصف بالمغرب الذي يعتبره بلده الثاني، ففي آخر زيارته حرص على الوقوف بإجلال وخشوع أمام قبر المغفور لهما الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني، كما فعل حين كان رئيسا للجمهورية التونسية، حيث لا تكتمل زيارته إلى المغرب إلا بقراءة الفاتحة مع الوفد المرافق له على روحي الملكين الراحلين، قبل أن يدون كلمة بالدفتر الذهبي للضريحين. كما حرص على عقد اجتماعات دورية مع السفير التونسي في المغرب للتباحث في شأن الجالية التونسية في المغرب، ولا تكتمل الرحلة إلا بالسفر الى مدينة مراكش لزيارة ضريح والده المرحوم محمد المرزوقي وشقيقته بمقبرة باب دكالة.

وزير الداخلية التونسي يقنع الحسن الثاني بوقف الزحف نحو تندوف

بدأت أولى خيوط علاقة الطاهر بلخوجة بالمغرب، حين عينه الحبيب بورقيبة سفيرا لتونس في نواكشوط، مما أغضب الملك الحسن الثاني، الذي لم يكن قد اعترف حينها باستقلال موريتانيا عن المغرب. لكن الطاهر حل بالرباط موفدا من بورقيبة وسلم إلى الملك المغربي دعوة لحضور جلسة مصالحة في تونس سنة 1964، تجمع الملك المغربي برئيس موريتانيا في قصر بورقيبة، على هامش احتفال تونس بإجلاء القوات الفرنسية من مدينة بنزرت التونسية، كما دعاه لحضور مؤتمر دول عدم الانحياز في القاهرة، والذي سيكون فرصة لترتيب موعد لقاء تونس.

قال الملك لبلخوجة: «قل لبورقيبة إن دعوة حضور مؤتمر دول عدم الانحياز ستأتي من مصر، البلد المحتضن، وليس من تونس الضيف»، دون أن يترك لبلخوجة فرصة تبرير دواعي إصرار الحبيب على تواجد الحسن الثاني في القاهرة قبل تونس.

«كان الحبيب بورقيبة الزعيم العربي الوحيد الذي تحمس لانفصال موريتانيا عن المغرب، وعمل على ذلك رفقة الجنرال دوغول، كما ساعدها في ولوج منظمة الأمم المتحدة، ثم جامعة الدول العربية عام 1974، كما أن وزير داخليته الطاهر بلخوجة، قام بدور مشبوه في قضية الصحراء، حيث كان وراء إقناع الملك الراحل الحسن الثاني بإيقاف زحف جيشه بعد المواجهات الأولى بأمغالا، عندما كانت القوات المغربية عازمة على التقدم إلى غاية تندوف، بينما قال بلخوجة للحسن الثاني إن بورقيبة يطلب منه توقيف العمليات، فاعتقد الملك أن الأمر يتعلق بإشارة فرنسية أمريكية من أجل حل المشكل، لتستفيد الجزائر والبوليساريو من تلك الفترة التي توقف فيها الهجوم المغربي»، حسب رواية الباحث السياسي عبد الرحمان مكاوي.

عمل بلخوجة على التقليل من وقع وأهمية المسيرة الخضراء، وقال إن معمر القذافي هو الذي فكر واستنبط المسيرة الخضراء، «كانت ستمشي من طرابلس إلى القاهرة حتى تفرض الوحدة على السادات، وجاء الليبيون وبعض المصريين إلى الحدود التونسية لتنفيذ مسيرة لم تتم».  

كشف الطاهر بلخوجة، وزير الداخلية التونسي الأسبق، في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، لأول مرة أنه هو من كان وراء إبعاد زين العابدين بن علي، مسؤول الأمن العسكري في تونس، إلى المغرب وتعيينه ملحقا عسكريا في السفارة التونسية بالرباط، منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي.

