أمهات الوزراء ورجالات الدولة - تيلي ماروك

أمهات الوزراء - رجالات الدولة أمهات الوزراء ورجالات الدولة

أمهات الوزراء ورجالات الدولة
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 14/10/2019

التاريخ السياسي للمغرب شاهد على أسماء عديدة تقاسمت مناصفة كعكة السلطة، منها عائلات عاشت في كنف المسؤوليات الحكومية وماتت في كفن السلطة. بل إن عائلات ضاربة جذورها في عمق المخزن، وحولت المناصب السامية إلى إرث غير قابل للتفويت لشخص لا تربطه بها آصرة الدم.

حين نعيد قراءة التاريخ السياسي للمملكة الشريفة، سنقف على مفعول القرابة العائلية وقدرة مجموعة من الأسر على إنتاج وإعادة إنتاج العبور إلى ضفة الجاه والسلطة على صهوة القرابة العائلية، أسر تتوارث أبا عن جد أو أخا عن أخ الوجاهة السياسية. لكن للأمانة هناك وزراء صنعوا مجدهم بعرق الجبين، وشكلت آصرة الدم دفعة من الخلف وساهمت في الاصطفاف إلى جانب أصحاب القرار، ومنحتهم مناعة ضد دسائس الحقائب.

أنجبت العائلات الفاسية رجالات الدولة، وتشكل منذ حصول المغرب على الاستقلال، ما اصطلح عليه بـآل الفاسي، حيث تشابكت خيوط المصاهرة في محيط عائلي فتولدت عنها كائنات ركبت صهوة السلطة وأصبحت جزءا من منظومة المخزن، النماذج عديدة في فاس، لكن مع مرور الوقت خرج وزراء ومسؤولون من رحم أمهات خارج محيط فاس وتاونات ونواحيهما، وأصبحت المرأة البدوية «منتجة» لرجالات الدولة.

لكن أم المفارقات في هذا الملف، هي القرابة العابرة للحدود، إذ يمكن أن نجد وزيرا في المغرب يتقاسم الوزارة مع شقيقه في موريتانيا، أو في مخيمات الانفصاليين بتندوف، بل إن الامتدادات العائلية وصلت إلى الجزائر، حيث شغل مغاربة مناصب قيادية كما ركب جزائريون صهوة السلطة في حكومات مغربية متناثرة.

في هذا الملف نقربكم من أمهات ساهمن في الحياة السياسية للمملكة، نساء أنجبن رجالات المخزن وساهمن في بناء شخصية وزراء ومسؤولين من الوزن الثقيل، بعضهن مؤثرات في القرارات السياسية والبعض الآخر عشن في الظل.

مليكة الفاسي تزوجت وزير التعليم فأنجبت وزير السكنى

ولدت مليكة الفاسي سنة 1919 في أسرة علم ودين، فوالدها المهدي الفاسي كان قاضيا جاب كثيرا من مدن المملكة كفاس ومكناس والفقيه بن صالح وبرشيد، ولأنها ولدت في وسط ذكوري وكانت الفتاة الوحيدة في «دار القاضي»، فإن والدها أصر على إلحاقها بكتاب لتعليم القرآن الكريم كان مخصصا للفتيات، قبل أن تنتقل لاستكمال تعليمها على يد علماء الفقه من أصدقاء والدها، سيما حين أصبح الأب المهدي مديرا لجامعة القرويين بفاس.

تزوجت مليكة الفاسي في ريعان شبابها بمحمد الفاسي. مستقبل الزوج كان واعدا وتنبأت له العائلة بأكبر المناصب، أما زوجته مليكة فقد كان محكوما عليها أن تقف عند صفة زوجة الوزير، رغم أنها كانت تنشط سياسيا. فقبل أن يكون اسمها كامرأة من بين الأسماء التي طالبت باستقلال المغرب في وثيقة 11 يناير 1944 الشهيرة، وعمرها لم يكن يتجاوز 25 سنة. كانت لها ميولات سابقة نحو التعاطف مع حزب الاستقلال الذي كان ينتمي إليه أغلب أفراد العائلة، إن لم نقل كلهم.