الباجي قائد السبسي قائدا للكشفية في مخيم إفران

ظهرت الحركة الكشفية في المغرب منذ سنة 1932، عن طريق تأسيس فرع منظمات الكشفية الفرنسية، لكن سرعان ما استوعب المغاربة الفكرة وشرعوا في توسيع نطاقها، قبل أن يطالب شباب الحركة بتأسيس كيان جمعوي بديل، عبر ملتمس في الموضوع وجهه وطنيون إلى محمد الخامس في 30 دجنبر سنة 1936، وافق الملك على تسمية الفرقة الكشفية باسم ابنه ولي العهد الحسن الثاني، ويعتبر ذلك بمثابة الانطلاق الرسمي للكشفية الحسنية المغربية. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث تأسست منظمة الكشافة الإسلامية، بعد عشر سنوات.

بداية هذه الانطلاقة المباركة يوم 9 يناير 1934، وهو تاريخ الظهير الشريف الذي أصدره جلالة محمد الخامس بتنصيب سمو ولي عهده الحسن رئيسا شرفيا للكشفية الحسنية التي حملت اسمه، وحظيت برعايته.

بعد الحصول على الاستقلال، تدخل الملك محمد الخامس من أجل تكوين الجامعة الوطنية للكشفية المغربية، كما احتضن المغرب سنة 1959 تجمعا للكشافة على المستوى المغاربي بمدينة إفران، جمع أقطاب الكشفية في المغرب والجزائر وتونس ثم ليبيا، وكان من بين ممثلي الكشفية الحسنية شاب يدعى محمد بن حسونة الباجي قائد السبسي، الذي أصبح في ما بعد رئيسا للجمهورية التونسية.

استقبل الأمير مولاي الحسن، الرئيس الشرفي للكشافة، الضيوف المغاربيين، كما رفع الملتقى برقيات إلى ملك المغرب ورئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ولرئيس الجمهورية التونسية يحييهم ويبشرهم بتوحيد المناهج الكشفية في بلدان المغرب العربي، ويعبر عن أمله في تحرير الجزائر.

أسدى الحسن الثاني للكشفية الحسنية أجل الخدمات، وقدم لها ما يساعدها في القيام برسالتها، من أجل ذلك قرر المكتب الكشفي العالمي منحه عام 1963، لقب الرئيس الشرفي للمجلس الأعلى للحركة الكشفية العالمية، الذي يضم ملوك ورؤساء الدول المنخرطة، وتم ذلك بواسطة مبعوث خاص حظي بمقابلة جلالته بالرباط لهذه الغاية، بل إنه منح إذنه بتنصيب ولي عهده سيدي محمد يوم 7 أبريل 1968 شبلا أعظما.  بعد عشرين سنة، وجه الملك الحسن الثاني يوم 26 ماي 1988، وهو يفتتح أشغال المجلس الأعلى للماء، نداءه التاريخي إلى شباب هذه الأمة، ليلفت انتباههم إلى أهمية الحركة الكشفية فقال: «أدعوكم لاستلهام روح وفلسفة ومتعة التربية الكشفية، فنحن الذين أدركنا حقيقة قيمة التربية الكشفية، وعرفنا مصالحها وما في طياتها من نعم، نتأسف عميق الأسف لكون أبنائنا وحفدتنا لا يعرفونها وربما لن يعرفوها».

حكاية «مبرة محمد الخامس» زارها الملوك الثلاثة

يعود تاريخ تأسيس «مبرة محمد الخامس» لما قبل سنة 1956، لكن تسميتها ترجع لأول زيارة قام بها الملك محمد الخامس إلى تونس، حيث تقرر أن تكون هذه المؤسسة، التي تقع في حي «مونفلوري»، أحد الأحياء الراقية القديمة جنوب تونس العاصمة، فضاء للمبادرات الاجتماعية بين أفراد الجالية المغربية.

تفضل الملك محمد الخامس، بمناسبة زيارته التاريخية إلى تونس، رفقة ولي عهده آنذاك الحسن الثاني، بإطلاق اسمه على هذه المؤسسة التي كانت تحتضن وقتها جمعية للجالية المغربية المقيمة بتونس، والتي خصص أفرادها استقبالا حارا يليق بمقام ومكانة بطل التحرير والاستقلال.

قال الملك إن «المبرة» تعني الفضاء الأمثل للبر والإحسان، وقال للأميرة لالة عائشة التي كانت تستعد لرئاسة التعاون الوطني، إن هذه المؤسسة ستكون تابعة لقطاعكم الاجتماعي، وفعلا تم تخصيص منحة سنوية للمبرة.