قبل محمد الفاسي الارتباط بزوجة فيها بذور الزعامة، حيث كانت من المناضلات في  مجال النهوض بالمرأة المغربية، ولا تترك الفرصة تمر دون أن تطالب، عبر حزب الاستقلال، بإدماج الفتاة المغربية في الحياة العصرية، وناضلت أكثر من أجل السماح لها بمتابعة دراستها بجامعة القرويين في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. وهي الدفوعات التي عبرت عنها أيضا من خلال كتابات صحفية في كثير من المنابر، خاصة صحيفة «العلم»، ناهيك عن نضالها في محراب العمل الخيري حين ترأست بعض الجمعيات الخيرية.

انتقلت إلى مدينة الرباط للاستقرار رفقة زوجها وكان بيتها مكانا لعقد اجتماعات السياسيين، كانت مقربة من محمد الخامس وزوجته الأميرة عبلة، نظرا لمكانة زوجها محمد الفاسي الذي كان يشغل منصب مدير للمدرسة المولوية وأستاذ يلقن الأمراء والأميرات مبادئ الدين الإسلامي واللغات. حيث كان محمد الخامس يحرص على حضور دروسه. وأبرزت مليكة الفاسي في أحد حواراتها النادرة، بأن الإعلان عن وثيقة المطالبة بالاستقلال خلف ردود فعل قوية من طرف المستعمر الفرنسي الذي طارد أعضاء الحركة الوطنية، فاستشهد العديد ونفي علال الفاسي إلى الغابون، واعتقل زوجها محمد الفاسي وسجن رفاقه.

كانت تقف خلف زوجها عندما وصل إلى الوزارة أول مرة سنة 1956، عند تعيين أول حكومة مغربية. كان الجو العام وقتها مختنقا، خصوصا داخل بيوت آل الفاسي، لأنهم كانوا يريدون تمثيلية أكبر في أول حكومة مغربية. وبما أن مليكة الفاسي لم تكن بعيدة عن السياسة ولم تحصر نفسها في المطبخ شأن أغلب النساء المغربيات في تلك الفترة، فقد كانت مرتاحة نسبيا لأن زوجها اختير ليكون أول وزير للتعليم في تاريخ المغرب، على الرغم من أن أبناء عمومتها وإخوانها لم يظفروا جميعا بوزارات، وهو ما كان مخيبا لآمال الأسرة في البداية. لكن وصول محمد الفاسي إلى وزارة التعليم وبعدها إلى وزارة الثقافة، شكل انتعاشة حقيقية للوسط العائلي القريب.

أنجبت مليكة الفاسي أربعة أبناء، أولهم سعيد الفاسي، الذي سيصبح في ما بعد وزيرا للسكنى، ومعه ستنال مليكة الفاسي لقب «زوجة الوزير وأم الوزير»، والابن الثاني هو عبد الواحد على اسم جده، وسيصبح عضوا في الديوان الملكي، وستنجب ملكية الفاسي ابنتين أيضا، إحداهما أمينة الفاسي، التي ستصبح أستاذة جامعية.

رقية بنحيدة والدة وزيرين في حكومة متقلبة

كسرت عائلة بنهيمة الهيمنة الفاسية على المناصب الوزارية، وحجزت لنفسها مكانة في عالم الوجاهة السياسية، ومكنت أهل عبدة من الافتخار بوجودهم في دائرة القرار من خلال عائلة بنهيمة، بعد أن انطفأ ضوء السلطة عن المنطقة منذ رحيل القائد عيسى بنعمر.

ظلت عائلة بنهيمة حاضرة في تاريخ عبدة، فقد كان الأديب محمد بن القائد الطيب بنهيمة، وصيا على القضاء والحسبة بمدينة آسفي، كما كان ينوب عن والده في الحكم في عز الصراع مع القائد بنعمر إلى أن توفي في غشت 1884.

ظل بنهيمة الأب وزوجته رقية بنحيدة حريصين على تدريس الأبناء، إلى أن وقع اختيار الملك الراحل محمد الخامس على ابنهما الشاب العبدي محمد بنهيمة، وقرر دعمه ماليا بمنحة لاستكمال دراسته في الطب بجامعة نانسي، وأصدر قراره بتحمل القصر نفقات الرحلة الدراسية التي ضمت متفوقين آخرين في مجالات متعددة. كان الهدف من المبادرة، التي شملت عددا كبيرا من الطلبة المنحدرين من عائلات ميسورة، هو تكوين طاقات مغربية لتعويض الكفاءات الفرنسية والإسبانية التي كانت تستعد لمغادرة المغرب بعد الحصول على الاستقلال، علما أن حزب الاستقلال هو الذي تبنى هذه المبادرة وركب صهوتها.

لكن حين أنهى محمد بنهيمة دراسته الجامعية وعاد من نانسي وهو يفكر في مشروع فتح عيادة خصوصية لعلاج المسفيويين، تلقى خبر تعيينه وزيرا للأشغال العمومية، وذلك في صيف يونيو 1962، ضمن التشكيلة الحكومية التي ترأسها الملك الحسن الثاني. ولم يمض وقت طويل على توليه تلك المهمة، حتى أنيطت به مسؤولية التجارة والصناعة والملاحة التجارية، بل إن الصدف شاءت أن تجمعه داخل حكومة واحدة إلى جانب شقيقه أحمد الطيب بنهيمة، حين عين هذا الأخير وزيرا للخارجية، وهي الحكومة التي ترأسها الملك الحسن الثاني في يونيو 1965، بعد أقل من شهرين على إعلان حالة الاستثناء، عقب اندلاع ثورة الطلبة في الدار البيضاء.

في سنة 1967 عين محمد بنهيمة على رأس الحكومة، واستمرت ولايته على رأس الحكومة ثلاث سنوات، لتسند لطبيب جراح هو الدكتور أحمد العراقي، ويحال بنهيمة على وزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي بصفة وزير دولة، وفي سنة 1972 سيتقلد منصب وزير للداخلية في عز الأزمة، لكنه سيغادرها بعد سنة واحدة، ويصبح وزيرا مكلفا بالتعاون وتكوين الأطر.

غادر بنهيمة الحكومة مكرها بعدما اشتد عليه المرض، وتسلم شقيقه الطيبي المشعل وقاد المفاوضات العسيرة مع الإسبان، وواكب جميع تفاصيل المسيرة الخضراء. وخلافا لمحمد فقد كان الطيبي عاشقا للأضواء، حريصا على تنظيم اللقاءات الصحفية، وكان آل بنهيمة أقرب إلى حزب الاستقلال، وكان الطيبي دبلوماسيا أرستقراطيا بامتياز، بينما كان شقيقه محمد رجل ميدان، التقيا معا وافترقا في مشوار الطريق من آسفي إلى الرباط.

رجل آخر من رجالات عائلة بنهيمة، وهو الغالي بنهيمة أصغر أخويه سنا، ولد بآسفي وبها تابع دراسته الابتدائية، بعد ذلك رحل إلى فرنسا، حيث سيحصل على شهادة عليا في مجال العلوم السياسية، «تلقى عن والده السي الطيبي السلوكات الحسنة والأخلاق الفاضلة، كل هذه الصفات أهلته ليصبح من رجالات الدولة الكبار، حيث شغل عدة مناصب دبلوماسية سامية كسفير مفوض، ثم ما فتئ أن عين سفيرا في عدد من الدول، لينتهي به المطاف كممثل للمغرب في هيئة الأمم المتحدة»، حسب الباحث منير الفيلالي البصكري.

مريم ابنة الوزير الكباص وأم وزيرين وصديقة أم الملك

تعودت على دخول القصر الملكي منذ نعومة أظافرها، فهي ابنة وزير خلد في الوزارة، وهي أم عبد الكريم الخطيب وعبد الرحمان الذي شغل منصب وزير للداخلية، قبل أن تصبح صديقة لأمهات الملوك وزوجاتهم.

والدها محمد الكباص لم يكن مجرد وزير عادي ولا حتى مسؤول رفيع المستوى في الدولة العلوية، منذ أيام الحسن الأول وصولا إلى الحسن الثاني. هذه الفترة المديدة من السنوات، وطدت علاقة أسرة الكباص بالقصر.

نحن بصدد الحديث عن سيدة قوية، بالغة النفوذ. هي لا تنحدر من الأسرة الملكية ولا تربطها بها أي مصاهرة، لكنها ابنة واحد من أكثر خدام المخزن وفاء. بصيغة أخرى، هي ابنة الوزير محمد الكباص، الذي تقلب في مناصب سامية ووزارية عند ثلاثة ملوك، وتربطه بالقصر علاقة متينة منذ أواخر فترة الحسن الأول، لتبقى العلاقة وطيدة إلى آخر يوم في حياته.

تزوجت مريم الكباص من الخطيب، الذي كان ينحدر من أسرة معروفة بالجزائر، بدا واضحا منذ البداية أن هذه السيدة سيكون لها شأن عظيم. منذ رأت النور في العام 1895، وهي في كنف والدها الذي كان وقتها في قمة مجده المهني في دواليب المخزن. منصب الصدر الأعظم كان يوفر له امتيازات سيادية، داخل القصر وخارجه.