تأسست الجمعية الخيرية لمبرة محمد الخامس مباشرة بعد الزيارة الملكية، وحسب الحسين بن الحاج علي المزوضي، وهو مغربي مزداد بتونس، في حوار مع «لاماب»، فإن الملك الذي أصبغ عطفه ورضاه على رعاياه بالديار التونسية وقدم لجمعيتهم هبة ملكية كريمة، وأعطى موافقته الكريمة بأن تحمل الجمعية اسم «مبرة محمد الخامس»، تيمنا بجلالته واعتبارا لما تنطوي كلمة «مبرة» من معاني نبيلة في مجال البر والإحسان.

في سنة 1964، زار الملك الحسن الثاني «مبرة محمد الخامس»، حيث أصدر تعليماته بالاهتمام بها وإعادة بنائها، لكن المؤسسة طالها الإهمال وأغلقت أبوابها لمدة طويلة، حتى أصبح سؤال توقفها حاضرا في جلسات الأسئلة البرلمانية. ما دفع بمحمد السادس، وهو ولي للعهد، إلى القيام بزيارة إلى المبرة، في شهر غشت سنة 1987، حيث التقى بأعضاء الجالية المغربية بالديار التونسية، وقال إن المؤسسة يجب أن تلعب دور الحاضن للجالية المغربية المقيمة في تونس.

لكن جدلا واسعا دار حول المبرة وصل إلى المحققين، بعد أن تبادل نجيب الزروالي، سفير المغرب في تونس سابقا، مع أفراد الجمعية المغربية الخيرية لمبرة محمد الخامس، الاتهامات في شأن تدبير ملف إصلاح المؤسسة، وصلت إلى القضاء، خاصة بعد أن لجأ السفير إلى المقاول المغربي أحمد الجامعي، الذي تفضل بتخصيص مبلغ مالي يقدر بتسع ملايين درهم لإعادة ترميم واستصلاح المبرة، بإشراف من السفارة وتنسيق مع مهندسين معماريين.

فتحت وزارة الخارجية المغربية تحقيقا في القضية، كما فتح ملف الهبة المالية في وزارة شؤون الجالية المغربية، ونظم أفراد الجمعية الخيرية وقفة احتجاجية أمام السفارة وصل صداها إلى الرباط.

مهاجر تونسي يؤسس الوداد ويدرب الرجاء

رغم ولادة محمد بلحسن العفاني التونسي بتونس سنة 1900، ورغم قضاء مرحلة الطفولة بتونس رفقة أسرته الصغيرة، حيث كان والده يمتهن التجارة، وهذا سر لقب «التونسي» الذي لازمه. إلا أنه من محاسن الصدف أن يقرر الأب الاستقرار بالمغرب، حيث عاش بين المدينة القديمة للدار البيضاء ومنطقة إيسافن ضواحي تارودانت.

كان الفتى محمد طالبا ولاعبا لكرة القدم، لكنه كان الابن الوحيد للتونسي، حيث اختزل اهتماماته في الكرة والدراسة، فظهرت مواهبه في الملعب وعلى طاولة الدرس، فيما كان والده يحاول توريثه التجارة وإدارة الأعمال، سيما بعد أن أصيب بمرض رئوي حتم عليه مغادرة الدار البيضاء والابتعاد عن المحيط الرطب، فاختار العودة إلى قرية إيسافن بتوصية من طبيب فرنسي، بينما ظل الابن في درب الدالية يواصل تعليمه وركضه خلف الكرة، ويقدم دروسا في محو الأمية تطوعا بمدرسة الضرباني بالمدينة العتيقة.

أصبح التونسي مسؤولا بنكيا وصحافيا ومسيرا ولاعبا ومدربا، وتحولت الكرة إلى ضرة حقيقية لزوجته، ولأن محمد بلحسن نادرا ما يتواجد في البيت، بل إنه أصبح مؤسسا ومدربا للوداد، قبل أن يعلن غضبه وينضم إلى الرجاء مدربا، لذا ظل "التونسي" في وجدان محبي الفريقين.


إقرأ أيضا