زوجها يتحدر من الجزائر، وكان على علاقة وطيدة مع المسؤولين المغاربة، نظرا للمهام المكتبية التي يزاولها. تعرف على محمد الكباص، وقرر أن يصاهره، لكن ابنة محمد الكباص، مريم، لم تكن كبقية النساء اللواتي تزوجن بالفاتحة، بل فرضت رأيها واشترطت أن ترى الرجل الذي خطبها من والدها قبل أن توافق، وهو ما حققه لها والدها، ليتم الزواج وفق الطقوس المرعية بعد أن وافقت على الزواج من الخطيب.

أصولها تجمع بين أكبر العائلات وأعرقها، وأكثرها قربا من القصر. وزواجها من الخطيب، مهد لتوطد كبير في القرابة العائلية التي ستكبر في ما بعد بين آل الكباص وآل بنسليمان (الأسرة التي ينحدر منها الجنرال بنسليمان)، وستصبح مريم الكباص في ما بعد الخيط الناظم في العلاقة بين الأسرتين، الكباص وبنسليمان.

مريم الكباص، أم لاسمين سياسيين معروفين. فابناها، عبد الكريم الخطيب، مؤسس حزب العدالة والتنمية، وعبد الرحمان الخطيب، الذي كان وزيرا للداخلية خلال الستينات، اسمان كافيان لتكون لهذه المرأة علاقة بالسياسة.

رغم أن عبد الرحمان الخطيب لم يعمر طويلا في وزارة الداخلية ولم يقترن اسمه بها كشأن أسماء أخرى، إلا أنه كان وزيرا للداخلية في فترة الستينات، التي شهدت تحولات سياسية كبرى، وكانت مريم حريصة على جمع شمل الأسرة في لقاءات منتظمة، ويروى أنها صفعت ابنها عبد الرحمان وهو في أوج انشغالاته بوزارة الداخلية وعجزه عن حضور مناسبة عائلية للأسرة الصغيرة، وأبدت له انزعاجها من الموضوع وعدم قبولها لأي عذر كيفما كان.

خديجة الفهري زوجة قاض وأم رجال دولة

ولد محمد الحبيب الفاسي الفهري، وهو قاض من الدرجة الممتازة، بمدينة الصويرة يوم 12 يناير 1932، وبدأ الراحل وهو والد رجال ونساء الدولة، الطيب وعلي الفاسي الفهري، على التوالي، دشن مساره المهني بوزارة العدل، حيث عين في يناير 1957 قاضيا بالمحكمة الإقليمية للدار البيضاء كما عين وكيلا للملك، وفي شتنبر 1964 أصبح مديرا لديوان وزارة العدل، ثم كاتبا عاما لهذه الوزارة. عين سفيرا فوق العادة ومفوضا للملك لدى جمهورية اليونان. وعند انتهاء مهمته الدبلوماسية، عاد إلى المغرب في أبريل 1986، ليعمل في المجلس الأعلى للقضاء رئيسا للغرفة.

وفي 19 يونيو 1990، عين محمد الحبيب الفاسي الفهري سفيرا فوق العادة، ومفوضا للملك لدى جمهورية النمسا، وممثلا دائما للمملكة المغربية لدى مكتب الأمم المتحدة في فيينا، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، كما جلس على كرسي القضاء في المحكمة الدولية للأمم المتحدة. وعلى امتداد هذه المهام الخارجية تحولت زوجته الحاجة خديجة إلى «رحالة»، قيل إن حقيبتها كانت جاهزة للأسفار.

ظلت خديجة بعيدة عن الأضواء تقضي وقتها في بيتها، رافضة طقوس العالم المخملي، ولم ينتبه إليها المغاربة إلا حين ورد اسمها في رسالة التعزية التي بعثها الملك محمد السادس في نونبر من عام 2008، إثر فقدان زوجها الحبيب الفاسي الفهري. حيث أعرب الملك لأرملة الفقيد الفاضلة الحاجة خديجة، عن حزنه لرحيل واحد من فقهاء القانون.

لم يكن الفاسي الفهري الأب بعيدا عن هوس السلطة، وبعد يومين فقط عن وفاته أصدر القصر الملكي قرارا يقضي بتعيين نجله، علي الفاسي الفهري، على رأس المكتب الوطني للكهرباء. لكن الطيب الفاسي الفهري، الشقيق البكر لعلي، هو الأكثر حضورا على المستوى الإعلامي، فقد كان يعد الرجل الأول في الدبلوماسية المغربية، ولم تتوقف شهية المناصب عند الطيب وعلي، بل امتدت إلى شقيقهما عثمان الذي أشرف على تسيير دواليب إحدى أكبر الشركات العمومية في المغرب، ويتعلق الأمر بشركة الطرق السيارة.

ظل علي الفاسي الفهري يشغل مهام الرجل الثاني في معظم المناصب التي تم تعيينه بها، حيث نصب في فبراير 1990 مديرا عاما لمركز تطوير الطاقات المتجددة.

تنحدر هذه العائلة المتخمة بالسلطة من فرع واحد، وكان لعلال الفاسي، مؤسس حزب الاستقلال، دور كبير في إشعاع هذه العائلة، قبل أن يتابع عباس الفاسي المهمة.

متصوفة موريتانية تلد وزيرا موريتانيا ورئيسا للبرلمان المغربي

بررت الباحثة الموريتانية، سكينة اصليب، وجود أشقاء على رأس مناصب المسؤولية في بلدين مختلفين بالامتدادات القبلية، وقالت في رصدها للظاهرة إن العائلات الموريتانية في المغرب والسينغال كانت لها أوضاع اعتبارية طريفة، «حيث كان بعض الأشقاء يحتلون مناصب سامية، كل منهم في دولة، في حين استفاد آخرون من جنسيتهم المزدوجة وتقلدوا مناصب هامة في بلدين مختلفين».

وتعد حالة رجل السياسة، الداي ولد سيدي بابا، خير مثال على هذه الازدواجية، فالرجل كان يشغل منصب رئيس للبرلمان المغربي، في حين كان شقيقه أحمد ولد سيدي بابا وزيرا للثقافة في حكومة الاستقلال الموريتانية، ومن المفارقات الغريبة أن الداي استقبل شقيقه أحمد في لقاءات رسمية بالرباط ونواكشوط، كل واحد منهما يمثل دولة، وحين انتهى بروتوكول الاستقبال قضى الشقيقان ليلتهما في كنف بيت العائلة

كان الداي ولد سيدي بابا ابن عم الرئيس الموريتاني الأسبق، معاوية ولد الطايع، وهو ما مكنه من تسلق أرقى المناصب في المغرب بعدما منحه الملك الحسن الثاني الجنسية المغربية، وترقى من مدير الديوان الملكي إلى سفير بالأمم المتحدة، ثم وزير للتعليم ورئيس لمجلس النواب المغربي لعدة سنوات. أما شقيقه أحمد ولد سيدي بابا فقد شغل عدة مناصب سامية في موريتانيا، من وزير في الحكومة إلى رئاسة حزب معارض. ومن الشخصيات التي لعبت دورين في بلدين مختلفين، نجد وزير الصحة الموريتاني، الشيخ ولد حرمة ولد بابانا، الذي كان عميدا للأطباء في المغرب وطبيبا مقربا من القصر، والدكتور محمد المختار ولد أباه الذي كان وزيرا موريتانيا، ثم انتقل ليصبح مديرا للإذاعة والتلفزيون المغربي وسفيرا للمغرب، في ما يشبه التمرد على الحدود.

ظلت والدة الداي فاطمة تتنقل بين أطار والرباط، ومن شدة ارتباط الوزيرين بها سيتصدر كتاب «الإنسان المعولم: واقع وآفاقه» لأحمد، إهداء خاص من المؤلف إلى والديه، اللذين قدما «كل في طاقتهما» لأجله، وإلى أخويه الكريمين: الداي، وسعد بوه. ويقع الكتاب في 176 صفحة، وطبع بمطابع «أبي رقراق» في العاصمة الرباط. وحظي بتقديم من الرئيس الموريتاني السابق، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي قال في تقديمه للكتاب، إن علاقته بالمؤلف عمرها حوالي ستين سنة، وإن الداي له علاقة وجدانية بجذوره.

بعد وفاة الداي ولد سيدي بابا، كرمه ابن عشيرته محمد الشيخ بيد الله، الرئيس السابق لمجلس المستشارين، وأطلق اسمه على إحدى القاعات بالمجلس، في محاولة لإعادة الاعتبار إلى أسرة هذا الرجل المتوفى سنة 1993، والذي كان شقيقه محمد ولد سيدي بابا يتولى، في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، منصبا وزاريا في حكومة الرئيس الموريتاني ولد داده.

زوجة القائد أبيبيط الكلاوي تلد صدرا أعظم وباشا تزوج أرملة شقيقه

ولد التهامي الكلاوي سنة 1879، بدار كلاوة بقصبة «تلوات» وما تعرف أيضا «بتلويت»، التي اتخذها والده محمد أبيبيط سنة 1870 مقرا لإقامته وشبه ثكنة عسكرية والتي تقع جهة درعة تافيلالت جنوب، كان جده أحمد المزواري الكلاوي يتولى منصب شيخ القبيلة، في أواخر القرن التاسع عشر، وكان ذلك بمثابة نجاح كبير للقبيلة عامة ولآل الكلاوي خاصة، وذلك ما كانت تخضع له القبيلة من خنوع وإذلال تحت سلطة قيادة «زمران» قبل توليه المنصب. كانت والدته تعيش حياتها في ظل والده أبيبيط، ولم يعرف أحد شيئا عنها إلى أن توفيت بعد رحيل والده سنة 1886 وهو لا يتجاوز الثامنة من عمره، فقام شقيقه الأكبر المدني الكلاوي بالتكفل به.

أصبح المدني الكلاوي يشغل مهمة الصدر الأعظم في بلاط السلطان مولاي عبد الحفيظ، قبل أن يقيله هذا الأخير في يوم الجمعة 26 ماي سنة 1911، ساعة قبل صلاة الجمعة، وهو القرار الذي أثر كثيرا على وضعه الصحي، قبل أن يستسلم للمرض، ثم مات من قساوة القرار.

فضل التهامي الزواج بأرملة شقيقه المدني مباشرة بعد انتهاء فترة الحداد، إيمانا منه بما اعتبره صيانة لموروث العائلة. يقول عبد الصادق إن والده قد أمن مستقبل النساء من زوجات وخدم وجواري ومن لهن الحق في إرث عائلة الكلاوي من خلال «وصايا تضمن لهن «العيش في مأمن من العوز وتمكينهن من الحياة الرفيهة التي عشنها في كنفه أثناء حياته، كان ذلك عملا عادلا، لأنهن وهبن حياتهن لخدمته بأمانة ووفاء وإخلاص».

وأضاف عبد الصادق الكلاوي في كتاب يرصد مسار والده التهامي الكلاوي، أن «الباشا تزوج أرملة شقيقه المدني الكلاوي، وكانت قد أنجبت من زوجها الأول ثلاثة أبناء، لهذا اختارت أن تقطن في سكن مستقل». ويضيف عبد الصادق أن ضوابط القصر كانت تفرض عليه الاستئذان للقاء أمه، بل إن أغلب اللقاءات تتم تحت مراقبة بوابات، ولا يسمح الباشا للأبناء بزيارة أمهم والمكوث معها إلا بعد أن يستقلوا في سكن خارج القصر، حينها يمكن للأم أن تقضي ليلة في ضيافة ابنها. 

ويستحضر الولد كيف تتأهب والدته لاستقبال السلطان في دار الباشا كلما حل بمدينة مراكش: «كانت أمي تحكي لي باستمرار عن تلك الأيام، حيث كان يسمح للنساء بالسلام على السلطان والعائلة الملكية، وكان معين إعجابها بتواضع جلالته وكرمه الذي لا ينضب، فقد كان يترك في كل زيارة في البيت ذكرى خالدة عن سمو مقامه وسماحته وكرم نفسه».

لكن غوستاف باباه في كتابه «صاحب السعادة» كشف عن الوجه الآخر لهذه الصفقة، وقال إنه بمجرد وفاة المدني الشقيق الأكبر سنة 1918، تحرك رجال التهامي ووضعوا اليد على كل ممتلكات ومدخرات الراحل، وقدم غوستاف تفاصيل دقيقة عن أملاك المدني التي أصبحت قبل انتهاء مراسيم التأبين في ملكية الباشا، مما أشعل نار الغضب في التهامي، فور صدور الكتاب، ودعا رجالاته إلى اقتناء كل النسخ، بل وحاول شراءها من مصدرها بأضعاف ثمنها. بل وقال لازمته الشهيرة: «مستعد لدفع وزن كل نسخة ذهبا». وهو ما استند إليه محمد ابن الفقيد المدني في دعواه القضائية ضد الباشا بعد وفاته.


إقرأ أيضا